أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - مصر...هي لمن غلب















المزيد.....



مصر...هي لمن غلب


احمد القاضي

الحوار المتمدن-العدد: 5175 - 2016 / 5 / 27 - 23:46
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مصـــــــر ... هـــي لمــــن غلــــــــب



(ليس فى هذه الصحراء غير علف فاسد تأكله الجمال)
الشاعر الفارسي ناصر خسرو في "السفرنامة"






وقف شيخ الأزهر قبل اسابيع في صحن البرلمان الألماني وقال مغتصبآ التاريخ [والمسلمون تعلموا من القرآن أنهم لو تغلبوا على بلد لا يقتلوا الناس ويقولون لهم إذا دخلتم فى الإسلام أهلاً وسهلاً ولو استمروا فى دينهم اهلاً وسهلاً فى مقابل ضريبة بسيطة جداً مقابل حمايتهم والدفاع عنهم وتأمين الدولة لهم] ..واضاف دون ان يرف له جفن :[ ولو أن المسلمين يأمرهم دينهم بقتال غير المسلمين، لما بقى غير مسلم على وجه الأرض فى بلادنا، لكنه لا يزال المسلمون والمسيحيون يعيشون إخوة، ولو أن المسلم معبأ دينيا لقتل غير المسلم لما بقى قبطى فى مصر]
كم أكذوبة في هذه الخمس وسبعين كلمة من كلماته؟...هل يمكن تزوير التاريخ وتحريفه وتلوينه بالألوان، التي تريدها؟... فشيخ الأزهر يقدم غزاة بلاده، بأنهم كانوا جنود الرحمة والتسامح، نزلوا عليها بردآ وسلامآ للدفاع عن اهلها وحمايتهم.

القرآن كتاب حربي

يصوّر شيخ الأزهر الفتوحات الإسلامية بكل كوارثها وويلاتها، كما لو كانت زيارة ودية لجار، وكما لو كان أولئك الغزاة الحفاة، المتعشطون للسبايا، ولكنوز كسرى والشام ومصر، رهطآ من الملائكة الوادعين، حيث يقول:[ أنهم لو تغلبوا على بلد لا يقتلوا الناس ويقولون لهم إذا دخلتم فى الإسلام أهلاً وسهلاً ولو استمروا فى دينهم اهلاً وسهلاً فى مقابل ضريبة بسيطة جداً مقابل حمايتهم والدفاع عنهم وتأمين الدولة لهم]...فهذا التدليس يرد عليه القرآن نفسه بقوله في سورة (التوبة 29) {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}...ويفضحه كذلك البخاري، صاحب اصح كتاب بعد (كتاب الله) على حد قول فقهاء الاسلام، حيث جاء في صحيحه:{ عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك ، عصموا مني دماءهم وأموالهم ، إلا بحق الإسلام ، وحسابهم على الله تعالى }...هذا على صعيد العقيدة، أما على ارض الواقع والتطبيق، فقد ارسل محمد رسائل الى كسرى وعظيمي الروم والقبط رسائل تتضمن العبارة التهديدية:[فإني ادعوك بدعاية الإسلام فأسلم تسلم]
وفي رده على رسالة قيرس (المقوقس) التي يحذره فيها من سوء عاقبة إصراره على القتال، كتب عمرو بن العاص اليه:{ليس بيني وبينكم إلا احدى ثلاث خصال: إما ان دخلتم الإسلام فكنتم اخواننا وكان لكم ما علينا، وإن ابيتم فاعطيتم الجزية عن يد وانتم صاغرون، واما ان جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين} "ابن عبد الحكم: فتوح مصر وأخبارها"...وذات المعنى جاء في الكلام، الذي وجهه النعمان بن مقرن المزني، الى كسرى يزدجرد، وهو الرسول الذي ارسله سعد بن ابي وقاص، على رأس وفد اليه قبل بدء معركة القادسية، ليختار احدى الخيارات االثلاثة...ولعل من الطبيعي أن تكون هذه العقيدة ، نتاج تعاليم القرأن، الذي يتضمن تسع وثلاثين كلمة {جهاد} وتصريفاتها، إلى جانب مائة وتسع وستين كلمة {قتال} وتصريفاتها...وكلها تحرض على قتل الكفار والمشركين والمنافقين كقوله:[يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين] "65 الأنفال"...و{ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير } "التوبة "73 التوبة"...فالقرآن كتاب حربي بإمتياز، ولذا فإن الفتوحات الإسلامية، التي تمت بجحافل الحفاة العراة، الذين إندفعوا إلى إيوان كسرى وجنة الأندلس ونعيم مصر والشام، صنعتها السيوف الملطخة بدماء الشعوب، التي قهرت وأقتيدت نساؤها سبايا، الى مضاجع الإغتصاب.

الجزية إذلال وعقوبة

الفرية الأخرى لشيخ المؤسسة الكهنوتية الملقب بــــ(الشيخ الأكبر) التي خاطب بها البرلمان الألماني، هي قوله:[ ولو استمروا فى دينهم اهلاً وسهلاً فى مقابل ضريبة بسيطة جداً مقابل حمايتهم والدفاع عنهم وتأمين الدولة لهم]...وفي واقع الأمر، لا جديد في ما قاله "الشيخ الأكبر"، فهو كلام يردده منذ زمن بعيد من يريدون تجميل الوجه القبيح، للفتوحات الإستعمارية الإسلامية ، بزعمهم أن الجزية كانت ضريبة يسيرة، مقابل عدم دخول أهل الكتاب المغلوبين في الخدمة العسكرية، وكذلك مقابل الدفاع عنهم وحمايتهم.
يتناقض كلام شيخ المؤسسة الكهنوتية مع آية الجزية تمامآ، وهي التي تقول:[ قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُون] ...الف محمد هذه الآية في السنة التاسعة للهجرة، قبل غزوة تبوك بقليل...أيّ انه وهو يفكر في غزوة اطراف الدولة البيزنطية، قرر تكفير أهل الكتاب، بصورة قاطعة بإطلاق آية تسمح له تحت طائلة عدم إتباعهم لدين الحق، الذي هو الإسلام في نظره، نهب أموالهم وفرض إتاوة أبدية عليهم...ففي المدينة عندما ارتكب مجزرة بني قريظة، وطرد قبيلتين يهوديتين اخريين خارج يثرب، اخترع مبررآ وهو انهم نقضوا العهود، ،أما هنا فليس له من مبرر لعدوانه، على أطراف الدولة البيزنطية، غير مزاعم انهم لا يدينون بدين الحق، لنهب ثرواتهم واذلالهم بالجزية كما نهب اموال يهود يثرب وصادر بساتينهم.
والحالة هذه، فإن مفهوم الجزية عند أئمة المفسرين وكبار الفقهاء السالفين، هو جزاء وعقوبة وإذلال...دعونا نبدأ بعمدة المفسرين الطبري، الذي يقول: [جزى فلان فلانًا ما عليه "، إذا قضاه, " يجزيه]
{ومعنى الكلام: حتى يعطوا الخراجَ عن رقابهم، الذي يبذلونه للمسلمين دَفْعًا عنها}
[وأما قوله: (وهم صاغرون)، فإن معناه: وهم أذلاء مقهورون]
{يقال للذليل الحقير: " صاغر} أ. هــ.
وفي تفسير الجلالين نقرأ:[ وقوله " حتى يعطوا الجزية " أي إن يسلموا " عن يد " أي عن قهر لهم وغلبة " وهم صاغرون " أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم أذلاء صغرة أشقياء كما جاء في صحيح مسلم]أ. هــ.
وجاء في تفسير السعدي، وهو مفسر سعودي معاصر:{ وقوله‏:‏ ‏(عَنْ يَدٍ‏)‏ أي‏:‏ حتى يبذلوها في حال ذلهم، وعدم اقتدارهم، ويعطونها بأيديهم، فلا يرسلون بها خادما ولا غيره، بل لا تقبل إلا من أيديهم، (وَهُمْ صَاغِرُونَ‏)‏
فإذا كانوا بهذه الحال، وسألوا المسلمين أن يقروهم بالجزية، وهم تحت أحكام المسلمين وقهرهم، وحال الأمن من شرهم وفتنتهم، واستسلموا للشروط التي أجراها عليهم المسلمون مما ينفي عزهم وتكبرهم، ويوجب ذلهم وصغارهم، وجب على الإمام أو نائبه أن يعقدها لهم‏.‏
وإلا بأن لم يفوا، ولم يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، لم يجز إقرارهم بالجزية، بل يقاتلون حتى يسلموا} أ.هــ.
ويقول الماوردي في كتابه "الأحكام السلطانية" [والجزية والخراج حقان اوصل الله سبحانه وتعالى المسلمين إليهما من المشركين، يجتمعان من ثلاثة اوجه، ويفترقان من ثلاثة اوجه، ثم تتفرع أحكامها.فأما الأوجه التي يجتمعان فيها، فأحدهما أن كل واحد منهما مأخوذ من مشرك صغارآ له وذلة...]
وأما الجزية عند إبن قيم الجوزية، تلميذ ابن تيمية، فهي عقوبة وذل...ففي كتابه [أحكام أهل الذمة] يقول:{فالجزية صغار وإذلال، ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرق. قالوا: وإذا جاز إقرارهم بالرق على كفرهم جاز إقرارهم عليه بالجزية بالأوّلى، لإن عقوبة الجزية أعظم من عقوبة الرق، ولهذا يسترق من لا تجب عليه الجزية من النساء والصبيان وغيرهم.} أ. هــ.
وهكذا فإن ذل الجزية في مفهوم إبن قيم الجوزية، افدح من ذل العبودية والإسترقاق، بينما هي (عقوبة محضة) عند ابي حنيفة.
والجدير بالذكر أن الجزية لها جذور تمتد، إلى عصر ما قبل الدعوة المحمدية، حيث أن القبائل العربية القوية، كانت تفرضها على القبائل العربية الضعيفة، عنوانآ للخضوع والتبعية...ولهذا فإن الجزية كانت تعد عارآ لدى العرب، حتى أن عمر بن الخطاب عفا قبيلة تغلب العربية المسيحية، ذات الشوكة القوية منها...والقصة كما وردت [في أحكام أهل الذمة] أن النعمان بن زرعة قال لعمر بن الخطاب {يا أمير المؤمنين، إن بني تغلب قوم عرب، يأنفون من الجزية، وليست لهم أموال، إنما هم اصحاب حروث ومواشي، ولهم نكاية في العدو، فلا تعن عدوك عليك بهم} فوافق عمر شريطة، أن يدفعوا الصدقة مضاعفة...وفي هذا يقول الإمام الشافعي:{أخذ منهم الجزية بإسم الصدقة}...وروى عن عمر بن الخطاب انه قال عن بني تغلب [هؤلاء قوم حمقى، رضوا بالمعنى وأبوا الإسم]...ولا اظن انهم كانوا كذلك، لانهم صانوا كرامتهم وأبوا أن يدمغوا بعار الجزية...وارتضوا دفع الصدقة، لان ما كان يهمهم هو العنوان، حيث إرتبطت الجزية بمعنى الذل.
فالجزية إذن ليست {ضريبة بسيطة جداً مقابل حمايتهم والدفاع عنهم} كما يزعم شيخ الأزهر، بل هي مشروع إستعبادي لإخضاع الشعوب وإذلالها ونهب ثرواتها وخيراتها، تحت راية دينية إستعلائية، ترفع محمدآ قاطع طريق القوافل، الى مقام سيد الخلق وسيد الانبياء والمرسلين، وتجعل من الدين الاسلامي دين الحق دون سائر الأديان.

