|
العروبة والاستعراب والهوية القومية!؟
سليم نصر الرقعي
مدون ليبي من اقليم برقة
(Salim Ragi)
الحوار المتمدن-العدد: 5172 - 2016 / 5 / 24 - 19:17
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
مناقشة حول العروبة والاستعراب مع اخ ليبي مصراتي امازيغي !؟ (هل العروبة عرق ethnic ام هوية قومية national identity !؟) ************************* قال لي احد الاصدقاء الأمازيغ الليبيين (البربر) : " العربية عرق ... ومن استعرب من غير العرب فهو بسبب الاحتكاك وليس لأنه صار عربيا ... فحتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم. .. كان هناك صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي ، فهؤلاء مع أنهم عربيو اللسان ولكن لم يصفهم احد بأنهم عرب او مستعربون !"
فقلت : قولك " ومن استعرب فهذا بسبب الاحتكاك وليس لأنه صار عربيا" هو قول متناقض فأنت تقر ابتداء بانه استعرب ثم تنقض ذلك في نفس السطر ! ، ويبدو لي ان سبب هذا التناقض هو عدم فهمك لمفهوم (الاستعراب) ولعلك تحسب أن الاستعراب يكون بمجرد النطق بالعربية !! ، وهذا واضح التهافت لكل عاقل ! ، فلو كان الاستعراب لمجرد الحديث بالعربية لكان بقية البربر الليبيين عربا لأنهم يجيدون الحديث بالعربية أيضا ، بينما ، في المقابل ، بعض الاجيال الجديدة من العرب المهاجرين ممن يعيشون في اوروبا والغرب ربما لم يعودوا يجيدون النطق بالعربية ومع ذلك هم يشعرون انهم عرب !! .... الاستعراب ، يا صديقي ، ليس مجرد النطق باللسان العربي او التعود على تناول طعام العرب وارتداء ملابسهم وتقليدهم في عاداتهم ، لا ليس هذا هو الاستعراب ، والا لاعتبرنا (لورنس العرب) عربيا ! ، الاستعراب عملية ثقافية ونفسية عميقة شديدة التعقيد تتعلق باعادة تشكيل هوية الانسان القومية من الداخل أي من الذات الفردية وارتباطها القومي بالأمة التي تنتمي اليها هذه الأنا والذات الفردية قوميا ! ، وهذه العملية ، أي الاستعراب ، لا تستكمل خطواتها عبر جيل واحد بل عبر أجيال متسلسلة وربما استغرق ذلك عدة قرون ! ، فهي عملية انصهار وذوبان تدريجي في بوتقة العروبة نفسيا ولغويا واجتماعيا وثقافيا حتى تبسط الهوية العربية سلطانها من اعماق النفس والعقل والأنا ، فتصبح هذه (الأنا) أو هذه العائلة او القبيلة غير العربية الأصل ، وعبر عدة اجيال وعدة قرون ، ذات هوية عربية ، أي فضلا عن مظاهر العروبة الخارجية يتكون في النفس انتماء وجداني عميق للأمة العربية ، (أنا عربي !) هكذا يقول الفرد لنفسه ولمن يسأله عن هويته القومية !! ، هذا هو الاستعراب كعملية اعادة تشكيل هوية الانسان فردا وجماعة لترتبط العروبة كهوية قومية وانتماء لأمة من الامم في النفس والعقل والذاكرة بالاحساس بالذات والشعور بالانتماء والولاء القومي وليس مجرد تعلم الشخص للغة العربية او لبس ملابس العرب واكل طعامهم واتباع عاداتهم وتقاليدهم الشعبية ، اما هذه اﻻ-;-مثلة التي ذكرتها مثل الصحابة الاجلاء غير العرب ، رضي الله عنهم ، مثل (صهيب الرومي وسلمان الفارسي وبلال الحبشي) فهم بالفعل لم يستعربوا بالكامل لأنهم كانوا حينها بعد في طور اعادة التشكيل والاستعراب ، فهم يومذاك حديثو عهد بالعروبة فقد جيئ بهم كعبيد الى قلب بلد العرب وهم اطفال صغار من اوطانهم البعيدة ، فهم في هذه الحالة يمثلون (الجيل الاول) الذي يبدأ الاستعراب منه وذلك من خلال باستعرابهم الظاهري دون الباطني اي من خلال اجادة لغة العرب وتقليدهم في عاداتهم الاجتماعية كخطوة اولى نحو سلسلة عمليات الاستعراب ، فهم الخامة الاولى التي يبدأ منها إزميل الاستعراب بالنحت البطيء التدريجي ، ولكن فاتك هنا في مثالك الذي استشهدت به وهم الصحابة غير العرب أن تسأل عن ذرياتهم ، أي اولادهم وأحفادهم ، ماذا حدث لهم !!؟؟ ، هل ظلوا فرسا وحبشا وروما ام هم الآن عرب اقحاح ذابوا تماما في خضم هذه الامة والهوية العربية !!؟؟ ، وهذا يؤكد ان العروبة قد تكون بالعرق والنسب كما يمكن ان تكون بالانتساب والاستعراب اي بالذوبان والانصهار التدريجي في بوتقة العروبة عبر الاجيال والقرون كما حصل مع الكثير من قبائل البربر وعوائل الترك والشركس والكريت وحتى بعض الاكراد والهنود بل حتى بعض اليهود بل بعض العوائل الليبية ذات الاصل الايطالي ، وأنا أعرف بعضهم ، والتي هي اليوم تنتمي للاسلام والعروبة بسبب اسلام جدهم في عهد الاستيطان الايطالي واجادته للهجة الليبية ذات الطابع العربي ، فهؤلاء وامثالهم ذابوا وانصهروا ، عبر سلسلة من التحولات النفسية والثقافية استغرقت اجيالا ، في الانتماء للعروبة حتى اصبحوا عربا ولا يعرفون ولا يبغون غير العروبة انتماءا ، فاذا ذكرت أحدهم بأصله غير العربي ضحك وقال لك : (وهل جد العرب الأول والاعلى كان عربيا !!؟؟؟) .. وهنا بالتالي لن يعني الأصل العرقي والعنصري القديم لهؤلاء المستعربين شيئا ! ، فالهوية القومية ، وكذلك الهوية الوطنية ، اليوم في عصرنا لم تعد تقوم على وحدة العرق والسلالة والدم النقي الا عند القوميين العنصريين (النازيين) وحدهم ممن يؤمنون بالقومية العرقية العنصرية القائمة على وحدة الدم والعنصر ووحدة ال (DNA) وهو مفهوم عنصري للقومية بات من الماضي البعيد بعد ان اختلطت الاجناس والعناصر والسلالات والشعوب وانصهرت في هويات قومية وجماعات وطنية لا تقوم على وحدة الجنس ورابطة الدم بل تقوم على وحدة اللغة او الثقافة او التاريخ والجغرافيا والوطن والدولة أو حهى وحدة الدين والمذهب ، أو خليط من هذه العوامل مجتمعة ، وفي النهاية تظل مسألة الهوية القومية والاجتماعية متعلقة بالذاكرة الشخصية والجماعية من جهة ومن جهة أخرى هي مرتبطة بشعور الانسان الشخصي والعائلي بالانتماء والولاء للجماعة/الامة/ ولفصيلته التي تؤويه !! .
