أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد صالح الطحيني - كيف تهيمن العاطفة على العقل















المزيد.....

كيف تهيمن العاطفة على العقل


محمد صالح الطحيني

الحوار المتمدن-العدد: 5163 - 2016 / 5 / 15 - 17:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لماذا تظل المشاعر والعقل في صراع بينهما؟ لمعرفة هذا من الضروري دراسة تطور المخ البشري.
يزن مخ الانسان نحو 1350 جرام ويعادل ثلاثة اضعاف حجم مخ أقرب أبناء عمومتنا في التطور من الرئيسيات غير البشرية، نما المخ على مدى ملايين السنين من التطور من الجزء القاعدي الى المراكز العليا، حيث تطورت مراكزه الأرقى من الأجزاء الأقل تطوراً والأقدم، من المعروف أن نمو المخ عند الجنين البشري يستعيد هذا المسار التطوري تقريباً.
أكثر أجزاء المخ بدائية هو جذع الدماغ المحيط بقمة الحبل الشوكي، وهذا الجزء مشترك بين كافة الأنواع حتى تلك التي تمتلك الحد الأدنى من الجهاز العصبي هذا الجزء القاعدي من المخ ينظم وظائف الحياة الأساسية مثل التنفس والتمثيل الغذائي لأعضاء الجسم الأخرى كما يتحكم في ردود الفعل والحركات النمطية. هذا المخ البدائي لا يمكن أن يفكر أو يتعلم لأنه ليس أكثر من مجموعة أدوات تنظيم مبرمجة تحافظ على استمرارية قيام الجسم بوظائفه كما ينبغي، والاستجابة بطريقة تضمن البقاء. هذا المخ كان سائداً في عصر الزواحف حين كان الثعبان يصدر فحيحاً كإشارة لخطر هجوم قادم.
نشأت مراكز المشاعر من جذع الدماغ أصل المخ الأكثر بدائية ثم نشأ العقل المفكر أو القشرة الدماغية الجديدة Neocortex مع تطور هذه المراكز العاطفية بعد ملايين السنين من مسيرة التطور هذه القشرة الجديدة عبارة عن انتفاخ بصلي كبير مكون من لفائف نسيجية تشكل الطبقات العليا من الدماغ ونشوء العقل المفكر من العقل الانفعالي يكشف عن العلاقة بين الفكر والمشاعر ، فقد كان العقل الانفعالي موجودا في المخ قبل وجود العقل المنطقي بزمن طويل .
وأقدم أصل لحياتنا الانفعالية هو حاسة الشم أو إذا شئنا الدقة الخلايا التي تستقبل وتحلل الرائحة في الفص الشمي من المخ. فكل كائن حي سواء كان كائن مفيدا او ضاراً أ رفيقا جنسياً أو مفترساً أو فريسة، كل كائن من هذه الكائنات له بصمة جزيئية مميزة يمكن ان تنتشر في الهواء. لذا كان الشم في تلك الأزمنة البدائية هو أهم حاسة للبقاء على قيد الحياة.
وقد بدأت المراكز الانفعالية القديمة في التطور من الفص الشمي في الدماغ إلى أن كبر حجمها بالقدر الذي يكفي التحلق حول مقدمة جذع الدماغ. وكان مركز الشم في المراحل البدائية يتكون من خلايا عصبية على شكل طبقات رقيقة متجمعة، مهمتها تحليل رائحة من الخلايا التي شمتها ثم تصنيفها وترسلها الى مجموعة من الخلايا المتصلة بها التي تحدد ما هو صالح للأكل أو مسموم، صالح للتعامل معه جنسياً، او معاد ، أو إن كان طعاما ... ثم ترسل طبقة أخرى من الخلايا رسائل عاكسة عبر الجهاز العصبي تبلغ الجسم بما يجب فعله . هل يقضم الشيء أو يبصق أو يقترب أو يهرب أو يطارد؟
وقد نشأت الطبقات الرئيسية للعقل الانفعالي مع ظهور الثدييات وهي الطبقات المتحلقة حول جذع المخ. ولأن هذا الجزء الحوفي Limbic System هو مشتق من الكلمة اللاتينية ( Limbus ) ومعناها دائرة هذه الأرض الجديدة الخاصة بالأعصاب أضافت إلى سجل المخ التاريخي عواطف وانفعالات متميزة فالجهاز الحوفي هو الذي يتحكم فينا حين تسيطر علينا الشهوة أو الغضب أو الوله في الحب أو التراجع خوفاً .
ومع تطور الجهاز الحوفي تحسنت وسيلتان قويتان: التعلم والذاكرة. أتاحت هذه الخطوة الثورية المتقدمة للحيوان القدرة على أن يكون أكثر ذكاء في خياراته من أجل البقاء، وأن تواكب استجابة المتطلبات المتغيرة. وألا تكون ردود أفعاله آلية كما كانت من قبل. فإذا تسبب الطعام في إصابته بالمرض استطاع تجنبه في المرة التالية وظلت قدرته على تحديد ماذا يأكل وماذا يتجنب. تتم من خلال حاسة الشم وحدها، حيث تقوم الرابطة بين بصلة الشم والجهاز الحوفي بمهمة التمييز بين الروائح المختلفة والتعرف عليها والمقارنة بينها في ذلك الوقت وما كانت عليه في الماضي وبالتالي تفرق بين الطيب والخبيث، كان هذا يتم بواسطة فص الدماغ الشمي وهو جزء من الاسلاك الطرفية والأساس البدائي للقشرة الجديدة أي الدماغ المفكر.
ومنذ حوالي مائة مليون عام تعاظم حجم المخ في الثدييات تكونت طبقات جديدة عدة من خلايا المخ على أعلى الطبقتين الرقيقتين من قشرة المخ وهي المناطق التي تتصور ما يأتي عن طريق الحس وتفهمه وتنسق الحركة، هذه الطبقات أضيفت إلى المخ فتكونت القشرة الجديدة The Neocortex وعلى النقيض من الطبقتين القديمتين لقشرة المخ فإن القشرة الجديدة مثلت تقدماً يفوق المعتاد للفكر.
