|
بين تقدم الغرب وتخلفنا..الأسباب أساسا
الطيب طهوري
الحوار المتمدن-العدد: 5165 - 2016 / 5 / 17 - 22:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نقاش حاد جرى بين السيدتين وفاء سلطان السورية المقيمة في أمريكا وسعاد سعيود الجزائرية المقيمة في النمسا على صفحات الحوار المتمدن..شاركت فيه معلقا: 1- السيدة وفاء مساء الخير
- النقاش المثمر حقيقة هو النقاش الذي يتم بين المختلفين، لأنه يدفع بالطرفين إلى شحذ كل واحد منهما عقله أكثر والبحث والتنقيب لإثبات صحة أفكار ه وتأكيد مواقفه والتصورات التي يدافع عنها ..هذا يعني منطقيا اننا سنجد أحيانا بعض الحدة في ذلك النقاش، خاصة في عالمنا العربي الإسلامي ، حيث ما زلنا لم نتعلم قواعد الحوار جيدا، ولم نخرج بعد من عقلية التعصب للرأي ..وهي الحدة التي لا يمكن مواجهتها إلا بالتأمل والهدوء والتحكم تدريجيا في الأعصاب..إننانتعلم..والمتعلم يخطئ ويصيب، ومن خطئه يتعلم أكثر..لهذا أرى أن الحكم على وفاء سلطان بأنها صاحبة عقل فارغ وعلينا بالابتعاد عن مجادلتها كلام لا معنى له بالمرة ..شخصيا، لا أعتقد أبدا - مهما اختلفت مع وفاء سلطان - أنها وهي تفتح باب الحوار على مصراعيه وترد على كل التدخلات فارغة عقل...علينا أن نحترم مجهودات الآخرين مهما اختلفنا معهم..علينا أن نتواضع..أقول هذا الكلام لأنني رأيت على صفحة السيدة سعاد الكثير من أصدقائها وصديقاتها يدعونها من خلال تعليقاتهم إلى التوقف عن مواصلة الحوار ، بعضهم بدعوى أن وفاء سلطان ملحدة، وبعضهم الآخر بدعوى أن الحوار معها لا يجدي نفعا وانها لن تتخلى أبدا عما تعتقده ، وهو ما يعني أنهم لا يرون في الحوار إلا وسيلة يهدفون منها إلى جعل المختلف عنهم ينجر إلى صفهم حما ويتبنى ما يتبنون، وهي عقلية لا نراها إلا في مجتمعات القطيع، بدل ان يروا في الحوار وسيلة للرفع من مستوى وعيهم وفهمهم من ثمة لواقعهم وتاريخهم وواقع الآخرين وتاريخهم أيضا ،وما هو مطروح في الحوار من قضايا أكثر.. - ترجع السيدة سعاد سعيود تخلف مجتمعاتنا العربية الإسلامية إلى العوامل التالية - حسب ما فهمته من ردها على السيدة وفاء سلطان - : أ -الذكورية ( وهي كما نعرف جميعا متوارثة عبر الأجيال، من مجمع ما قبل الإسلام حتى الآن) .. ب - الفقهاء ورجال الدين عموما ( الذين وظفوا الدين لخدمة مصالحهم ومصالح المستبدين الذين حكموا مجتمعاتنا طوال التاريخ، وجعلوا منه أي الدين وسيلة لمحاربة كل فكر يخالف فهمهم له،واضطهاد أصحابه) . ج- العادات والتقاليد البالية التي سيطرت وما تزال تسيطر على عقولنا ومشاعرنا وسلوكاتنا ...).. الأسئلة ( التي أراها وجيهة) ، والتي ننتظر من السيدة سعاد وغيرها من الذين يمكنهم ، واللواتي يمكنهن أيضا الإجابة عنها ، وإثراء الحوار أكثر هي: - كيف عجز الإسلام طوال تاريخه على القضاء على تلك العوامل؟.. - كيف عجز عن إحداث التغيير الإيجابي لهذه المجتمعات؟..