أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي الحبوبي - عندما تتتحوّل النوستالجيا إلى سكيزوفرينيا















المزيد.....

عندما تتتحوّل النوستالجيا إلى سكيزوفرينيا


فتحي الحبوبي

الحوار المتمدن-العدد: 5177 - 2016 / 5 / 29 - 02:43
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



كثيرا ما تحصّن المهووسون، من رجال الدولة العميقة في تونس، بظلال مخزون ماضيهم السياسي، بغثّه وسمينه، باعتباره من قبيل المقدّس، وفق زاوية نظرهم الضيّقة التي لا حدود لسطحيّتها. لذلك فهم يسعون جاهدين دون كلل ولا ملل لإيهامنا- تماما كما الدواعش- أنّ مستقبلنا إنّما هو في التمسّك بتلابيب ماضينا السياسي والحنين إليه، بوجهه الناصع كما الكالح. وأنّه من المفترض أن نعيش الآني والراهن في التعاطي والممارسة اليومية في ما يتعلّق بالشأن العام بمخرجات الفكر السياسي الذي عايشوه والذي تجاوزه التاريخ، وبأدوات الماضي المقدّس لديهم، التي لم تعد تجدي نفعا لأن الزمن غير الزمن. وهو لعمري عين الخور. لأنّ ذلك لا يعدو أن يكون مجرّد سباحة هواة ضد تيّار مجرى التاريخ وسيرورة قطار التقدّم الذي لا يلتفت أبدا إلى الوراء مهما كانت المعوقات. في هذا السياق المقارباتي ذي الضلع الأعوج، تندرج الضجّة التي أقامت الدنيا ولم تقعدها في تونس منذ أسابيع عديدة، عمليّة إعادة تمثال الرئيس التونسي الأسبق الراحل الحبيب بورقيبة إلى مكانه السابق. ويجسّد التمثال الزعيم التونسي وهو يمتطي صهوة جواد ويقوم بتحيّة مستقبليه الذين جاؤا إلى "حلق الوادي" من كلّ ربوع تونس، لإستقباله عند عودته من فرنسا في غرّة جوان سنة 1952. وقد كان هذا الاستقبال جماهيريّأ حارا وكبيرا على المستويين الرسمي والشعبي. و لم يحدث ان أستقبل به في تونس زعيم آخر غيره. لا بل ولم يحدث أن أستقبل بمثله لاحقا الرئيس بورقيبة ذاته، وهو على سدّة الحكم طيلة 31 سنة. وجاءت عمليّة إعادة التمثال، بعد مرور حوالي ثلاثة عقود من الزمن على إزالته من مكانه الأصلي، برغبة من الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الذي قرّر، في العشرين من اذار/مارس 2016، بمناسبة الاحتفال بالذكرى الستين لاستقلال تونس، إعادة التمثال الى مكانه الأصلي .وقد يكون فعل ذلك، من باب التكفير عن الذنب تجاه بورقيبة الذي بقي مسجونا في أواخر سنوات حياته دون لفتة أو مجرّد تعبير عن عتب او غضب لدى سجّانه بن علي، ممّن يدّعون اليوم الوفاء لبورقيبة، ويتقدّمهم الباجي قائد السبسي، وهو أحد الذين تربّوا فيما يعبّر عنه تجاوزا في تونس ب"المدرسة البورقيبية". تلك المدرسة التي قال عنها بورقيبة ذاته " الزعيم بورقيبة يموت لكنّ البورقيبية لا تموت"
وقد قال السبسي في هذا السياق» :اتخذت القرار بموافقة رئيس الحكومة (الحبيب الصيد) بأن يعود هذا النصب التذكاري الى مكانه في شارع الحبيب بورقيبة«،.مضيفا أنّه»:عندما نعيد تمثال الحبيب بورقيبة إلى شارع الحبيب بورقيبة فهذا يرمز الى أن تونس تحرّرت وأصبحت دولة حرّة مستقلّة«.
. وتبعا لذلك فقد تمّ نقل التمثال، من مدينة "حلق الوادي"- التي تغنّى بها فريد الأطرش - شمال تونس العاصمة أين نقله الرئيس بن علي، إلى مكانه الأصلي قبالة مقر وزارة الداخلية بشارع الحبيب بورقيبة في قلب العاصمة التونسية. وهو الشارع الرئيسي الذي شهد أكبر تظاهرة شعبية ضد نظام بن على أسفرت عن سقوطه غير مأسوف عليه ولا على أعوانه؛ بيادق النظام من أشباه السياسيين والإعلاميين، لا بل ومن جهلة المثقّفين الذين يدّعون في العلم فلسفة فيما أنّهم لا علاقة لهم لا بالعلم ولا بالفلسفة.فهم "ماكيافيلليون" لا يجيدون إلّا فنّ المحافظة على سلطة الحاكم كائنا من كان، مع الاِنْبِطاح و لِباس ثَوْبِ الْمَسْكَنَةِ والذُّلِّ له ولحاشيته دون قيد أو شرط.
