أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - علاء كمال - الجات ونهب الجنوب - الجات وتناقضات الكبار















المزيد.....



الجات ونهب الجنوب - الجات وتناقضات الكبار


علاء كمال

الحوار المتمدن-العدد: 381 - 2003 / 1 / 29 - 05:02
المحور: الادارة و الاقتصاد
    


 


بعد سبع سنوات من التفاوض المحموم - هى عمر دورة أورجواى، مرت خلالها المفاوضات بفترات مد وجزر، وكادت تنهار المفاوضات فى لحظات عديدة، وتم خلالها تبادل الاتهامات بين الاطراف الرئيسية فى الاتفاقية (امريكا - اليابان - المجموعة الأوربية) فى ظل وجود شكلى للدول النامية التى لم تستطيع فرض تصوراتها أو مطالبها - مما حدا ببعض المراقبين إلى وصف وضع الدول النامية بأنه وضع "الايتام على مائدة اللئام" تعبيرا عن هيمنة الدول الصناعية الرئيسية وعجز البلدان النامية عن المساومة الجماعية الفعالة فى المفاوضات، تم توقيع الاتفاقية فى آخر لحظة من المهلة المحددة بتاريخ 15 ديسمبر 1993.

جولة أورجواى وأهم اتفاقياتها

وتوصلت جولة أورجواى الى 26 اتفاقية شملت مجالات عديدة منها :

- اتفاقية الزراعة.

- اتفاقية الملابس والمنسوجات.

- اتفاقية حول الحواجز الفنية للتجارة.

- اتفاقية حول مجالات التجارة المرتبطة بالاستثمار.

- اتفاقية خاصة بالتفتيش قبل الشحن.

- اتفاقية حول قواعد المنشأ.

- اتفاقية حول إجراءات منح تراخيص الاستيراد.

- اتفاقية حول الدعم والإجراءات المضادة.

- اتفاقية حول الإجراءات الوقائية.

- اتفاقية حول الخدمات.

- اتفاقية حول مجالات التجارة المرتبطة بحقوق الملكية الفكرية.

- اتفاقية حول الاجراءات والقواعد التى تحكم فض المنازعات.

- آلية للمتابعة الدورية لسياسة التجارة للدول الأعضاء (31).

وسوف نلقى الضوء على أهم ماتمخضت عنه جولة أورجواى وذلك فى المجالات التى كانت مثار اختلافات بين الدول الاعضاء.

الجات وتحرير التجارة فى السلع الزراعية

دارت أهم قضايا الخلاف فى دورة أورجواى حول المسألة الزراعية، إذ رأى القائمون على شئون الاتفاقية ان هناك انتشارا واسعا للشئون الحمائية داخل القطاع الزراعى الامر الذى أدى إلى انتشار العديد من الحواجز فى وجه التجارة فى هذه المنتجات (32)، وبداية فقد بقيت التجارة الدولية فى السلع الزراعية خاضعة لعدد كبير من القيود التى تفرضها البلاد الصناعية والنامية لحماية المنتجين الزراعيين من المنافسة الخارجية.

وكذلك سارت بلاد كثيرة على تقديم دعم كبير للانتاج الزراعى وللصادرات من السلع الزراعية، ولم تتمكن دورات المفاوضات التجارية السبع السابقة التى تمت فى إطار "الجات" من التصدى لمشكلة الحماية والدعم فى القطاع الزراعى وذلك رغم أهمية السلع الزراعية فى التجارة الدولية، وأهمية هذا القطاع لعدد كبير من البلاد والمنتجين والمستهلكين.

وقد خرجت السلع الزراعية من دائرة مفاوضات تحرير التجارة لأن البلاد الصناعية تمسكت بهذا الاستثناء منذ قيام الجات.

ومن ثم فقد اقتصرت عملية التحرير على التجارة الدولية فى السلع الصناعية، وبقى الحال بالنسبة للسلع الزراعية كما كان عليه غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية، بل زادت درجة الحماية والقيود الواردة على هذا القطاع.

ويصدق ذلك بصفة خاصة على المجموعة الاوربية التى اسرفت فى حماية الزراعة ودعم الانتاج والتصدير الزراعى تحت تأثير فرنسا. ومن المعروف ان فرنسا لاتنظر الى قطاع الزراعة على انه مجرد نشاط اقتصادى مثل غيره من الانشطة، ولكنه ذو أبعاد اجتماعية وسياسية على جانب كبير من الأهمية، وذلك للمكانه الفريدة التى تتمتع بها الزراعة فى الفكر الاقتصادى الفرنسى منذ نادت مدرسة الطبيعيين (الفيزيوقراط) فى القرن الثامن عشر بأن الزراعة هى النشاط الاقتصادى الوحيد المنتج (مما يفسر الرابطة العاطفية بقطاع الزراعة فى فرنسا)، وليس معنى ذلك ان هذا الفكر مازال سائدا فى فرنسا للوقت الحالى، وقد نجحت فرنسا ومعها باقى بلاد المجموعة الاوربية فى اخراج التجارة الدولية فى السلع الزراعية من دائرة المفاوضات، ومن ثم فقد تمتع قطاع الزراعة فى بلاد المجموعة الاوربية بدرجة بالغة الارتفاع من الحماية، وانعكس ذلك فى تطبيق مايسمى بالسياسة الزراعية المشتركة. وتنطوى تلك السياسة على تطبيق ثلاثة انواع من الحماية :

النوع الاول : يتمثل فى التعريفة الجمركية المفروضة على المواد الغذائية المستوردة، وهى تأخذ احيانا صورة التعريفة المتغيرة، بمعنى انه لايوجد رسم ثابت ولكنه يتغير تبعا لتقلب مستوى الأسعار العالمية، فالرسوم الجمركية المفروضة على بعض السلع الزراعية الغذائية ترتفع عند انخفاض الأسعار العالمية، وتنخفض عند ارتفاع تلك الاسعار، والواقع ان التعريفة الجمركية المتغيرة معادلة فى آثارها للقيود الكمية حيث انها تمكن المجموعة الاوربية من التحكم فى مقدار المنافسة الاجنبية المسموح به فى أسواقها، وساعد على ذلك اللجوء فى بعض المواسم إلى نظام الحظر المطلق للواردات الزراعية، وكذلك استخدام المعايير الصحية والبيئية العالمية لاستبعاد الواردات التى لاتصل نوعيتها الى المستوى المطلوب.

النوع الثانى : يتمثل فى الصور المختلفة للدعم الذى تقدمه حكومات المجموعة الأوربية للانتاج الزراعى، وقد يتخذ هذا الدعم صورة مدفوعات حكومية للمنتجين الزراعيين لبعض السلع أو فى بعض المناطق، هذا بالإضافة إلى الدعم العام عن طريق البحوث والتطوير والارشاد، وقد يتخذ الدعم صورة ضمان حد أدنى من الأسعار واستعداد الحكومات للتدخل فى صورة مشترى فى حالة نزول الأسعار عن هذا الحد الادنى.

نطوى تلك السياسة على تطبيق ثلاثة انواع من الحماية :

النوع الاول : يتمثل فى التعريفة الجمركية المفروضة على المواد الغذائية المستوردة، وهى تأخذ احيانا صورة التعريفة المتغيرة، بمعنى انه لايوجد رسم ثابت ولكنه يتغير تبعا لتقلب مستوى الأسعار العالمية، فالرسوم الجمركية المفروضة على بعض السلع الزراعية الغذائية ترتفع عند انخفاض الأسعار العالمية، وتنخفض عند ارتفاع تلك الاسعار، والواقع ان التعريفة الجمركية المتغيرة معادلة فى آثارها للقيود الكمية حيث انها تمكن المجموعة الاوربية من التحكم فى مقدار المنافسة الاجنبية المسموح به فى أسواقها، وساعد على ذلك اللجوء فى بعض المواسم إلى نظام الحظر المطلق للواردات الزراعية، وكذلك استخدام المعايير الصحية والبيئية العالمية لاستبعاد الواردات التى لاتصل نوعيتها الى المستوى المطلوب.

النوع الثانى : يتمثل فى الصور المختلفة للدعم الذى تقدمه حكومات المجموعة الأوربية للانتاج الزراعى، وقد يتخذ هذا الدعم صورة مدفوعات حكومية للمنتجين الزراعيين لبعض السلع أو فى بعض المناطق، هذا بالإضافة إلى الدعم العام عن طريق البحوث والتطوير والارشاد، وقد يتخذ الدعم صورة ضمان حد أدنى من الأسعار واستعداد الحكومات للتدخل فى صورة مشترى فى حالة نزول الأسعار عن هذا الحد الادنى.