- هل كان لرجال الدين فقهاء وأائمة ودعاة أن يتواجدوا لولا وجود الدين؟.. - هل يجب إبعاد الدين عن الحياة حتى يختفي رجال االدين أولئك ؟..- كيف نجعل الدين ( الإسل عندنا) ينجح في تحقيق ما يريده المسلمون منه( الخروج من تخللفهم والدخول في العصر فاعلين لا مفعولا بهم) ؟..- الغرب لم يخرج من تخلفه إلا بحركة تنويرية أدت إلى جعل الدين أمرا شخصيا، قناعة ذاتية تربط الشخص بما يؤمن به ، وهي الوضعية التي عرفت باسم العلمانية ( السيدة سعاد تصرح بانها علمانية)..هل يمكن لمجتمعنا العربي الإسلامي أن يسير هو أيضا نحو العلمانية ويجعل من ثمة إسلامه أمرا شخصيا، قناعة ذاتية لا علاقة له بأمور الحياة سياسة واجتماعا واقتصادا..إلخ؟.. مع الملاحظ أن فترة ازدهار حضارة العرب المسلمين في العصر العباسي كانت شبه علمانية..كيف يتحقق ذلك؟..تحياتي 2- ردت السيدة سعاد سعيود على تعليقي بما يلي ( آخذ منه ما كان إجابة عن الآسئلة التي طرحتها في تعليقي وأترك ما لا صلة له به): أما رجوعك لسعاد سعيود بأنها ترجع تخلف العالم العربي ـ ولا أقول الإسلامي فقط لأن المسيحي جزء منه ولم يطور نفسه أيضا داحل الشرق الأوسط الكبير ـ يرجع للنقاط التي ذكرت، فهذا ليس صحيح تماما،فأنا لم أذكر كل شيء، لأن هناك نقاطا كثيرة لا يمكن إهمالها أولها مرور هذا العالم بحقبة استعمارية ساهمت في تجهيل الشعوب، ربما هنا سأستعين بالنظريات الاجتماعية والتي لا يسمع لا المكان ولا الزمان بسردها، كما أن الدول الغربية مرت بحرب عالمية غيرت مجرى فكره خاصة بعد خروج المرأة للعمل... أعجب لسؤالك في الحقيقة والذي تقول فيه لماذا لم يخرج الدين الأمة من هذا التخلف، الدين ليس مسؤولا في نظري في إخراج الناس من التخلف، هو الضمير الذي يحركهم لا غير، هو الأخلاق، هو الحاجة الروحية التي تستقر بها النفس، هو الطيبة المستمدة من نور لا تلظلمه ولا تظلمه فتوى مهما كان مصدرها، هذا في نظري أنا ولا ألزم به أحدا، ولقد وجدت بعض الإحصائيات في الانتحار ومن ثمة الاكتئاب ويمكنك العودة إليها فهي موثقة أن المتدينين أقل الناس انتحارا وإصابة بالاكتئاب في العالم. لم أدّع أبدا في كل حواري أن الدين يخرج الناس مما هم عليه، وقد قلت من قبل أنه لا يهمني في الملحد إلحاده ولا في المسلم إسلامه ولا في من يقدس البقرة، ولم أتمسك به لأنه سيخرجني مما أنا فيه،لكني دافعت على أنه في حد ذاته ليس أبدا السبب لما نحن فيه خاصة هذه الدموية التي نراها اليوم فيما تفعله داعش والذي هو صنييع من دربهم في أفغانستان حين خلقت الطلبان والكل يعرف كيف بدأ العنف الذي تجدد حين راجعنا التاريخ، تاريخ الفتن، ثم من دخل بغداد فدمرها، ومن دمر سورية وليبيا؟ أليست الدول العلمانية التي دخلت عليها بالصواريخ فخلقت بذلك مجتمعا عنيفا، مع سياسة سبقته لم تتقن فن السياسة ولا تعرف معنى احترام شعوبها وشعب لم يتعلم من تجارب سبقت كما تعلمت شعوب أخرى أرى المسألة تربوية، وتربوية جدا وأسبابها لا تجد حلا هنا بل بحوث أكاديمية جادة، نحن هنا فيها مجرد ملاحظين.. قلتَ : - الغرب لم يخرج من تخلفه إلا بحركة تنويرية أدت إلى جعل الدين أمرا شخصيا، قناعة ذاتية تربط الشخص بما يؤمن به ، وهي الوضعية التي عرفت باسم العلمانية ماذا تعني بالغرب يا سيدي، النمسا مثلا دولة غير علمانية وتتدخل الكنيسة في كل كبيرة وصغيرة بل و حتى في التجار بأن لا تسمج لهم بفتح محلاتهم يوم الأحد بل وأن يتم غلقها بعد مواقيت هي تقررها، المانيا يحكمها الحزب المسيحي المحافظ، أما إذا كنت ترى الغرب فرنسا بعض الدول العلمانية فلا أعتقد أن سبب تطورها هو فصل الدين عن الدولة بل تدخل في ذلك أسباب كثيرة أولها الثورة الصناعية التي جعلت المصالح اقتصادية بحثة، وهو رأيي ويحتاج إلى دراسات طبعا ولا يمكن أن نجزم لا أنت ولا أنا في شيء ، إنما هي الملاحظة اليومية واحتكاكي بالآخر من مختلف أجناس العالم وطوائفه.. 3- ردي على إجابات السيدة سعاد كان التالي: ( ماذا نعني بفصل الدين عن الدولة؟..في تصوري، يعني الفصل إبعاد الدين كمقدس عن التدخل من خلال رجاله فيما هو من الأمور العامة المشتركة بين الناس ، بحيث يحلل ويحرم، ينهي ويأمر، ويفرض كل ذلك كأحكام يجب على الناس الالتزام بها بدعوى أنها أحكام إلهية مقدسة لا يجوز الخروج عنها..لكنه لايعني بالمرة رفض الأخذ منه ما هو فيه من أفكار وأخلاق تفيد الناس في حياتهم،على اعتبار أنه – بشكل أوبآخر - نتاج تجربة بشرية من ضمن تجارب البشر الكثيرة في حياتهم ،شرط أ ن تقدم كأفكار وأخلاق ضمن مشروع المجتمع الذي يعرضه حزب ما ضمن مجموعة أفكار مشروعه الوضعية .. لايعني الفصل ذاك أيضا منع الناس من اعتناق الدين وممارسة التدين، بل الناس أحرار فيما يعتنقون من ديانات ويمارسون من شعائر، انطلاقا من أن التدين قناعة شخصية في الأساس..وهو ما نلاحظه في المجمعات العلمانية ..) - ( تنتقدين الفقيه/ الفقهاء انطلاقا من أنه : لم يطور ذاته عبر العصور..اجتهد بما يخدم مصالح الذكور على حساب مصالح المرأة..احتكر الدين لمصلحته وأوجد مؤسسات دينية لا تعني في الإسلام شيئا، بقدر ما تضيق على فكر الناس وتحرمهم من حرياتهم، كالأزهر..إيجاد علم شرعي يتنافى وتعاليم الإسلام..تفسير الإسلام حسب مزاجية وقواميس لم تأت إلا بعد قرون من نزول الوحي..الاعتماد على أأحدث محمدية ( منسوبة إلى محمد) لا تتفق مع أخلاقيات الأديان، ولا يقبلها العقل)..نقدك هذا يطرح الكثير من الأسئلة:- الفقهاء والمفسرون قدموا فهمهم للإسلام حسب ظروفهم وظروف المراحل التاريخية التي عاشوا فيها بسياساتها وأوضاع مجتمعاتها وحالاتها الثقافية وصراع المصالح فيها بين الطبقات الاجتماعية وحتى بين الدول وبين الدويلات، وهو ما أوجد تعدد المذاهب التي لا تختلف في العموم حول الموقف من الذكورية والأنوثية ، والحرية ..إلخ..رغم الصراع بينها أحيانا..ترى، هل يمكن تصور أن كل هذا الكم الكبير من الفقهاء، بدء من فترة صدر الإسلام حتى اليوم لم يفهموا الإسلام، أو على الأقل لم يظهر بينهم من يفهمه؟..هل يمكن تصور أنهم جميعا كانوا خاضعين في تفسيراتهم وأحكامهم لأمزجتهم ومصالحهم؟..