نير الجزية على قفا المصريين

ثمة سؤال يستحق أن نقف عنده، وهو لماذا فكر عمرو بن العاص في غزو مصر والإستيلاء عليها؟...دعونا نرى كيف اقنع الخليفة عمر بن الخطاب بضرورة فتحها ... لم تكن مسألة فتح مصر تدور في مخيلة الخليفة عمر وتدخل في حساباته إطلاقآ...قال له حسب ابن عبد الحكم في " فتوح مصر وأخبارها":[إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونآ لهم، وهي أكثر الأرض أموالآ، وأعجزها عن القتال والحرب]...هل قال له انك إن فتحتها ستخرج المصريين من الظلام الى النور، وتهديهم بهداية الإسلام، وان المصريين يستحقون الخروج من الظلمات؟..بالطبع لا...قال:{ وهي أكثر الأرض أموالآ}...فنحن أمام مطامع دنيوية وطلب للمال، الذي يصرع الألباب...وظل عمرو بن العاص، الذي زار مصر قبل قيام الدعوة المحمدية، يلح ويعظّم من أمرها، حتى وافق الخليفة عمر كما يقول نفس المصدر...وكان قد انبهر بعمرانها وبكثرة أموالها ووفرة خيراتها...فمصر الفقيرة اليوم كانت (مخزن القمح) للإمبراطورية الرومانية في العصور السالفة...وفي الأسطورة الدينية عن يوسف وإخوته، يسمي يوسف مخازن الغلال في مصر بــ[خزائن الأرض]
فقد سال لعاب عمرو بن العاص للأموال المصرية، التي بات مهووسآ لجمعها، وشكلت في الوقت ذاته عظمة النزاع بينه وبين الخليفة عمر، الذي كان يطلب المزيد والمزيد من عناقيد مصر....ولذا كان عمرو بن العاص شديد القسوة في جمعها... وإنعكست تلك القسوة في تحذيره للمصريين الأقباط في بداية حكمه، بأن القتل سيكون مصير كل من يخفي كنزآ دون تسليمه....وتروي المصادر التاريخية الاسلامية، كإبن عبد الحكم والمقريزي، كيف أنه قتل مصريآ قبطيآ يدعى بطرس، كان يخفي كنزآ، بعد أن وشى به احدهم ، فحبسه ابن العاص وإستخدم حيلة ذكية للكشف عن مخبأ كنزه، ثم حكم عليه بالإعدام.
وهوس عمرو بن العاص بالأموال المصرية، يتضح أيضآ في رفضه تحديد سقف محدد للجزية...تقول المصادر التاريخية الإسلامية، أن الجزية التي فرضت على اقباط مصر ديناران، بينما كان الخراج، وهو الضريبة على الأرض ومحاصيلها، ينقص اويزيد حسب وفرة المنتوج او قلته...ومبلغ الدينارين كان يعد مبلغآ كبيرآ بمقاييس ذلك الزمان...وبالرغم من تلك المعلومة التاريخية القائلة بأن الجزية المفروضة كانت دينارين، إلا أن هناك ما يؤكد أنها كانت بلا سقف...يقول المؤرخ المصري القبطي يوحنا النيقيوسي، الذي ولد بعد الغزو العربي الإسلامي بقليل، في كتابه "تاريخ العالم القديم ودخول العرب مصر" {وكان المسلمون قد إمتلكوا مصر من الجنوب إلى الشمال، وضاعفوا الضرائب إلى ثلاثة أمثالها}...ويشير إبن عبد الحكم في كتابه{فتوح مصر وأخبارها} وكذلك المقريزي في كتابه[المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار] إلى {أن صاحب اخنا قدم على عمرو بن العاص فقال: اخبرنا ما على أحدنا من الجزية فيصبر لها؟ فقال عمرو: وهو يشير إلى ركن كنيسة لو اعطيتني من الركن إلى السقف ما أخبرتك: إنما انتم خزانة لنا ان كثر علينا كثرنا عليكم، وان خفف عنا خففنا عليكم، فغضب صاحب اخنا فخرج إلى الروم فقدم بهم فهزمهم الله...} أ.هــ....فطلب عمدة مدينة اخنا بتحديد سقف للجزية، لهو دليل ساطع على انه لم يكن هناك سقف لها، وشهية عمرو بن العاص ومن إستخلفوه، كانت تحدد مقدارها...أما رد عمرو بن العاص عليه، فيؤكد ما تواتر عن قسوته وجشعه وجشع اله المسلمين، الذي كان يطارد الذميين حتى في قبورهم، حيث أن الجزية لم تكن تسقط بالموت...فاذا مات القبطي كان على ذويه ان يدفعوا الجزية عنه...يشير إبن عبدالحكم في كتابه{فتوح مصر وأخبارها} وكذلك المقريزي في كتابه[المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار] إلى أن الخليفة عمر بن عبد العزيز، الذي يلقب بالخليفة الراشد الخامس كتب، الى عامله في مصر حيّان بن شريح، بأن يجعل جزية أموات الأقباط، على أحيائهم.لإن مصر فتحت عنوة.
ولو أن الأمر إقتصر على الجزية والخراج، بالرغم من وطأتهما العظيمة الساحقة للإنسان المصري لهان الأمر، ولكن ما أثقل كاهل المصريين اكثر واكثر، إلى الحد الذي وضعهم في حكم العبودية، هو أنه كان عليهم إعاشة آلآف العرب المسلمين الحفاة الجوعى،الذين هبطوا مصر غازين معتدين لا يحملون غير سيوفهم الدامية...يقول البلازري في كتابه "فتوح البلدان":{والزم كل ذي أرض مع الدينارين، ثلاثة أرادب حنطة، وقسطي زيت، وقسطي عسل، وقسطي خل رزقآ للمسلمين تجمع في دار الرزق وتقسّم فيهم وأحصي المسلمون فألزم جميع أهل مصر لكل رجل منهم جبة صوف وبرنسآ أو عمامة وسراويل وخفين في كل عام، أو عدل الجبّة الصوف ثوبآ قبطيآ، وكتب عليهم بذلك كتابآ، وشرط لهم إذا وفوا بذلك أن لا تباع نساؤهم وأبناؤهم ولا يسبوا وأن تقر اموالهم وكنوزهم في أيديهم} أ. هــ...أيّ أنه كان على المصريين توفير الغذاء والكساء للغزاة العرب المسلمين....وليس هذا كل شي، فلعل من أغرب ما ورد في الشروط، حسب المقريزي، إلزام كل مصري بأن يستضيف من يحتاج، إلى الضيافة من العرب المسلمين ثلاثة أيام ...ومعنى ذلك أن أي عربي مسلم من الجيش الغازي، كان يحق له ان يطرق أيّ باب ويطلب ضيافته ثلاثة أيام، دون إعتبار لمشاعر صاحب الدار، الذي لم يكن يملك خيارآ غير الإذعان...ويضيف المؤرخ المصري القبطي يوحنا النيقيوسي في كتابه.[تاريخ العالم القديم ودخول العرب مصر] مهمة اخرى كان على المصريين الأقباط أداءها، وهي توفير العلف لخيول الغزاة العرب ودوابهم...هل هناك عبودية اكثر من هذا؟...لم يبق للمصريين آنذاك، غير أن يحملوا أؤلئك الغزاة على اكتافهم، للخروج بهم وقت يريدون قضاء الحاجة.
تداعيات هذه الأهوال، التي ألمت بالمصرين على يد الغزاة العرب المسلمين وتبعاتها، سجلها يوحنا النيقيوسي في كتابه آنف الذكر،الذي يسمي فيه العرب بــ(الإسماعيليين) ومنها قوله:{وأما البطريرك كيرلس فكان حزينآ جدآ بسبب ما ألم بمصر من كوارث. وحقيقة كان عمرو يعامل المصريين بلا رحمة، ولم ينفذ الإتفاقيات التي كانت قد أبرمت معه، لأنه كان من جنس البربر}...ويضيف في مكان آخر[وكان المسلمون في هذا العصر هم سادة مصر كلها، فلم يقدر الجنرال فالنتان وجيوشه أن يقدموا أية مساعدة للمصريين واستمر سكان الأسكندرية على العكس، يقدمون الخدمات للمسلمين، وكانوا يئنون تحت ثقل الأعمال التي فرضت عليهم. في الوقت الذي فيه إختبأ كل اثرياء البلد في الجزر لمدة عشرة أشهر]...ويضيف كذلك:{وبعدما ملك عمرو الاسكندرية تمامآ، امر بتجفيف قناة المدينة، كما فعل ثيودور الهرطوقي، وأوصل الجزية إلى 22 باترآ من الذهب (ربما تعبرعما يساوي الف قطعة ذهبية شهريآ...المترجم) لدرجة أن كثيرآ من الشعب الذين كانوا يئنون من هذا الحمل وعجزوا عن الدفع، إختئبوا في العام الذي يليه في سنة 644 م}...وينتهي النيقيوسي الى قوله:[واني لعاجز عن أن اصف مدى الحزن والأنين الذي أصاب المدينة بعد ذلك، فقد بلغ الضيق بالسكان إلى درجة، سلموا ابناءهم مقابل المبالغ الضخمة التي كان عليهم دفعها شهريآ! ولم يكن من منقذ]
ولعل من أبرز تداعيات هذه النكبة الكبرى، التي حلت بالمصريين هو الهروب الجماعي من عبودية الجزية...ومن عبودية إعاشة الغزاة العرب المسلمين ودوابهم، بالدخول في إلاسلام...يشير الفرد بتلر في كتابه:{فتح العرب لمصر} إلى أن الجزية أخذت تتناقص طرديآ بسرعة مريعة، مع تناقص عدد المسيحيين بإعتناق المصريين الأقباط للإسلام أفواجآ للخلاص من نير العبودية ...فاذا كانت الجزية قد بلغت في زمن ولاية عبد الله بن ابي السرح، الذي عينه عثمان بن عفان مكان عمرو بن العاص أربعة عشر ألف ألف دينار، فإنها بلغت في عهد هارون الرشيد أربعة آلآف ألف فقط، ثم ثبتت عند ثلاثة آلآف ألف دينار في أواخر القرن العاشر الميلادي...والمصيبة أنه كلما هربت جماعات من الأقباط إلى الإسلام، كلما إستحدث الغزاة العرب المسلمون ضرائب جديدة، ووضعوها على كاهل من بقي على دينه من المسيحيين، لسد النقص في الموارد...وهؤلاء هم من ظلوا قابضين على الجمر، حتى يومنا هذا.