النوع الثالث : يتمثل فى الدعم الذى يقدم للصادرات من السلع الزراعية وذلك بإعطاء المنتج الفرق بين السعر الداخلى المرتفع وسعر آخر منخفض يمكنه من المنافسة فى أسواق التصدير (33). وقد ترتبت على هذه الترسانة من الاجراءات الحمائية تشويه كبير فى التجارة الدولية فى السلع الزراعية، وبديهى أن هذه السياسة قد اصابت بالضرر البلاد الزراعية المتقدمة مثل الولايات المتحدة واستراليا وكندا ونيوزيلنده، وكذلك البلاد النامية التى تتمتع بمزايا نسبية واضحة فى السلع الزراعية وعلى رأسها الارجنتين وشيلى وأورجواى بالاضافة الى عدد كبير فى افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية وبلاد الشرق الاوسط، صحيح أن الحماية الزراعية موجودة فى صورة أو اخرى فى الولايات المتحدة وخصوصا فى مجال دعم المنتجين لبعض السلع الزراعية، ولكن ماتفعله الولايات المتحدة أقل بكثير مما تفعله المجموعة الأوربية عن طريق السياسة الزراعية المشتركة.

لذلك فان الولايات المتحدة رفضت الدخول فى جولة جديدة من المفاوضات إلا إذا طرحت مشكلة الحماية الزراعية على مائدة المفاوضات - بخلاف ماتم فى الجولات السبع السابقة - ووافقت دول المجموعة الاوربية على هذا الشرط.

وعلى الرغم من ان التجارة فى المنتجات الزراعية تقدر بحوالى 11% من التجارة العالمية إلا ان الخبراء والمراقبين كانوا يعدونها مفتاح جولة أورجواى، ويكمن الخلاف فى المجال الزراعى تحديدا بين امريكا وفرنسا حول دعم فرنسا لزراعة البذور الزيتية ولصناعة النبيذ، وفى هذا الشأن طالبت امريكا المجموعة الاوربية بتخفيض اعانات الدعم الزراعى بنسبة 70%، فى حين أعلنت المجموعة الاوربية قبولها تخفيض الدعم والإعانات بنسبة 30%، وذلك بالرغم من ان المجموعة الاوربية تعد مستوردا رئيسيا للمنتجات الزراعية حيث يذهب خمس اجمالى صادرات العالم الزراعية والغذائية الى المجموعة الاوربية، وتعانى المجموعة عجزا تجاريا كبيرا فيما يتعلق بالمنتجات الزراعية، وقد بلغ هذا العجز 27.5 مليار دولار فى عام 1988، بينما كان لدى الولايات المتحدة فائض يبلغ 18 مليار دولار، وخلال السنوات الاخيرة كانت القوانين التجارية تهدف لتعزيز الاتجاه نحو فرض حماية جمركية امريكية، وقد ذكرت سكرتارية الجات فى تقرير المراجعة الذى نشرته فى مارس 1992 " ان ممارسة السياسة التجارية الامريكية مثلت تهديدا لحرية التجارة العالمية خاصة فى مجال تحرير التجارة فى السلع الزراعية.

وفى أوائل نوفمبر 1992 هددت الولايات المتحدة بفرض تعريفات جمركية على بعض الصادرات الاوربية تصل الى 200% مالم تخفض دول المجموعة الاوربية الدعم الذى تقدمه لمزارعيها لإنتاج زيت عباد الشمس والصويا والشلجم، لان من شأن ذلك الدعم ان يجعل تكلفة الزيوت الامريكية أعلى، وتقل بالتالى فرص اختراقها للسوق الاوربية، بينما تتمتع الزيوت الاوربية بميزة الانخفاض النسبى فى الاسعار بالاسواق الامريكية، وهذا الانخفاض يراه الامريكيون مصطنعا لأنه نتاج سياسات دعم الحكومات الاوربية لمزارعيها، وأستندت الولايات المتحدة فى هذا التهديد الى المادة (301) من القانون التجارى الامريكى، والذى يخولها اتخاذ اجراءات انتقامية من جانب واحد ازاء دول اخرى تمارس الدعم دون الرجوع إلى الجات، ومن هذه السياسات أن تمنع الولايات المتحدة دخول أية سلعة خارجية إلى الاراضى الامريكية لمجموعة من الاعتبارات تشكل نوعا من الحماية الاقتصادية التى تدعى أمريكا انها تقف ضدها. وبعد التهديد الامريكى تمكن الطرفان الأمريكى والأوربى من التوصل فى 20 نوفمبر 1992 إلى صفقة تمثل حلا وسطا أطلق عليها اتفاق "بلير هاوس" ويتم بمقتضاه تخفيض حجم الصادرات الزراعية الاوربية المدعومة بنسبة 21% على مدى ست سنوات، مما يعنى انه اذا كان من المقرر ان يزيد حجم سوق الحبوب الغذائية بنسبة 40% حتى عام 2000 فإن نصيب المجموعة الاوربية فى هذه السوق سيقل بمقدار النصف، ويستهدف هذا الاتفاق كذلك كل المنتجات الزراعية الاخرى بخلاف الزيوت مثل السكر والنبيذ والخضروات والفواكه واللحوم، كما وافقت أوربا بمقتضى هذا الاتفاق على حصر انتاجها من نباتات الزينة فى أقل من 5 ملايين هكتار (34).

وبالرغم من ان هذا الاتفاق استهدف حل الازمة إلا ان فرنسا والتى تمثل صادراتها الزراعية 35% من اجمالى الصادرات الزراعية للمجموعة الاوربية رأت انها اكثر المتضررين من هذا الاتفاق، وطالبت بإعادة النظر فى الاتفاق مرة اخرى، وهددت باستخدام حق الفيتو لوقف سريان هذا القانون، كما اتهمت فرنسا المفوض الاوربى ليون بريتان بتقديم تنازلات ليست مقبولة بالنسبة لفرنسا، وبدأت نقابات المزارعين سلسلة احتجاجات عنيفة على الاتفاق، وكان للحكومة اليمنية الليبرالية التى جاءت للحكم بعد انتخابات مارس 1993 فى فرنسا نفس موقف الحكومة الاشتراكية السابقة عليها، ولكن رئيس الحكومة الفرنسية الجديدة إدوارد بالادير سعى إلى كسر العزلة التى كانت تعانى منها فرنسا دوليا، وحاول تعبئة الرأى العام الأوربى وراء الموقف الفرنسى الرافض لاتفاق بليرهاوس، واتهمت فرنسا الولايات المتحدة بأنها هى الاخرى تدعم مزارعيها بأسلوب غير مباشر، وركزت فرنسا فى دعايتها على البند (301) فى القانون التجارى الامريكى.

وتحت ضغط وإلحاح فرنسا وافق وزراء خارجية وزراعة المجموعة الأوربية على عقد محادثات بشأن الخلاف المستمر مع الولايات المتحدة حول اتفاق "بلير هاوس" للوصول إلى موقف مرن يسهل توضيحات جديدة للاتفاق وتعديلاته، ورغم ترحيب فرنسا بهذه الخطوة إلا ان الموقف المتصلب لأمريكا ورفضها إعادة التفاوض حول اتفاق بلير هاوس، دفع آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا إلى التهديد باستخدام حق الفيتو وبالتالى انهيار محادثات التجارة العالمية برمتها.

ومع استمرار الخلاف الأمريكى - الفرنسى حول قضية الدعم الزراعى أعلن آلان جوبيه وزير خارجية فرنسا أن بلاده سوف تقترح طرح القضية الشائكة الخاصة بالزراعة خارج اتفاقية الجات فى محاولة للتوصل إلى اتفاق مع الولايات المتحدة قبل نهاية عام 1993 (35).

كما انفجر خلاف اخر فى إطار جولة أورجواى حول الحاصلات الزراعية وهو الصراع الأمريكى - اليابانى الكورى حول فتح اليابان وكوريا سوق الأرز للمنافسة الأجنبية، فاليابان تفرض حظرا منذ 47 عاما على إستيراد الأرز وترفض استبدال هذا الحظر بتعريفات جمركية متدرجة الأنخفاض، وهناك رفض شعبى متزايد لفتح سوق الأرز فى البلدين، وبعد أن إنزوى الخلاف الأمريكى - الأوروبى حول إعادة التفاوض بشأن إتفاق " بلير هاوس "، طفت على السطح مسألة تحرير التجارة فى الأرز لدول شرق آسيا وعلى رأسها اليابان وكوريا الجنوبية.

