|
فكرة الدين والوجود تناقض أو صورة ناقصة؟.
عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 5172 - 2016 / 5 / 24 - 08:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
فكرة الدين والوجود تناقض أو صورة ناقصة؟.
لا جديد يمكن أن نضيفه للفكر حينما نقول أن مظاهر التدين البشري نتاج حاجة فرضها الواقع والتكوين الكيفي للإنسان وارتباطه أيضا بفكرة الفناء والبقاء، وليس بالضرورة أن تكون القضية أصلا منسجمة مع قوانين الوجود المجردة من الشعور الإنساني الذاتي لأنه يبقى على كل حال مجرد شعور ذاتي مصدره الرغبة في البقاء وتجنب الرحيل الموقوت، أحيانا أذهب بعيدا في تصوراتي الأفتراضية لو أن البشر لم يعرف الدين أصلا ولم ينبه لفكرة الخالق والمخلوق، هل سيكون هناك مظهر إنفعالي وتفاعلي شبيه لحالة التدين ولكن تحت مسمى أخر أو بحالية مختلفة؟، السؤال يبقى يتردد بين الإجابتين دون أن يحسم العقل أيا منهم هو الجواب النهائي. العودة إلى تاريخ الأديان والذي هو الأخر لا يعط تفسيرا نهائيا عما يمكن أن تكون النتيجة لأنه أصلا لم يتفق بشكل مقنع ويقيني متى وكيف ولماذا صار الإنسان متدينا، ولكنه أعطى فكرة تقريبية تدور بين افتراضين الأول أن الدين ليس أختراعا بشريا محضا ولا خلق طارئ على الإنسان، بل هو في الغالب أما فطري تكويني لزومي ويستشهد بالكثير من الملاحظات التي سجلها ووثقها التاريخ والواقع وقبلها المنطق أيضا، أو أن التدين كان منذ الأزل أمرا مرافقا للوجود الإنساني قبل أن يولد الإنسان من آدم النبي المؤمن المتدين. الأفتراض الأخر وهو الذي يفسر ما كان على أنه خيار بشري ويمكن وصفه بنوع من الغرابية والغباء واللا منطق، وبعيدا عن الرواية المثالية الدينية أو المثيولوجية والتي يركز فيها الدارس والباحث في علم نشوء الأديان، على أن الإنسان وكما في الكثير من أخطاءه الوجودية وحماقاته عندما كان العقل قاصرا وغير قادر أن يفسر ويعلل ويستنتج وينتج معرفة وجودية مكتملة نسبيا، زج حريته وكينونته في معتقلات ذاتية عديدة تتشابه في نطاق عملها مثل القانون والأخلاق والنظام، لأنه ببساطة كان يجهل قيمة الحرية وتنقصه التجربة في إثبات تفوق عقله على الشعور بالخوف والقلق والوحدة. سواء أكان هذا الأفتراض هو الراجح أو ذاك لا يمكننا أن نبني مصير قضية الدين والإنسان على مجرد أحتمالات تنظيرية غير حاسمة، وبالتالي نبقى في دوامة السؤال والبحث عن إجابات عبر منح العقل حرية أن بذهب أبعد قليلا من التفكير النمطي المعتاد، مثلا يمكنه أن يسأل هل أن فكرة الدين والتدين تتناول الوجود المتضخم المتعاظم وترى في الإنسان هذا الكائن الذي لا يشكل بوجوده شيئا ذا قدرة أو مقدرة على التأثير بالنظام الكوني العام؟، أو هل يجزم الدين والتدين أن الإنسان المخاطب والذي أدخل نفسه في شرنقة الإيمان به أن لا كائنات شبيه بالإنسان أو أعظم منه يمكن أن تكون في زاوية من زوايا الكون مقلا؟، وهل يجزم الدين مثلا أن تلك الكائنات الخيالية ليس لديها القدرة والقوة والفعل أن تتلاعب أو تتحكم بمصير الوجود؟، طبعا الجواب يبقى ضبابيا ويعتمد على التأويلات والتبريرات التي ترجع إلى قاعدة أن الكون مسخر للإنسان حتى يعبد الله وحده. لا أفهم حقيقية كيف يكون مثلا جزء من الكون قد لا تصلنا عنه إشارة ملموسة ومحسوسة دالة على وجود ما بعد كم مليون سنه لبعده الساحق عنا وعن موضع وجودنا مسخرا لخدمة الإنسان ليعبد ربه مثلا، هل من المنطق أن يختصر الوجود كله ببضع مفردات تكفي لتبرير ما جاء لنا عبر النص الديني مثل الشمس والقمر والسحاب والريح والنجوم وغيرها من المفردات، لنكتشف أخيرا أن كل هذا لا يساوي شيء مما في الوجود من تفاصيل مثيرة، وما ضرب لنا مثلا يشكل بالنسبة للعقل العلمي قياسا ومقايسة مجرد فكرة طفل صغير عن الكون مقابل خبرة عالم فلكي عملاق، ومع ذلك ما زلنا نردد المقولات للتدليل على عظمة الدين ومقدار