|
النسق
عبدالرحمن الهندى
الحوار المتمدن-العدد: 5177 - 2016 / 5 / 29 - 02:43
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما الذي بَقي من الإنسان الأول غيرنا وبعض الرسوم وبدائيات اللغة؟ وما الذي سنبقيهِ نحن غير جيلٌ جديد وما سيبقى من الفنون والأفكار واللغة؟ وهل سنترك طريقة مُثلى لكي يعلم لاحقينا ما الذي كنا نقصده بما تركناه لهم أم سنترك الأمور تسير كما سارت من قبل؟ وهل يمُكننا ترك ذلك الموروث خارج نسق ما؟ وماهو النسق فى الأساس؟ وهل هو حاوى لكل مُنتج انسانى؟ وكيف يتحدد شكل النسق؟ تلك الاسئلة سأحاول أن أصل إلى إجابة لها تجعلنا نقف على اعتاب المعنى واثراء النص .
أولاً ما هو النسق؟ يمكننا وضع تعريف للنسق بشكل مبسط وهو: هو الأخطار العقلي الجامع لمجموعة من الأفكار ولتلك الأفكار فكرة مركزية تدور حولها باقي أفكار النسق ويمكن أن نطلق عليها " أفكار خدماتيه " خادمة للفكرة المركزية، ولتلك الفكرة المركزية هدف تتطلع إلى الوصول إليه أو التعبير عنه ويكون هناك تجانس بين الجانبين بين الأفكار المركزية والخدماتية أي يكون هدف صاحب النسق أن تكون المحصلة النهائية لهذا النسق هي الفكرة المركزية. والفكرة المركزية هنا هي ارتكاز النسق هي غاية النسق قام النسق لأجلها وقد تكون تلك الفكرة المركزية (فكرة – حلم – هاجس – سؤال .... مسيطر على الكاتب. ولنأخذ مثالاً على ذلك: يمكننا اعتبار الدين هو النسق ولأي دين هناك فكرة مركزية فمثلا يمكننا القول إن الفكرة المركزية في الإسلام هي فكرة الواحدية أو التوحيد فيمكننا أن نَعُد عدة امثله للأفكار الخدماتية في الإسلام التي تخدم على فكرة التوحيد. وكذلك في الموسيقى هناك لحن أساسي في كل مؤلفة موسيقية يدور حولها المؤلف طوال تأليفه.
بنية النسق؟ ما المقصود ببنية النسق؟ يمكننا تعرفيها على النحو التالى : هى شكل النسق بالوضع النهائى المُحدد من قبل الكاتب حسب رؤيته وحاجته المراد التعبير عنها، كرؤية كاتب ما انه بهذا الموضع بحاجه إلى مجاز أو استعارة لكى يصل إلى مُراده. إذا قد ُكنا قررناَ أنَ لكلِ نسقٌ فكرةٌ مركزية يودُ صاحب النسق أن يصلَ إليها أو يعبر عنها فمن المؤكد أن صحاب النسق شخص صاحب رؤية للأمور مهما اتفقت معه أو اختلفت فهو يرى الأمر من وجهة نظر معينه عبر عنها في شكل من الأشكال، ولابد في ذلك النسق أن يكون له فكرة مركزية و تلك الفكرة أما أن يصل إليها مباشرة وأما باستخدام " أفكار خدماتيه " لكى يصل إلى مبتغاه فهو من ُيحدد إذا كان يحتاج إلى أفكار خدماتيه أم لا، فمثلا : يود محمد أن يقرأ فالفكرة المسيطرة عليه هي القراءة فهو من الممكن أن يذهب إلى المكتبة أو يستعير من زميلة كتاب أو أن يشترى كتاب أيا ما كان قراره فهذه أفكار خدماتيه تخدم هدف القراءة فهو المُحدد لأختيارهُ فهو من الممكن أن يكون لديه مكتبة ويذهب إليها مباشرة لكى يقرأ دون أن يكون لديه أيه أفكار خدماتيه . فإذن من يحدد بنية النسق هو الأنسان وظروفه تتدخل وتؤثر عليه أيضا بشكل لا يمكن أغفاله والنسق في الغالب يكون حاوياً لتلك الظروف وتلك الظروف ليست هي المحدد لشكل النسق .
