ملده العجلاني
الحوار المتمدن-العدد: 5177 - 2016 / 5 / 29 - 02:48
المحور:
الادب والفن
هناك العديد من الثقافات التي شكلت وأثرت في الفن , وجعلت الفن يتطور الى ما هو عليه اليوم . و أحد الأمثلة الفريدة في تاريخنا البشري هو الفن الإغريقي . انها الثقافة التي خلقت تعريف واضح جدا لما هو الفن , في كل شيء , تقريبا , فهي في ظل محاولتها الساعية للوصول للكمال أطلقت مسار الفن الواقعي في العالم .
أن القيم التي تكمن في صميم الجماليات الغربية , وحتى أيامنا هذه , في الاصل , هي قيم الثقافة الإغريقية في الجمال ، إن الاكتشافات الأثرية الجديدة ، و جنبا إلى جنب مع الدراسات الجديدة وتطور المفاهيم الثقافية ، كل ذلك أدى الى اعادة التقدير , للثقافة الاغريقية , و الى اعادة انتشارها بشكل كبير , و كذلك لمعرفة حقيقة الواقع تاريخي لشخصيات من الفنانين الاغريق الذين كانوا سابقا محاطين بالاْساطير .
فالفن اليوناني، مؤسس و مصدر الإلهام الثقافة الفنية الغربية ، حيث كان مسؤول عن اختراع العديد من النماذج التي تجسد المثل الأعلى للجمال . إننا بفضل الانتاج الواسع، وانطلاقا من مراكز منتشرة في جميع أنحاء الامبراطورية اليونانية, قد حصلنا على أعمال ذات أهمية جوهرية , تم خلقها من قبل الفنانين يتمتعون بمواهب غير عادية.
الفن اليوناني , يمكن أن نشاهده أيضا في فن العصر البيزنطي، وكذلك في الفتره ما قبل الرومانية وفي الفن الروماني، وفي المدن وفي الثقافات الفنية في أوروبا , وربما أبعد من ذلك. و لا يزال مفكري اليونان القديمة يعتبرون مصدراً للفلسفة الجمالية .
وعلى مر القرون التالية , عمد الفنانون اليونانيون الى تطوير أسلوبهم الخاص وهو سعى الى التركيزعلى جسم الإنسان , في التصوير والنحت , كجسد نابض بالحياة , بمختلف الوسائل وبأي شكل ممكن . وهنا ظهرت تقنيات جديدة , ساعدت الفنانين على تصوير الجسم الانساني بطرق أكثر واقعية من أي وقت مضى , ولم يسبق للعالم رؤيتها من قبل .
ومن المعروف ان الفن اليوناني بالدرجة الأولى يتركز في خمسة أشكال . وتشمل هذه الأشكال ( اللوحات ، صنع المجوهرات , النحت , العمارة و صناعة الفخار ) ..
إنه لمدة أكثر من ألف سنة ، والشعوب الإغريقية ابتداء من البر الرئيسى لليونان وصقلية، الى اليونان العظمى (المستعمرات اليونانية في جنوب إيطاليا) ، وكذلك من جزر بحر إيجه والبحر الأيوني، تمكنت هذه الشعوب من جني الثروة , من خلال , النحت ، التصوير، والهندسة المعمارية.
فاستخدمت التماثيل عادة لتصوير الشخصيات الأسطورية , أو الأشخاص المهمين في التاريخ اليوناني . ومن المعروف أن العمارة اليونانية للمعابد الأنيقة هي التي أظهرت الثقافة الغنية لليونانيين . كما انها كانت وما تزال تستخدم على نطاق واسع في مفهوم نظام كلاسيكي (أي الإغريقي ) وذلك من قبل المهندسين المعماريين الأكثر شعبية الى اليوم.
وتشمل هذه النظم , ترتيب أيوني، وأنيق . ان كل هذه الصفات تُظهر تفرد العمارة اليونانية كما ان هذه الصفات ايضا تعتبر نسيجاً واحدا و هو من النماذج الأكثر شهرة في الفن والعمارة.
اما عند الانتقال بالحديث عن مهارات الأغريق القدماء في صناعة المجوهرات , ينبغي أن نبدأ مع المينويون (Minoans) وهم الاغريق الاوائل . فحوالي عام (3000 ) ق. م , ظهرت علامات لحضارة جديدة في جزيرة كريت. وعلى مدى الفترة الزمنية ( 3000 - 2000 ) ق . م , تطورت هذ الحضارة إلى ثقافة فريدة ورائعة واصبحت المجوهرات الخاصة بها أسلوبا بحد ذاته فانتشرت في كل ارجاء العالم القديم .