والقشرة الجديدة في مخ الجنس البشري ( Homo Sabien ) أكبر كثيراً من قشرة المخ في أي نوع من الكائنات الأخرى وبالتالي أضافت لهذا الجنس كل ما يميزه عن غيره فالقشرة الجديدة تمثل مركز التفكير فهي ترتب ما يأتيها من طريق الحواس وتفهمه وهي تضيف للشعور التفكير في هذا الشعور نفسه وتسمح لنا بأن ننفعل بالأفكار والفن والرموز والخيال . لقد نتج عن القشرة الجديدة في عملية التطور مستوى من التناغم الجيد حقق بلا ريب ميزات هائلة في قدرة الكائن الحي على النجاة من الشدائد وجعله أكثر احتمالاً. بحيث تنتقل هذه الميزات إلى جينات ذريته التي تحتوي مجموعة الدوائر العصبية نفسها هذه القدرة الأكبر على البقاء على قيد الحياة تعتمد على مقدرة القشرة الجديدة على تخطيط استراتيجية طويلة الأمد وغيرها من الحيل الذهنية ومن ثم فإن كل روائع الفن والحضارة والثقافة ما هي الا ثمار قشرة المخ الجديدة كما أضافت هذه القشرة القدرة على تحديد الفروق الإضافية الدقيقة للأفكار فلنأخذ الحب مثلاً : تقوم هياكل الجهاز الحوفي بمسؤولية توريد مشاعر المتعة والرغبة الجنسية وهي المشاعر التي تغذي الشغف الجنسي وقد أدى وجود القشرة الجديدة وارتباطها بالجهاز الحوفي للمخ الى هذه الرابطة بين الام وطفلها التي هي أساس وحدة الأسرة والالتزام بتربية الأطفال منذ الازل فيما حقق إمكان التطور الإنساني .
الجدير ذكره ان الأنواع التي ليس لها قشرة مخ جديدة تفتقر إلى عاطفة الامومة مثل الزواحف التي تختبئ منها صغارها فطريا بعد ولادتها خشية التهامها. إن حماية الأبويين من بني الانسان لأطفالهما تتيح مزيداً من النضج الذي يستمر على مدى مرحلة الطفولة الطويلة وفي الوقت نفسه تستمر فيه عملية نمو المخ.
وكما بدأنا بتطور السلالات من الزواحف الى القردة الصغيرة وصولاً الى الإنسان نجد أن كتلة القشرة الجديدة تتزايد مع تزايد تداخلات دوائر المخ الكهربائية بمتوالية هندسية فكلما زاد عدد الارتباطات زادت الاستجابات الممكنة والقشرة الجديدة تتيح لحياتنا العاطفية المرونة والتعقيد معاً مثل قدرتنا على تكوين مشاعر عن مشاعرنا. والقشرة الجديدة أكبر من الجهاز الحوفي في الرئيسيات بصورة اكبر مما في الأنواع الأخرى كما انها اكبر بكثير عند الانسان وهذا يفسر قدرتنا على التعبير عن عواطفنا وقدرتنا الأكثر على اراك الفروق الدقيقة بين الأشياء فإذا نظرنا الى الارنب مثلاً أو القرد الصغير من نوع الريسس نجد استجابتهما للخوف نمطية عبارة عن مجموعة استجابات محددة بينما نجد ان القشرة الجديدة في مخ الانسان تفسر لماذا يتمتع بمجموعة استجابات أكثر دقة والجدير ملاحظته أيضا أنه بقدر تعقيد النظام الاجتماعي يحتاج الانسان الى المرونة وهل هناك عالم معقد اجتماعياً كثر من عالمنا ؟
وفي شؤون القلب الحاسمة لا تتحكم هذه المراكز العليا للقشرة الجديدة في حياتنا خاصة في حالة الطوارئ العاطفية ويمكن القول انها تنزل عند إرادة الجهاز الحوفي ولأن كثيراً من المراكز العليا نبتت من مجال المنطقة الحوفية أو أنها امتداد لها لذا يلعب العقل العاطفي دورا حاسما في التركيب العصبي ولأن هذا التركيب العصبي هو الأصل الذي نما فيه المخ الأحدث نجد أن المناطق الشعورية تتشابك منذ الأزل حيث تربط مجموعة الدوائر العصبية بكل أجزاء القشرة الجديدة وهذا ما يرفع مراكز الانفعال الى مرتبة القوة الهائلة التي تؤثر في أداء بقية الدماغ بما فيها مراكز التفكير



#محمد_صالح_الطحيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الغضب
- لكل منا عقلان ...!
- العنف
- الشعور الجماعي
- الذكاء العاطفي
- المجنون9
- أي إله هؤلاء يعبدون
- البحث عن وطن
- مقتل هابيل
- نور
- القرآن
- انتصار محمد
- هجرة محمد الى المدينة
- محمد في مكة
- الإسلام
- الشريعة اليهودية
- الشعائر الدينية عند اليهود
- منشئو التلمود
- اليهود والنفي
- الأساقفة الشرقيون


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ ...
- نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار ...
- مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط ...
- وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز ...
- دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع ...
- المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها ...
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف ...
- في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس ...
- بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط ...
- ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد صالح الطحيني - كيف تهيمن العاطفة على العقل