وبعد مقاومة عنيفة دامت أكثر من 4 عقود أذعنت الحكومة اليابانية للضغوط الأمريكية والأوربية وقررت فتح سوق الأرز فى اليابان أمام المنافسة الأجنبية، وقد توصلت اليابان بالفعل إلى إتفاق مع الولايات المتحدة بشأن إستيراد الأرز الأجنبى فى حدود 4% إلى 8% من اجمالى الاستهلاك المحلى، ويأتى هذا مقابل منح اليابان فترة سماح 6 سنوات قبل استبدال الحظر الكامل الذى تفرضه اليابان على إستيراد الأرز برسوم جمركية، وقد سبب هذا التغير فى موقف اليابان حرجا لكوريا الجنوبية، ولم تجد خيارا آخر سوى أن تحذو حذوها.

كما انفجر خلاف آخر داخل الملف الزراعى بين أمريكا والمجموعة الأوروبية من جهة وكندا من جهة اخرى فيما يختص بمنتجات الألبان واللحوم حيث تضع الحكومة الكندية حائطا كبيرا من القيود على دخول تلك السلع إلى البلاد خاصة من الولايات المتحدة، وتعتمد كندا فى حماية تلك الصناعات على ما يسمى بـ " حصص الحدود " ان تستورد كندا كميات محددة من السلع التى تنتجها أصلا والتى ترى انها تضر بمنتجاتها الوطنية"، وطبقا لاتفاقية الجات سوف تستبدل هذه الحصص بالجمارك الجديدة التى سوف تنخفض بالتدريج حتى تلغى نهائيا.

وأسفرت دورة أورجواى عن اتفاقية الزراعة وهدفها الأساسى هو تحرير التجارة الدولية فى السلع الزراعية وذلك عن طريق الإجراءات الآتية (39) :

1- تحويل القيود الكمية المفروضة على الواردات من السلع الزراعية إلى قيود سعرية. ذلك أن الحماية الزراعية كانت تعتمد إلى حد كبير على القيود غير التعريفية. وهذه أكثر تقييدا للتجارة الدولية من القيود السعرية ومن ثم فقد نصت الاتفاقية على التزام البلاد الاعضاء بتحويل تلك القيود الى تعريفات جمركية ذات اثر حمائى معادل.

2- تخفيض كل التعريفات الجمركية بما فى ذلك التعريفات التى تحولت إلى نظام القيود الكمية خلال فترة معينة مع مراعاة الظروف الخاصة للبلاد النامية والتى لاتستطيع فتح أسواقها بنفس السرعة أو الدرجة التى تستطيعها البلاد المتقدمة. ومن ثم فقد نصت الاتفاقية على إلتزام البلاد المتقدمة بتخفيض تعريفاتها الجمركية على الواردات الزراعية بنسبة 36% خلال ست سنوات. أما البلاد النامية فإن نسبة التخفيض 24% فقط على ان يتم ذلك خلال عشر سنوات.

3-تخفيض الدعم الذى تمنحه الحكومات للانتاج الزراعى، غير ان الاتفاقية أعفت بعض انواع الدعم من التخفيض ومن ذلك دعم البحوث والتطوير والارشاد الزراعى، أما فيما عدا ذلك فقد عملت الاتفاقية على تجميع كل انواع الدعم فى رقم واحد يعبر عن مدى مايتمتع به الانتاج الزراعى من مساندة حكومية فى كل بلد مع تخفيضه بمقدار 20% خلال ست سنوات فى حالة البلاد المتقدمة وبمقدار 13% خلال عشر سنوات فى حالة البلاد النامية.

4- تخفيض دعم الصادرات من السلع الزراعية بنسبة 36% من مقدار الدعم الذى كان مطبقا خلال المدة من 1986 الى 1990، وتخفيض حجم الصادرات المدعومة بمقدار 21% وذلك كله بالنسبة للدول المتقدمة، أما النامية فإن التخفيض يكون معادلا لثلثى التخفيض الذى التزمت به الدول المتقدمة على ان يتم التنفيذ خلال عشر سنوات.

5- أما بالنسبة للمعايير الصحية التى تطبق على النباتات والحيوانات الداخلة فى التجارة الدولية فإن الاتفاقية تعترف بحق كل دولة فى أن تضع ماتراه ضروريا من معايير لحماية الصحة النباتية والحيوانية بشرط المساواة فى المعاملة بين جميع البلاد وإلتزام المعايير المتفق عليها دوليا.

هذه هى المعالم الكبرى لتحرير التجارة الدولية فى السلع الزراعية كما جاءت فى اتفاقية دورة أورجواى، ويتبين منها ان عملية التحرير ليست كاملة بل انه تحرير جزئى يدور حول ثلث القيود القائمة أو أقل.

الجـــات والخـــدمــات

يعتبر دخول الخدمات فى نطاق المفاوضات متعددة الأطراف نقطة تحول هامة فى العلاقات الاقتصادية الدولية، فقد انشئت الجات بهدف تحرير التجارة الدولية فى السلع، أما الخدمات فهى تخرج من دائرتها كما هو واضح من النصوص المنشئة للاتفاقية، ولكى يتسنى فهم أهمية الانشطة الخدمية فى الاقتصاد الدولى نقول انها تشمل الآن : جميع الخدمات المالية من بنوك وشركات تأمين وأسواق المال، بالاضافة إلى خدمات النقل بأنواعها الجوى والبحرى والبرى ثم شركات الاتصالات والخدمات السمعية والبصرية، والمعلومات بما فيها صناعة الكمبيوتر والصناعات المرتبطة به، وكل النشاط السياحى وقطاع الإنشاءات والتعمير، وفضلا عن ذلك تشمل الانشطة الخدمية ذات الطابع التجارى مثل جميع الخدمات المهنية الطبية والتعليمية والهندسية.

ولمعرفة أهمية قطاع الخدمات بالنسبة للإقتصاد الدولى نستقرئ بعض الإحصاءات التالية:

"فى فترة السبعينات والثمانينات، حينما زادت معدلات البطالة عموما فى البلاد الرأسمالية الصناعية، وانخفضت معدلات نمو الانتاجية، كان دور قطاع الخدمات فى إزدياد مستمر حيث استطاع خلق فرص جديدة بل وأصبح المستوعب الرئيسى للقوى العاملة، ففى بلد كالولايات المتحدة قفز نصيب العمالة المستخدمة فى قطاع الخدمات من 71.8% فى عام 1973 إلى 76.9% فى عام 1984، وفى اليابان كانت النسبة 57.7% وارتفعت إلى 66.1%، وفى المانيا الاتحادية من 43 إلى 47%، وفى فرنسا من 54% إلى 59%، وفى بريطانيا من 51% إلى 56% وفى إيطاليا من 53% إلى 56% على التوالى خلال نفس الفترة.

وعلى الصعيد العالمى فإن قطاع الخدمات أصبح يسهم بالشطر الأعظم من الناتج المحلى العالمى، ففى عام 1980 قدر حجم الناتج الاجمالى فى العالم بحوالى 9.02ترليون دولار، ساهمت فيه الخدمات بحوالى 5.6 ترليون دولار أى بما نسبته 62%، وقد ارتفعت قيمة الاستثمار الاجنبى المباشر فى الخدمات من مجموع الاستثمار الاجنبى من 25% عام 1970 إلى حوالى 50-60% فى أوائل التسعينات. وفى أوائل التسعينات استحوذ قطاع الخدمات على 60% من اجمالى الانتاج المحلى للبلاد المتقدمة وحوالى 54% للبلاد العربية.