صراع على الفريسة

ليس ثمة من لم يقرأ أو يسمع عن عدل عمر بن الخطاب وزهده المزعومين، حتى أنه يدّعى انه رفض أن تصب له بنته شيئآ من الزيت، على المرق الذي كان يتناوله، بدعوى أن الزيت إدام وإنه لا يأكل إدامين في وجبة واحدة!...أما عن عدله فقد عرفنا، كيف أنه ظلم قاتله ابا لؤلؤة ...وعن زهده سيتضح لنا من خلال رسائله، إلى عمرو بن العاص عامله في مصر، مدى تهافته على أموال الجزية.. وكيف تنازع الرجلان للإستحواذ على اكبر قدر منها.
فما نخلص إليه من هذه الرسائل،التي اوردها إبن عبد الحكم في كتابه [فتوح مصر وأخباره] ونقلها عنه المقريزي فـ{الخطط المقريزية} أن الخليفة عمر بن الخطاب كان لا يثق في أمانة عمرو بن العاص، ووصل الأمر الى حد اليقين في فساده، بعد أن بلغه أنه وبطانته يرفلون في نعمة سابغة...وكان ابن العاص يميل بالفعل الى حياة الرفاهية، إذ نتبين ذلك مما جاء في كتاب إبن عبد الحكم، حيث نقرأ في كلام معنعن رواه سعيد بن ميسرة توصيفآ لمظهر عمرو بن العاص، وما كان يرتديه من ثياب، إذ جاء:{عليه ثياب موشية كأن به العقيان تتألق، عليه حلة وعمامة وجبة}...ومن دلائل ميل ابن العاص أيضآ لحياة الرفاهية، أن نفسه تاقت لقصور الأسكندرية ومباهجها، فأراد سكناها، إلا أن الخليفة عمر امره بالعودة الى الفسطاط...فقد تميزت رسائل الخليفة عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص، بصدد الجزية بالحدة وبعبارات جارحة تطعن في امانته ونظافة يده.
في إحدى الرسائل يسأل الخليفة عمر عامله في مصر عمرو بن العاص، عن سبب تباطئه في إرسال اموال الجزية المتحصلة، ويبدي إستغرابه من ضآلتها وقلتها، مقارنة بالخراج المتحصل في زمن الفراعنة، بالرغم من عدم وجود جدب او قحط....ويقول له إنه يرسل له الرسالة تلو الرسالة دون جدوى، وظن أن اموال الخراج ستأتيه من غير تنقيص...ويذهب الخليفة عمر إلى القول:{ورجوت أن تفيق فترفع إليّ ذلك، فإذا أنت تأتيني بمعاريض تعبأ بها لا توافق الذي في نفسي. لست قابلآ منك دون الذي كانت تؤخذ به الخراج قبل ذلك} أ. هـ...ثم يسأله الخليفة عمر عن سبب نفوره من رسائله، ثم يجيب بنفسه عن سؤاله بقوله:[وقد علمت إنه لم يمنعك من ذلك إلا أن عمالك عمال السوء وما توالس عليك وتلفف واتخذوك كهفآ..] أ.هــ.... والمعنى أن بطانة السوء، التي تداهنك وتخادعك وتتخذك ملجأ وتكية، هي التي تمنعك من ذلك...ثم يذهب الخليفة عمر الى حد تهديده بقوله:{وعندي بإذن الله دواء فيه شفاء عما أسألك فيه فلا تجزع أبا عبد الله أن يؤخذ منك الحق وتعطاه} ا. هــ.
دافع عمرو بن العاص عن نفسه، وأرجع سبب عظم خراج الفراعنة، بإنهم رغم كفرهم كانوا أرغب في عمارة أرضهم، ثم عاتب ابن الخطاب على ما وجهه له من كلام معيب وتثريب، يدل على شئ يخفيه...ومضى إبن العاص في رده مغاضبآ، وقال انه عمل لرسول الله ولمن بعده، وكان مؤديآ للأمانة وحافظآ لما عظم الله من حق، وإنتهى الى القول:{معاذ الله من تلك الطعم ومن شر الشيم والإجتراء على كل مأثم فأمض عملك فإن الله نزهني عن تلك الطعم الدنية والرغبة فيها بعد كتابك الذي لم تستبق فيه عرضآ ولم تكرم أخآ..}...ويستطرد قائلآ بانه أشد غضبآ لنفسه وتنزيهآ وتكريمآ لها وإنه لم يرتكب شيئآ، ويختتم بقوله:[ولكني حفظت ما لم تحفظ ولو كنت من يهود يثرب ما زدت يغفر الله لك ولنا وسكت عن اشياء كنت بها عالمآ وكان اللسان بها مني ذلولآ ولكن الله عظم من حقك ما لا يجهل.] أ.هــ.
رد الخليفة عمر بن الخطاب بعبارات اكثر إيلامآ، يقول فيها لإبن العاص بأنه لم يجعل مصر مأكلة له ولبطانته، حيث جاء حرفيآ:{فاني قد عجبت من كثرة كتبي اليك في ابطائك بالخراج وكتابك اليّ بثنيات الطرق وقد علمت اني لست راض منك الا بالحق المبين ولم اقدّمك الى مصر أجعلها لك طعمة ولا لقومك ولكني وجهتك لما رجوت من توفيرك الخراج وحسن سياستك فاذا اتاك كتابي هذا فاحمل الخراج فانما هو فئ المسلمين وعندي من قد تعلم قوم محصورون والسلام} أ.هــ....تحجج عمرو بن العاص في رده التالي على رسالة الخليفة عمر، بأن سبب تباطئه هو ان الاهالي طلبوا منه أن ينتظر، حتى يجئ وقت الحصاد، وانه يرفق بهم حتى لا يضطروا، إلى بيع اشياءهم التي يحتاجونها...هل كان إبن العاص حقآ رفيقآ بالمصريين؟...لم يكن الخليفة عمر يرى في حجج ابن العاص، سوى حيلة للإستئثار بأموال الجزية.
وفي نهاية المطاف، حسب إبن عبد الحكم، أرسل الخليفة عمر ما يمكن أن نسميه بمصطلحات عصرنا، مبعوثه الشخصي الى عمرو بن العاص وهو محمد بن مسلمة ليأخذ نصف ثروته...وكتب رسالة الى إبن العاص كان نصها:{أما بعد فإنكم معشر العمال قعدتم على عيون الأموال فجبيتم الحرام واكلتم الحرام واورثتم الحرام وقد بعثت اليك محمد بن مسلمة الأنصاري ليقاسمك مالك فأحضره مالك والسلام.} أ.هــ.....حاول إبن العاص ما يمكن أن نسميه بلغة اليوم (رشوة) محمد بن مسلمة، إذ قدم اليه، حسب ابن عبد الحكم، هدية رفضها إبن مسلمة...فقال له إبن العاص مغاضبآ أن النبي كان يقبل الهدية...فأجابه ابن مسلمة بأن النبي كان يقبل الهدية بالوحي، ولو كانت هديتك هدية أخ إلى أخيه لقبلتها، ولكنها هدية تخبئ شرآ...غضب إبن العاص وقال لمحمد بن مسلمة: قبح الله اليوم، الذي صار فيه واليآ لعمر، وإنه رأى أباه العاص يلبس الديباج، وهو ثياب فارسي منسوج بالحرير، بينما رأى الخطاب بن نفيل والد الخليفة عمر يحمل الحطب على حمار في مكة...فقال له إبن مسلمة:إن والده أفضل من والدك...فقال ابن العاص إنه كلام صادر عن غضب وإئتمنه على ما قال، ثم أحضر ماله وأعطى نصفه لمبعوث الخليفة عمر القادم من يثرب محمد بن مسلمة....وفي رواية البلازري عن هذه الواقعة، في كتابه "فتوح البلدان" جاء أن الخليفة عمر كتب إلى عمرو بن العاص:[انه قد فشت لك فاشية من متاع ورقيق وآنية وحيوان ولم يكن حين وليت مصر] ...وعندما وفد اليه محمد بن مسلمة، قال له عمرو بن العاص:{ إن زمانا عاملنا فيه ابن حنتمة هذه المعاملة لزمان سوء،.لقد كان العاصى يلبس الخز بكفاف الديباج} ...وحنتمة هي والدة الخليفة عمر، ذات الأصول الحبشية، ومن الواضح أن إبن العاص يعيّر الخليفة بأمه...وهنا قال له محمد بن مسلمة:[ لولا زمان ابن حنتمة هذا الذى تكرهه ألفيت معتقلا عنزا بفناء بيتك يسرك غزرها ويسوءك بكؤها.]...ومعنى هذا الكلام انه لو لا زمان عمر، الذي تكرهه، لكنت تربط عنزآ في فناء دارك، تفرح لو درّت لبنآ غزيرآ، وتحزن إذا قل اللبن ...فقال عمرو لمحمد بن مسلمة:{ أنشدك الله أن لا تخبر عمر بقولى، فإن المجالس بالامانة.}...فأجاب محمد بن مسلمة بقوله:[ لا أذكر شيئا مما جرى بيننا وعمر حى.].......وفي هذا السياق يجدر ان نشير، إلى أن عمرو بن العاص حاول استمالة الخليفة عمر، بأن كتب له ذات مرة أنه بنى له دارآ بقرب المسجد في الفسطااط...فأجابه عمر بأنه ليس في حاجة اليها، لانه يسكن الحجاز، وأمره بأن يجعلها سوقآ، فاصبحت بالفعل سوقآ لتجارة الرقيق.
في اواخر عهده وجه الخليفة عمر ضربة لإبن العاص، بأن عين عبد الله بن ابي السرح عاملآ له في صعيد مصر لجمع الجزية والخراج، ليجمع إبن العاص الجزية والخراج في مصر السفلى وحسب...وبعد وفاة عمر وتولي عثمان الخلافة، سأله ابن العاص بأن يعزل عبد االله بن ابي السرح عن الجباية في الصعيد...وما كان لعثمان أن يفعل ذلك، لإن له قرابة بإبن أبي السرح، بالإضافة إلى أنه كان أخوه في الرضاعة...وأكثر منذ ذلك، هو الذي توسط له عند محمد يوم فتح مكة وانقذه من الذبح، حيث كان من المحكومين عليهم بالقتل، ولو تعلقوا بأستار الكعبة...وقد فعل الخليفة عثمان عكس ما طلب إبن العاص، إذ عين قريبه ابن ابي السرح واليآ على مصر كلها، وكان ظلومآ غشومآ مظلم القلب مثل عمرو بن العاص، بل ويتفوق عليه بمراحل في شراهته للمال والسبي.
وفي اول عامه بالولاية، تمكّن هذا الظلوم الغشوم من جباية أموال طائلة، تفوق بكثير ما كان يجمعه إبن العاص من الجزية والخراج...فتباهى عثمان بن عفان بذلك، وقال لعمرو بن العاص:{إن اللقاح بمصر بعدك قد درّت ألبانها}...فأجاب عمرو بن العاص:[ولكنها أعجفت فصيلها]...واللقاح جمع اللقحة وهي الناقةُ الحلوب الغزيرةُ اللبن...والفصيل هو ولد الناقة...تأمل كيف كان ينظر عثمان بن عفان، إلى مصر، إذ أنها في نظره كانت بمثابة ناقة حلوب، لتدرّ الأموال ولو مات أهلها جوعآ...وحين إندلعت ثورة الإسكندرية ضد الغزاة العرب المسلمين، وفشل إبن ابي السرح في ضبط الأمور، قام عثمان بن عفان بتكليف ابن العاص قائدآ لقمع الثورة، وعندما نجح في ذلك لخبرته الحربية وحسن تدبيره ودهائه، إقترح عليه الخليفة عثمان بإن يبقى قائدآ للجيش بمصر، على أن يبقى عبد الله بن ابي السرح واليآ يجمع الجزية والخراج...فرفض عمرو بن العاص قائلآ قولته الساخرة:[إذن أنا كماسك البقرة من قرنيها وآخر يحلبها]...إنظروا إلى هؤلاء الذين كانوا اقرب حلقة من الصحابة حول زعيمهم محمد ، كيف كانوا يفكرون ويتنازعون من أجل السلطة والمال، ويكيدون لبعضهم البعض ويتآمرون، ويعيّرن بعضهم البعض بأمهاتهم...فأين إله المسلمين، الذي إخترعه محمد من كل ذلك؟ وهل حقآ جاؤوا لإتمام مكارم الأخلاق؟
ودعونا ننظر كيف كان الخليفة عمر، يوزع أموال الجزية والخراج، التي تتدفق اليه من فجاج البلاد المغلوبة الموطوءة...الأموال الملطخة بدماء ودموع الشعوب المقهورة...فقد قسّم من بقي في يثرب من أقارب محمد وزوجاته والصحابة، إلى مراتب...في المرتبة الأولى: زوجات محمد واقاربه، وفي المرتبة التي تليها: من بقي من البدريين وهكذ دواليك...وكان لكل مرتبة حظ معين من الأمول، التي تقل تنازليآ كلما قلت المرتبة...وأخذ يغدق عليهم من الأموال المنهوبة، وهم متكئون على وسائدهم بلا ((شغل او مشغلة))....فقد جاء في كتاب {الخراج} الذي الفه القاضي ابو يوسف، بطلب من الخليفة العباسي هارون الرشيد أنه:[ حَدَّثَنَا المجالد بن سعيد عن الشعبي عمن شهد عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: لما فتح الله عليه وفتح فارس والروم جمع أناسا من أصحاب رسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ما ترون , فإني أرى أن أجعل عطاء الناس فِي كل سنة وأجمع المال فإنه أعظم للبركة .
قالوا : اصنع ما رأيت , فإنك إن شاء الله موفق .
قَالَ: ففرض الأعطيات , فدعا باللوح
فَقَالَ: بمن أبدأ ؟
فقَالَ له عبد الرحمن بن عوف : ابدأ بنفسك .
فَقَالَ: لا والله , ولكن أبدأ ببني هاشم رهط النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فكتب من شهد بدرا من بني هاشم - من مولى أو عربي - لكل رجل منهم خمسة آلاف خمسة آلاف وفرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألفا ثُمَّ فرض لمن شهد بدرا من بني أمية بن عبد شمس ثُمَّ الأقرب فالأقرب إِلَى بني هاشم وفرض للبدريين أجمعين - عربيهم ومولاهم - خمسة آلاف خمسة آلاف وفرض للأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف فكان أول أنصاري فرض لَهُ محمد بن مسلمة وفرض لأزواج النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عشرة آلاف عشرة آلاف لعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهُا اثني عشر ألفا , وفرض لمهاجرة الحبشة أربعة آلاف لكل رجل منهم , وفرض لعمر بن أبي سلمة لمكان أم سلمة أربعة آلاف .
فقَالَ محمد بن عبد الله بن جحش : لم تفضل عمر علينا ألهجرة أبيه ؟ فقد هاجر آباؤنا وشهدوا بدرا .
فقَالَ عمر رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ : أفضله لمكانه من رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فليأت الذي يستعتب بأم مثل أمه أعتبه .
وفرض للحسن والحسين خمسة آلاف خمسة آلاف لمكانهما من رَسُوْل اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ثم فرض للناس ثلاثمائة ثلاثمائة وأربعمائة أربعمائة , للعربي والمولى . وفرض لنساء المهاجرين والأنصار ستمائة ستمائة وأربعمائة أربعمائة وثلاثمائة ثلاثمائة ومائتين مائتين وفرض
لأناس من المهاجرين والأنصار ألفين ألفين , وفرض للمرقَال حين أسلم ألفين.]
هكذا كانت توزع الأموال المغتصبة المنهوبة من بلاد فارس ومصر والشام وبلاد ما بين النهرين...تلك الأموال التى أسكرت عمر بن الخطاب، حتي إنه قال عندما وردت اليه خمسمائة ألف درهم من البحرين:{ أيها الناس إنه قد جَاءَ مال كثير فإن شئتم أن نكيل لكم كلنا , وإن شئتم أن نعد لكم عددنا , وإن شئتم إن نزن لكم وزنا لكم.}.."كتاب الخراج"
يا للعدل ويا للزهد!

