هاشم العيسمي
كاتب سياسي
(Hashem Aysami)
الحوار المتمدن-العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 23:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في ظل تعدد الخطابات الإيديولوجية , وتكاثر التيارات و التوجهات التي تملك ثوابت اجتهادية لا تقبل تكييفها مع متطلبات العصر الراهن و البناء الحديث للدولة , أصبحت العلمانية ضرورة ملحة لتحقيق التوافق حول شكل الدولة و النظام السياسي و القواعد الاجتماعية التي يجب أن تحكم , لذا في هذا المقال سنقوم بتعريف العلمانية التي لا تطلب من أصحاب الثوابت التنازل عن ثوابتهم و معتقداتهم بل عدم فرضها بالقوة على التوجهات الأخرى , و من ثم توضيح الالتباس حولها ثم التطرق لضرورة العلمانية في المرحلة الراهنة , و الفوائد التي يمكن أن نجنيها في حال تطبيق العلمانية ,
أولاً: ما هي العلمانية :
تٌّعرف العلمانية على أنها فصل الحكومة أو السلطة السياسية عن السلطة الدينية أو الشخصيات الدينية و عدم تبني دين معين كدين رسمي للدولة , وعدم إجبار الأفراد على اعتناق دين معين أو منعهم من ممارسة اعتقاداتهم الدينية , كما هي منعهم من فرض أرائهم الدينية على القرارات السياسية , لذا يمكن تعريف العلمانية باختصار:
"فصل الدين عن الدولة"
و بهذا لا نعني أن العلمانية مضادة للدين أو معادية له , لكنها مستقلة عنه , أي أن الدين لا يتداخل بالسياسة , و السياسة تتغول على الدين ليشرعن قراراتها , و في هذا حماية للدين أولاً و النظام السياسي ثانياً من المتاجرة به من قِبل بعض تجار الدين أو السياسة .
ثانياً: ما هي أسس العلمانية :
تعد العلمانية من المعتقدات المرنة ,إذ ليس لها شروط أو أسس تلتزم بها , و إنما هي قابلة للتطوير و التحديث و التعديل و الزيادة لتتكيف في أي بيئة توجد فيها و في أي مجتمع تظهر به .
و العلمانية في حد ذاتها لا تعتبر معارضة لأمور الدين بل هي لا تتدخل به و تقف دوماً محايدة تجاهه , و يعده الكثيرون هي التي حافظت على الدين من تدخلات الحكومة و الدول فيها .
و تقوم العلماني على مجموعة من الأسس , و منها :
1- أساس الانتماء لأي مجتمع هو المواطنة , فلا تنظر للدين أو العرق أو الطائفة أو المذهب كمحدد للانتماء .
2- العلمانية تؤمن بأن أساس التشريع يعتمد على المصلحة العامة , فأين وجد المجتمع و تم التوافق عليها , شرعها و اتبعها .
3- الشرعية في الدولة العلمانية تعتمد على الدستور الذي تم التوافق حوله من كافة أطياف و توجهات المجتمع .
4- في الدولة العلمانية تُعتبر الأمور الدينية أموراً شخصية و أتباعها منوط بالفرد و قراره , و يجب عدم فرض الدين بالقوة .
5- وجوب تحقيق حقوق الإنسان و الدفاع عنها.
6- الحفاظ على حقوق الأفراد و حرياتهم في الدولة العلمانية .
ثالثاً : لماذا العلمانية ضرورية في هذه المرحلة :
تأتي ضرورة العلمانية في المرحلة الراهنة بسبب الصراعات التي ولدها عدم الفهم الواضح للدين لدى أتباع التيارات التوجهات المختلفة , و إقامة ثوابت لهم و عدم المجادلة بصحتها أو محاولة تكييفها مع التيارات الأخرى و السعي لفرضها على النظام السياسي و لو بالقوة , حيث ينقسم المجتمع العربي إلى تياران , التيار الديني و التيار اللا ديني :
التيار الديني :
يضم الوطن العربي عدد من الأديان التي يمكن حصرها في , الدين الإسلامي و المسيحية و البهائية و الصابئة و الدين اليهودي.
أولاً: الدين الإسلامي : ينقسم الدين الإسلامي إلى مذهبين ,
*المذهب السني : و يتشرذم المذهب السني إلى عدد كبير جداً من التيارات و التوجهات و الأحزاب في داخله و هي :
-التيار السلفي و ينقسم إلى السلفية الجهادية كأحرار الشام و الجيش الإسلام في سوريا , و السلفية الحزبية كحزب النور في مصر , و السلفية الأثرية كأتباع الألباني , و السلفية السرورية كأتباع محمد بن سرور في الخليج العربي, و السلفية العقلانية كأتباع محمد عبده , و السلفية الدعوية , و أخيرا السلفية الجهادية التكفيرية كداعش و النصرة و فصائل من تنظيم القاعدة , والسلفية الجامية كأتباع الجامي و المدخلي في السعودية .
-الإخوان المسلمون الذين ينقسمون إلى الإخوان القطبيين و الإخوان التجديديون كحركة النهضة في تونس .