وانعكس هذا التطور الكيفى على بنية التجارة العالمية وذلك بنمو نصيب قطاع الخدمات فى إجمالى هذه التجارة، وطبقا لبعض التقديرات فقد نما هذا القطاع من 7% إلى 11% فيما بين بداية ونهاية عقد السبعينات، وفى عام 1986 قفز هذا النصيب إلى 13% حسب تقدير منظمة الاونكتاد. وفى حسابات "جات" بلغت قيمة التجارة العالمية فى الخدمات 680 مليار دولار فى 1989، وفى عام 1992 بلغت 900 مليار دولار، ولان تجارة الخدمات شملت ايضا فروع الشركات متعددة الجنسيات فى دول اجنبية، فقد ارتفعت قيمة هذه التجارة إلى حوالى 3000 مليار دولار ينحصر الشطر الأكبر منها فى البلاد المتقدمة، فقد تصدرت الولايات المتحدة وفرنسا وانجلترا لائحة أهم الدول المصدرة للخدمات عام 1989، والجدير بالذكر أن هذه اللائحة لم تتضمن أى دولة عربية" (37)، ونظرا لأهمية هذا القطاع فى التجارة الدولية وتزايد هذه الأهمية خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وتعاظم أهمية الخدمات فى الهيكل الانتاجى لعدد كبير من الدول المتقدمة، فقد سعت الولايات المتحدة والمجموعة الاوربية الى إدراج الخدمات فى جدول الأعمال منذ أن بدأ الحديث عن دورة جديدة للمفاوضات فى إطار "الجات"، وكانت حجة الولايات المتحدة وغيرها من البلاد الصناعية أنه من العبث عقد مفاوضات خاصة لتخفيف القيود المفروضة على التدفقات السلعية حيث ان الدورات السابقة أحدثت تخفيضات كبيرة عليها، ولم يعد هناك مايبرر عقد دورة جديدة لهذا الغرض فى نفس الوقت فإن قطاع الخدمات مازال يعانى من قيود عديدة لم تمتد لها يد التحرير، يضاف إلى ذلك ماحدث من تغيرات طويلة المدى فى نمط الميزات النسبية، حيث أصبح واضحا خلال الثلاثة عقود الأخيرة ان البلاد الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحدة بدأت تفقد تدريجيا ماتتمتع به من مزايا نسبية فى الصناعات التقليدية وخصوصا الصناعة التحويلية، وانتقلت الميزات النسبية الى البلاد حديثة العهد بالتصنيع مثل بلاد شرق آسيا وبعض البلاد النامية الآخرى، وانعكس ذلك فى تدهور القدرة التنافسية للبلاد الصناعية فى هذا النوع من الصناعات، وهذا عكس الوضع بالنسبة لقطاع الخدمات حيث تتمتع الدول الصناعية المتقدمة فيها بدرجة عالية من التنافسية بالمقارنة مع البلاد حديثة العهد بالتصنيع، ولذلك كان من الطبيعى أن تطالب الدول المتقدمة بالعمل على تحرير التجارة الدولية فى الخدمات التى تتفوق فيها نسبيا مقابل تحرير التجارة الدولية فى السلع التى تتفوق فيها بعض البلاد النامية. وهذا هو الاعتبار الرئيسى الذى يفسر مقاومة البلاد النامية لتحرير التجارة الدولية فى الخدمات، فهى تدرك أنها لن تستطيع المنافسة مع الشركات الدولية العملاقة التى تسيطر على عدد كبير من الخدمات. فالبنوك المصرية مثلا لاقدرة لها على منافسة البنوك الامريكية الضخمة مثل سيتى بنك أو تشيز مانهاتن، وكذلك الحال فى المنافسة مع شركات التآمين العملاقة مثل برود نشيال أو نيويورك لايف أو شركات السياحة أو المقاولات مثل بكتل.

وقد اضطرت البلاد النامية إلى قبول دخول الخدمات فى نطاق المفاوضات ليس بإعتبارها من قضايا الجات التى تختص فقط بالسلع، ولكن بإعتبارها من القضايا ذات الأهمية للبلاد الأعضاء، وكانت موافقتها فى مقابل الحصول على تنازلات من الولايات المتحدة والدول الصناعية.

وأثار موضوع الخدمات عددا من القضايا فى دورة أورجواى، وأولى هذه القضيا هى تعريف الخدمات التى تدخل فى المفاوضات متعددة الأطراف، وكان الاتفاق على شمولها للخدمات المصرفية والتأمين وسوق المال والنقل البرى والبحرى والجوى والمقاولات والسياحة والاتصالات السلكية واللاسلكية والخدمات المهنية مثل مكاتب الإستشارات الفنية، وقد أثارت البلاد النامية موضوع انتقال العمالة باعتباره يدخل فى باب الخدمات، وكان هدفها من ذلك إزالة العوائق التى تضعها البلاد الصناعية فى مواجهة العمالة المتنقلة أو المهاجرة، وقد اعترضت البلاد الصناعية على ان تتناول المفاوضات قضايا الحق فى التشغيل أو الاقامة الدائمة ولكنها وافقت على الحق فى مراقبة تنفيذ الإلتزامات التى ترتبط بها بلاد الإستقبال، والقضية الثانية هى معنى تحرير التجارة الدولية فى الخدمات، ليس من الصعب معرفة المقصود بتحرير التجارة الدولية فى السلع، فهى تتناول القيود التعريفية وغير التعريفية التى تفرض على السلعة عند عبورها الحدود من دولة إلى اخرى، ولكن إلى أى حد يمكن تطبيق هذا المفهوم - اى عبور الحدود - بالنسبة للخدمات، ان معنى التحرير بالنسبة للخدمات هو تحرير القيود واللوائح الداخلية التى تنظم مباشرة الخدمة أو تقديمها. أى ان القضية المطروحة ليست إزالة التعريفة الجمركية التى تعترض الخدمات عند عبورها الحدود كما هو الحال فى السلع حيث ليس ثمة تعريفات جمركية وليست هناك نقطة عبور فى حالة الخدمات، ولكن القضية المطروحة هنا هى النظام الداخلى فى البلاد المختلفة، وبعبارة اخرى فان القضايا الجديدة فى الجات ومنها الخدمات تعنى امتداد ولاية المفاوضات متعددة الأطراف إلى القيود واللوائح الداخلية بعد ان كانت مقصورة على القيود التى تطبق فى نقط العبور (38).

وترجع الصعوبة فى هذا النطاق الى ان التجارة فى الخدمات لاتتطلب شحن المنتجات عبر الحدود وإنما انتقال مقدمى الخدمة ومتلقيها.

والتجارة فى الخدمات وأهمها تصدير الخدمات من دولة الاخرى تتم عبر اربع وسائل هى : انتقال الخدمة عبر الحدود، وانتقال العمالة، وانتقال المستهلك، وحق التأسيس فى البلد الآخر. وذلك على خلاف السلع التى تنفذ عبر الحدود (39).

وقد نصت اتفاقية الجات فى مجال الخدمات - والتى تعد من أكبر ثلاث اتفاقيات تشكل فى مجملها مضمون جولة أورجواى - على الآتى :

أ- المحور الأول : اتفاق للمبادئ والأحكام العامة وأهمها : شرط الدولة الأولى بالرعاية، والوضوح والشفافية فى اتخاذ الاجراءات وتطبيق القواعد المتعلقة بتجارة الخدمات، وتوفير القوانين والقواعد التى تحكم تجارة الخدمات، وإتاحة فرصة للاطلاع عليها، وتنظيم تجارة الخدمات على المستوى المحلى، وعدم ممارسة محتكرى الخدمات المحلية لنشاطهم بشكل يتعارض مع أحكام الاتفاق. كما يتضمن الاتفاق احكاما خاصة بالاستثناءات العامة والاستثناءات الأمنية التى لايطبق عليها الاتفاق الى جانب الموافقة على إجراء مفاوضات مستقبلية حول بعض القيود على تجارة الخدمات مثل : الدعم والمشتريات الحكومية والتى استثنيت من اتفاق الجات فى مجال الخدمات لحين اجراء مفاوضات مستقبلية حولها.

ب- المحور الثانى: ملاحق تتضمن احكاما خاصة ببعض قطاعات الخدمات التى لاتكفى أحكام الاتفاق العام لمعالجة سماتها وخصائصها المتميزة، وهى : ملحق الخدمات المالية، ملحق خدمات الاتصالات، ملحق خدمات النقل الجوى، ملحق انتقال الايدى العاملة اللازمة لتوريد الخدمات.

ج- المحور الثالث : جداول الالتزام المحدودة التى تقدمها كل دولة عضو بالقطاعات التى تلتزم بتحريرها من خلال فتح أسواقها أمام موردى الخدمات الاجانب، مع حق كل دولة فى وضع الشروط والضوابط التى تراها مناسبة لحماية مصالحها وفقا لقوانينها وتشريعاتها (40).

كما لم تفرض الاتفاقية على البلاد الاعضاء بأن تعامل الخدمات الاجنبية على قدم المساواة مع الخدمات الوطنية وهو المبدأ المعروف "بالمعاملة الوطنية" فمن الصعب ان تعامل البنوك الاجنبية وشركات الطيران الاجنبية مثلا على قدم المساواة مع البنوك والشركات الوطنية، ولكنها اقرت انه إذا كانت القوانين الداخلية تميز فى المعاملة بين الخدمات الاجنبية والوطنية فلا يجوز تعميق هذا التمييز، وكذلك إذا أعطى اى بلد ميزة لأحد البنوك أو شركات السياحة من اى دولة تنسحب هذه المميزات على كل الدول الاخرى، كما يقضى الاتفاق بإلتزام الدول المتقدمة بإنشاء مراكز اتصال فى غضون عامين من بدء تنفيذ الاتفاق لتسهيل حصول الدول النامية على معلومات عن اسواق الخدمات فى الدول المتقدمة فيما يتعلق بالجوانب التجارية والفنية والتكنولوجية التى تحتاج اليها الدول النامية لتطوير صادراتها من الخدمات وزيادة نصيبها فى تجارة الخدمات (41).