إنهم عبيـــد لنا

لعل أول من شرعن لإستعباد المصريين ووضع الإطار النظري لذلك، هو محمد بن عبد االله، حيث جاء في كتاب [فتوح مصر وأخبارها] لإبن عبد الحكم:[أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} مرض فأغمي عليه ثم أفاق فقال استوصوا بالأدم الجعد خيرا ثم أغمي عليه الثانية ثم أفاق فقال مثل ذلك ثم أغمي عليه الثالثة فقال مثل ذلك فقال القوم لو سألنا رسول الله {صلى الله عليه وسلم} من الأدم الجعد فأفاق فسألوه فقال قبط مصر فإنهم أخوال وأصهار وهم أعوانكم على عدوكم وأعونكم على دينكم فقالوا كيف يكونون أعوانا على ديننا يا رسول الله فقال يكفونكم أعمال الدنيا وتتفرغون للعبادة].أ.هــ....وعلينا أن نتوقف عند عبارة{ يكفونكم أعمال الدنيا وتتفرغون للعبادة}.التي تتضمن أجلى معاني العبودية...أيّ أن السادة العرب المسلمين الغزاة سيتفرغون للعبادة والتسكع، بينما سيقوم المصريون بكل الخدمات الضرورية وغير الضرورية لهم...وهذا ما حدث بالفعل بعد الفتح الاسلامي، حيث أن المصريين أجبروا، كما أسلفنا، ليس فقط على دفع الجزية والخراج، بل وأيَضآ على توفير الطعام والكساء للغزاة العرب المسلمين، وتحضير العلف لخيولهم ودوابهم.
وقد وضع الخليفة عمر بن الخطاب كلام محمد، في سياق عملي بعد الفتوحات، حيث منع الغزاة العرب المسلمين، من أن يمتلكوا الاراضي الزراعية، ومن أن توزع عليهم في مصر وبقية البلاد المغلوبة، لإن مهمتهم كما اوضح هي حماية الثغور...وأمر بأن تبقى الاراضي في يد الذميين، يزرعونها لمصلحة المسلمين ويدفعون خراجها.
ورغم كل محاولات إسباغ هالة، من مزاعم العدل والزهد والإنسانية على شخصبة الخليفة عمر،الذي يزعم أنه قال:"متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارآ"، إلا أنه كان أول من أصدر مراسيم العبودية، لإستعباد الشعوب المغلوبة بلا رحمة...وكانت اول وثيقة عبودية أصدرها، هي ما يعرف بــ{العهدة العمرية} أو {الشروط العمرية} بعد فتح مدينة إيلياء، التي يطلق عليها المسلمون [بيت المقدس]...وهي وثيقة إذلال وإستعباد اورد إبن قيم الجوزية تفاصيلها، في كتابه {أحكام أهل الذمة} وهي::[ ألا يحدثوا في مدينتهم ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يؤوا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يعلموا أولادهم القرآن ولا يظهروا شركا ولا يمنعوا ذوي قراباتهم من الإسلام إن أرادوه وأن يوقروا المسلمين وأن يقوموا لهم من مجالسهم إذا أرادوا الجلوس ولا يتشبهوا بالمسلمين في شيء من لباسهم ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفاولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رؤوسهم وأن يلزموا زيهم حيثما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم في شيء من طرق المسلمين ولا يجاوروا المسلمين بموتاهم ولا يضربوا بالناقوس إلا ضربا خفيا ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة في كنائسهم في شيء من حضرةالمسلمين ولا يخرجوا شعانين ولا يرفعوا أصواتهم مع موتاهم ولا يظهروا النيران معهم ولا يشتروا من الرقيق ما جرت فيه سهام المسلمين فإن خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق.]
ومرسوم العبودية الثاني، الذي أصدره الخليفة عمر، هو الرسالة التي أرسلها الى واليه في مصر عمرو بن العاص عن كيفية التعامل مع المصريين الأقباط ، وقد أوردها إبن عبد الحكم في كتابه {فتوح مصر وأخبارها} ونقلها عنه المقريزي في كتابه [المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار]...ويقول نص المرسوم:{أن تختم في رقاب أهل الذمة بالرصاص ويظهروا مناطقهم ويجزوا نواصيهم ويركبوا على الأكف عرضآ ولا يضربون الجزية الا على من جرت عليه الموسى ولا يضربوا على النساء ولا على الولدان ولا تدعهم يتشبهون بالمسلمين في ملبوسهم} أ.هــ....وهو مرسوم كما يلاحظ لا يختلف نصآ وروحآ عن نصوص وروح (العهدة العمرية) او {الشروط العمرية} سيئة الذكر.
ووجد هذا المرسوم العمري لإستعباد المصريين الأقباط طريقه،
إلى التطبيق العملي بالأوامر، التي صدرت اليهم بأن يلبس أهل الذمة ملابس تميزهم، وأن يشدوا أحزمتهم على أوساطهم...وألا يعلوا في بنيانهم على المسلمين...وأن تقام مآتهم بغير إحتفال...وألا يظهروا صلبانهم وخنازيرهم، وألا يشربوا الخمر جهارآ...وألا يقرعوا نواقيسهم ...وألا يرتلوا صلواتهم بصوت يؤذي المسلمين...وألا يتزوج مسيحي بمسلمة...وألا يتم إغراء أيّ مسلم ليعتنق الدين المسيحي...وألا يتم سب النبي محمد وتحقيره...وما الى ذلك من الشروط المذلة المهينة.
والحالة هذه، كان من الطبيعي أن يشعر الغزاة العرب المسلمين، من رئيسهم إبن العاص، إلى أصغر جندي بأنهم السادة، والمصريون عبيدهم بالمعنى الحرفي للعبودية...انظروا الى ما قاله عمرو بن العاص من فوق منبره في مسجده، حسب البلازري في كتابه "فتوح البلدان" وأورده كذلك إبن عبد الحكم "في فتوح مصر وأخبارها":{ لقد قعدت مقعدى هذا وما لأحد من قبط مصر علىّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت، وان شئت خمست، وان شئت بعت، إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهدا يوفى لهم به }...وجاء في كتاب إبن عبد الحكم ونقله عنه المقريزي:ٍ[كتب حيان بن شريح إلى عمر بن عبد العزيز يسأله أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم فسأل عمر عراك بن مالك فقل عراك ما سمعت لهم بعهد ولا عقد وانما أخذوا عنوة بمنزلة العبيد...]...وتروي نفس المصادر، أن أبا سلمة عبد الرحمن أراد الذهاب إلى الأسكندرية بمركب، وقام بتسخير مصري قبطي للجدف، وصادف أن سأله أحدهم عن أمر هذا القبطي. فقال له:{إنما هم بمنزلة العبيد إن احتجنا اليهم}...وثالثة الأثافي أن عبيد الله بن أبي جعفر روى أن كاتب حيان حدّثه:[أنه احتيج إلى خشب لصناعة الجزيرة فكتب حيان إلى عمر بن العزيز يذكر ذلك له وإنه وجد خشبآ عند بعض أهل الذمة وإنه كره أن يأخذها منهم حتى يعلمه فكتب إليه عمر خذها منهم بقيمة عدل فإني لم أجد لأهل مصر عهدآ افي لهم به.] أ. هـ....نهب وسلب بأمر الخليفة فلا حقوق ولا كرامة للمسترقين.
والسخرة هي الإسم ألآخر للعبودية...فإذا كان الأمر كذلك ، فهل بمقدورنا أن نتصور حجم آلآم ومعاناة الآلآف، الذين سخرهم عمرو بن العاص لحفر قناة تخرج من النيل في اطراف الفسطاط، وتتصل بالبحر الأحمر عند بلدة القلزم [مكان مدينة السويس حاليآ] لنقل خيرات مصر الى الحجاز...وهي القناة التي يسميها إبن عبد الحكم في كتابه {فتوح مصر وأخبارها} بــــ [خليج أمير المؤمنين] الذي يمتد مجراه، إلى حوالي تسعين ميلآ...ويشير إبن عبد الحكم إلى انه حفر في سنة واحدة....وهي فترة وجيزة تحتاج، إلى عمالة هائلة وجهد مضاعف...فيا ترى كم من الأرقاء دفنوا تحت الرمال، من وطأة العمل الشاق في قيظ الصيف وزمهرير الشتاء؟...يقول البلازري في " فتوح البلدان" في حديث معنعن:{سمعت عروة بن الزبير يقول: اقمت بمصر سبع سنين، وتزوجت بها فرأيت أهلها مجاهيد، قد حمل عليهم فوق طاقتهم...}...شهادة شاهد من أهلها...شهادة سبط ابي بكر بن ابي قحافة الملقب بـــ(الصدّيق)...وهذه الشهادة تقدح بالضرورة، في حق عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص وعثمان بن عفان ومن جاؤوا بعدهم، الذين عصروا المصريين عصرآ لنهب أموالهم، ولم يعملوا بالحديث المزعوم المنسوب الى محمد، الذي قال فيه لبعض أصحابه:[إنكم ستكونون أجنادآ، وإن خير أجنادكم أهل الغرب منكم، فإتقوا الله في القبط، ولا تأكلوهم أكل الحضر.] ومعناه لا تأكلوهم أكل العدو....فالنكبة التي حلت بالمصريين في تلك القرون، تكذب أحاديث الرحمة، التي ينسبونها لنبي (((الرحمة))) مهندس الغزوات والفتوحات وقطع الطريق ...فأيّ دين هذا؟ وأيّ إله هذا؟...إنه إله قثم بن عبد الله ودينه...دين السبي والرق والذبح.