هل يمكن الهروب من النسق؟ الرفض هو عبارة عن: عدم القبول وعدم ارتضاء لذلك الأسلوب وذلك المنهج في حل مشكلة ما أو في رؤية لموضوع ما. ولكى أرفض شيء ما يجب أن أكون على دراية به وألا أكون مُختلاً عقلياً أو طفلا هوائياً، إذن فرفض النسق يأتي بعد فحص لهذا النسق ولكن على أي أساس نستطيع الرفض؟ أو على أي ارتكاز نرفض ونحدد الصواب والخطأ؟ هل يمكن رفض النسق أساسا ألا عن طريق نسق لغوى أوتعبيري؟ وهل يمكن أن أرفض نسق بدون أن أكوّن بعدها نسق موازي له يُلبى لي احتياجاتي؟ فلو فرضنا مثلا شخصاً ملحد هو رافض لكل الماورائيات ولكنه قد أنشأ مثلا نظاماً موازياً للدين يستطيع من خلاله أن يعيش دون أن يختل نظام حياته فهو سوف ينشأ نسقاً يكون متنفساً له يبلى احتياجات كان يلبيها نظام معين قد رفضه هو.
النسق ومجمل أعمال الكاتب الكاتب أو الفنان لابد أن يبدأ من سؤال يبحث له عن أجابه أو هاجس أو فكرة أراد التعبير عنها، وقد اتفقنا أن الفكرة تقدم من خلال نسق ما أود الخوض فيه هنا هل يوجد نسق موحد للكاتب؟ إذا كنا نقصد وحدة الفكرة أو السؤال في كل أعماله فأقول انه يمكن ولكنه ليس شيء أساسي. لأنه الأنسان في كل فترة من فترات حياته يشغله امر مختلف عن الآخر قد يختلف السؤال الذي يبحث الكاتب له عن إجابة، ولكن إذا وجدنا أن هناك سؤال موحد في جميع أعمال كاتب معين فسيكون النسق مختلف بالطبع ولكن الفكرة المركزية هي التي ستكون ثابته ويكون هو السؤال الأساسي في كل أعمال الكاتب ولكن اختلفت أساليب التعبير أو اختلفت طرق الوصول إلى إجابة السؤال. إذن لو اطلعنا على جميع أعمال فنان أو كاتب وجدنا فكرة موحدة فيها فستكون هي الفكرة المركزية النسق الكبير الشامل لكل أعمال الأنسان ولكن ما يتغير هو النسق الصغير المرتبط بالعمل الفني والمرحلة المكتوب فيها العمل ويكون ذلك السؤال هو مُفتاح لفهم الكاتب لان كل ما سيكتبه سيكون تجلياً للسؤال. كيف نفهم النسق؟ ها قد وصلنا إلى الهدف المنشود كيف نفهم النسق، هناك انساق مُحددة الهدف والمركز من قِبل صاحبها يُعلنها صراحة دون مواربة أو خجل أو خوف وتلك الأعمال في الغالب ما تكون سهلة التحليل والتعامل معها أما الأعمال مبهمة المركز والهدف أوأراد صاحِبُها التلاعب وقال فكرة مركزية مغلوطة فما الذي يجب فعله في تلك الانساق؟ عندما أستمعُ إلى معزوفة موسيقية لأول مرة ولا أعلم أي شيء عن مؤلف تلك المقطوعة ولا ظروفه المعيشية ولا أي شيء عن حياة الكاتب لا املك ألا العمل كل ما اعرفه واشعر به هو جمال تلك المقطوعة نفسها فهي قطعة من روح الكاتب أتماهى أنا معها أتوه فيها اسكن فيها حتى تكون راسخه في وجداني تعبر عن حالي شأني كشأن الكاتب، ما الذي فعلتهُ غير أنى نسيتُ كل شيء وجعلت تلك المعزوفه معبرة عنى وتماهيت معها؟ لا شيء هل الوضع مختلف مع النسق؟ قلنا إن شكل النسق مُتحدد بشكل احتياجات الكاتب فأذن لدينا في النص ما يعبر عن احتياجات الكاتب الداخلية التي هي قطعة من روحه ووجدانه وقلنا إن لكل نسق فكرة مركزية وأفكار خدماتيه إذن ما دور المتلقي في فهم ذلك؟ مثلما يتماهى المستمع مع قطعة موسيقية فتهز وجدانه، كما قلنا أنه اصبح راسخ فيه العمل الفني الذى قد تشكل وقفاً لاحتياجات كاتبه، فهو في أول مرة هزته وفي الثانية أيضا وقد بدى له جمال فيها وفي الثالثة وضحت ورسخت ووضحت هذا مع افتراض أننا أمام متلقى واعى فكلما تماهى وتخلى عن محاولة فهمه لنفسه كلما وضحت له معالمه المركزية بصورة أوضح فقد يكون في البداية قد ظن أن فكرة من ضمن الأفكار الخدماتية هي مركز ومحور النسق والنص ولكن بعد أن تماهى مع تجربة الكاتب في نسقه سيكون النسق أوضح أمامه فكلما زاد تفاعله مع النص كلما زاد فهمه وتوليده وتحليله للنص فالكاتب وأحواله فى النسق مباشرة والمتلقي إن ألقى بنفسه داخل النسق أصبح هو والكاتب سواء وحق له أن يكون ذلك النسق مُعبراً عن حياته ولسان حاله، وكلما زاد تروى المتلقي وتفانيه في النسق كلما كانت التجربة أنضج وأعمق وكلما زاد معرفته واطلاعه زادت قدرته على تحليل النص وذلك الأسلوب قد يمكن أيضا تطبيقه على الانساق معلنة المركز حتى نستطيع أن ندقق فيها وتحليلها وتولد الأفكار منها حتى لا يموت العمل. وبذلك يكون النسق حياً ما دام هناك من حاول التفاعل والعيش فيه فسيخرج منه الكثير من المعاني في كل تجربة جديدة ويكون عرضة للاختفاء كلما قل عدد المتأملين فيه. لكن هل يمكن أن نقول إن تلك التجربة هي اصح من تلك التجربة؟ إن الحكم على الأمر في غاية الصعوبة فهو امر ذاتي بحت قد يكون بالنسبة لي معبراً عن كلياً وعند الآخر ليس معبراً من الأساس، فهذا الاختلاف راجع إلى اختلاف التجربة والتفاعل ويمكننا القول إن التجربة ممتدة بمتداد العمر، فالتجربة شعور ذاتي من الصعب الأقناع به فهو أما أن تقبله أو ترفضه والرفض هنا لا يكون لأنه غير صحيح ولكنه ليس معبراً عن شخصيتي ومكنونى.
#عبدالرحمن_الهندى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-تعرضوا لقسوة لا تتصور-.. شاهد بايدن يتحدث عن تاريخ العبودية
...
-
قرب حدود سوريا.. فيديو يظهر تدريبات قوات عراقية يثير تكهنات
...
-
عالمة روسية: الرغبة في الحفاظ على النظام والاستقرار ساهمت في
...
-
المغرب.. تفاعل كبير مع واقعة الاعتداء على سائق تاكسي كان يق
...
-
استسلام جنود أوكرانيين من اللواء الرئاسي عند وصول الجيش الرو
...
-
مقتل طبيب فلسطيني واحتراق أكثر من 15 خيمة بقصف إسرائيلي على
...
-
كوريا الجنوبية.. البرلمان يستعد للتصويت على عزل رئيس البلاد
...
-
مراسلتنا: الجيش السوري يفشل هجوم التنظيمات المسلحة على مدينة
...
-
محكمة أمريكية ترفض الدعوى المرفوعة ضد هانتر بايدن بعد العفو
...
-
زعيم المعارضة في كوريا الجنوبية يحذر من استفزاز محتمل ضد الج
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|