الجات وتحرير الصناعة (المنسوجات)

اتجهت الجات منذ انشائها الى تحرير التجارة الدولية فى مجال السلع المصنوعة، حيث بقيت السلع الزراعية خارج نطاق مفاوضات الجات الى ان دخلت فيها بموجب مااقرته جولة أورجواى.

ولذلك فان الانجاز الذى حققته الجات فى الدورات السبع السابقة لجولة أورجواى كان فى مجال تحرير التجارة فى السلع المصنوعة، وانعكس ذلك فى تخفيض متوسط التعريفة الجمركية من 40% الى أقل من 10%. وانصبت عملية التحريربصيغة أساسية على السلع المصنوعة ذات الأهمية الخاصة فى العلاقة فيما بين البلاد المتقدمة، أما السلع المصنوعة ذات الأهمية الخاصة بين الدول المتقدمة والنامية فلم تحظ بنفس القدر من الأهمية، وذلك لأن المفاوضات تقوم على مبدأ التبادلية - بمعنى ان ماتقدمه الدولة من عروض لتخفيض التعريفة الجمركية على وارداتها لابد ان يتوازن مع المنافع التى تعود عليها مما تقدمه البلاد الأخرى من عروض مماثلة، ولم تكن البلاد النامية فى وضع يمكنها من تقديم عروض ذات بال للبلاد المتقدمة، ومن ثم فقد بقيت البلاد النامية على هامش المفاوضات، وجاءت استفادتها من التخفيضات التى كانت تمنحها الدول المتقدمة من تخفيضات متبادلة فيما بينها والتى كانت تنسحب على كل الدول المشاركة فى الاتفاقية، ولذلك فقد كان تخفيض الجمارك فى البلاد المتقدمة على صادرات البلاد النامية من السلع الصناعية لم يصل للدرجة التى وصل إليها التخفيض فيما بين البلاد المتقدمة، بالإضافة إلى أن عملية التحرير إقتصرت إلى حد كبير على القيود التعريفية، أما القيود الكمية وغير التعريفية وخصوصا على السلع ذات الكثافة فى عنصر العمل فإنها مازالت تشكل عقبة هامة فى وجه الصادرات المصنوعة من البلاد النامية، ولعل أهم مظهر لتلك القيود الكمية يتمثل فى إتفاقية المنسوجات ذلك أن هذه السلعة أخرجت تماما منذ عام 1962 من نظام الجات، وأخضعت التجارة الدولية فيها لإتفاقية خاصة هى إتفاقية المنسوجات والألياف المتعدة Multifiber التى كانت مقتصرة فى البداية على المنسوجات القطنية غير إنها إتسعت سنة 1974 لكى تشمل كل المنسوجات والملابس من القطن أو غيره سواء من الألياف الطبيعية أو المصنعة.

وتضم إتفاقية المنسوجات أهم البلاد المصدرة والمستوردة للمنتجات المنسوجة، وهى تقوم على أساس تحديد حصة لكل بلد مصدر وحصة لكل بلد مستورد، وتجدد مرة كل خمس سنوات أى أنها تقوم على نظام القيود الكمية وهى المحرمة طبقا لنظام الجات (42)، ولا تخفى أهمية صناعة المنسوجات والملابس بالنسبة للبلاد النامية فهى تتمتع فيها بأكبر ميزة نسبية (كثافة اليد العاملة - أنخفاض الأجور - الأصواف والألياف الجيدة)، ولو أن "الجات" طبقت على هذه الصناعة منذ البداية لأنفردت البلاد النامية بنسبة ساحقة منها تصديرا وإنتاجا.

كما تمثل صناعة المنسوجات وما يتفرع عنها من العديد من الصناعات النسيجية الآخرى العمود الفقرى لعملية التصنيع فى البلاد النامية، وهى الصناعة المولدة للقسم الأكبر من القيمة المضافة فى عدد كبير من البلدان غير النفطية، بالأضافة لكونها من الصناعات الرئيسية الموجهة للتصدير، ففى تونس بلغت صادرات النسيج والملابس الجاهزة حوالى 25% من مجمل الصادرات التونسية عام 1990، وفى عام 1991 بلغت نسبتها من مجمل الصادرات الصناعية 27% فى سوريا، 16% فى مصر، 22% فى المغرب، وتشير مصادر الأونكتاد، أنه فى عام 1990، نشأ أكثر من 70% من قيمة المنسوجات التى أشترتها الإقتصادات المتقدمة من إفريقيا فى 4 بلدان فقط هى تونس وساحل العاج ومصر والمغرب.

وقد تغيرت هذه الأوضاع السائدة قبل جولة أورجواى فى ضوء الأتفاقات التى أسفرت عنها تلك الجولة، ويتضح ذلك فى المجالات الهامة الآتية :

أولا : كان الهدف الأساسى الذى عملت جولة أورجواى على تحقيقه فى مجال المنسوجات هو إنهاء نظام الحصص الذى يطبق على هذه السلعة بحيث تكون التجارة الدولية فيه على قدم المساواة مع السلع الصناعية، ولم يكن تحقيق ذلك سهلا لأنها من الصناعات شديدة الحساسية فى البلاد الصناعية، ومصدر للعمالة بالنسبة لمئات الألوف من العمال، فى الوقت الذى فقدت فيه هذه الصناعة قدرتها التنافسية أمام البلاد النامية الصناعية الجديدة، ومن ثم لجأت الدول الصناعية لحماية هذه الصناعة عن طريق إتفاقية المنسوجات والتى تخضع المنافسة الأجنبية لقيود صارمة، وقد قاومت البلاد الصناعية كل المحاولات السابقة لإنهاء النظام الذى تضعه الأتفاقية، وآخيرا وافقت فى إطار جولة أورجواى على أن يكون أنهاؤها بصورة تدريجية وذلك بالنص على فترة إنتقالية مدتها عشر سنوات (43)، وتبدأ من أول يناير 1995 وتنتهى فى آخر ديسمبر 2004، وتنقسم تلك الفترة الأنتقالية إلى ثلاث مراحل :

المرحلة الأولى : مدتها ثلاث سنوات، تمتد إلى آخر ديسمبر 1997، وخلال تلك المرحلة تعمل البلاد المستوردة للمنسوجات والملابس على تحرير 16% من قيمة وارداتها الخاضعة للإتفاقية، ومعنى ذلك إنهاء نظام الحصص فى هذا الجزء المحرر وتصبح التجارة الدولية فيه خاضعة للقواعد العامة للجات التى تحكم التجارة الدولية فى سائر السلع الصناعية.

المرحلة الثانية : تمتد إلى 4 سنوات وتنتهى فى آخر ديسمبر سنة 2001، يتم خلالها تحرير 17% آخرى من قيمة واردات المنتجات النسيجية الخاضعة للإتفاقية.

المرحلة الثالثة : وتمتد إلى 3 سنوات وتنتهى فى آخر ديسمبر سنة 2004، وفيها يتم تحرير 18% آخرى بحيث يكون مجموع ما تم تحريره فى المراحل الثلاث 51% من المنتجات الخاضعة للأتفاقية.

ويتم تحرير الباقى ويبلغ 49% فى أول يناير سنة 2005.

وبهذا يتم إخضاع التجارة الدولية فى المنسوجات للأتفاقية العامة "الجات" فى نهاية المرحلة الإنتقالية.

المحاولات السابقة لإنهاء النظام الذى تضعه الأتفاقية، وآخيرا وافقت فى إطار جولة أورجواى على أن يكون أنهاؤها بصورة تدريجية وذلك بالنص على فترة إنتقالية مدتها عشر سنوات (43)، وتبدأ من أول يناير 1995 وتنتهى فى آخر ديسمبر 2004، وتنقسم تلك الفترة الأنتقالية إلى ثلاث مراحل :

المرحلة الأولى : مدتها ثلاث سنوات، تمتد إلى آخر ديسمبر 1997، وخلال تلك المرحلة تعمل البلاد المستوردة للمنسوجات والملابس على تحرير 16% من قيمة وارداتها الخاضعة للإتفاقية، ومعنى ذلك إنهاء نظام الحصص فى هذا الجزء المحرر وتصبح التجارة الدولية فيه خاضعة للقواعد العامة للجات التى تحكم التجارة الدولية فى سائر السلع الصناعية.