هي لمن غلب

لعل أشهر مقولة تنسب، إلى عمرو بن العاص ويعرفها عوام العوام في كل البلاد التي جعلها الإسلام ناطقة بالعربية هي:[[ مصر ارضها ذهب ونيلها عجب ونساؤها لعب ورجالها طرب وهي لمن غلب]]...وتقال بصيغ مختلفة مع وحدة المضمون...ولا يوجد مرجع يؤكد، أن إبن العاص تحديدآ هو الذي قالها...ولكن لا يستبعد ان تصدر مثل هذه المقولة، من رجل مثل عمرو بن العاص، الذي كان يحمل حتى قبل فتح مصر فكرة سالبة عن المصريين...دعونا نعود الى العبارات، التي قالها للخليفة عمر بن الخطاب ليأذن له بفتح مصر وهي{ إنك إن فتحتها كانت قوة للمسلمين وعونآ لهم، وهي أكثر الأرض أموالآ، وأعجزها عن القتال والحرب}...ولنضع خطين تحت عبارة " وأعجزها عن القتال والحرب"...إذن كان هذا رأي إبن العاص في المصريين قبل فتح مصر، اعجز اهل الأرض عن القتال والحرب، فهل تختلف في مضمونها عن العبارة المنسوبة إليه.حيث جاء فيها "ورجالها طرب وهي لمن غلب"...ثم إنظروا إلى ما قاله إلى الخليفة عمر، عندما ارسل اليه وطلب منه أن يصف له مصر...فبعد أن وصف طبيعة مصر، بأنها قرية غبراء، وشجرة خضراء؛ يكنفها جبل أغبر، ورمل أعفر؛ قال أن النيل يشقها وإنه يفيض وينقص بأوان، وعندما ينتهي الفيضان:((( فعند ذلك تخرج أهل ملة محقورة، وذمة مخفورة، يحرثون بطون الأرض ويبذرون بها الحب، يرجون بذلك النماء من الرب؛ لغيرهم ما سعوا من كدهم، فناله منهم بغير جدهم...)))...فهذا كلام رجل، لم يكن يحمل ذرة من الإحترام للمصريين.
أما أصل تلك المقولة الشهيرة المعنية، فإنها وردت في الجزء الأول من كتاب المقريزي:[المواعظ والإعتبار بذكر الخطط والآثار] منسوبة إلى مجهول بعبارة {وقال آخر}..ونص المقولة كما وردت:[[نيلها عجب وأرضها ذهب وخيرها جلب وملكها سلب ومالها رغب وفي أهلها صخب وطاعتهم رهب وسلامهم شعب وحربهم حرب وهي لمن غلب]] أ. هــ....وقد أورد المقريزي في كتابه آراء سالبة عديدة عن مصر والمصريين قال بها اقرب الصحابة لمحمد، وتتناقض وأحاديث تنسب لمحمد...فعلى سبيل المثال، ينسب لمحمد أنه قال أن أهل مصر هم خير أجناد الأرض، وعلى نقيضه يقول عمرو بن العاص لعمر بن الخطالب، أنهم أعجز أهل الأرض عن القتال والحرب....ويروى عن ابن عباس ابن عم محمد أنه قال: المكر عشرة أجزاء، تسعة منها في القبط، وواحد في سائر الناس....ووصف إبن العربية أهل مصر ـــ والكلام ما يزال للمقريزي ــــ فقال: عبيد لمن غلب، أكيس الناس صغارآ، وأجهلهم كبارآ.....وقال عمر بن شبة (وهو محدث وإخباري عربي ولد في البصرة):: ذكر إبن عبيدة في كتاب أخبار البصرة عن كعب الأحبار:: خير نساء على وجه الأرض نساء أهل البصرة،إلا ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم من نساء قريش، وشر نساء على وجه الأرض نساء أهل مصر.......وقال معاوية بن ابي سفيان ـــ حسب المقريزي ــــ :: وجدت أهل مصر ثلاثة أصناف، فثلث ناس، وثلث يشبه الناس، وثلث لا ناس، فأما الثلث الذين هم الناس فالعرب، والثلث الذين يشبهون الناس فالموالي، والثلث الذين لا ناس المسالمة يعني القبط......وقال المسعودي إن عمر بن الخطاب سأل بعد فتح العرآق والشام ومصر، حكيمآ من حكماء عصره أن يصف له تلك البلدان واجوائها وناسها، فبعد أن وصف اجواء مصر وطبيعتها قال:: وفي أهلها مكر ورياء وخبث ودهاء وخديعة، وهي بلدة مكسب وليست بلدة مسكن لترادف فتنها وإتصال شرورها......وقد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه سأل كعب الأحبار عن طبائع البلدان،وأخلاق سكانها فقال:إن الله تعالى لما خلق الأشياء جعل كل شئ لشئ، فقل العقل أنا لاحق بالشام، فقالت الفتنة وأنا معك، وقال الخصب أنا لاحق بمصر، فقال الذل وأنا معك...الخ.......و عن ابن عمر: أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: " دخل إبليس العراق فقضى حاجته منها، ثم دخل الشام فطردوه، حتى دخل جبل شاق، ثم دخل مصر فباض فيها وفرّخ وبسط عبقريه، ويعلق المقريزي بأنه "حديث صحيح غريب"......ويقول أبو الحسن عليّ بن رضوان الطبيب بعد ان وصف مصر وجغرافيتها وأجوائها وصفآ ضافيآ::{ أهل مصر، ومنهم تفرقت في العالم وإذا ساسهم غيرهم كانوا أذلاّء. والغالب عليهم الجبن والاستخذاء في الكلام وإذا ساسوا غيرهم كانت أنفسهم طيبة، وهممهم كثيرة، ورجالهم يتخذون نساء كثيرة، وكذلك نساؤهم يتخذن عدة رجال. وهم منهمكون في الجماع، ورجالهم كثيرو النسل، ونساؤهم سريعات الحمل، وكثير من ذكرانهم تكون أنفسهم ضعيفة مؤنثة.}......وقال عبد الله بن عمرو [وهو إبن عمرو بن العاص] : لما أهبط إبليس وضع قدمه بالبصرة، وفرّخ بمصر.
وهكذا نخلص الى أن الكثير من االصحابة وفقهاء وعلماء المسلمين آنذاك، كانت نظرتهم الى المصريين شديدة الدونية...والمثير للتأمل أن هذه الأقوال، التي جلبناها من كتاب المقريزي، تتناقض تمامآ والأحاديث، التي تنسب إلى محمد يبشر فيها المسلمين بفتح مصر ويوصيهم فيها بأن يستوصوا بالقبط خيرآ:[إذا إفتتحتم مصر فإستوصوا بالقبط خيرآ، فإن لهم ذمة ورحمآ]...فاذا كان محمد قد بشر بفتح مصر، فكيف لم يعلم عمر بن الخطاب بذلك، حيث رفض في البداية طلب عمرو بن العاص بفتحها...وطفق ابن العاص يلح وعليه ويغريه بانها اكثر بلاد الارض أموالآ، حتى وافق واعطى الإذن...وكيف لم يعلم عثمان بن عفان بتبشير محمد بفتح مصر خير أجناد الأرض، حيث أنه بعد أن تحرك عمرو بن العاص بجيشه نحو مصر، قال عثمان بن عفان لعمر بن الخطاب ـــ حسب ابن عبد الحكم ـــ أنه يخشى أن يعرض المسلمين للهلكة، فخاف الخليفة عمر وكتب الى ابن العاص، بأن يعود أدراجه إن لم يكن قد دخل مصر بعد.
فبعيدآ عن تلك الأحاديث المزعومة المنسوبة، إلى محمد الداعية إلى الرفق بالأقباط، فإن واقع حالهم كان الذل والقهر والعبودية، بما يتناسب مع نصوص الكراهية المعادية للإنسانية، التي يمتلئ بها القرآن، وكلمة السر
فيها "عن يد وهم صاغرون"