اليوم، وقد نقل التمثال من حلق الوادي إلى أهم شوارع مدينة تونس، وهو شارع الحبيب بورقيبة رمز الثورة التونسية التي أطاحت بالرئيس بن علي في 14 جانفي 2014 ، معلنة عن الربيع العربي الذي سرعان ما تحوّل إلى شتاء قارس لكل العرب، وينتظر تدشّينه من الرئيس السبسي يوم غرّة جوان 2016، نلحظ أنّ الجدل حوله، بين من يؤيّد نقله ومن يعارضه، لا يزال قائما ومستمرّا في تونس.ولا يعدّ ذلك سوى أحد أشكال العبث والترف الفكري الذي نحن في غنى عنه راهنا. فقد تخلّف اليوم إلى مراتب ثانويّة، الجدل الضروري حول محاربة الإرهاب وحول مقاومة الفقر وحول التنمية وتراجع السياحة التونسية وتفاقم البطالة وكثرة الإضرابات بما يعيق الإنتاج على مستوى المنشئات المعملية والخدمية. نتحدّث اليوم عن التمثال، فيما يجدر بنا الحديث بجدّية حول ظاهرة العنف المتزايد في الملاعب الرياضيّة، في تعارض واضح مع مقولة الرياضة "أخلاق وتحابب "، وكذا إستفحال ظاهرة إغتصاب الأطفال وتسريع محاسبة الفاسدين والمفسدين في الزمن البائد، وتفشي ظاهرة الفساد بعد الثورة واكتظاظ السجون، وانتشار ظاهرة التعذيب أثناء الإيقاف التحفّظي، وفي السجون ونحو ذلك من المشكلات التي لا تنتهي. لقد تراجع الجدل حول هذه المشكلات شديدة الحساسية في حياة المواطن اليومية، ليقفز الجدل حول نقل التمثال إلى واجهة الأحداث الوطنيّة، في بلد يعاني من التوسّع المطّرد للطبقة الفقيرة؛ بما يعني ارتفاع نسبة الفقر. بلد يعاني من خطر الإفلاس، لكنّه ينفق مبلغ 600 ألف دينار، على مجرّد عمليّة نقل لنصب تذكاري؛ هو تمثال لدكتاتور سابق فوّت على تونس أن تكون ديمقراطيّة في عهده، بتشبّثه الشديد بالحكم.
ويعتقد المؤيّدون لعمليّة النقل، وجلّهم من رجال الدولة العميقة، من مختلف ألوان الطيف السياسي التونسي، أنّ هذا المبلغ يهون لأنّه يمكن اعتباره كضريبة ردّ الإعتبار لبورقيبة كرمز وطني؛ بإعادة التمثال إلى مكانه الأصلي؛ أي في ذات الشارع الذي يحمل إسمه. لكنّ المفارقة الأولى التي يمكن لفت الإنتباه إليها في هذا الخصوص، هي أنّ هذا الشارع الرئيسي، هو رمز الثورة على بن علي الذي جاء به بورقيبة ذاته ، عندما أصبح عاجزا صحيّا عن تحمّل أعباء مسؤوليّة الحكم، ليكون بمثابة العصا الغليضة التي سلّطت على التونسيين لضربهم دون رحمة ولا هوادة على مدى 23 سنة كاملة. ومن هنا فإنّ هذا الشارع يمكن إعتباره بالنتيجة كرمز للثورة على بورقيبة ونظامه أيضا وليس على بن علي ونظامه فحسب. فما نظام بن علي إلّا إمتداد طبيعي لنظام بورقيبة الإستبدادي.أمّا المفارقة الثانية فهي أنّ التمثال نفسه، من المؤكّد أنّه يكون أكثر رمزية واعتبارا، حينما يكون منتصبا بمدينة حلق الوادي لا بشارع بورقيبة، ضرورة أنّ هذه المدينة هي التي استقبلت بورقيبة عند عودته من المهجر سنة 1952. كما أنّه في هذه المدينة بالذات أمتطى جوادا ليلهم لاحقا من صنع التمثال، وليس في شارع بورقيبة الذي كان يسمّى آنذاك شارع جول فيري (Avenue Jules-Ferry). فالتمثال يعبّر عن تلك اللحظة التاريخيّة في تلك الجغرافيا(حلق الوادي). ومن هذا المنطلق فإنّ نقله إلى شارع بورقيبة في فلب العاصمة إنّما هو تزييف للتاريخ والجغرافيا في آن معا. وكأنّما قدر بورقيبة أن يزيّف التاريخ حيّا وميّتا. وهو الذي كتب تاريخه، كما أراده لنفسه، على مراحل و في أجزاء عديدة، عن طريق الرجل القوي محمّد الصيّاح، أحد وزرائه و رجالاته المخلصين الذين لم يتخلّوا عنه سنوات سجنه الاخيرة.
وامّا المفارقة الثالثة والأخيرة، فهي أنّ رجال بورقيبة الماسكين بمقاليد الحكم اليوم في تونس، وأزلامهم في قطاعات الإعلام والثقافة والسياسة، قد توجّهوا بالنقد اللّاذع والشديد إلى حركة النهضة لإنفاقها السخي بمناسبة انعقاد مؤتمرها العاشر، واعتبروا أنّه كان أولى بها أن تساهم بهذه الأموال في خلق مواطن شغل للعاطلين أو إعانة المستحقّين من الفقراء. لكنّهم يقبلون في ذات الوقت بالإنفاق السخي في سبيل نقل صنم يعبدونه دون وجه حقّ. لأنّ بورقيبة لو أستقال عند عجزه وقام بانتخابات نزيهة، لأرسى تقاليد ديمقراطيّة في تونس منذ أربعة عقود ، ولكان حال تونس غير حالها الكارثيّة اليوم. أفلا يعدّ تصرّف هؤلاء من علامات الانفصام أو السكيزوفرينيا(Schizophrenia)؟! . قد يفيدني أستاذي الدكتور صابر الدخلي بالجواب اليقين، فهو الأقدر على ذلك.
المهندس فتحي الحبّوبي
تونس في 29 ماي 2016

