|
معا ضد الاستبداد
زكي لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 1395 - 2005 / 12 / 10 - 11:25
المحور:
المجتمع المدني
كثيرا ما تحرجني زوجتي وترفع من ضغط دمي ، فعندما أكون في قمة انشغالاتي تقول لي أرجوك أوصلني بيت صديقتي ، وفي بعض الأحيان (اقصد كثير من الأحيان) أكون أنا سائقها الخاص لحضور المناسبات النسائية التقليدية بطبيعة الحال من زواج وحفلة خطوبة وزيارة الأهل والصديقات ، بل حتى عندما تشتهي وجبة من المطعم لا بد أن أكون أنا من يحضرها ، أقول لها لماذا كل شي أنا؟ اولست إنسان مثلي؟ اذهبي أنت للمطعم واشتري وجبتك المفضلة ثم عودي ! تجيبني بصراحة وواقعية " أنا لا استطيع قيادة السيارة ولا يمكنني دخول المطعم فضلا عن تناول الطعام بداخله " !! اذكر أن احد الأصدقاء استشاط غضبا واخذ يلعن الظلام الدامس الذي نعيش فيه جميعا من دون استثناء فعندما ذهبت زوجته إلى الرياض لاستلام شهادتها عادة بخفي حنين والسبب أن إدارة الجامعة رفضت تسليمها الشهادة دون أن تقدم خطاب موافقة من زوجها موثقة من جهة عمله يفيد بعدم ممانعته من سحب الشهادة رغم أنها مستبعدة من الدراسة بقرار إداري !! إن المرأة في حياتنا الاجتماعية المعاصرة إنسانة محطمة بكل المقاييس والمعايير فهي إنسانة تحت الوصاية ومن الدرجة الثانية ولا تملك من أمر نفسها شيئا وكل ذلك بمبررات دينية وقيمية تجدب بشعاراتها العاطفية العديد من شرائح المجتمع المغلوب على أمره . في الانتخابات الأخيرة للغرفة التجارية بجده أصدرت مجموعة من رجال الدين فتوى تحرم مشاركة وانتخاب المرأة لمجلس الغرفة ، لا اعلم إذا كان لهذه الفتوى اثر في سير الانتخابات إلا أن انتخابات الجمعية الوطنية العراقية الأخيرة كان للمرجعية الدينية الشيعية دورا فاعلا فلمجرد تزكية مرجعية السيد السيستاني لما أطلق عليه"ائتلاف الشمعة" كان كافيا لنيلها نصف الأصوات، لماذا لا بد من هيمنة الرمز ؟ لماذا نحن مجتمعات بطريركية بالمطلق؟ لا وجود في نظامنا السياسي والاقتصادي للمؤسسة الشعبية، دولنا تسير كالإبل في الصحراء، ننتظر المصلح الذي سوف سيأخذنا إلى المستقبل المشرق، في الولايات المتحدة عندما القي كلينتون كلمته الأخيرة قال "أنا افتخر لكوني سأعود مواطنا أمريكيا عاديا" فلننظر أمريكا فكل عشر سنوات على الأكثر يتغير رئيسها بالانتخاب بينما في البلاد العربية يبقى" طويل العمر" إلى أن تخرج روحه من جسده ، هيمنة الرمز طاغية لدينا ، سواء كان رمزا سياسيا أو اجتماعيا أو دينيا، في مجتمعاتنا الدينية التقليدية كل أمر من شئون الفرد والمجتمع لا بد أن يخضع لصاحب الفضيلة !! عندما يريد أن يتزوج احدنا لا بد من استشارة رجل الدين، بل لا بد أن يجري عقد الزواج ويتممه صاحب الفضيلة، حقوقنا الشرعية من زكاة وخمس وكفارات يحصدها رجل الدين، حتى عندما يريد الشاب الدخول بزوجته يستشير رجل الدين!! كافة مناهل النشاط الاجتماعي لا بد أن تزكى من قبل أصحاب الفضيلة وإلا فلا قيمة لعمل الفرد والجماعة دون أن تكون مباركة من سماحتهم !! أعود للعراق فلننظر جميعا الائتلاف العراقي الموحد لولا مباركته من قبل رجال الدين وعلى رأسهم السيد السيستاني لما كان له أن يحصل على هذه النسبة المرتفعة من الصوت، في السعودية كان لرجال الدين الدور البارز في الانتخابات البلدية الجزئية قبل عام ، لماذا يجب أن نكون خاضعين دائما؟ لماذا لسنا أحرار؟ النساء خاضعات للرجال، والرجال بدورهم يعيشون نظام استعباديا مقيتا، ذلك أن الاستبداد والقهر ليسوا سوى حلقة أخطبوطية لعينة، فعندما أمارس أنا الاستبداد ضد زوجتي لا بد أن هناك من يمارسه ضدي ، وزوجتي بدورها تمارسه ضد أطفالها باعتبارها المخلوقات الوحيدة القادرة على ممارسة السلطة ضدها، والأطفال بدورهم سيمارسونه ضد بعضهم البعض ، لا يمكن أن تكون هناك حرية حقيقة في المحيط الإنساني في جانب دون آخر،فعندما نعاني من استبداد سياسي فهذا يعني إننا نعاني من استبداد اجتماعي واقتصادي وديني ، يقول النبي الكريم"ص" كيفما تكونوا يولى عليكم " وهكذا نحن في بلادنا، دول الغرب ليست سوى دول مؤسسات ، لا يعني الحزب الحاكم أو شخص الرئيس شيئا كبيرا، إذ انه سرعان ما ستنتهي فترة رئاسته ليغدوا موطنا مثل غيره ، هذا الرئيس عندما يصبح موطنا عاديا هل سيفقد يا ترى حقوقه كانسان ومواطن،؟ بالطبع لا، سيبقى متمتعا بحريته الإنسانية والوطنية في ظل دستور يوفر له مناخا للحركة والنشاط بحيث تصبح السلطة مجرد وظيفة مدنية ليس إلا والوصول إليها مجرد طموح شخصي ، أما امتيازات السلطة من الحرية والنفوذ والشهرة فمن الممكن الحصول عليها حتى في كون المرء خارج دائرة مؤسسات السلطة، أما في بلادنا فان مجرد وصول احدنا لمنصب بسيط في دائرة حكومية يحوله إلى شخص متعالي على الآخرين ويفتح أمامه بابا لانجاز أموره الشخصية بيسر وسهولة ، إنها مفارقة حضارية دون شك ، في الغرب يستطيع المرء أن يصنع حتى "طائرة " في بيته وليس أمامه سوى تسجيها في دائرة الطيران ليتمكن من التحليق بعيدا في السماء!! يا للهول، للكارثة، التي نعيشها في بلادنا العربية!!!!!!!! نصف المجتمع في العربية السعودية ممنوع من قيادة وسائل المواصلات الخاصة بدعاوى دينية ، كل شي في هذه البلاد ممنوع ، لا سيرك ،لا سينما ،لا مسرح، لا نشاطات ثقافية ولا ندوات فكرية، لماذا نحن ممنوعون من كل شي ؟؟ لماذا نخشى التغيير والتجديد، لماذا نرفض الانفتاح والتطوير ؟؟؟؟ لما كل هذا الاستبداد باسم الدين والله والقران والنبي(ص) ؟ عند الشيعة الأمامية أصل الحاكمية لله ثم للنبي(ص) ثم للائمة (ع) ثم للمرجعيات الدينية، باعتبارها نائبة عن الإمام المنتظر الغائب، أين مجتمع المؤسسات؟ أين الحرية وحقوق الإنسان؟ لا شي ، أفق مظلم ، ظلام يعم حياتنا ليحولها إلى ليل دائم ، يدفع عامة الشيعة أموال خمسهم برضا وقناعة لوكلاء المرجعيات الدينية، أين تذهب هذه الأموال؟ لا احد يسأل ، وليس من حق احد أن يسال، فهي ملك لله وقد أوكلها إلى نائبه الحجة والذي بدوره أوكلها للمراجع العظام !!! إلى يومنا هذا أتذكر بعض أحداث حرب الخليج الثانية في عام 1991م ، استفتاءات هنا وهناك في الغرب عن رأي شعوبه في الحرب القادمة في الخليج، ولكن أين رأي شعوبنا في العراق والخليج وعموم الوطن العربي؟ ليس لها رأي وليس من حقها أن تبدي رأي أو أن يكون لها موقفا مغايرا لحكوماتها ، عندما ترفع حكومة ما أسعار الخدمات ، ليس للشعب سوى الصمت أو التذمر المجنون كما حصل في اليمن مؤخرا، أما سبل التغيير السلمي عبر مؤسسات الدولة الدستورية والقانونية فليس لها وجود حقيقي والسبب " شيوع الاستبداد وضمور الحرية " عندما يقوم فرد ما بنشاط ما أو يبدي رأيا سرعان ما يقابل بالتنقيص والاستهزاء ، من تكون آنت؟ هل آنت رجل دين؟ هل آنت صاحب سلطة؟ هل تمتلك رصيد معتبرا في البنك؟ إذن أنت لا شي وليس من حقك شي !! المجتمع المهمش يهمش ذاته كنتيجة حتمية للاستبداد، أتذكر في إحدى دول أوربا التي زارها الرئيس الأمريكي "بوش" أجرت إحدى القنوات الفضائية هناك لقاء قصيرا مع فتاة لم تبلغ الثامنة عشر خرجت تتظاهر ضد سياسات أمريكا قائلة" لقد جئت اليوم لأقول للسيد بوش نحن هنا، نحن نعارضك!! ، ثم حملت لافتات إعلانية تندد بأمريكا استعدادا للمظاهرة، إنها نفس الفتاة التي نستنقصها ونعتبر أن مجرد ذكر اسمها عارا علينا !! أتذكر انه في إحدى المظاهرات المنددة بحرب الخليج الأخيرة قالت فتاة أمريكية "إنني اتسائل كيف يتولى أمر أمريكا رجل محدود الذكاء كبوش؟! هل يجرؤ احدنا على انتقاد رئيسه في العمل؟؟ أم أن النفاق والتملق هو سيد الموقف في حياتنا المهنية فضلا عن الاجتماعية والسياسية والدينية ؟ في عام 1991 جاء للدفاع عن دول الخليج؟ الأمريكيين والغربيين عموما، أليس كذلك؟ وكان من ضمنهم نساء!! نساء دافعوا عنا نحن المجتمعات الأشد ذكورية والأكثر امتهانا للمرأة في القرن الحادي والعشرين، ألا نشعر بالعار لذلك؟ فلنعمل معا من اجل غدا أفضل، بعيدا عن الاستبداد والقهر،عل ضياء الحرية يشرق علينا ليملى قلوبنا وعقولنا بالنور.
#زكي_لطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انقدني يا بوش
-
لماذا تقبل المراة الشيعية على الكتب الروحية؟
-
شعب حر ومجتمع سعيد 2
-
الى الحرية يا نساء بلادي
-
المراة السعودية بين سيمفونية العذاب ولذة الاستعباد
-
شعب حر ومجتمع سعيد! 1
-
فلتبقينه عانسات !
-
اسرقوها صاغرين !
-
الزواج المؤقت بين الفقه والقانون
-
المراة السعودية انسان ام مخلوق اخر
-
قيم الحرية والديمقراطية في المجتمعات الدينية
المزيد.....
-
بين فرح وصدمة.. شاهد ما قاله فلسطينيون وإسرائيليون عن مذكرات
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بحرب الإبادة في غزة ولبن
...
-
2024 يشهد أكبر خسارة في تاريخ الإغاثة الإنسانية: 281 قتيلا و
...
-
خبراء: الجنائية الدولية لديها مذكرة اعتقال سرية لشخصيات إسرا
...
-
القيادي في حماس خليل الحية: لماذا يجب علينا إعادة الأسرى في
...
-
شاهد.. حصيلة قتلى موظفي الإغاثة بعام 2024 وأغلبهم بغزة
-
السفير عمرو حلمي يكتب: المحكمة الجنائية الدولية وتحديات اعتق
...
-
-بحوادث متفرقة-.. الداخلية السعودية تعلن اعتقال 7 أشخاص من 4
...
-
فنلندا تعيد استقبال اللاجئين لعام 2025 بعد اتهامات بالتمييز
...
-
عشرات آلاف اليمنيين يتظاهرون تنديدا بالعدوان على غزة ولبنان
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|