المرحلة الثانية : تمتد إلى 4 سنوات وتنتهى فى آخر ديسمبر سنة 2001، يتم خلالها تحرير 17% آخرى من قيمة واردات المنتجات النسيجية الخاضعة للإتفاقية.

المرحلة الثالثة : وتمتد إلى 3 سنوات وتنتهى فى آخر ديسمبر سنة 2004، وفيها يتم تحرير 18% آخرى بحيث يكون مجموع ما تم تحريره فى المراحل الثلاث 51% من المنتجات الخاضعة للأتفاقية.

ويتم تحرير الباقى ويبلغ 49% فى أول يناير سنة 2005.

وبهذا يتم إخضاع التجارة الدولية فى المنسوجات للأتفاقية العامة "الجات" فى نهاية المرحلة الإنتقالية.

قوانين الأستثمار ذات الأثر على التجارة الدولية

وهذه القضية تعد نموذجا على مدى التوسع الذى طرأ على إختصاص "جات" فهذه القضية لم يكن لها وجود فى الدورات السابقة، وتنحصر فى أن قوانين الأستثمار فى عدد كبير من البلاد النامية وبعض البلاد الصناعية تتضمن أحكاما تؤثر فى المسار الطبيعى للتجارة الدولية، ويكون لها أثر شبيه بالأثر الذى يترتب على الحماية الجمركية. ومن ذلك مثلا : شرط ما يسمى بالمكون المحلى، ومقتضى هذا الشرط أن تحتوى السلعة التى يقوم المستثمر الأجنبى بإنتاجها على حد أدنى من السلع المنتجة محليا، فإذا كان الأستثمار الأجنبى فى صناعة السيارات مثلا فإن قانون الأستثمار يتطلب أحيانا أن تحتوى السيارات المصنعة على ما لايقل عن 40% من المكونات المنتجة محليا كما يحدث فى مصر، على أن ترتفع نسبة المكون المحلى بعد عدد معين من السنين إلى ما يقل عن 60 أو 70%. ومن الواضح أن مثل هذا الشرط له نفس أثر الحماية الجمركية على مسار التجارة الدولية، ذلك أنه يجبر المستثمر الأجنبى على إستخدام المنتجات المحلية بدلا من إستيرادها من مواطنها الأجنبية الأكثر كفاءة. وكثيرا ما تتضمن قوانين الإستثمار شروطا آخرى غير شرط المكون المحلى ويكون لها ايضا أثر معادل للحماية الجمركية، ومن ذلك على سبيل المثال إشتراط أن يقوم المستثمر بتصدير نسبة معينة من إنتاجه لا يقل بالعملات الأجنبية عن مقدار العملات الأجنبية التى يستخدمها فى إستيراد مستلزمات الأنتاج. هنا أيضا لا تترك الحرية للمستثمر لكى يستورد ما يلزم لأنتاجه ولكن يقيد إستيراده فى حدود ما يصدره. وقد تمسكت البلاد الصناعية بوجوب التصدى لمثل هذه الممارسات التى تؤثر على السير الطبيعى للتجارة الدولية، وإن لم تكن فى صورة دعم مباشر أو رسوم جمركية.

وتمثلت أهم ملامح الأتفاق والذى تم التوصل إليه فى إطار " جات " فى الأعتراف بأن بعض شروط الأستثمار التى تطبقها الدول تؤدى إلى تقييد وتشويه التجارة الدولية. ولذلك يقضى الاتفاق (44) بعدم قيام أى عضو بأتخاذ إجراءات للاستثمار تتعارض مع أحكام المادة (23) من اتفاقية الجات، وهى المتعلقة بالمعاملة الوطنية، والمادة (11) المتعلقة بعدم فرض قيود كمية على الواردات. والشروط المحظور فرضها هى :

1- شرط استخدام المستثمر الاجنبى لنسبة محددة من المكون المحلى فى المنتج النهائى.

2- شرط احداث توازن بين صادرات وواردات المستثمر الاجنبى.

3- شرط بيع نسبة معينة من الانتاج فى السوق المحلية.

4- شرط الربط بين النقد الاجنبى الذى يتاح للاستيراد والنقد الاجنبى العائد من حصيلة التصدير، ويسمح الاتفاق بالعمل على توفير شروط المنافسة والمساواة بين المشروعات القائمة التى تطبق مثل هذه الاجراءات والاستثمارات الجديدة فى مجال النشاط. ويتيح فترة انتقالية مدتها عامان قبل الالتزام بأحكامه ويسمح خلالها للمشروعات الجديدة بتطبيق الإجراءات المحظورة.

الجات والملكية الفكرية

تعد الملكية الفكرية من القضايا الجديدة التى حرصت الدول الصناعية المتقدمة على إدخالها فى إطار مفاوضات دورة أورجواى، ويقصد بالملكية الفكرية براءات الإختراع والعلامات التجارية وحقوق المؤلف، وليس من العسير ان ندرك اهتمام الدول الصناعية المتقدمة بإدخال هذه القضية للمفاوضات متعددة الأطراف، فإن النسبة الساحقة من براءات الاختراع والعلامات التجارية الشهيرة والمؤلفات والمصنفات الفنية المبتكرة تمتلكها تلك الدول.

وتجدر الاشارة هنا الى انه خلال السبعينات لم تتمكن الدول النامية من الحصول إلا على 6% فقط من 3.5مليون براءات إختراع، أما الشركات المتعددة الجنسيات فقد أمكنها الحصول على أكثر من 80% من هذه البراءات (45).

ومنذ الثمانينيات أصبحت مسألة السلع المقلدة أو الغش فى العلامات التجارية وسرقة براءات الاختراع أو حقوق المؤلف من أهم المشاكل التجارية الدولية للدول الصناعية بصفة عامة والولايات المتحدة بصفة خاصة، فى الوقت الذى كانت تنظر فيه تلك الدول لحماية هذه الحقوق كمسألة فنية فى المقام الأول وليس كسياسة تجارية لها تأثير فعال على القدرات التنافسية لهذه الدول، تبينت هذه الدول أخيرا ان عملية التقليد فى مجال الملكية الفكرية تؤثر بالسلب على تجارتها الدولية بنفس درجة تأثير بعض الانشطة التقليدية، ومن ثم لجأت هذه الدول لمحاربة عمليات التقليد عن طريق عدد من الاتفاقات تم إبرامها من خلال المنظمة العالمية للملكية الفكرية (Wipo) وتضطلع هذه المنظمة بمسئولية النهوض بالنشاط الفكرى والابداعى وتيسير نقل التكنولوجيا الى البلدان النامية لدفع عجلة التنمية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية فيها. وتدير الويبو 23 أتحادا لمعاهدات أو اتفاقيات متعددة الأطراف فى مجال حماية الملكية الفردية على رأسها: اتفاقية باريس لحماية الملكية الصناعية، واتفاقية برن لحماية الأعمال الأدبية. وفى تقدير كثير من الدول الصناعية - تحت ضغط رجال الأعمال فى دولها - ان الاتفاقات الموجودة حاليا فى إطار الويبو غير مقنعة، واثبتت عدم صلاحيتها فى إيجاد رقابة فعالة على عمليات التقليد فى مجال الملكية الفكرية، وان هناك إجراءات أو أحكاما اقوى لحقوق الملكية الفكرية من السهل إعتمادها فى إطار الجات عنه فى إطار الويبو للأسباب التالية (46) :

1- ان الجات لها آلية أسهل لاعتماد إجراءات أو أحكام جديدة، حيث ان اعضاء الجات لم يشكلوا مجموعات تصويت بسبب اختلاف مصالحهم الاقتصادية فى مختلف المجالات التجارية التابعة لمفاوضات الجات.

2- إن الإطار الواسع للمفاوضات التى تجرى فى جولات الجات تمنح فرصة أكبر للتوصل الى اتفاق عام على أى مشروع. ويشجع على أقصى مشاركة فى المناقشات.

3- ان احكام الجات الخاصة بفض المنازعات، تعتبر بصفة عامة أفضل من مثيلتها الواردة فى اتفاقيات الويبو والتى تستدعى نقل الخلافات أمام محكمة العدل الدولية.