خلاصة موضوعي ومقالتي هنا هو انه صحيح أن اساس كل امة ووحدتها وهويتها القومية هو وحدة الدم والعرق لكن في العصور المتأخرة لم يعد هذا الامر ، اي وحدة الجنس والعرق ethnic ، يشكل سوى (نواة) ومنطلق تكوين الامم واساس هويتها القومية National identity ولكن بقية مكونات الامة والتي تشكل في مجموعها الاطار العام الواسع الذي يدور حول هذه (النواة) وتمثل البنيان الكبير الذي يقوم على ذلك (الاساس) القديم البدائي الاول لا يتعلق لا بالجنس والعرق ethnic ولا وحدة الدم ، فقد يتعلق فقط بوحدة الدين او وحدة اللغة او وحدة الدولة او وحدة المعيشة والمعاناة المشتركة ووحدة المنافع والسوق ... الخ ، فيدخل في هذه الامة اشخاص واجناس من اعراق اخرى لكنهم ينصهرون في هوية وقومية هذه الامة الوطنية Nationalism and national identity ، والامة العربية او العرب كقوم ليسوا شذوذا عن هذه القاعدة ، لهذا ورغم ان الاساس في العروبة الاول كان هو وحدة الدم والجنس الا ان باب الاستعراب كان مفتوحا حتى قبل الاسلام لمن يريد الانضمام والانصهار في الهوية العربية وهكذا دخلت في تكوين القومية والهوية العربية عدة شعوب وقبائل وعوائل لا تنتمي من حيث النسب والعرق للعرب ولكنها اصبحت عربية بالاستعراب والذوبان التام في الانتماء للعروبة وفق سلسلة من التحول النفسي والثقافي العميق الذي استغرق عدة اجيال وربما حتى عدة قرون! . ********** سليم الرقعي مايو 2016
#سليم_نصر_الرقعي (هاشتاغ)
Salim_Ragi#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رخصة واجازة زواج !؟؟
-
الملك السنوسي والخطأ القاتل !؟
-
ما الفرق بين الآداب والأخلاق!؟
-
نحو دولة حرة مستقرة في ليبيا!؟
-
حورية المسحور !؟
-
متى سينتهي اعصار الارهاب!؟
-
هل نحن عرب بريطانيا بريطانيون !؟
-
عندما تخونك الذاكرة !؟
-
تطبيق الشريعة وقميص عثمان !!؟
-
توقعاتي بفشل حكومة الوفاق ولماذا !؟
-
الإنسان قبل الأوطان وقبل الأديان!؟
-
الخلافة الاسلامية! ،محاولة لفهم عصري!؟
-
الصراع بين الليبرالية والاصولية في الغرب اليوم!؟
-
هل للغربيين سلطان مطلق علينا !؟؟
-
من لا يستحقون الحرية!؟
-
طبقات ومكونات النفس البشرية !؟
-
هل يولد الناس احرارا بالفعل !؟
-
هل انت فضولي بما يكفي !؟
-
الفلسفة الاسلامية والايمان بالله !؟
-
العلمانية ليست هي الحل !؟
المزيد.....
-
هل يعارض ماسك الدستور بسبب حملة ميزانية الحكومة التي يقودها
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وأخرى تستهدف للمرة الأولى-..-حزب
...
-
حافلة تسقط من ارتفاع 12 مترا في حادث مروع ومميت في فلاديفو
...
-
بوتين يتوعد.. سنضرب داعمي أوكرانيا بالسلاح
-
الكشف عن التاكسي الطائر الكهربائي في معرض أبوظبي للطيران
-
مسيرات روسية اختبارية تدمر مركبات مدرعة أوكرانية في اتجاه كو
...
-
مات غيتز يتخلى عن ترشحه لمنصب وزير العدل في إدارة ترامب المق
...
-
أوكامبو: على العرب الضغط على واشنطن لعدم تعطيل عمل الجنائية
...
-
حاكم تكساس يوجه وكالات الولاية لسحب الاستثمارات من الصين
-
تونس.. عبير موسي تواجه تهما تصل عقوبتها للإعدام
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|