|
جلباب سعاد وأُذُن أيمن
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5176 - 2016 / 5 / 28 - 18:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل تذكرون أيمن؟ علّكم نسيتموه، فهو واحد من بين كثيرين وافقوا أن يطبقوا المثل المصري العبقري: “تشتمني في زفّة وتصالحني في عطفة؟!” لكن قائل المثل الأول، أو في الغالب قائلته الجدّة الحكيمة، كانت تُلوّن صوتها بمسحة استنكار وهي تطلق المثل، كأنها ترفض أن تُسبُّ وتُهانُ على الملأ، ثم تُصالَح في السر. و"الصلح خير" دون شك. وقد أوصانا به الرسول عليه الصلاة والسلام حين قال: "...أصلحوا ذات بينكم"، لكنه سبقها بقوله: "واتقوا الله..." هذا منهج حسنٌ حال الصلح بين الزوجين والشقيقين والصديقين، لأن الأساس هو المودة والرحمة، وأي خلاف لابد أن يكون عابرًا حين يكون الأساس هو “تقوى الله”. لكن الأمر مختلف حين تغيب "تقوى الله" كما يحدث في الجلسات العرفية التي تتم في جنوب مصر بين غُلاة المتطرفين، وبين بعض المستضعفين من أبناء مصر المسيحيين حين لا يجدون سندًا لهم يحميهم من الوحشية القبلية بالصعيد إذا ما تزعمها متطرفون غُلاة لا يتقون الله، فيُجرمون ويظلمون ويتجبرون. الشاهدُ أن أولئك المتطرفين قد أمنوا عقاب القانون لأنهم يعرفون أن مآل الحال سينتهي بجلسة عُرفية شكلية، فلا يجعلهم هذا "يتقون الله"، بل يتمادون في غيّهم حتى وصل بهم التجبّر وانعدام النخوة إلى تجريد سيدة مُسنّة من ملابسها وسحلها في طرقات قرية الكرم بالمنيا. لو أنهم يعرفون أن هناك قانونًا يحفظ كرامة الفقير والغني على السواء، المرأة والرجل على السواء، المسلم والمسيحي على السواء، ما تجاسروا وفعلوا ما فعلوا. قبل سنوات تجمهر بعض المتطرفين في جنوب مصر حول مواطن مسيحي بسيط اسمه "أيمن ديمتري" وقطعوا أُذنَه. وشاهدنا جميعًا صور الضحية بأُذنه المبتورة والدم يسيل منها، وبعد أيام قليلة، جهزوا الجسلة العرفية ولم يُطبّق القانون. وقتها صرختُ في مقالاتي أنادي بحقي الشخصي في أّذن أيمن، فأنا كمواطنة مصرية، وكل مواطن مصريّ آخر، له حقُّ في سلامة كل مواطن آخر. فإن تنازل هذا المواطن عن حقّه، فليس من حقه أن يتنازل عن حقي وحقك. ذاك الأيمن الديمتري، بتنازله عن تطبيق القانون، كأنما قد أعطى شرعية لكل متطرف في أن يبتر أُذن أي مواطن أو أنفه أو رقبته، مطمئنًا إلى غياب العقاب في ظل الجلسات العرفية. كتبتُ وقتها عدة مقالات من بينها مقال في اليوم السابع بتاريخ 26 أبريل 2011، عنوانه "شكرًا ونكتفي بهذا القدر" قالتُ فيه: ("يا أيها الذين آمنوا كونوا قَوَّامين للّه شُهداءَ بالقسط ولاَ يَجْرمَنَّكم شنآنُ قومٍ على ألا تعدلوا، اعدلوا هو أقربُ للتقوى. واتقوا الله إنّ اللهَ خبيرٌ بما تعملون." سورة المائدة. ولستُ أدرى ما موقع تلك الآية الجميلة من قلوب المتطرفين أعداء الحياة! ألم تمرّ عليهم فيترفقوا بأقباط مصر؟ هذا طبعًا بفرض أن بين المسلمين والمسيحيين "شنآنَ"، وهو البغضاء، والعياذ بالله. غاضبون مني لأنني أكتبُ حول حقوق أبناء بلدي من منطلق المواطنة، والعدالة، والسعي نحو الجمال؛ إيمانًًا مني بأن أولى خطوات الجمال هي العدل، وبأن اللهَ سيسألنا عمّا إذا شاهدنا ظلمًا ولم نسع لرفعه. تدفعني للكتابة في الملف القبطي أمورٌ ثلاثة: 1- ما أراه من ترويع للأقباط، وصل حدَّ هدم الكنائس وقتل المصلين، وقطع الآذان، ورفض تولّي محافظ مسيحي! 2- صمتُ المسيحيين الأبديّ، تحقيقًا لآية الإنجيل: "يُدافَع عنكم وأنتم تصمتون". 