ألا يوجد في الإسلام الأصلي ( القرأن) ما يتماشى وتفسيراتهم تلك وأحكامهم، أو على الأقل مع الكثير من أحكامهم وتفسيراتهم، خاصة وهم يستشهدون بالكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتفق عليها بين رواة الأحاديث، والمسماة أحاديث صحيحة؟..ماذا نقول عن تلك الآيات والأحاديث ؟..ثم..من له الحق، وبأية صفة، ليحكم على كل ذلك الموروث الفقهي والتفسيري وبمختلف المؤسسات التي احتضنته وتحتضنه على أنه ليس من الإسلام في شيء؟..ألا يمكن القول هنا بأن الذين يصدرون هذا الحكم المطلق هم أناس يتصورون إسلاما مثاليا يرسمونه في مخيلاتهم ليس إلا، لا علاقة له بإسلام الواقع الذي لا يمكن أن يكون إلا فهوم ذلك الإسلام حسب ظروف المسلمين عبر تاريخهم؟..ألا يمكن القول بأن هذا التصور المثالي لا يمكن إنزاله إلى الواقع بالمرة، لأن الذين يعيشون في الواقع بشر يخطئون ويصيبون ،لا ملائكة منزهون؟).. - ( المسيحيون في الشرق الأوسط يعيشون في مناخ اجتماعي إسلامي عام ، لا يمثلون إلا الأقلية فيه،مهما كان عددهم،يتأثرو بمجمل ما فيه من ممارسات سياسية واجتماعية وثقافية، ولا يعيشون وحدهم في إطار دول خاصة بهم، وهو ما يعني أنه لا يمكن انتظار نقيض ما هو سائد من تخلف منهم في تلك المجتمعات عموما..) - (عوامل تخلف هذا العالم العربي الإسلامي عديدة بالتأكيد، من الصعوبة حصرها بشكل مطلق..التخلف (كما التقدم) ظاهرة معقدة، لها جوانبها السياسية والاجماعية والثقافية ، ترتبط بعوامل داخلية متشابكة ،كما لها أيضا عوامل خارجية متشابكة كذلك..بالتأكيد الاستعمار عامل، لكنه أيضا نتيجة..هو عامل، لأنه ساهم في قهر الشعوب ونشر اليأس في نفوس أفرادها وحرمهم من الحرية، واستعلآلهم واستغلأل خيراتهم..وهو نتيجة، لأنه كان نتاج تقدم الغرب وامتلاكه القوة،وكل قوة تسعى إلى الهيمنة..هذا هو دأب التاريخ..فعلها الرومان والفرس والمسلمون بعدهما وغيرهم قديما، وفعلها الغرب حديثا،وهو كذلك نتاج اشتداد التسابق بين دوله من أجل تلك الهيمنة، من جهة، ونتاج تخلف العرب المسلمين، من جهة أخرى ،نتذكر هنا ما كانت عليه دولة العثمانيين ومن تحكمهم..) - تقولين بأن الدين ليس مسؤولا عن إخراج الناس من التخلف، هو الضمير الذي يحركهم لا غير، هو الأخلاق، هو الحاجة الروحية التي تستقر بها النفس، هو الطيبة المستمدة من نور لا تلظلمه ولا تظلمه فتوى مهما كان مصدرها، هذا في نظري أنا ولا ألزم به أحدا، ولقد وجدت بعض الإحصائيات في الانتحار ومن ثمة الاكتئاب ويمكنك العودة إليها فهي موثقة أن المتدينين أقل الناس انتحارا وإصابة بالاكتئاب في العالم.. ( لماذا الدين إذن، إذا لم يكن دافعا أهله إلى التقدم، ماديا وأخلاقيا، ومن ثمة إخراجهم من تخلفهم الطويل الذي يمكن وصفه بأنه تخلف مزمن؟، أقول هذا الكلام من منطلق أن المسلمين يرون في الإسلام دينا ودولة، دنيا وآخرة..يرون فيه مشروعا اجتماعيا لا يمكن لهم الخروج من تخلفه إلا بالرجوع إليه ( وكأنهم خارجون أوبعيدون عنه) فيما يسمونه ( الحل الإسلامي)..