وحاولت الدول الصناعية من خلال إدماج الملكية الفكرية فى مجال الجات معالجة عدة مشكلات منها :

* الغش التجارى وسرقة الاعمال الفنية والأدبية والعلمية وسرقة براءات الاختراع، وهذه السرقات منتشرة على نطاق واسع فى بعض بلاد شرق آسيا والتى تقوم فيها صناعات بأكملها على أساس تقليد العلامات التجارية العالمية فى صناعة الملابس والساعات والافلام والأشرطة السينمائية والتلفزيونية.

* عدم وجود حماية قانونية كافية للملكية الأدبية فى عدد كبير من البلاد وعدم وجود وسائل فعالة متاحة فى تلك البلاد لتعويض صاحب الملكية الأدبية أو حمايته عند وقوع اعتداء على مؤلفاته.

* وجود بعض القيود على عرض بعض المصنفات الادبية والفنية الاجنبية لكيلا تزاحم الأعمال المماثلة الوطنية.

وأسفرت دورة أورجواى فى مجال حماية الملكية الفكرية والأدبية والصناعية عن إقرار المبادئ الآتية (47) :

أولا: تطبيق مبدأ المعاملة الوطنية : بمعنى ان تكون الحماية لصاحب الملكية الاجنبى مماثلة لما تمنحه الدولة من حماية للمالك الوطنى.

ثانيا: تطبيق شرط الدولة الأولى بالرعاية بمعنى انه إذا منحت إحدى الدول ميزة للمالك الاجنبى من بلد معين، فإن نفس الميزة تنسحب تلقائيا على الملاك من البلاد الاخرى.

ثالثا: تقرير حماية لاتقل عن عشرين سنة لبراءات الاختراع، ولاتقل عن عشر سنوات بالنسبة للعلامات التجارية والتصميمات الصناعية إلا فى حالات استثنائية.

رابعا: تعديل التشريعات الداخلية فى الدول الأعضاء فى الاتفاقية على النحو الذى يوفر حماية فعالة لأصحاب الملكية الادبية والفنية والصناعية بما فى ذلك تقرير مبدأ التعويض وإعدام المنتجات المزيفة ووقف الاعتداء.

وتسمح الاتفاقية باستثناء براءات الاختراع إذا كان ضروريا لحماية حياة وصحة الانسان والحيوان والنبات، أو للحد من الاضرار المدمرة للبيئة، كذلك تستثنى الوسائل التحليلية والعلاجية والجراحية لمعالجة الانسان والحيوان.

وتسمح الاتفاقية بتأخير تنفيذها لمدة سنة من انشاء منظمة التجارة العالمية بالنسبة للدول الصناعية، ولمدة 4 سنوات إضافية بالنسبة للدول النامية والدول التى تمر بمرحلة تحول اقتصادى، باستثناء المعاملة المحلية وإلتزامات المعاملة التفضيلية والناجمة عن اشتراكها لاى من تلك الدول فى تكتل اقليمى، وتمنح الاتفاقية للبلدان النامية فترة سماح 5 سنوات فى المجالات التكنولوجية غير المحمية فعليا، فيما تمنح البلدان الأقل نموا 10سنوات، مع امكانية التمديد لنفس الغاية.

مكافحة الاغراق والوقائية والدعم

اتفق الخبراء والمراقبون والمحللون أن من أهم انجازات جولة أورجواى تتمثل فى إدخال قدر كبير من الانضباط فى قواعد السلوك فى التجارة الدولية، فقد وضعت دورة أورجواىضوابط دقيقة محددة لمنع إلتجاء الدول الاعضاء الى سياسة الأغراق الذى يحدث ضررا ملموسا بالنسبة لصناعة البلاد التى تكون ضحية لهذا النوع من السلوك، ويقصد بالاغراق بيع المنتج فى أسواق التصدير بأسعار أقل من الأسعار التى يباع بها المنتج فى أسواقه المحلية، وكذلك الحال بالنسبة لسياسة الدعم، وذلك بالتفرقة بين الدعم المشروع وغير المشروع، وحق الدول الاعضاء فى حماية نفسها ضد الدعم غير المشروع. كما وضعت جولة أورجواى قواعد صارمة لمنع البلاد الأعضاء من إساءة استخدام مايسمى باتفاقية الوقائية أو الشرط الوقائى.

وفى كل هذه الحالات وهى الإغراق والدعم والشرط الوقائى تضمنت اتفاقية جولة أورجواى أحكاما تمنع البلاد الاعضاء من الألتجاء الى مايسمى بالسلوك الجائر فى العلاقات الدولية وأسفرت اتفاقات جولة أورجواى فى إطار المجالات السابقة عن مايلى (48) :

أ- اتفاقية الوقائية: يقضى بحق الدول فى اتخاذ اجراءات وقائية لحماية صناعة محلية فيها من زيادة غير متوقعة فى الواردات من أى سلعة، بشكل يسبب ضررا كبيرا لهذه الصناعة، وتتخذ إجراءات الوقائية : إما بشكل فرض حصة على السلعة المستوردة، أو فرض رسوم إضافية عليها - يمكن مدها إلى 8 سنوات فى حالة إستمرار ثبوت ضرر للصناعة المحلية.

ب- اتفاق الدعم : كانت جولة طوكيو قد أسفرت على اتفاق بشأن الدعم، وجرت مفاوضات فى جولة أورجواى بهدف تعزيز وتقوية نظام فرض الرسوم التعويضية على السلع المدعمة، وكيفية إثبات الضرر الذى يحدث للصناعة المحلية من جراء دعم الصادرات، ويتضمن الاتفاق ثلاثة أنواع لدعم السلع الصناعية - ولايسرى الاتفاق على دعم انتاج وتصدير السلع الزراعية الذى يتناوله اتفاق الزراعة - وهذه الأنواع هى :

1- الدعم المحظور، الذى يستخدم لزيادة صادرات سلعة معينة، أو يستخدم لتفضيل سلعة محلية على سلعة مستوردة فى الأسواق. ويستوجب هذا النوع من الدعم اتخاذ اجراءات تعويضية من جانب الدول المستوردة للسلعة المدعمة فى شكل رسوم تعويضية.

2- الدعم الذى يزيد عن 5% من قيمة السلعة وبالتالى يسبب ضررا للمصالح التجارية لدول اخرى، ويقع على عاتق الدول التى تستخدم الدعم ان توقف هذا الدعم، ولايحق للدول المتضررة فرض الرسوم التعويضية لمواجهة الآثار السلبية لهذا الدعم.

3- الدعم الذى لايستوجب اتخاذ إجراءات تعويضية مثل المساعدات التى تقدم للأبحاث الصناعية والمساعدات التى تقدم للمناطق التى تحتاج إلى تطوير.

ج- اتفاق مكافحة الاغراق : كانت جولة طوكيو قد أسفرت عن التوصل إلى اتفاق لمكافحة الاغراق، وجرت مفاوضات فى جولة أورجواى لمراجعة الاتفاق، ونتج عن ذلك وضع اتفاق جديد يتضمن توضيحا وتفسيرا لأحكام اتفاق طوكيو، والتى تتعلق بطريقة تحديد المنتج الذى يؤدى إلى إغراق الأسواق، ومعايير تحديد الضرر الذى يسببه المنتج المستورد للصناعة المحلية، وإجراءات مكافحة الإغراق وكيفية تنفيذها.

اتفاقات اخرى

تضمنت نتائج مفاوضات جولة أورجواى عددا من الاتفاقيات والقرارات التى تناولت إدخال بعض التعديلات والتحسينات على أحكام اتفاقية الجات، وكذلك الاتفاقات التى كانت قد أسفرت عنها جولة طوكيو، ويمكن إجمالها فيمايلى :

1- اتفاق العوائق الفنية للتجارة.

?2- اتفاق إجراءات لتراخيص الاستيراد.

3- اتفاق تجارة الطائرات المدنية.

4- اتفاق المشتريات الحكومية.