.



#فتحي_الحبوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تناول معاناة الإنتظار بين صموئيل بيكيت وأونوريه دي بلزاك
- . الجوائز الأدبيّة.. بين التمدّد والتعدّد والقبول والرفض
- عندما تصبح المقاومة إرهابا عند العربان !!!
- مأساوية الواقع العربي عنوان لفشل الجامعة العربيّة وعطالتها
- نجم الدّين الحمروني رجل من رجال المرحلة بألف رجل له خصائص ال ...
- قراءة سريعة في حروب ما بعد الحرب العالميّة الثّانية وتواقيته ...
- ليس الحرّ من يفعل ما يريد، بل هو من لا يفعل ما لا يريد
- العرب بدو في سلوكهم وإن إدّعوا التمدّن و الحضارة
- في رفض الجديد وتقزيمه والتصدي للتجديد وتحجيمه
- في التراجع عن المواقف الخاطئة : جان جاك روسو نموذجا
- أي نصيب للعرب من طباعة وقراءة الكتب؟ !
- العرب بين ضرورة الحداثة وتمدّد التنظيمات السلفيّة الرجعيّة
- المثقّف وهواجس قول الحقيقة و فعل التغيير و استقلاليّة الموقف
- عندما يتقاطع الفكر التكفيري مع الفكر السياسي المعاصر
- الإنتخابات الرئاسية التونسيّة والإختيار المرّ
- في تأكيد السرقة الأدبيّة للدكتورعويّد ودحر مغالطاته
- وللباحثين الأكاديميين نصيبهم من السرقات الأدبيّة
- في ضرورة انتهاج مبدأ العقاب عند الإنتخاب
- قبلة هادئة على جبين غزّة الشهيدة المنتصرة
- من تداعيات العلاقة التاريخيّة بين العرب والغباء


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي الحبوبي - عندما تتتحوّل النوستالجيا إلى سكيزوفرينيا