أقول هذا أيضا انطلاقا من قولك:الدين هو الضمير الذي يحرك،هو الأخلاق..هو الحاجة الروحية التي تستقر بها النفس..هو الطيبة...إلخ)..كيف لم تتحرك ضمائر المسلمين وهم يمارسون كل ما تعرفينه من غش في العمل والوقت، من غش في السلع..من نهب للمال العام ، وفي كل المستويات والقطاعات..من رشوة ومحسوبية ولا مبالاة..من..ومن؟..كيف لم تتحرك ضمائرهم قديما للوقوف ضد استعباد الناس وممارسات الحكام الظالمة ؟..كيف لم تتحرك اليوم كمظاهرات منددة بما تمارسه داعش والنظام السوري وغيرهما ضد الشعب السوري مثلا؟..وضد الفساد في مختلف مجتمعاتهم أيضا؟..أطرح هذا السؤال وأمامي الناس المسلمون يمارسون التدين بإفراط، وكلما أفرطوا أكثر ساءت أخلاقهم أكثر..أين هي الأخلاق في واقع المسلمين الحالي ، وفي تاريخهم.. الكذب.. الاحتيال..السب والشتم في الشوارع..التحرش بالنساء.. و.. و..؟..أين هو هذا الاستقرار النفسي والمسلمون يعيشون اليأس العميق الذي يبرز أكثر في سلوكاتهم اليويمة، حيث ما إن يختلف فرد مع آخر حتى يلجآ إلى لغة العنف اللفطي وأحيانا الجسدي، بدل الحوار .. اليأس الذي يبدو أيضا في أوساخهم التي تنتشر في كل مكان، وحتى أمام المساجد أحيانا دون أن يتحركوا لإزالتها..والذي يبدو كذلك في عجزهم عن تنظيم أنفسهم والوقوف ضد الفساد والمفسدين في إطار النضال السلمي المسؤول..و..و..).. - تقولين بأن المتدينين أقل الناس انتحارا، وإصابة بالاكتئاب..المتنبي يقول: ذو العلم يشقى في النعيم بعلمه*** وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم.. - المعروف أن الدين عموما يحد من دفع الناس إلى التساؤل..إلى التفكير..إلى النقاش..إلى المغامرة في المجهول..يميل بأتباعه إلى ما يسمى باليقينية، بدل الشك..ومن يشك يسأل ويبحث ويناقش..ومن يتبنى اليقين لا يشك، لا يحتاج إلى التساؤل والبحث والنقاش..يحد أيضا من نضالهم في الدنيا،بل يحد حتى من تفكيرهم في النضال..وفي عالمنا الإسلامي يجعل الدين الناس يعوضون عن فقدانهم متع الدنيا بالتعلق أكثر بمتع الآخرة من خلال تدينهم أكثر..دون أن ننسى أن الدين يزرع الخوف في نفوس أتباعه ، غالبا، ومن الخوف من عذاب جهنم أكثر، وهو عامل آخر يعمق فيهم تدينهم ..لكن هذا لا يعني بالمرة أنه يجعلهم مستقرين نفسيا..وقد وضحت ذلك قبلا..ورغم كل ذلك لا تخلو مجتمعاتنا العربية المسلمة من ظاهرة الانتحار الذي من بيينه الانتحار الجهادي..).. - ( أتفق معك في أن الدين ليس في حد ذاته سببا فيما يعيشه عالمنا العربي الإسلامي، هناك عوامل كثيرة داخلية كالاستبداد الذي تراكم وترسخ في مجمعاتنا ،والظلم والفساد واليأس والعجز وفقدان الأمل من ثمة في تغيير الأوضاع نحو الأحسن،والطبقية غير المشروعة، وثقافة الاستهلاك التي جعلت نفوس الناس تعيش التمزق ، حيث هي واقعة بين ما تكونها فيها تلك الثقافة المغرية من أحلام في تملك أشيائها، المادية خصة،من جهة، والعجز عن تحقيق ذلك التملك، من جهة أخرى..