أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ماجد المذحجي - التاريخ يتكلم بإسم عبد القادر الجزائري ..-كتاب الأمير- لواسيني الأعرج














المزيد.....

التاريخ يتكلم بإسم عبد القادر الجزائري ..-كتاب الأمير- لواسيني الأعرج


ماجد المذحجي

الحوار المتمدن-العدد: 1394 - 2005 / 12 / 9 - 12:43
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


يعمل الروائي الجزائري واسيني الأعرج في روايته "كتاب الأمير: مسالك أبواب الحديد" الصادرة أخيراً عن "دار الآداب" في بيروت، على إعادة بناء التاريخ الصامت للأمير عبد القادر الجزائري الذي قام بمقارعة أولى موجات الاستعمار الفرنسي واُخذ منفياً لفترة طويلة في فرنسا قبل أن يتم ترحيله لاحقاً إلى المشرق العربي تنفيذاً لاتفاق عقده مع الحكومة الفرنسية التي تلكأت في تنفيذه طويلاً.

يحاور هذا العمل أكثر من منطقة، فهو يعيد الاعتبار الى الدور التاريخي الذي قام به الأمير عبد القادر الجزائري في دفاعه عن الجزائر، ويقدّم مشهداً واسعاً للجزائر قبل الاستعمار، وما خلّفته التركة العثمانية الثقيلة من سوء إدارة، وجهل، ومجموعة علاقات بدائية بين القبائل، ودولة مهدمة حاول الأمير إعادة بنائها قبل أن يفاجئه الفرنسيون بخططهم الاستعمارية. يتتبع العمل أيضاً جهود القس الفرنسي في الجزائر المونسنيور ديبوش في الدفاع عن حرية الأمير واحترام فرنسا لمواثيقها. لا يعيد سرد الوقائع التاريخية، إنما يعيد ترتيب مشاهدها الخلفية. يقوم ببناء الصامت في سيرة الأمير عبد القادر ويفضح تقرحات الحرب وعدم جدواها ولا يبرّئ احداً حين يحدث الموت. الجميل في هذه الرواية انها لا تقع في فخ الأساطير، أي انها لا تؤسطر الأمير بل تعيد وصله بيوميات صعبة وحقيقية بشكل جارح. إننا هنا نتعرف الى خيباته، الى الرجال حين يُخذَلون ويَخذلون، الى المناخ السري للصفقات، الى حقائق القوة التي لا تكفي لقهرها شعارات النضال ضد المستعمر الكافر. في "كتاب الأمير" يتم الاستئناس بالتاريخ ولكن لا يتم تبنيه أو تكريره، بل استنطاقه وفضح أسراره وجعله موصولاً بالغامض الذي لا يتم الانتباه اليه. انه عمل يعتني بالحديقة الخلفية للتاريخ فيجعلها معرّضة للضوء.

تتنقل الرواية عبر أكثر من محطة. ترصد تحولات حياة الأمير أثناء قيادته مهمة مقاومة الفرنسيين والمحافظة على دولة تتنقل مع الخيام التي يحملها في حراكه المستمر في أرجاء الجزائر بعدما دمر الفرنسيين عواصمه واحدة تلو الأخرى. يتكشف عبر الرواية شكل الدولة الجزائرية التي كان الأمير يريد إقامتها، العلاقات السياسية المتوترة مع السلطان المغربي والقبائل المتمردة التي تعتاش على السلب والغزو والتي أراد الأمير تمدينها. كيف أدار العلاقات مع القوى الأوروبية أثناء مفاوضاته، وصراعه السياسي مع الفرنسيين قبل دخول الأزمة بينهما مرحلة اللاعودة. كيف سقط رفاقه شهداء في أثناء المعارك وكيف ارتكبوا المجازر أيضاً. يحاول الروائي أن ينظر من بعيد وإن كان لا يخفي تعاطفه الشديد مع هذا الأمير الذي شردته نزاهته، وخيبات الأرض، والحلفاء، والخصوم.

يأتي القس الفرنسي المونسنيور ديبوش ليفخخ فكرة الاستعماري الشرير بالمطلق، فرجل الكنيسة البسيط والطيب قصد الأمير في خدمة إطلاق أسير لديه، وبسبب إجابة الأمير لهذا الطلب ينذر القس بقية حياته لإطلاق الأمير من منفاه الفرنسي ولإنقاذ شرف فرنسا من تهمة عدم الإيفاء بالعهود التي تقطعها. يتحاور الاثنان مطولاً، القس المسيحي الكاثوليكي والأمير المسلم التقي، حول الكثير من القضايا، ومن دون الوقوع في فخ التعصب الديني تنفتح الأسئلة في المنطقة الصعبة، من غير أن يقع أي منهما في استقطاب بدائي يلغي شغفه بمعرفة الآخر حتى النهاية.

