يوسف هموش
الحوار المتمدن-العدد: 5167 - 2016 / 5 / 19 - 22:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نستهل طرحنا بهذا المثال :
في لبنان :
يجب على رئيس الجمهورية أن يكون مسيحي ماروني.
رئيس وزراء الجمهورية يجب أن يكون مسلم سني.
يجب على رئيس الجمعية الوطنية أن يكون مسلم شيعي.
نائب رئيس البرلمان ونائب رئيس الوزراء يجب أن يكون من الروم الأرثوذكس.
رئيس هيئة الأركان العامة يجب أن يكون من الدروز.
في الدول ” المتقدمة” يعتمد على كفاءة المسؤول السياسي و جدارة المسؤول العسكري حين تعيينه , أي الأفضلية للأقوى و الأخدم لمصلحة الشعوب , عكس هذه الأمة الفاشلة, التي تصر على كونها الأفضل في كل الميادين لولا المؤامرات . هذه الأمة لا تتقبل الآخر, الكل يخاف من الكل , في غياب أي أطار يجمع كافة الطوائف و الديانات تحت غاية أسمى من الدين ألا هي خدمة الإنسانية , خدمة المقهورين, توفير تعليم ناجح, تغطية صحية تشفي العليل , جيش يحمي البلد من العدوان, سكن لائق يقي من الحر و من القر .
ليست هناك صحة مسيحية و صحة شيعية , ليست هناك قذائف عسكرية مارونية أو رصاصات سنية و أخرى شيعية , ليس هناك سكن درزي و سكن كافر , التعليم يجب أن يكون علمانيا مستقلا و مجانيا , للتعليم الديني مجال كافي ليتبث في القنوات الاعلامية و الكتب الدينية و دور العبادة , لم الاختلاف اذن ؟
متى تتوحد المذاهب و الطوائف و الديانات من أجل الانسان ؟ لبنان و كل الدول التي هي على شاكلتها تعيش شللا سياسيا مزمنا , يقترح رئيس الوزراء السني قانونا فيرفضه رئيس البرلمان الشيعي, الشيعة كونوا جيشا مستقلا لأنهم لا يثقون في الجيش اللبناني المكون من الطوائف الأخرى . أي مهزلة هذه ؟
في الدستور المغربي الدين الرسمي هو الاسلام و المذهب الرسمي هو المذهب المالكي و العقيدة الرسمية هي العقيدة الأشعرية . أما عن الطوائف و الديانات الأخرى فلتذهب الى الجحيم .
حسب تقرير صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية سنة 2010 فنسبة المسيحيين من المغاربة هو 1.1% , بعملية حسابية بسيطة فان عدد المسيحيين في المغرب يتجاوز 350 ألفا !!
هؤلاء المسيحيين اذن يشكلون فئة مهمة من المجتمع, فئة كبيرة من المواطنين ممنوعة من دخول الكنائس المتواجدة في المغرب , يمنعون من اظهار عقائدهم قانونيا و على المستوى المجتمعي , الدولة لا تعترف بهم و لا حتى بوجودهم , كيف لهم أن يحبوا هذا المغرب الذي نسميه وطنا و هم لا يجدون أنفسهم فيه , يحرمون من كل شيء , يجبرون على الصيام, ممنوعون من بناء كنائسهم, يبحثون عن الحرية, يبحث المسيحيون عن حرية التبشير نفس الاضطهاد يعاني منه عشرات آلاف المسلمين الشيعة الذين يشهدون أن لا اله الّا الله و و أن محمد رسوله. و غيرها من الطوائف المسلمة كالبهائية على سبيل الحصر لا على سبيل المثال .