والجهل أساسا..إلخ..دون أن ننسى عمل أنطمة الاستبداد تلك على إيجاد ميليشيات العنف باسم الدين هي أيضا لتبرر ممارسة العنف ضد شعوبها وقتل معارضيها باسم الإرهاب ذاك.. وهنا توظف الدين بذكاء يجعلها تبدو أمام شعوبهاوكأنها هي ذاتها ضد تلك الميليشيات، وحامية الناس من بطشها..وهناك عوامل خارجية تبرز في عمل القوى الكبرى على الهيمنة على العالم وخيراته، بما فيها عالمنا العربي الإسلامي، حيث الثروة البترولية،والموقع الاستراتيجي..إلخ ، وعمل تلك القوى على جعل ثقافتها، والاستهلاكية خاصة، تكتسح هذا العالم من أجل تصريف منتوجاتها لتحقيق الأرباح أكثر، وعملها أيضا على خلق بؤر التوتر في العالم والدفع إلى الحروب لتبيع أسلحتها وتحقق الأرباح لها أيضا..المؤكد هنا أن الدين هو الملاذ الذي يهرب الناس إليه ليعوضوا به عن عجزهم ويأسهم، ومن ثمة هو وسيلة أخرى من الوسائل التي تخدم أنظمة الاستبداد، حيث يحد ذلك الملاذ من النضال والتفكير فيه، وهو ما يعني أنه يساعد على بقاء الأوضاع على حالها بما يخدم مصالح أنظمة الاستبداد، من جهة، والقوى المتنفذة في هذا العالم من جهة أخرى، على حساب مصالح الشعوب.. الدين أيضا هو الغطاء الذي تجد فيه القوى التي وصل اليأس يها إلى الحد الذي لا يطاق ما يبرر لها ممارساتها العنفية، وإرهابها، وحيث به ، ،تكتسب الأتباع في عالمنا العربي الإسلامي ،معتمدة على ما فيه من آيات وأحاديث وما يرتبط بها من تفسيرات وممارسات عبر التاريخ، خاصة والمساجد التي يمكن لأصحاب العنف الديني استغلالها بسهولة لنشر أفكارهم وجذب الشباب اليائس الناقم إليهم كثيرة جدا،دون أن ننسى مختلف المواقع الجهادية في عالم الانترنات.. صحيح أن العنف والإرهاب يمارسان بوجود الدين أو بعير وجوده، لكن المؤكد أن ممارسته باسم الدين وانطلاقا من موروثه الفقهي وممارساته عبر التاريخ يجعله أكثر انتشارا وأطول وجودا.. المؤكد كذلك أنه كلما كان المجتمع أكثر وعيا كان أكثر إنسانية، وكلما كان أكثر إنسانية كان أقل عنفا سواء على مستوى الأفراد أوعلى مستوى الجماعات.. - ( الغرب علماني، لا شك في ذلك عندي أبدا..النمسا علمانية..ألمانيا علمانية..لا أعتقد أن هناك من يشك في ذلك..فقط، علينا أن نقر بأن العلمانية ليست وصفة سحرية جاهزة نطبقها بنفس الطريقة في كل دولة تريد تبنيها..العلمانية مسار يخضع في تشكله للتطور والتغير – نسبيا- في تطبيقها من مكان إلى آخر..لهذا يرى الدارسون أن العلمانية نواعان كبيران: علمانية متشدة تفصل الدين بشكل تام عن الدولة ،فلا تصرف على التعليم الديني، ولا تفضل دينا ما على الأديان الأخرى،والدين عندها قضية شخصية بشكل تام، لا تتدخل الدولة فيه إلا إذا حاول أتباعه فرضه على الآخرين، حيث تتدخل هنا لتمنعهم من ذلك.. ( ربما تكون فرنسا مثالا على ذلك) ،وحتى عن المجتمع ( فيما يسميها البعض بالعلمانية الملحدة كالاتحد السوفياتي سايقا)..