سنوات من المقاومة

لعل أكبر أكذوبة تم الترويج لها ، لتغطية العسف الذي لحق بالمصرين الأقباط على يد الغزاة العرب المسلمين، هي أن الأقباط رحبوا بهم، بل واستغاثوا بهم لتخليصهم من الاحتلال البيزنطي...حسنآ، ما دام مبتغاهم كان البحث عمن يوفر لهم الحماية ويرفع عن كاهلهم نير الإضطهاد المذهبي الديني، الذي مارسه البيزنطيون ضدهم، فلماذا لم يرحبوا بالإحتلال الفارسي لمصر، الذي سبق الإحتلال العربي الإسلامي بعشرين سنة تقريبآ؟ ولماذ لم يصطفوا الى جانب الفرس عندما جاء البيزنطيون لإستعادة مصر، وخاصة بعد أن تنفسوا الصعداء لعشر سنوات وذاقوا طعم الحرية الدينية تحت الإحتلال الفارسي، الذي لم يكن معنيآ بطبيعة الحال بنشر الديانة الزرادتشية وفرضها على المصريين، حتى أن مذهب الطبيعة الواحدة للمسيح إنتعش من جديد في الكنائس القبطية... يقول الفرد بتلر في كتابه {فتح العرب لمصر} أن المصريين الأقباط قابلوا الإحتلال الفارسي بعدم إكتراث، وبنفس القدر من عدم الإكتراث تعاملوا مع عودة البيزنطيين وطرد الفرس من مصر.... فهل يعقل أن يتخذ المصريون الأقباط هذا الموقف ضد الفرس، رغم كل ما أتاحوه من حرية دينية، ثم يرحبون بقطعان صحرواية همجية تريد فرض دينها بالسيف؟
فقد قاوم المصريون الأقباط الغزاة العرب المسلمين، ولم يرحبوا بهم، ويؤكد هذا حقيقة أن مصر فتحت عنوة، وليس بصلح كما يزعم، الذين يروجون لإكذوبة الترحيب وإنسانية عمرو بن العاص وتسامحه.....ويجدر بنا أن نقف هنا عند سؤال، لم يحسمه الإخباريون الإسلاميون، الأول كإبن الحكم والبلازري وهو: هل فتحت مصر بصلح أم عنوة؟...وأهمية هذا السؤال تكمن في أنه في حالة الفتح بالصلح والاستسلام، فإن مقدار الجزية يكون ثابتآ،ولا يتعرضون للإسترقاق، مع علمنا أن الغزاة لم يكونوا يلتزمون بمعاهدات الصلح...وفي حالة الفتح عنوة يفعل بهم الخليفة او واليه ما يشاء يقتلهم او يسترقهم ويفرض عليهم ما يشاء من الجزية والإتاوات ويسبي نساءهم ويبيع اطفالهم.....فإبن عبدالحكم والبلازري ذكرا جميع، الآراء، التي قالت صلحآ، وكذلك جميع الأراء، التي قالت عنوة دون أن يصطفا الى جانب رأي معين.
ولكن نقرأ لدى الإخباريين شواهد قوية، على ان مصر قاومت الغزاة العرب ففتحت عنوة...يذكر البلازري لعبد الله بن عمرو بن العاص [أيّ إبن فاتح مصر] انه قال:{اشتبه على الناس أمر مصر، فقال قوم فتحت عنوة، وقال آخرون فتحت صلحآ، والثلج في امرها انّ ابي قدمها فقاتله أهل اليونة، ففتحها قهرآ وأدخلها المسلمين...الخ}...ويورد البلازري وإبن عبد الحكم، أن عمرو بن العاص قال من منبره بمسجده بالفسطاط:[ لقد قعدت مقعدى هذا وما لأحد من قبط مصر علىّ عهد ولا عقد، إن شئت قتلت، وان شئت خمست، وان شئت بعت، إلا أهل أنطابلس فإن لهم عهدا يوفى لهم به].... وذكر إبن عبد الحكم ونقل عنه المقريزي:[كتب حيان بن شريح إلى عمر بن عبد العزيز يسأله أن يجعل جزية موتى القبط على أحيائهم فسأل عمر عراك بن مالك فقال عراك ما سمعت لهم بعهد ولا عقد وانما أخذوا عنوة بمنزلة العبيد...]...وقد أورد إبن عبد الحكم شواهد أخرى في باب أسماه {ذكر من قال مصر فتحت عنوة} وقد أحضرنا بعضها أعلاه في الفقرة المعنونة بــ[نهم عبيـــد لنا]
وأكثر من ذلك، فإن تاريخ سير المعارك يشهد، بأن ما تصوره عمرو بن العاص نزهة لم يكن كذلك...فمدينة الفرما أول مدينة مصرية إقتحمها استغرقته شهرآ من المعارك الطاحنة...وكذلك مدينة بلبيس لم يغلبها إلا بعد شهر كامل...اما مدينة أم دنين (اسمها قبل الفتح تندونياس) فقد إستعصت عليه، حتى طلب المدد من الخليفة عمر...وكذلك استعصى عليه إقتحام حصن بابليون، الذي حاصره أشهرآ وطلب المدد من الخليفة عمر، الذي أرسل اليه اثني عشر ألف جندي تحت إمرة الزبير بن العوام، الذي استخدم سلمآ لإرتقاء حائط الحصن وأمر جنوده أن يتبعوه وهو يكبر...ومدينة الأسكندرية فتحها مرتين عنوة، وفي المرة الأولى حاصرها لمدة سبعة أشهر وقيل سنة كاملة...وبعد ثورتها وطرد المسلمين منها أرسله الخليفة عثمان بن عفان لقمع الثورة فيها، بعد فشل الوالي عبد الله بن أبي السرح في ضبط الأمور...وقد إستعصت أيضآ عدد من المدن بمصر السفلى على الغزاة العرب المسلمين، ولم تسقط في أيدهم إلا بعد سقوط الأسكندرية، وهي سخا وطوخ ودمسيس ودمياط، التي احرق إبن العاص مزارعها، إنتقامآ لفشله في إقتحامها، حسبما أورد الفرد بتلر في كتابه:(فتح العرب لمصر)....ويتعين الإحاطة بحقيقة أن عمرو بن العاص، قد إنتصر في معاركه الرئيسة بمصر بخدع ماكرة لم يفطن لها البيزنطيون والمصريون الأقباط، الذين كان يأخذهم على حين غرة، بتخبئة جزءآ من جيشه في مكمن، وعندما تندلع المعركة يأتي المختبئون لينقضوا عليهم من الخلف.
وقد خلد التاريخ اسماء مدن قاومت الغزاة العرب المسلمين، فكان نصيب أهلها الإسترقاق، حيث ارسلهم عمرو بن العاص، إلى يثرب ليصنع بهم الخليفة عمر بن الخطاب ما يشاء، والمدن المعنية هي:بلهيت والخيس وسلطيس، ولكن الخليفة أرجعهم طالبآ من ابن العاص، أن يفرض عليهم الجزية والخراج....في كتابه "فتوح البلدان" يقول البلازري:{ وكانت قرى من مصر قاتلت فسبى منهم والقرى بلهيت والخيس وسلطيس فوقع سباؤهم بالمدينة فردهم عُمَر بْن الخطاب وصيرهم وجماعة القبط أهل ذمة}...وثمة مدن قاومت وكان نصيب أهلها المجازر رجالآ واطفالآ ونساء، كمدينة نيقيوس التجارية والدينية الكبيرة، ومدينة البهنسا، حسبما اورد المؤرخ يوحنا النيقيوسي في كتابه السالف الذكر...ومدينة أخرى قاومت وتعرض اهلها للمذابح، على يد الغزاة العرب المسلمين هي مدينة تنيس، ويشير الفرد بتلر في كتابه (فتح العرب لمصر) إلى أنه يقال إن القائد، الذي قاد المصريين الاقباط والروم ضد الغزاة المسلمين في هذه المدينة اصوله عربي مسيحي
وهناك مدن خرّبها عمرو بن العاص غقابآ على مقاومتها..فأول مدينة مصرية خرّبها هي قرية (وردان) وقصتها كما أوردها إبن عبد الحكم، أن عمرو بن العاص وهو في طريقه، إلى الأسكندرية عسّكر وجنوده بقرب قرية (ودان)، وحين خرج أحد جنوده لقضاء الحاجة إختطفه اهل القرية، فبحث عنه ابن العاص ووجده في دورهم، فأمر بتخريب القرية وقتل أهلها وكانوا من الرهبان... في كتابه "فتوح مصر وأخبارها" يقول إبن عبد الحكم:[ قال وكان عمرو حين توجّه إلى الإسكندرية خرب القرية التى تعرف اليوم بخربة وردان قال عبد الرحمن: واختلف علينا فى السبب الذي خربت له، فحدثنا سعيد ابن عفير، أن عمرا لما توجّه إلى نقيوس لقتال الروم عدل وردان لقضاء حاجته عند الصبح، فاختطفه أهل الخربة فغّيبوه، ففقده عمرو، وسأل عنه وقفا أثره فوجدوه فى بعض دورهم، فأمر بإخرابها وإخراجهم منها. حدثنا عبد الملك بن مسلمة، قال: كان أهل الخربة رهبانا كلهم، فغدروا بقوم من ساقة عمرو فقتلوهم بعد أن بلغ عمرو الكريون، فأقام عمرو ووجّه إليهم وردان فقتلهم وخربها، فهى خراب إلى اليوم.] فهل هذا ترحيب؟ اين الترحيب الذي يقولون عنه؟...