كان المينويون (Minoans) التجار الذين قد حافظوا على اتصالات وثيقة , مع المصريين , والسوريين , والحثيين , وأولئك الذين يعيشون في جزر الأرخبيل اليوناني ,والبر الرئيسى لليونان , عبر ارتياد البحر. وحافظوا على طرق التداول الخاصة بهم , و تمادوا نحو الغرب من الساحل الشرقي لأسبانيا.
وبصرف النظر عن تبادل البضائع ، فإن المينويون قد جلبوا المعرفة والتقنيات أينما ذهبوا. وتم إنشاء مراكز تجارية , وتعامل المينويون مع "المستعمرات أو المستوطنات " باعتبارها مراكزا للابتكارات التقنية والثقافية.
وفي حوالي( 1100 ) ق. م , اختفت حضارة المينويون فجأة . أسباب هذا التوقف المفاجئ غير محددة ، ربما كارثة طبيعية أوالمرض أوالحروب، وكلها احتمالات. فالحقيقة هي أننا لا نعرف حقا على وجه اليقين ما الذي حدث. فما نعرفه هو أن لمدة 200 سنة لم يكاد يتم إنتاج أي مجوهرات في الأراضي اليونانية.
لكننا نعرف أيضا أن الشعب اليهودي اقترض الحرفيين من الدول المجاورة ..بلاد الاغريق القدماء في كريت . هؤلاء الحرفيين أنتجوا تصاميم مماثلة لتلك التي صنعوها في بلدانهم الأصلية ، ولذلك أرتدت النساء اليهوديات مجوهرات مماثلة في التصميم لمجوهرات مصر، و لبلاد ما بين النهرين و لقطع المجوهرات الآشورية و للمجوهرات المصرية القديمة: من (حلق، أساور، بروش، كلها من الذهب والأحجار شبه الكريمة ) .
و في ظل هذا الوقت العصيب الذي كان يمر فيه العالم القديم بعد الاختفاء المفاجئ لأهم حضارات العالم و مصدر الفنون في العالم .. لقد اختفت صناعة المجوهرات في 1100- 900 ق .م في كل انحاء اليونان , وانتشرت المجوهرات الشبيهة من حيث التقنيات و التي كانت قد التقطت من المينويون في مناطق الفينيقون . اضافة الى ذلك , حصل اْمر متوقع في ظل التوتر الدائم بين المصريين و اسرائيل القديمة منذ عهد موسى النبي اليهودي .
حيث يذكر لنا علماء الآثار اْنه في السلالة ال (22 ) و خلال هذه الأسرة الفرعونية ، تم غزو مملكة يهوذا وإسرائيل، وتم اجتياح القدس والمدن المجاورة , في حوالي (925 ) ق . م , و تم أخذ كنوز القصر و الهيكل ، بما في ذلك الدروع الذهبية لسليمان الملك اليهودي ، والعودة بها إلى مصر.
في حين جاء الآشوريون مثل الذئب إلى حظيرة . فقد اشتهر الملك سرجون الثاني أشور (721 - 705 ) ق .م , بغزوه إسرائيل . و أخذ ه عشرة أسباط من إسرائيل إلى السبي , وايضا أخذه كنوز القصر و الهيكل .
إن كل الاكتشافات الاثرية في نمرود العراقية و الكتاب المقدس وعلم الآثار و اللقى الاثرية في مصر (من أساور الذهب وحلي و مجوهرات ) , تؤكد اتساع النفوذ اليوناني في صناعة المجوهرات و انتشاره بين جميع الشعوب المجاورة .
أما في غرب أوروبا , فقد اضطر العالم إلى الانتظار , حتى عصر النهضة لإعادة اكتشاف فن القدماء - ومعه عودة النفوذ لليونانيين , لقد ألهمت التحف المكتشفة , رسامي عصر النهضة والنحاتين , مثل ليوناردو دافنشي ومايكل أنجلو , الهمتهم ومكنتهم من السيطرة , على الواقعية , وعلى الحيوية , التي وجدوها بالتماثيل القديمة في الفن الاغريقي بعد أن تم نسيان الحضارة الاغريقية تماما لعدة قرون .
إن الفن الكلاسيكي ( الاغريقي ) كان ومازال ينظر إليه على أنه النموذج الأساسي للفن . وأنه اساس كل الفنون الحديثة , و ما تزال البشرية مؤمنة بالاسس التي وضعها الاغريق القدماء حول الفن والجمال , و تعتمدها بشكل اساسي في مدارس الرسم , كمدارس الواقعية الكلاسيكية و الهيبوريالزم الواقعية المطلقة, و رغم تغير الاذواق ومدارس الفن وتعدد الرؤى والابداعات المتنوعة , الا ان الجسد الانساني مازال يعد رمزا للجمال على مر القرون , وذلك امتدادا لنظرة اليونانيون القدماء للجمال والإبداع المطلق .
#ملده_العجلاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