الشرط الاجتماعى

شهدت أعمال المؤتمر الوزارى للأتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) والذى عقد بمراكش بالمغرب فى ابريل 1994، والذى طرحته الدول الصناعية المتقدمة طرح موضوع "الشرط الاجتماعى"، والذى يقصد به ربط المسائل التجارية مع حقوق العمال ومعايير العمل الدولية التى حصلت على عدد كاف من التصديقات فى إطار منظمة العمل الدولية، وتضم هذه فيما تضم، الحقوق الأساسية للعمل، سواء كان ذلك فى مجال حرية التنظيم والتعبير والمفاوضة الجماعية أم حظر العمل الجبرى والتمييز فى المعاملة، وكذلك كفالة الحد الأدنى للأجور وساعات العمل والاجازات والصحة المهنية، كما شددت الدول الصناعية على موضوعى عمل الأحداث وحماية المرأة العاملة، وتسعى الدول الصناعية إلى حظر تصدير السلع المنتجة من قبل الأحداث والعاملين بالسخرة والمساجين، وشروط العمل المتدنية بشكل عام، وكان المندوب الامريكى قد أثار هذا الموضوع قبل ايام من انعقاد المؤتمر مهددا بأن امريكا ستقوم بعرقلة التوقيع على الاعلان الوزارى لاتفاقية الجات فى حالة مالم يدرج الشرط الاجتماعى ضمن نص إعلان مراكش، كما فى برنامج عمل المنظمة العالمية للتجارة المزمع إقامتها، وتضامنت بعض الدول الصناعية مع هذا الطرح ولاسيما فرنسا، واستطاع المدير العام للاتفاقية أن يتفادى الأمر بعقد صفقة مابين معارضى ومؤيدى ربط المسائل التجارية بالشرط الاجتماعى، بحيث لاتقوم الولايات المتحدة بطرح هذا الموضوع فى الاعلان الوزارى على أن يسمح لها حقا برفعه أمام اللجنة التحضيرية للمنظمة العالمية للتجارة، التى ستحل محل اتفاقية الجات بدءا من عام 1995، ولمواجهة هذا الأمر قامت الدول النامية بتشديد معارضتها للملف الاجتماعى فى مؤتمر مراكش. وطالبت عبر ممثل دولة الهند بإدراج مسألة سياسات الهجرة الصارمة التى تعتمدها الدول الغربية على جدول أعمال منظمة التجارة العالمية، وذلك باعتبار وجود علاقة مباشرة بين سياسات الهجرة والتجارة الدولية، واعتبرت الدول النامية أن فرض حد أدنى من المعايير الاجتماعية لايمثل سوى إجراءات حمائية تعتمدها الدول الصناعية المتقدمة لتقييد قدرات الدول النامية فى تصدير سلعها، والتى تكمن ميزتها النسبية فى تدنى تكلفة عنصر العمل، وذلك فى مقابل خفض الرسوم والحواجز الجمركية، وتسعى الدول الصناعية المتقدمة إلى تشديد سياساتها هذه فى ظل ارتفاع حصة صادرات الدولة النامية، ومن أهمها صادرات جنوب شرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية، ووفقا لبعض التقديرات، فإن الاضرار التى تلحق بالدول النامية نتيجة تطبيق القيود غير الجمركية تفوق قيمة تدفقات المعونة إليها، ووفقا للتقديرات ايضا فأنه إذا ألغت البلدان الصناعية المتقدمة جميع الحواجز التى تفرضها على السلع القادمة من الدول النامية، فإن الزيادة المحققة فى صادرات الأخيرة ستكون قيمتها ضعف ماتتلقاه هذه الدول من معونات، وتقدر الأضرار بالنسبة للمنسوجات والملابس فقط بأكثر من 50 مليار دولار (49) سنويا بالنسبة للدول النامية.بالاضافة الى ان اختلال التقسيم الدولى للعمل، وفرض قيود صارمة على الهجرة من قبل الدول المتقدمة إلى الدول النامية، من شأنه أن يسلب الدول النامية كفاءاتها ومهاراتها باتجاه الدول الأكثر تقدما، وتؤدى هذه السياسة إلى استنزاف الأدمغة والعمالة الماهرة من الدول النامية والتى تخسر بذلك رأس المال البشرى المكون لديها.

وفقا لتقرير التنمية البشرية لعام 1994، فإن البلدان الأفريقية، فقدت خلال الفترة من 85-1990، مايقدر بنحو 60 ألف مدير على المستوى المتوسط والعالى، كما خسرت أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبى شريحة عالية من خريجى جامعاتها، ولكن أكبر هجرة للعمالة المدربة تتركز بآسيا، وكثير من هؤلاء علماء، ووجهة معظمهم الولايات المتحدة.

ومن جهة مقابلة تعمد البلدان الصناعية إلى استبعاد العمالة غير الماهرة من الدول النامية بحجة زيادة نسبة البطالة لديها. وجدير بالذكر أن نحو 30 مليون عامل من مجموعة الدول الصناعية يعانون من البطالة، ويكاد يجمع المراقبون على انه لايجوز تحميل الدولية النامية مشاكل البطالة فى الدول المتقدمة وذلك ان المستويات العالية للبطالة والتى تعانى منها الدول الصناعية تعود بشكل رئيسى إلى وسائل وأساليب وعلاقات الانتاج التى اعتمدتها هذه الدول، وكذلك ارتفاع مستوى الانتاجية المعتمدة على كثافة رأس المال والتطور التكنولوجى العالى، هذا وقد تم إدراج بندى الهجرة والشرط الاجتماعى على جدول أعمال اللجنة التحضيرية للمنظمة العالمية للتجارة، مما يعنى ان هذه الأمور ستشهد جدلا أكثر احتراما بين مجموعتى الدول - المتقدمة والنامية - وعلى ذلك فإن الدول الصناعية عملت على تحسين موقعها التفاوضى فى هذه الأمور، إذ عمدت الدول الأثنتا عشرة الأعضاء فى الاتحاد الأوربى فى اجتماع لوكسمبورج 20/6/1994، اى بعد توقيع اتفاق الجات، إلى التعهد بالعمل على الحد بشكل صارم من دخول العمال المهاجرين إلى دول الاتحاد الاوربى، وبموجب هذا القرار لن يحصل العمال المهاجرون على عمل فى الاتحاد الأوربى إلا إذا كانوا من الأيدى العاملة التابعة لدول الاتحاد الأوربى، ويأتى هذا الإجراء كاستباق لحسم الجدل حول موضوع تخفيف القيود المطبقة على الهجرة لصالح الدول النامية.

وتكمن الخطورة الحقيقية فى فرض الشرط الاجتماعى وربطه بالمسائل التجارية فى انه قد ينتج عن هذا فرض عقوبات تجارية واقتصادية بحق الدول التى لاتطبق المعايير الدولية للعمل، وقد يكون لذلك أبعاد مضاعفة فى حالة تم ربط آليات منظمة التجارة العالمية مع الآليات التى يطبقها صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى، الأمر الذى قد يحرم الدول النامية من برامج المعونة التى تقدمها هاتان المنظمتان.

* تعد الاتفاقيات السابق ذكرها وبنودها أبرز ملامح اتفاقية جولة اورجواى فى إطار الجات فى المجالات المختلفة، ونتابع فى بقية البحث، دراسة الآثار التى ستسفر عنها هذه الاتفاقيات على اقتصاد الدول العربية كجزء من الدول النامية بشكل عام.

 

 



#علاء_كمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجات ونهب الجنوب - جولة أورجواى ومناخ التفاوض الدولى
- الجات ونهب الجنوب - الجات الأهداف والمبادىء
- الجات ونهب الجنوب - الإطار التاريخى لنشأة الجات
- الجات ونهب الجنوب - المقدمة
- تأثير الانتفاضة الفلسطينية على الاقتصاد ‏الفلسطيني والإسرائي ...


المزيد.....




- عمل لدى جورج سوروس.. ترامب يكشف عن مرشحه لمنصب وزير الخزانة ...
- وكالة موديز ترفع التصنيف الائتماني للسعودية بفضل جهود تنويع ...
- موديز ترفع تصنيف السعودية وتحذر من -خطر-
- ارتفاع جديد.. بتكوين تقترب من 100 ألف دولار
- -سيتي بنك- يحصل على رخصة لتأسيس مكتب إقليمي له في السعودية
- بوتين يأمر بإنتاج كميات كبيرة من السلاح -الذي لا يقهر-
- الإمارات: البنك المركزي يعلق نشاط تحويل الأموال لشركة الرازو ...
- كم سعره اليوم؟.. أسعار عيارات الذهب اليوم في العراق السبت 23 ...
- موراليس: الولايات المتحدة فقدت قوتها الاقتصادية
- اليابان تعتمد 250 مليار دولار لمواجهة التحديات الاقتصادية


المزيد.....

- الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي ... / مجدى عبد الهادى
- الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق / مجدى عبد الهادى
- الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت ... / مجدى عبد الهادى
- ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري / مجدى عبد الهادى
- تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر ... / محمد امين حسن عثمان
- إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية ... / مجدى عبد الهادى
- التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي / مجدى عبد الهادى
- نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م ... / مجدى عبد الهادى
- دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في ... / سمية سعيد صديق جبارة
- الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا / مجدى عبد الهادى


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادارة و الاقتصاد - علاء كمال - الجات ونهب الجنوب - الجات وتناقضات الكبار