|
العلمانية هي الحل
محمد بحكان
الحوار المتمدن-العدد: 5178 - 2016 / 5 / 30 - 19:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
ظهرت العلمانية كنمط اجتماعي، في اوروبا في التاريخ المعاصر، لكبح سلطة رجال الدين في السياسة و الحكم، و هو ما تؤول اليه جل التعاريف التي اعطيت لهذا المصطلح في علم السياسة، اذ يمكن اختصاره عموما في فصل السلطة السياسية عن سلطة رجال الدين، و من خلال هذا التعريف يكون تبني هذا النمط الاجتماعي قد منع الدولة من ارغام اي احد على اعتناق معتقد او دين معين. ان الحديث عن العلمانية، خاصة في مجتمعات مثل المجتمعات "الاسلامية" مهم جدا في المرحلة الحالية، حيث يمكن الجزم ان الحل الناجع لما يجري من تطاحن عقائدي و مذهبي في بعض الدول، و ما تشهده دول اخرى من الخلط بين السلطة السياسية و السلطة الدينية، كالمغرب مثلا، و الذي يستمد فيه النظام القائم سلطته من الدين، و هكذا يصبح كل نقد للحاكم هو تطاول على الدين في حد ذاته، وتخرج من دائرة المعارض لنظام حكم معين الى كافر خارج عن الملة. في مقدمة الموضوع ، قلنا ان العلمانية هي نمط اجتماعي، و هذا ليس وصفا اعتباطيا، اذ ان تبني العلمانية كاساس للدولة لا يعني فقط منع رجال الدين من تولي السلطة السياسية، فهذا المنع قد لا يؤدي الى اي نتائج، اذا تم الاحتفاظ بمصادر التشريع كما هي، اذ ان المصدر الاساسي للتشريع هو الدين، فالدولة العلمانية تبنى على مفهوم المواطنة الكاملة بدون شروط مسبقة، حيث يعتبر مواطن كل فرد من افراد مجتمع معين يوجد فوق رقعة جغرافية معينة، دون الاخذ بعين الاعتبار معتقده و دينه او اثنيته. اذن، فاذا كانت الدولة الديمقراطية جوابا على دولة التسلط المخزني، فالدولة العلمانية هب البديل لدولة و قوانين مجتمع الراعي و الرعية، اي انها السبيل الوحيد لبناء دولة المواطنة و حماية حقوق الانسان كاملة, فلا يمكن الفصل بين الديمقراطية و العلمانية و دولة الحق و القانون. و هذا المشروع المجتمعي، اي المجتمع الديمقراطي العلماني، يجب ان يتخلل كل مناحي الحياة العامة للمجتمع، اذ يجب فصل الدين عن الدولة و السياسة و هذا يعني ابعاد الدين عن مجال الصراع و التناحر السياسي الذي يعتبر مجالا للمصالح و المواقع و فيه يتم التنافس على اساس برامج سياسية و اقتصادية ارضية بعيدا عن منطق الايمان و الكفر، ومن المهم كذلك كما قلت سابقا فصل الدين عن القانون، و هذا يعني تبني منظومة قانونية مدنية تؤمن بحقوق الانسان، لحماية كل افراد المجتمع من السيطرة الطائفية و ضمان المساوات امام القانون، و كذلك لترك الباب مفتوحا لاصلاح المنظومة التشريعية امام المجالس التشريعية المنتخبة (البرلمان). و من جهة اخرى لا تقل اهمية لضمان السير بالمجتمع نحو التقدم و التطور العلمي، يجب فصل الدين عن العلم و البحث العلمي، لان الدين له منطقه الايماني التسليمي، و للعلم منطقه التشكيكي البرهاني، و اي ربط بين الاثنين سيؤدي الى كبح تطور العلم او التشكيك في المسلمات الدينية و قدسيتها. و لما كان للتعليم مكانة رئيسية في بناء الوطن عبر بناء المواطن، فهذا المجال ايضا وجب فصله عن الدين، لان السياسة التعليمية مرهونة بطبيعة المشروع المجتمعي الذي نريده، فكل سياسة تعليمية يجب ان تضمن الحق في التربية، و التربية على الحقوق و هنا نقصد كل الحقوق بما فيها الحق في المعرفة اي يجب ان تضمن المنظومة التعليمية الحق في دراسة تاريخ الاديان و المذاهب، ما سيمكن المتعلم من ان تكون له دراية علمية بكافة الاديان، مما سيمكنه من تحويل ثقافته الدينية الى قناعات شخصية مبنية على معرفة سابقة بكل الاختيارات المتاحةو ليست موروثة بيولوجيا عن الاباء. و بما ان الدين مسألة شخصية لا يجب اقحامها في المجال الخاص، وجب التأكيد على ضرورة فصل الفضاء الخاص عن الفضاء العام، فعدم التمييز بين الفضائين يؤدي الى عدم احترام الحريات الشخصية حيث يصبح المجال العام مباحا للثقافة السائدة التي تحميها الدولة و توظف في ذلك هذا الخلط بين المجالين الخاص العام، و تسن تشريعات تتدخل في خصوصيات المواطنين على شكل محاكم التفتيش او الحملات الاخلاقية التي تعتقل الشباب و الشابات، و كذلك معاقبة من يفطرون علنا في رمضان الى غير ذلك. و من اجل الخروج مة هذا النفق المظلم الذي سكناه لقرون طويلة، حان الوقت اليوم للنضال من اجل بناء مجتمع حضاري، ديموقراطي، علماني، مبني على اساس احترام حقوق الانسان كاملة كما هي في المواثيق و المعاهدات الدولية التي وصلتها البشرية، لان شكل الدولة الديمقراطية العلمانية هي منجز تاريخي اجتماعي، اقتصادي و سياسي و ليست شكلا للدولة الغربية فقط و ليست كفرا. فلا توجد دولة مؤمنة و دولة كافرة.
#محمد_بحكان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اله الاديان و اله العلماء
-
السلفية الماركسية بين مأزق النص و المأزق التاريخي
المزيد.....
-
5 قتلى و200 جريح.. أحدث حصيلة لضحايا هجوم الدهس بألمانيا
-
من هو السعودي المشتبه به في هجوم الدهس بألمانيا؟ إليكم التفا
...
-
مراسل CNN في مكان سقوط الصاروخ الحوثي في تل أبيب.. ويُظهر ما
...
-
المغنية إليانا: عن هويتها الفلسطينية، تعاونها مع كولدبلاي، و
...
-
هجوم بطائرات مسيّرة يستهدف مدينة قازان الروسية ويتسبب بأضرار
...
-
ناقد للإسلام ومتعاطف مع -البديل-.. منفذ هجوم ماغديبورغ بألما
...
-
القيادة العامة في سوريا تكلف أسعد حسن الشيباني بحقيبة الخارج
...
-
الجيش اللبناني يتسلم مواقع فصائل فلسطينية في البقاع الغربي
-
صحة غزة: حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي بلغت 45.227 شخصا منذ بد
...
-
إدانات عربية ودولية لحادثة الدهس بألمانيا
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|