للمغرب تاريخ أسود مع الطائفة المسلمة البهائية حيث تم اعتقال العشرات و التحقيق مع العشرات من معتنقي هذا المذهب , في سنة 1962، خرجت ابتدائية الناظور بحكم قاس : إعدام ثلاثة شبان، المؤبد لخمسة، و15 سنة سجناً نافذاً لستة آخرين بتهمة اعتناق البهائية ( هههههههه ), هذا القمع من طرف النظام المغربي الملكي لم يقتصر على فترة حكم لحسان الثاني فقط , بل لا زالت نفس الممارسات المستهجنة تمارس في عهدة محمد السادس حيث ثم سنة 2009 طرد ظابط من القوات المسلحة من الخدمة في مكناس بالضبط لاشتباهه في كونه من معتنقي المذهب البهائي المتزايدين في المغرب .
أم أن المسلمين بتعدد طوائفهم لا يحترمون بعضهم البعض؟ فكيف بهم أن يتقبلوا المسيحي والهندوسي و البوذي و السيخي و اللاديني ؟
يجب خلق مناخ من التعايش الاجابي, تغني المغرب عن الصراعات الطائفية , تجعل المواطن مهما كان فكره و كيفما كانت عقيدته من أن يحس بالانتماء الى هذا المسمى وطناَ, وهنا قد نتذكر فلاديمير لينين سنة 1917 بعيد قيام الثورة البلشفية حين قال في رسالة الى مسلمي روسيا بعد ما عاشوه من اضطهاد القيصرية لهم :
” نظمو حياتكم القومية بكامل الحرية و بدون قيد فهي حق لكم . و اعلموا ان الثورة العظيمة و سوفياتات النواب و العمال و الجنود و الفلاحيين تحمي حقوقكم و حقوق جميع شعوب روسيا ” .
أؤمن بأنه مهما اختلفت العقائد و الأفكار المخالفة , الانسان يستطيع وضعها جنبا و تجاوزها و أن يعيش الملحد بجوار المسلم مع المسيحي و الدرزي الى جانب كل الطوائف و الدول العلمانية خير مثال حيث لا ضرر و لا ضرار , شعوب علمانية تسير شؤونها اليومية بعيدا عن أي مرجعية دينية تؤجج المشاكل و تولِّد الحزازات بين أبناء الشعب الواحد رغم أن الهدف واحد الذي هو رفاه و رخاء الشعوب .
لنتجنب سيناريو لبنان , و العراق , و سوريا و اليمن التعيس ( لم يبق سعيدا ) , لنتضعظ من حقبة التسعينيات في الجزائر و من ما عشته افريقيا الوسطى من تناحر ديني بين المسيحيين و المسلمين , لنحذر خطورة تيارات الإسلام السياسي في منطقتنا و من كل ما نحى نحوها من التيارات الشموليةالتي لا تحترم روح الإختلاف و التعددية الفكرية و السياسية. .
أن تكون انسانا يعني ان تحزن لأمر الفئات المضطهدة بغض النظر عن هل هي فئتك أم لا . عقيدة الولاء للذي معي و البراء من المخالف أكبر نقمة على مجتمعاتنا . .
في المغرب , في المقررات التعليمية علّمونا ان اليهود قوم مغضوب عليهم و أن المسيحيين مجرد ضالين , علمونا أن المسلم نقي الهندام حسن المظهر منيرٍ وجهه و أن الكافر قبيح المظهر منفوش الشعر و متسخ الثياب(الصورة المرفقة) , و في الأخير تتساءل الدولة الاسلامية بكل غباء من أين يأتي المتطرفون.
لا زلت أتذكر يوم طلب مني استاذي في الابتدائي تلوين الرسم في الصورة أدناه و كان هناك سؤال له على غرار : تعرف على الكافر و تعرف على المؤمن !
المسار طويل, يبدأ بدستور علماني يزيل الاضطهاد بسبب الدين , يبتدئ كذلك بتعليم علماني يحيي فينا روح التسامح و حب البشرية ككافة , يعلمنا حب الغير و احترامهم لا كرههم و الخوف منهم .
#يوسف_هموش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