وكانت مدينة الاسكندرية، التي لم يتمكن من فتحها،إلا بعد حصار استمر حوالي سبعة أشهر وقيل سنة، الأكثر تعرضآ للمذابح والتخريب...وحين إندلعت ثورتها وكلف الخليفة عثمان بن عفان الوالي السابق عمرو بن العاص بالعودة الى مصر لقمع ثورة الأسكندرية، أقسم أمام سورها الذي استعصى عليه للمرة الثانية، بأنه سوف يحطمها ويجعلهامفتوحة من كل جانب كبيت الزانية...جاء في كتاب المقريزي السالف ذكره:{ وكان على الإسكندرية سورها، فحلف عمرو بن العاص: لئن أظفره الله عليهم ليهدمن سورها حتى يكون مثل بيت الزانية يؤتى من كل مكان}...لم يحطم عمرو بن العاص وجنوده سور مدينة الأسكندرية فحسب، بل ودمروا منارتها وحرقوا مكتبتها العريقة وحطموا التماثيل وأنتزعوا المرمر من أماكنه وخرّبوا الكثير من دورها وأشعلوا النيران في أجزاء من المدينة، وأعملوا سيوفهم قتلآ في شوارعها، ولم يوقفوا القتل، إلا بعد ما شبعوا من القتل...كل ذلك إلى جانب أعمال السلب والنهب للممتلكات كغنائم...يقول المقريزي:[ وقتل منويل الخصي، وقتلهم عمرو حتى أمعن في مدينتهم، فكلم في ذلك، فأمر برفع السيف عنهم، وبنى في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجداً، وهو المسجد الذي بالإسكندرية]...ويقول الفرد بتلر في كتابه "فتح العرب لمصر"أنه بعد تدمير الدور والمباني، اخذوا خشبها وحديدها ونقلوها لمنطقة بابليون، لبناء جسر للعبور الى مدينة لم يتمكنوا من فتحها.....ذلك كان مصير مدينة كانت آنذاك أهم مدينة في الشرق الأوسط، إن لم تكن أهم مدائن العالم، حسبما يقول الفرد بتلر في كتابه سالف الذكر.
وفي رأيي أن أكبر دليل حاسم، بأن مصر فتحت عنوة بسبب المقاومة، التي كانت تعترض طريق الغزاة العرب المسلمين في كل مدينة، هو أن فتحها وإخضاعها بالكامل، إستغرق خمس سنوات او ما يزيد...فقد بدأ فتحها في عهد عمر بن الخطاب، واكتمل في عهد الخليفة عثمان بن عفان...جاء في كتاب إبن عبد الحكم:{ حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، قال: كان فتح الإسكندرية الأوّل سنة إحدى وعشرين وفتحها الآخر سنة خمس وعشرين بينهما أربع سنين.}...وإذا حسبنا المدة التي سبقت الفتح الاول للاسكندرية تكون المدة خمس سنوات او أكثر....وقد أقلق التأّخر في فتح مصر، وعدم قدرة عمرو بن العاص على حسم مقاومة المدن له بضربة واحدة، الخليفة عمر بن الخطاب، رغم ما قام به من إرسال مدد حربي من المقاتلين له أكثر من مرة، فأرسل رسالة الى عمرو بن العاص أوردها إبن عبد الحكم في كتابه "فتوح مصر وأخبارها" حيث يقول:{ لما أبطأ على عمر ين الخطاب فتح مصر، كتب إلى عمرو بن العاص: أما بعد، فقد عجبت لإبطائكم عن فتح مصر؛ إنكم تقاتلونهم منذ سنتين؛ وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نياتهم، وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف، إلا أن يكون غيرهم ما غيرهم؛ فإذا أتاك كتابي، فاخطب الناس، وحضهم على قتال عدوهم، ورغبهم في الصبر والنية، وقدم أولئك الأربعة في صدور الناس، ومر الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة، فإنها ساعة تنزل الرحمة فيها، ووقت الإجابة، وليعج الناس إلى الله، ويسألوه النصر على عدوهم.} أ.هــــ .
بقي أن نقف عند أمر قد يبدو متناقضآ للوهلة الأولى، وهو أن عمرو بن العاص رغم كل الجرائم، التي ارتكبها ضد المصريين الأقباط وقسوته ووحشيته وتعطشه لجمع الأموال...وأيضآ رغم إحتقاره للمصريين الأقباط ودينهم، الذي أبداه في الرسالة التي أرسلها إلى الخليفة عمر بن الخطاب ، يصفهم فيها بقوله: { أهل ملة محقورة، وذمة مخفورة} دعا الأنبا بنيامين ليخرج من مخبئه، ويعود ليمارس مهامه كبطريرك للكنيسة المصرية ، ورفع الضرائب عن الكنائس، وأبقي المصريين الأقباط والروم في وظائفهم...لا تناقض في الأمر، كان عمرو بن العاص بتلك الخطوات، يعمل على تمتين مداميك دولته الوليدة في مصر...فلابد أنه أدرك ان إعادة الأنبا بنيامين، وتسهيل الأجواء للكنائس لتعود لنشاطها سيؤدي إلى استقرار الاوضاع بعد أن دانت له مصر، اثر خمس سنوات من المعارك والثورات وشتى أشكال المقاومة، التي واجهته، حتى أنه أغضب سيده الخليفة عمر، بسبب عدم قدرته على إحراز نصر سريع...ويرى الفرد بتلر في كتابه "فتح العرب لمصر" أن إعادة بنيامين لعمله، يوضح أن عمرو بن العاص أدرك، أنه لا إستقرار في مصر إذا لم تستقر أمور الدين.
ومن جهة اخرى، فإن إعادة الأنبا بنيامين ليمارس مهامه، والسماح للكنائس بممارسة أعمالها بعقيدة الطبيعة الواحدة للمسيح، لم يغير من أوضاعها المحكومة بالعهدة العمرية او [الشروط العمرية]، التي اسلفنا أيراد تفاصيلها...يقول [تقرير الحالة الدينية في مصر] الصادر عن "مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام" لعام 1995 ميلادية،ان أمر بناء كنائس جديدة او ترميمها وتجديدها، إرتبط عبر العصور الإسلامية بالشروط العمرية...غير أن التقرير نحا نحو التدليس عندما قال، ان الشروط العمرية تنسب، إلى عمر بن الخطاب، وهو برئ منها...ولا ندري كيف أن هذه الشروط ظلت تقيد أعمال الكنائس عبر العصور الإسلامية، دون أن يعرف أحد من أصدرها تحديدآ.
وفي ما يتعلق بإبقاء المصريين الأقباط في وظائفهم السابقة، فإن عمرو بن العاص مشى بالغريزة على خطى الغزاة والإستعماريين عبر التاريخ، الذين كانوا دائمآ يجعلون من يديرون الشؤون الإدارية، وخاصة جمع الضرايب والخراج من نفس أهل البلد، الذين تحت سيطرتهم لانهم أدرى بشعابها...ويكون هؤلاء عادة اكثر قسوة على بني جلدتهم من الغزاة أنفسهم، كي يحافظوا على امتيازتهم وينالوا رضاء أسيادهم ...وفي رأي الفرد بتلر في كتابه "فتح العرب لمصر" أن سبب إبقاء عمرو بن العاص الاقباط المصريين والروم في وظائفهم، هو أنه:{كان العرب رجال حرب وسيف، ولم يتعوّدوا حكم البلاد ولم يحذقوا فنونه. ولم يكن بينهم نظام معروف قد يتخذونه في مصر أو يدخلون منه شيئآ في إدارة أمورها...}....وقد أكد المؤرخ المصري القبطي يوحنا النيقيوسي كيف أن الموظفين الاقباط والروم، الذين ابقاهم ابن العاص في مواقعهم الوظيفية، كانوا لا يقلون قسوة عن الغزاة المسلمين، حيث يقول:{وكان هيرقل الإمبراطور، قد عين أحد الرجال يدعى ميناس حاكمآ للوجه البحري، وكان رجلآ مغرورآ مع انه كان أميآ وكان يكره المصريين. وبعد إمتلاك المسلمين للبلاد، إحتفظوا به في منصبه، ولكن إختاروا رجلآ آخر يدعى شنودة كحاكم لمنطقة الريفRif وثالث يدعى فيلوكسينوس كحاكم للفيوم}...ويمضي النيقيوسي ليقول أن هؤلاء الحكام الثلاثة كانوا يكرهون المسيحيين ويجبرونهم على حمل اللبن والعسل والفاكهة والكرات ابوشوشة وغيرها للمسلمين. ثم أجبروا المسيحيين على حفر قناة نراجان، التي تربط النيل بالبحر الأحمر...وهكذا فعندما استدعى عمرو بن العاص الأنبا بنيامين ليمارس مهامه الكنسية، وعندما أبقى الأقباط والروم في وظائفهم، لم يفعل ذلك حبآ في سواد عيونهم، بل لتسيير دولاب دولة الغزاة الوليدة.