ما يحتوي من علم خارج قدرة العقل الإنساني على التصور ونعتبره أعجازا علميا مبهرا. العقل الذي يركز النص الديني على قدرته ووجوب تفعيله صار أول ضحاياه من خلال ربطه من غير ضرورة بحدود الإيمان بالنصوص ذاتها، مثلا لا يمكن للعقل المتدين أن يفترض أن وجودا أخر وحياة مماثلة قد تكون معاصرة أو سابقة أو لاحقة لحياتنا التي ركز كثيرا في وصف تفاصيلها وكيفية التعامل معها تمهيد للانتقال للمرحلة الثانية منها، لو كان النص مفتوحا على أحتمالات حقيقية مثل هذا لأمكننا أن نقبل عقلانية وعلمية النص، ولكنه حصر قضية الوجود الكلي الذي يسميه بمصطلح الخلق مجرد دلالة على القدرة وإشارة إلى ربط مصيره بالإنسان قد أفرغ دعوة العقل للفعل والتحرر ورسم طريقا واحدا لا خيار له إلا أن يؤمن بما في النصوص من فكرة. الذي يدرس الدين من خارجه لا بد أن يكون ناقد متفحص وباحث مجرد أو أنه قد وصل لمرحلة مهمة في فهم الدين والتعمق بتفكيك مفاهيمه سيرى أن نبل الفكرة ذاتها لا يعطيها الحق أن تكون سيدة العقل، بمعنى أن نبل القضية لا يغني عن كونها حقيقة أو نصف حقيقية أو مجرد وهم، شخصيا أحاول أن أبني أعتقادي الخاص بالقضايا الوجدانية على أسس منطقية كي أتعود على أن يكون وجداني الذاتي محكوم كما في الفعل العقلي يمنطق يبني قناعات ويتبنى الفهم الواعي بعيدا عن المسلمات المتوارثة التي لا تصمد بالأمتحان النقدي العلمي المادي، لذا فعلاقتي مع الدين تتركز على شقين أن الدين مجرد صيغة أخلاقية تسمو بالسلوك الإنساني نحو الإيجابية وهذا هو الجانب المشرق منه، أما الشق الثاني أن الدين نظرية فكرية قابلة للدراسة والفحص والنقد والبرهان دون أن يكون لدلالة الفكرة حصانة مقابل العقل. هنا يجب أن نتوقف لدراسة الأعتراض الأساسي الذي أنحاز له دوما لماذا هذا التضخيم المتعمد لدور الفكر الديني وتغلغله حتى بالخصوصيات الفردية التي لا تتلاءم مع كونيته كخطاب عقلي، في الوقت الذي لم يعد مقنعا ولا مهما أن يكون له هذا الحضور الطاغ في تفاصيل الحياة والعالم العاقل يسير بالعلم في دروب مميزة ومسالك دقيقة الكثير منها يجهلها الدين أو يتجاهلها، ألا يكفي هذا السجن الإفرادي والأسر الطويل للعقل الإنساني في مجاهل الخوف والترغيب وإدعاء الشمولية والكمالية والتمام العقلي. من المؤكد أن الإنسان بقدراته المحدودة وخاصة في الزمن الذي كانت الوسائل والسبل العلمية محدودة على القدرة والأكتشاف لا يتعدى ببصره ما هو قريب ومتواصل ببيئة ووجوده الخاص، لذا فمفاهيمه وعلاقته بالوجود تتسم بالقصر والمحدودية ويعتبر أن نهاية العالم وحدوده هو ما يدركها عنصر الملاحظة والقدرة على الفهم، هنا نشأ الدين كحل توافقي بين محدودية القدرة على الرؤيا وبين محاولة العقل تجاوز حدود الرؤية الممكنة والواقعية، إنه خيار تفسيري مترابط بين سجل الانسان في الوجود ونطوره وبين قضية أن هناك حدس أكيد في العقل أن الكون والوجود غير متناه ولا محدود، ترجم هذا الربط المزدوج بنظرية توافقية تأخذ من الظواهر عناوين رئيسية ومن الأحتمالات الأفتراضية ساحة لحرية العقل أن ينشئ تفاسير وتعليلات ينسبها لما فوق المطلق الذي سماه العالم الغير متعلم. هذا الحال الموضوعي مضافا له ذاتية الإنسان المتعلقة بالبحث عن السهل الميسر والأمور المبسطة خلقت نوعا من التزاوج المركب، مهد لتكوين فكرة تطوق الإنسان لنفسه بقضية أخلاقية تستهدف جلبه للسير على طريق مرسوم سلفا ويوصل لنتيجة أيضا معروفة سلفا، وينسبها لجهة مثالية قدسية بما فيها من توقير لتريحه من مشقة السؤال والبحث من جهة أخرى، هنا أكتفى بنتائج هذا الزواج المختلط وأنتج لنا منظومة من قيم ومعتقدات وصور ذهنية تجمع بين بعض المفاهيم وأضدادها في أطار معصوم من النقد، كي لا تثار مرة أخرى تلك الأسئلة الإعجازية التي ترميه في التيه أو الجنون وتمسك بها بالتزام إيماني راسخ كي لا تنتهك بعد الوضع، ولا يسمح لأحد بعد