وهنك علمانية غير متشددة، تسمح بإمكانية أن يتدخل الدين بمؤسساته أحيانا في بعض الأمور شرط أن لايؤدي ذلك إلى الإخلال بالنظام العام، أو يوصل إلى خلق الصراعات بين المختلفين دينيا..وبمعنى آخر لا تقف ضد الدين ما دام في مقدوره تقديم بعض ما يفيد الناس ، على أن يعتبر ذلك التدخل كتدخل مختلف فعاليات المجتمع الأخرى تدخلا بشريا لا يدعي بالمرة امتلاك الحقيقة المقدسة أو يرفض نقد فكره وشكل تدخله من قبل الآخرين ..ولعل النمسا مثال عن ذلك ، وربما الدانمارك أيضا..).. فصل الدين عن الدولة تم بشكل تدريجي وفي إطار الصراع بين البرجوازية والمتنورين ، من جهة، والكنيسة والإقطاعيين، من جهة أخرى،وهو الصراع الذي استمر عقودا طويلة،ومات من جرائه عشرات الآلاف من الناس، حيث كانت البرجوازية هي الطبقة التي رفدت التنوير ومكنت له، كما مكن لها هو بدوره..هذه الطبقة البرجوازية بفكرها التنويري هي من حقق الثورة الصناعيةو أوصل في النهاية إلى تبني فكرة فصل الدين عن الدولة ( العلمانية)..وهي أيضا الطبقة التي أوصلت من خلال وصولها إلى دفة الحكم في بلادها إلى ظهور الرأسمالية والتنافس الاستعماري الحديث..هذا الفصل للدين عن الدولة جعله أمرا شخصيا، وكف من ثمة عن التحكم في حركة المجتمع وتقييدها، وبذلك أتاح للعقل أن يتحرر من قيوده وينطلق باحثا مكتشفا ، فكان كل هذا التقدم في مختلف ميادين الحياة، فكرا وعلما وتقنية وإبداعا فنيا، وكشفا للمجهول في الطبيعة وفي الإنسان، وعملا أيضا على محاولة كشف مجهول ما نراه بالعين المجردة ووسائل الكشف الأخرى في هذه السماء ، بعد أن كان ذلك الغرب يعيش في ظلام الجهل والتخلف..للأسف، في عالمنا العربي يبدو أننا الآن، والآن فقط بدأنا صراعنا نحن من أجل علمنة مجتمعنا.. المشكلة عندنا أننا نجد تنويريين قلائل، لكننا لا نجد طبقة اجتماعية ترفدهم،والطبقة التي تتحكم في اقتصاد بلداننا وفي ثقافتها وسياستها طبقة طفيلية يرفدها الجهل المتفشي في مجتمعاتنا ، من جهة، والتدين المفرط المغيب للعقول، من جهة أخرى.. وهو ما يعني أن الأمر عندنا صعب جدا جدا..
#الطيب_طهوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات فيسبوكية
-
لماذا نحن لا ننتحر..لماذا هم ينتحرون؟
-
الأقوياء المتنفذون وحدهم من يخدمهم الدين في الواقع
-
لا خروج لنا من تخلفنا إلا بانفتاحنا على الحياة وتفاعلنا مع ب
...
-
من المستفيد من دروس التربية الإسلامية في مدارسنا؟
-
لماذا لم يتحرر المسلمون من استبدادهم ؟
-
عالمنا العربي يتردى أكثر..ماذا نحن فاعلون؟
-
عطشي الأرض..وأمطار يديك النار
-
شيء من العشب..أو ..من دمي
-
واصل غناءك أيها الرمل..واصلي رقصك أيتها النار
-
النهر يعشق أيضا
-
أطلال أخرى..
-
مر من جسدي
-
تلك الرسائل ما أروعها
-
الفتى..كل هذا الجسد
-
مريم
-
أبجدية لخماسيات جزائرية
-
إفريقيا بين السواد وزوارق أزرق الأحلام / الأوهام
-
رواية حنين بالنعناع لربيعة جلطي...... الخطر داهم..يا مثقفي ا
...
-
هذا ما وجدنا عليه آباءنا
المزيد.....
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|