إنمحاق الهوية المصرية

ماذا لو أن المؤرخ المصري القبطي يوحنا النيقيوسي او حنا النيقيوسي، عاد الى الحياة بعد ألف واربعماية سنة من إحتلال الغزاة العرب المسلمين لبلاده؟...وهو الذي وصف عمرو بن العاص، بانه عديم الرحمة وشديد القسوة على المصريين، ولا يحفظ العهود لانه رجل من الهمج.....وهو الذي وصف أيضآ الأقباط، الذين إعتنقوا الإسلام آنذاك هروبآ من الجزية، بأنهم دخلوا [دين البهائم].....ماذا لو عاد وهو الذي أرجع النكبة التي حلت بالمصريين، الذين اصبح الإسماعيليون كما كان يسميهم سادتهم، ألى أسباب ميتافيزيقية منها كثرة الخطايا وعدم إتباع تعاليم المسيح...ماذا لو عاد وهو، الذي انتظر من المسيح أن ينظر اليهم وينقذهم.
سيكتشف النيقيوسي متأسفآ، أن المسيح لم يأت لإنقاذ المصريين، وأن الأقباط المسيحيين صاروا اقلية قليلة مضطهدة، ينتظرون غودو الذي لا يأتي...وأن جل الأقباط الذين كانوا تحت نير عبودية الغزاة العرب المسلمين، قد أسلموا وتعرّبوا، بل ويفخرون بأنهم عرب العرب، وباتوا يضطهدون من بقوا على دينهم من بني جلدتهم، اكثر مما كان أيام المجرم عمرو بن العاص...فمجرد إشتباه بأن لمسيحي علاقة بفتاة مسلمة، يشعل حربآ أهلية في قرية او مدينة مصرية...وسيدرك حنا النيقيوسي ان العهدة العمرية ما تزال تفعل فعلها بعد ألف واربعمائة سنة...اليس من شروطها أن لا يتزوج ذمي من مسلمة.
سيندهش المؤرخ النيقيوسي لللمفارقة الكبرى: فبينما رفض الأسبان الديانة الاسلامية وثقافة الصحراء، وطردواالمسلمين شر طردة بعد أكثر من سبعمائة سنة من إحتلالهم لبلادهم، التي أعادوا إليها وجهها الأوربي المتحضر، سيجد بلده مصر على العكس تمامآ، حيث أنها بعد ثلاثمائة سنة فقط من الغزو العربي الاسلامي،أيّ في القرن العاشر الميلادي كانت قد استعربت تمامآ وفقدت هويتها الفرعونية...وباتت المكاتبات والسجلات في الدولة كلها بالعربية...واخذت اللغة القبطية تضمحل وتندثر سريعآ، حتى إن الأقلية القبطية المسيحية نفسها لم تعد تتكلم بها، ربما بقيت كلمات حية تندب حظها وهزيمتها أمام لغة الغزاة القادمين من أجل المال والطعام...وسيتعجب النيقيوسي اكثر حين يعلم، ان الفرس والاتراك والأكراد والبربر في شمال أفريقيا وشعوب أفريقيا وشعوب آسيا الوسطى، التي أبتليت بالإسلام وأصيبت بلعنته، قد إحتفظت على الأقل بلغاتها وهوياتها الوطنية، على عكس الهوية الفرعونية، التي إنمحقت تمامآ.
وسوف يصعق حنا النيقيوسي حين يعرف، إنه بعد نحو ثلاثمائة سنة من رحيله، كتب شاعر الفرس الأكبر ابو القاسم الفردوسي قصيدته، التي هجا فيها الغزاة العرب المسلمين، الذين إجتاحوا عاصمة كسرى بقوله::{ وبلغ الأمر بآكلي السحالي وشاربي لبن الإبل، أنهم يريدون تاج كسرى..فأف للفلك الدوّار أف)
وستأخذه الدهشة اكثر حين يقرأ للشاعر الفارسي الآخر (ناصر خسرو) الذي يقول في [السفر نامة] ::ـــــ
على من تبتغي الانتصار أيّها القائد العربي
العار لجيش من العريان
بعد حليب النوق وأكل السحالي جئتم تريدون عرش كسرى
أليس في وجوهكم مزعة من الحياء؟
وسوف يصعق اكثر حين يقرأ للشاعر الفارسي المعاصر مصطفى بادكوبا::ـــ
خذني إلى قعر جهنم أيها الإله العربي
شريطة ألا أسمع هناك صوت العرب
أنا لست بحاجة إلى جنة الفردوس
لأني وليد الحب
فجنة حور العين والغلمان هدية للعرب
هذا، بينما في مصر لا يجرؤ أحد أن ينتقد الغزو العربي الأسلامي وجرائمه...وأن مجرد تسمية ما جرى بأنه {غزو} تقود إلى السجن وربما الى المقصلة.
وسيضرب حنا النيقيوسي كفآ بكف، حين يعلم أن الفرس حوّروا الدين الإسلامي بما يسمح لهم بلعن (سنسفيل) عمرو بن الخطاب، الذي عرف بكراهيته للفرس، بالإضافة إلى أمره بغزو بلاد كسرى، بل وأقاموا ضريحآ ومزارآ رمزيآ لقاتله أبي لؤلؤة... هذا، بينما في مصر تقطع رأس من ينتقد عمرو بن العاص وجرائمه...فقد رفعت دعوى قضائية في العام 2004 ضد الكاتب المصري الراحل أسامة أنور عكاشة، لمجرد أنه قال::{أن عمرو بن العاص أحقر شخصية في الإسلام}...وسيقرأ النيقيوسي العديد من المقالات والكتب، التي كتبت بأقلام مصرية تنتقد كتابه [تاريخ العالم ودخول العرب مصر] الذي الفه قبل الف وأربعمائة سنة وتتهمه بالتزوير والكذب بزعم أن إبن العاص كان رحيمآ بالمصريين.ورفيقآ بهم.
والأدهى، أن النيقيوسي سيشاهد مسلسلآ تلفزيونيآ عنوانه:{عمرو بن العاص رجل الأقدار} ألفه وانتجه ومثله واخرجه أحفاد من رأوا الأمريّن على يد عمرو بن العاص...وهو مسلسل فيه اكبر عملية نصب وتزوير، يرسم صورة انسانية لإبن العاص، الذي لا يقل وحشية عن جنكيز خان وهولاكو، بل ويقدمه مخلّصآ للمصريين من إضطهاد الروم، وزاعمآ إنهم استقبلوه بالترحاب...وسيفاجأ النيقيوسي بأن ملايين المصريين، شاهدوا المسلسل فرحين، بأن الله منّ عليهم بعمرو بن العاص، الذي أدخلهم الإسلام...وسيدرك النيقيوسي أن كل ما جاء في المسلسل الفضيحة، يكذّب ويستخف بكل الإخباريات والإحداثيات، التي وردت في سفره التاريخي، وكذلك التي وردت في كتب الإخباريين المسلمين أنفسهم.
وسيقف حنا النيقيوسي والخجل يبدو عليه، أمام أربعة مشاهد تبين مدى صدق، ما قال به العلّامة إبن خلون بأن:[المغلوب مولع أبدآ بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسبب في ذلك أن النفس أبدآ تعتقد الكمال فيمن غلبها وإنقادت إليه]
المشهدالأول:: مذيع في الفضائية الإخوانية، التي تبث من تركيا يستضيف من أسمته بالأكاديمي المصري الدكتور المتخصص في الشؤؤن الأسبانية، ليعلق على احتفال الاسبان في الثاني من يناير 2016 بذكرى طرد المسلمين من اسبانيا (وهو إحتفال سنوي معروف)...وظل المذيع والاكاديمي المزعوم يرددان بأن {اجدادنا العرب فتحوا الاندلس ونقلوا اليها الحضارة العربية وإن اسبانيا كانت لاشئ قبل الفتح العربي}...وكما يقول قرآن محمد (ومن يضلل فلا هادي له)... فمن يهدي هذين المضلين ويبين لهما انهما من بلد غزاه الغزاة العرب المسلمين، مثلما غزوا أسبانيا...فهل نقل الغزاة العرب الحضارة الى مصر؟...يا للعجب، كيف لهما أن ينسيا، أنهما أيضآ من البلاد الموطوءة.
المشهد الثاني:: قناة دينية مصرية ، كان شابان يقدمان فيها في شهر فبراير الماضي تقريبآ، برنامجآ يهاجمان فيه بالإسم كتّابآ مصريين سموا الغزو العربي الاسلامي ((غزوآ))...وفي رأي الشابين، وهو يعكس رأي المؤسسة الكهنوتية الدينية الرسمية، بأن ما تم اسمه ((فتح) وليس غزوآ، دون ان يشرحا الفرق بين المصطلحين...وفي ما هما منهمكان في تبيان أفضال الفتح العربي على مصر والمصرين وذكر سماحة عمرو بن العاص، كان احدهما يردد بإستمرار: أن جدي عمرو بن العاص فعل كذا...وأن جدي عمرو بن العاص سمح بكذا.. وأن جدي عمرو بن العاص قال كذا...وسوف يتساءل حنا النيقيوسي وهو يحك رأسه:: أحقآ أن عمرو بن العاص جده؟ ومنذ متى صار ابن العاص جدآ للمصريين؟...أم على عقول أقفالها.
المشهد الثالث:: فنان مصري من فئة ما يعرف بالانجليزية [كلاون] وبالإيطالية {بلياتشو} قدم بتاريخ 18 مايو 2016 (الإنترتينمنت شو) وفي أحدى فقراته استضاف من اسماه بالعقيد والكاتب والباحث الجيوسياسي، وسأله ضمن أشياء أخرى عن كتابه {خريف الإحتلال} فقال أنه عن صمود بشار الأسد، وما اسماه بمشروع سايس بيكو الجديد، واهداف التوسع الفارسي، وأحلام إستعادة الإمبراطورية الفارسية، وشدد على أن::[الصراع ليس بصراع سني شيعي، إنما هو صراع عربي فارسيٍ] وأضاف باللهجة المصرية:((أصل العداء التاريخي بين الفرس والعرب اللي اسقطوا لهم ممالكهم وحولوهم من أسياد إلى موالي وعبيد دي أصل الحكاية وهم مش قادرين ينسولك دا)) ....سيطأطئ حنا النيقيوسي رأسه من الخجل، وهو يستمع لكلامه وسيقول متحدثآ مع نفسه:: الفرس لم ينسوا من حطموا عرش كسرى وحولوهم إلى موالي وعبيد...فكيف نسيتم أنتم؟...هل نسيتم تلك الأيام المشؤومة، حين كان عمرو بن العاص يختم على أقفية المصريين بالرصاص وإسترقهم بالمعنى الحرفي؟
المشهد الرابع:: في أوآخر التسعينات اجرت محررة بصحيفة "الأهرام" حوارآ مع روائي نوبي من مصر فاز بجائزة أدبية...وكان من ضمن أسئلتها:[لماذا تكتب بالعربية؟ لماذا لا تكتب بالنوبية؟]...تشهّق حنا النيقيوسي وقال والحزن يعتصره:: وأنت ما بك؟ لماذا لا تكتبين باللغة المصرية القديمة؟...كيف تركتم هذه اللغة تنمحي من التاريخ والوجود؟...عجبي}
فعمرو بن العاص ما يزال يحكم مصر من قبره......فهو موجود في مسجده، الذي كان رمزآ للإحتلال، ويتبرك به المصريون اليوم...هو موجود في الآلآف من مغسولي الدماغ، الذين عصف الأفيون الديني بعقولهم، فيضطهدون الإقباط، جاهلين حقيقة أنهم أنفسهم أقباط، وأن عمرو بن العاص كان يفعل في اجدادهم ،نفس ما يفعلونه هم في المسيحيين المصريين اليوم.....موجود في حركات السلفيين والاخوان المسلمين، الذين يريدون إعادة عقارب الساعة، الى القرن السابع الميلادي...موجود في المؤسسة الكهنوتية الأزهرية التي تهيمن بالكامل، على الحياة الثقافية والفكرية والفنية، فلا يصدر فيلم او كتاب او مسلسل، إلا بعد أن تعطي الإذن وتختم بخاتمها، حتى أن المخرج يوسف شاهين، وهو مسيحي، قام بمبادرة غير مسبوقة، بتقديم سيناريو فيلم يوسف للمؤسسة الكهنوتية الأزهرية لتعطي الموافقة، بحجة تحاشي حذف أية مشاهد بعد إنجاز الفيلم...موجود في المحامين فارغي القلوب والرؤوس، الذين تستأجرهم المؤسسة الكهنوتية الأزهرية لمطاردة المثقفين والفنانين وتقديمهم الى المحاكم....حقآ أن عمرو بن العاص هو رجل الأقدار، كما يسميه المسلسل إياه، فقد إستطاع تقطيع جذور أمة عن لغتها وهويتها السابقة للإسلام وتشكيلها وفق الثقافة البدوية...فنم هنيئآ في قبرك يا إبن العاص.

أحمد القاضي
27 مايو 2016



#احمد_القاضي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الخامسة
- في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الرابعة
- في دحض علمية القرآن....الحلقة الثالثة
- فيلم -سذاجة المسلمين-....الهزل في مكان الجد
- في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الثانية
- في دحض مزاعم علمية القرآن...الحلقة الاولى
- زنار مريم........نقد النقد المأزوم
- اليسار .... الخروج من الأطلال؟
- مصر العليلة في مستنقع الدين
- تونس....الدين والتنوير والحداثة
- نادر قريط وغسيل السيرة المحمدية
- تديين كارل ماركس!
- توطين الماركسية بالخرافات الاسلامية !
- زوبعة دكتور حجي....يا قلبي لا تحزن !
- الآية التي سطا عليها محمد !
- متنكر في ثياب التنويريين....او اركلجة الخرافة
- المثقف المكي الذي هزم محمد
- محمد يحرق النخيل وعلي يجز الرؤوس !!
- ابن تيمية ام الضحوك القتّال !
- اولوية نقد الدين


المزيد.....




- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - احمد القاضي - مصر...هي لمن غلب