-حزب التحرير الذي يدعو إلى الخلافة الإسلامية و يستمد ثوابته من التيار العقلاني "المعتزلة"
-التيار الصوفي و التي تحتوي على ثلاث و ثمانون طريقة , أهمها :
الأحمدية في سوريا و مصر , و الرفاعية في سوريا و مصر ,السنوسية في المغرب العربي و السودان , و المهدية في السودان ,و التيجانية في السودان , و الأكبرية كأتباع ابن العربي .
-التيار الإسلامي الليبرالي مثل حزب الوسط في مصر و حزب مصر القوية .
*المذهب الشيعي : الذي يتشرذم إلى عدد من التيارات مثل :
-الاثنا عشرية و تضم :
التيار الصدري و المجلس الإسلامي و الحزب الدعوي في العراق .
حزب الله و حركة أمل في لبنان .
الشيعة الوطنيون و الشيعة الخمينيون (الموالون لإيران) في مجمل الخليج العربي .
الحوثيين في اليمن .
-الإسماعيليون في سوريا.
-العلويين في سوريا و لبنان .
ثانياً:المسيحية : و التي تقسم إلى عدد من المذاهب , وهي:
الأرثوذكس في سوريا .
الأقباط في مصر .
الكاثوليك في سوريا و مجمل الوطن العربي .
البروتستانت في مجمل الوطن العربي.
المارونيين في لبنان.
ثالثاً : اليهود الشرقيين في اليمن و المغرب العربي و توجد أقليات ضئيلة في سوريا و العراق .
رابعاً: الصابئة المندائية في العراق .
خامساً: البهائية في فلسطين و مصر و البحرين.
التيار اللا ديني :
ينقسم إلى عدد من التوجهات , و هي
التيار القومي و التي تقسم إلى الناصرية و البعثية و القوميون العرب و الحزب السوري الاجتماعي .
التيار الشيوعي الذي يضم اليسار المعتدل و اليسار المتطرف .
و التيار الليبرالي و أيضاً التيار الاشتراكي الذي يتداخل مع التيار القومي .
و هناك عدد من الأحزاب التوفيقية و التلفيقية التي لا تملك فكر واضح و المستقلين و الانفصاليين كالجنوبيين اليمنيين و الجنوبيين السودانيين .
و كل ما سبق ذكره من تيارات يحاول في المرحلة الراهنة فرض أيديولوجيته على النظام الاجتماعي و النظام السياسي , و هذا ما يؤدي إلى الإنقسام و التشرذم ,
مثلاً من المستحيل أن يحصل لقاء بين حزب الله و السلفية , أو بين الإسلاميين الليبراليون و السلفية الجهادية التكفيرية أو الصوفية .
لذلك تأتي العلمانية كقواعد و أسس للتخلص من الإنقسامات و وضع تصور واضح للحكم على أساس الإجماع و البناء لا التفرقة و الهدم .
رابعاً : ما هي النتائج التي يمكن أن نجنيها بتطبيق العلمانية :
إن من أبرز المشكلات التي يعاني منها المجتمع العربي هي أزمة الهوية , و التمايزات الإيديولوجية بين التيارات المختلفة التي أدت بعد كسر حاجز الخوف من الحكام إبان ثورات الربيع العربي من الظهور و الصراع حول من يجب أن تُطبق عقيدته و رؤيته للمجتمع , و لذلك كان تطبيق العلمانية الحل الأمثل للخروج من دائرة الصراع إلى دائرة البناء للدولة الحديثة و ذلك في ظل ما يلي :
1- الاتفاق حول مجموعة من الأسس و القواعد المتوافق عليها بين جميع التيارات و المذاهب و القوى في المجتمع العربي .
2- اعتماد الدستور كالمرجع الوحيد للحكم بسبب التوافق عليه و إقراره من قِبل المجتمع .
3- إتباع الديمقراطية كمنهج عمل و هو ما يضمن حكم من يُجمع عليه الغالبية في المجتمع .
4- إقرار الحريات و الحقوق للأفراد و هو ما يضمن الحياة الحرة و المساواة للجميع بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أ توجهاتهم السياسية .
5- منع فرض أي أيديولوجية دينية كانت أم غير دينية على منهج عمل مؤسسات الدولة و هو ما يضمن الخروج من أزمة الهوية و التمايزات المجتمعية .
و من هذا نستطيع التوصل لمجموعة من النتائج التي تحققها العلمانية و هي :
- القضاء على التشرذم الحاصل في المجتمع .
- تسهيل عملية الخروج من أزمة الهوية برسم الخيارات أمام الأفراد .
- تخفيف حدة الصراع بين التيارات و الاتجاهات المختلفة .
- بناء دولة حديثة خالية من التمايزات العنصرية .
- رسم سياسات اجتماعية و اقتصادية واقعية تخدم المصلحة العامة .
- حماية الدين و الحفاظ عليه من المتاجرين به لتحقيق مصالح شخصية .
و في هذا تكون العلمانية هي الوسيلة الوحيدة للانطلاق من مرحلة ما قبل النهضة إلى مرحلة النهضة و بناء المجتمع العربي الحديث و المعاصر , و ترسيم ملامح الهوية العربية و ملامح العمل السياسي العربي المنظم و الممنهج .
هاشم العيسمي .. 17/5/2016
#هاشم_العيسمي (هاشتاغ)
Hashem_Aysami#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