في هذا العمل يتخلى واسيني الأعرج الى حد بعيد عن بنائه الشعري للرواية كما تعوّد في بقية تجاربه. لا يفرط في استخدام اللغة الشعرية بل يوزعها بخفة لا تُلحَظ في أنحاء العمل الذي تصطاد أحداثه القارئ وتجعله يُمرّ التراكيب الشعرية القليلة في البناء اللغوي للرواية من دون انتباه. ميزة هذه الطريقة أنها تُمرّ الرواية من مناطق صعبة يضيق فيها الحدث التاريخي ولا يمكن سوى الاستناد الى لغة شعرية مميزة تستطيع أن تُفلت بالروائي من ضيق المكشوف الذي يُعتمد عليه في هذا التاريخ الصامت.

تستطيع تجربة واسيني الأعرج هذه أن تقول إن مشكلة التاريخ تَمثل في علاقته بالرواية من زاوية انه يخرّب المناطق المفتوحة للتخيل ويلجمها في إطار الصدقية التاريخية التي لا تمنح الفرص أمام إمكان اختبار مسكوتاته إلا في حدود ضيقة. يكون على العمل الروائي إذاً أن يفتح منافذ صغيرة ليتسرب منها نحو إعادة بناء الحدث التاريخي ضمن المعطيات الرسمية، مع منح ألوان للمناطق المعتمة فيه، وتركيب حياة أكثر اكتمالا من العناوين العريضة. أي انه يجب إنقاذ الرواية من تجهم المروية التاريخية عبر منحها صيغة أكثر حرارة لما تريد اقتناصه من هذا الحدث التاريخي. وعندما يفعل الروائي ذلك فإنه يضع تجربته أمام اختبار أساسي، وهو بناء رواية غير مناهضة للصدقية التاريخية ولا تقع أيضاً في صرامتها.

هذه الرواية "لا تقول التاريخ لأنه ليس هاجسها؛ ولا تتقصّى الحوادث والوقائع لاختبارها"، على ما يقول الناشر. إنها عمل يتعرض لهذا التاريخ بخفة لكي يسرّب مقولات تفضح الحياة الصعبة، وتقرّح الحروب، ولا منطقها، والحاجات البسيطة للبشر العظماء الذين وقعوا فجأة أمام اختبارات قاسية لم يكونوا يرغبون بها. إنها رواية تُنصف ذلك الأمير الشريد وتقول كلمة طيبة في حقه. وجدير بالقول أخيرا إن الروائي والأستاذ الجامعي واسيني الأعرج تنازل عن حقوق هذا العمل والعمل الذي سبقه لجمعيات الأطفال المرضى بالسرطان.



#ماجد_المذحجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتراضاً على إعدام قاتل جار الله عمر
- رواية الضجر الأنثوي والجملة الناقصة.. رواية غرفة السماء ل مي ...
- ما يُفترض ان يكتبه شخص من ملاحظات
- عن الرمز المقدس وما عليه........
- التفكير في فكرة الرقيب الاخلاقي
- ستولد من أحبها من ضوء قمري أو من قدح
- الحزب الاشتراكي اليمني وتشكيل تراث الخيبة
- المشاهد التي يُمكن أن أنتبه لها للحظة
- بطاقة تخصني وتتعلق بما أنا علية
- الرواية في فخ التجريب والحنين..واسيني الأعرج يأكل مصير أبطال ...
- مطلع أغنية جاز يغنيها رجل أسود.. وحزين
- محاوله في تلقي لغة لم تُجهز من خارجها..عن نص ( أكاذيب نونزاي ...
- بنية مغلقه.. و تحيزات جاهزة... عن المشهد الثقافي السوري
- الخفة كحاصل ضرب الشاعر برسائل الفتاة المراهقة
- هوامش ثلاثه عن انطفاء الرجل الذي غادر
- التفاصيل باعتبارها ملاحظات يكتبها الرجل الضجر
- عن التهديد بالقتل للصحفيين اليمنيين.. الإقصاء والعنف مفردات ...
- فن السينما... النشاط البصري كصناعة ثقافية
- طروادة فولفجانج بيترسن وإعادة كتابة الأسطورة بصرياً
- الحوثي وعلي عبدالله صالح... لصالح من تنهش اليمن؟؟؟


المزيد.....




- -لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د ...
- كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
- بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه ...
- هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
- أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال ...
- السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا ...
- -يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على ...
- نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
- مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
- نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ماجد المذحجي - التاريخ يتكلم بإسم عبد القادر الجزائري ..-كتاب الأمير- لواسيني الأعرج