3- قلّة كتابات المسلمين المستنيرين، على كثرتهم، عن حقوق الأقباط المهدَرة منذ عقود. إما يأسًا، أو خوفًا على أسمائهم من التصنيف في خانة قد تُفقدهم قطاعًا من قرّائهم، ممَن يرون، خطأً، أن مَن يدافع عن حقوق "الآخر المسيحي" هو بالضرورة ضد المسلمين. متناسين أن ضمانة حقوق "الجميع"، هي الضمانةُ الوحيدة لحقوقهم هم، لأنهم جزءٌ من هذا "الجميع". إنما زجر المتطرفين عن تطرفهم هو قمة احترام الإسلام لو يعلمون. وأكرر للمرة الأخيرة أنني لا أناقش العقائد، فهي شأنٌ خالصٌ لله وحده، تعالى وجلَّ عن مشاركة العباد في شأنه. إنما أناهضُ العنفَ، الفكريّ والجسديّ واللفظيّ والمعنويّ، الذي يمارسه المتطرفون ضدّ أبناء وطني، فيسلبونهم حقَّهم في العيش بأمان في بلادهم! وأكررُ أيضًا أنني لا أناهضُ المتطرفين المسلمين وحسب، بل أي تطرف كان. لذلك هاجمتُ مسيحيًّا ألّف كتابًا عنوانه: "الإعجاز العلميّ في الكتاب المقدس"، مُحاكيًا ما يصنعه زغول النجار على صفحات الأهرام فاتحًا باب الفتنة، والخطأ المنهجي في خلط الثابت بالمتحول، حيث الدينُ ثابتٌ، بينما العِلمُ متبدّل يومًا بعد يوم! ثم يخرج شيخٌ يصرخُ: "لا ولاية لكافر"! غافلاً أنه كافرٌ أيضًا في نظر مَنْ يراه كافرًا. فالإيمان والكفر نسبيّان، وشأنٌ يخص الله وحده. لكن المطلق هو حقوقُ المواطنة لكل مصريٍّ، طالما لم يخُن وطنه. ويقسمُ شيخٌ آخر بأنه سيخرج بكل شباب مصر ليهاجموا الأديرة باحثين عن فتاة يظنون إسلامها! وآخرُ يودُّ فرضَ الجزية على المسيحيين! وغيرُه ينتظر "امتلاك الأرض" ليطبّق "الحدود"! ولم نر هذا الشيخ أو ذاك يحثُّ شبابَ مصر على العمل والمعرفة والأمانة والمحبة والجدية والنهوض بمصر! تقلّصَ إسلامُه وتقزّمتْ رسالتُه في مطاردة الأديرة وتغليظ القسم بترويع الآمنين! ثم يهتف المسيحيون في قنا مع المسلمين ضد المحافظ القبطي: "عاوزينه مسلم-إسلامية رغم أنف الداخلية"!!! صانعين نموذجًا فريدًا للوحدة الوطنية! إن كانت تلك هي الوحدة الوطنية!! …. ) إلى آخر المقال. أكرّر الآن أن ما حدث للسيدة "سعاد" التي جُرّدت من ملابسها وسُحلت، قد خرج عن دائرة "الاحتقان الطائفي" ليدخل في خانة "انعدام الإنسانية"، وهنا لابد للقانون أن يُطبق بحسم ضد المجرمين، وإلا ستعطي الست سعاد الضوءَ الأخضر لتكرار تلك الجريمة مع سيدات مستضعفات أخريات يُجردن من جلاليبهن، مثلما أعطى السيد أيمن ديمتري، الضوء الأخضر للمتطرفين بقطع آذان وأنوف مواطنين مصريين مستضعفين، لا يرون أن القانون يمكن أن يحميهم. علينا أن نبحث عن "تقوى الله"، قبل أن نشرع في "إصلاح ذات البين".
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حوار حول تيارات الإسلام السياسي وقضيتها
-
في الغُربة... الجول باثنين
-
كيف وأدت الإماراتُ أخطبوط الطائفية؟
-
صباح الخير يا مايسترو
-
من فوق غيمة
-
سيبيهم يحلموا يا طنط عفاف
-
جمال السويدي يحذّر من السراب
-
عينُ الطائر... والزّمارُ البدين
-
مهنتي الكتابة | كُن كاتبًا تمشِ في الطرقات حُرًّا
-
بناءُ الإنسان في الإمارات
-
اليماماتُ مذعورةٌ في بلادي!
-
قراءة في كتاب -دفتر العمر-
-
تحت شرفة عبد الوهاب … كَم تُرتكب من جرائم!
-
السير يعقوب وليلى ابنة الفقراء
-
الإمارات تكسر شرانقهم |الأسبوع العالمي للتوّحد
-
تعالوا نمشيها نكت
-
حُلم | قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت
-
دعاء خصم فاطمة ناعوت | كيف ندعو على ظالمينا؟
-
أجدلُ السعفَ لأنني أحبُّ
-
ما الهزيمة؟
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|