ذلك في البحث عن بدائل في ذات الإطار، نعم ولدت في وجوده أفكار أخرى كما قلنا تمثلت بفكرة القانون والعرف والأخلاق والمثل وحتى نظم العيش كلها تدور في نفس الإطار التكويني، لكنها غير معصومة وتقبل النقد كما تقبل التطور عكس الدين الذي بقي عصيا عن محاكاة الأفكار الأخرى ومسايرتها. هذا التميز والفرادة التي منحها الإنسان للدين ذابت كثمرة تنظير وتعاظمت كسلطة حاكمة على العقل مع مرور الزمن، وتحول نتاج الخلق والأبتكار والإبداع الإنساني إلى حقيقة مطلقة أحادية الجانب تمتلك كل المعايير والقياسات وتحتكر الحقيقة التمة لوحدها، وتصل في قدسيتها وتقديسها عند البعص للحد الذي لا يسمح لأحد بالنقد أو محاولة التفكير به، لقد تحول الدين من سجن للميول المنحرفة وضابط ضروري لتقويم السلوك الإنساني إلى سجن للإنسان، من خلال زج العقل في حدود النصوص المغلقة على نفسها والمحاطة بالعصمة المطلقة، وتحول العقل الإنساني المبدع إلى سجين لما أبتدعه وتحول من مقاتل حر باحث عن حرية الأشياء إلى عبد للنص وأجير عنده يفترض به الطاعة والولاء فقط. قد تكون هذه المخرجات النظرية محاولة جادة تمسك العصا من الوسط دون أن تحرم الدين من دوره الضابط والأخلاقي والضروري، ولكن أيضا تحد من سطوة الفكر الغيبي والما ورائي المعتمد على زرع صور في الخيال الذهني عن الكون وعن الوجود وعن الحقيقة التي لا حدود لها، حقيقة أن الدين ليس نهاية العلم كما تصوره العقول الدينية وتبشر به على أنه المنطق الوحيد لتفسير كل شيء وتبريره، إن الأعتراف ببشرية فكرة الدين لا تلغي أيضا البذرة التكوينية المسماة الفطرة الإنسانية الطبيعية في التعلق بالأسرار البعيدة ومنها أسرار الوجود والخلق والكلمة الأولى، هذه المخرجات قد تكون بداية لتأسيس مفهوم وفهم أخر لإشكالية العلم والدين وتناقضات الفكرة الناقصة وأحتمالية تطوير بديل عقلي ومنطقي للصورة الحالية للدين.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تنبؤات مجنونة من طفولة عاقلة
-
الفكرة المهدوية وغياب رؤية النهاية
-
الإرهاب بطريق الوهم
-
مكابدات الحزن والفرح في وطن حزين
-
آينشتاين النبي ..... مفهوم العقل في العقل
-
العمل السياسي في العراق بين المهنية والتلقائية
-
العشوائيات السكانية .... القنبلة التي تهدد الأمن الأجتماعي
-
القبانجي الليبرالي بزي السلفيين
-
العقل في دائرة الروح
-
أكاذيب حول موقف الإسلام من المرأة _ الإمامة مثالا.
-
الناس على دين ملوكها.
-
حكاية الأربعاء
-
بيان الأمانة العامة المؤقتة للتجمع المدني الديمقراطي للتغيير
...
-
الفوضى الضرورية والفوضى الخلاقة
-
نقد التاريخية قراءة نقدية في فكر عبد الكريم سروش ح1
-
نقد التاريخية قراءة نقدية في فكر عبد الكريم سروش ح2
-
من يطلق رصاصة الرحمة على نظام المحاصصة
-
الحياد في قضايا المصير
-
المتوقع والمأمول من حراك البرلمان العراقي
-
الحرية الطبيعية ومفهوم الوعي بها
المزيد.....
-
“التحديث الاخير”.. تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah T
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف بالصواريخ تجمعا للاحتلال
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تعلن قصف صفد المحتلة بالصواريخ
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف مستوطنة راموت نفتالي بصلية
...
-
بيان المسيرات: ندعو الشعوب الاسلامية للتحرك للجهاد نصرة لغزة
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تقصف بالصواريخ مقر حبوشيت بالجول
...
-
40 ألفًا يؤدُّون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تواصل إشتباكاتها مع جنود الاحتلا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف تجمعا للاحتلال في مستوطنة
...
-
“فرحة أطفالنا مضمونة” ثبت الآن أحدث تردد لقناة الأطفال طيور
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|