العراق الى أين ؟
أسرار العائلة التكريتية الحاكمة .
"القسم الثامن "
شرع صدام ، بادئ ذي بدء - كما يقول كوكبورن - بتذكير " علي حسن المجيد ، بكونه قبل ثورة 1968 م ، " كنت مجرد نائب عريف في الجيش العراقي وسائقا في مدينة كركوك " مضيفا بان احد الاسباب التي دعت الى اقصائه من منصب وزير الدفاع ، عام 1995 ، هو تهريبه الحنطة الى ايران ، وانه هو المسؤول عن تحريضه لقتل اللواء عمر الهزاع " ثم انتقل صدام الى موضوع اخر ، فقد عالج عدم الكفاءة التي ميزت منصب اخيع غير الشقيق وطبان بقلة احترام وازدراء واضحيين ، قائلا له : " وانت وطبان ، يجب ان تعرف بان وزارة الداخلية قد عاث بها الخراب والفساد اثناء فترة اشغالك منصبها " ثم يلتفت الى اخيه غير الشقيق - سبعاوي -قائلا : " اما بالنسبة الى سبعاوي فاي نوع من مدراء الامن هو ؟ ، في بلد يعج بهكذا ظروف عصيبة ؟ ! يذهب الى مكتبه في حدود التاسعة صباحا ، واثار النعاس بادية على محياه ، تاركا امور الامن العامة بأيدي عناصر غير امينة ، من الذين عمدوا الى سرقة اموال الشعب ، لذلك علي اعدام بعضا منهم " .
ثم يقول كوكبورن : " استمرت الخطبة اللذعة مارة بلؤي خير الله ، والذي اتهمه بكونه " عقد اتفاقات مع المافيا والمتاجرين بالمخدرات لتهريب كميات طائلة من الاموال الى العراق ، لغرض القيتام بعملية غسيلها " بعدها وجه صدام اتهامه الى عدي ، ناعيا ايه بذي الوجهين ، قائلا : " اما سلوك عدي فلا يمكن ان يوصف الا بالسيئ ، ولا يمكن ان يكون هناك تصرفا اسوء مما انت عليه ... نود ان نعرف أي نوع من الاشخاص انت " قال الاب بلهجة حادة " هل انت سياسي ، تاجر ، قائد شعب او ولد لعوب ؟ يجب ان تعلم بانك لم تعمل أي شيء يذكر لخدمة هذا البلد او هذا الشعب ، بل العكس هو الصحيح " راجع ص 430-431 .
* اذا ، شهد شاهد من اهلها ، بل شهد رأس الدولة على " تصرف قادة دولته ؟ ! وهذا الامر يعرفه كل قادة الفرق والفيالق في الجيش العراقي ، لكن تقاليد المؤسسة العسكرية اصابها التشوه والاندثار وبدلت وفق عقلية " القائد " مذ كان " نائبا للرئيس احمد حسن البكر " وعندما ازاحه من السلطة في 10 / تموز / 1979 م ، واستلم مهام رئاسة الدولة ، اصبحت تقاليد المؤسسة العسكرية في خبر كان ، والذي يقرأ وقائع صدام بعائلته " الانفة الذكر ، يعرف جيدا مدى ضحالة تلك " القيادات " التي تقود العراق ، والمحلل السياسي والعسكري والاجتماعي سيدرك مدى الضياع القادم لعراق حمورابي وزهوي المنصور لبلده العباسي ، وسوف يفطن ابن الشارع العراقي البسيط ، باي نفق مظلم يسير !!
ومن هنا ، كانت القيادات العسكرية تعلم علم اليقين انها مجرد ادوات بيد صدام ، فليس لرتبتها احترام ولا لعلمها تبجيل ، فوزراء الداخلية والدفاع والامن والقوات الخاصة و " الحرس الجمهوري " يقودها ابناء العائلة الافذاذ وفق " تاريخ مجيد " مسطر بملامح بطولات تهريب العملة والمخدرات وقوت الشعب وثرواته النفطية ، والخافي اعظم ، لذلك ما ان سنحت الفرصة للقادة العسكريين حتى تركوا المؤسسة العسكرية وما فيها الى صدام وعائلته .
* كان اول ضابط رفيع المستوى ، يتخلى عن صدام ونظامه هو اللواء وفيق السامرئي ، رئيس الاستخبارات العسكرية العراقية ، فقد مضى " هاربا " على قدميه ، برحلة طويلة ، استغرقت عشرة ايام ليتصل بعدها بالقيادات الكردية المعارضة للنظام ، والذي كان على اتصال معها قبل ثلاث سنوات ، وحين وصوله الى منطقة كردستان ، احتفظ بسرية المعلومات الهائلة التي يعرفها عن برامج اسلحة صدام ، وعندما قابله احد المسؤولين العاملين في اللجنة الخاصة لتدمير اسلحة الدمار الشامل العراقية ، احاطه وفيق السامرائي " علما بأن العراق لم ينجح فقط في تصنيع مادة " VX " المادة الاكثر فاعلية لغاز الاعصاب المسببة للموت ، بل عبأها بصورة فعلية في رؤوس حربية " يقول كوكبورن : " جاءت جميع هذه المعلومات لتصيب اللجنة الخاصة / المشكلة من / " وكالة المخابرات المركزية الاميريكية والمخابرات البريطانية / بالدهشة وعلاوة على ذلك كشف السامرئي بان " الجهد الحربي البيولوجي العراقي " كان اكثر تطورا ، ولم يصب بأذى خلال حملات القصب الجوية ، وكذلك اعلن بان " العراق لا يزال يحتفظ بعدد من الصواريخ الهجومية ، جنبا الى جنب مع رؤوس حربية كيمياوية وبيولوجية " راجع ص 194-195 .
* كما اشرنا في مستهل هذه النقطة ، الى ان " عائلة صدام " هي صاحبة النفوذ السياسي والعسكري ، ونظرا لعدم معرفة هذه "العائلة " بالتقاليد العسكرية العراقية ، لذلك كانت سببا رئيسيا في جفوت الضباط الكبار لنظام صدام وعائلته ، وفي هذه النقطة بالذات ، كان اللواء وفيق السامرئي اول من تحسس من عنجهية تصرفات " ابناء العائلة المالكة " وقد قرر الهروب من منصبه العالي والالتحاق بالمعارضة ، ففي عام 1991 م ، تأهب وفيق السامرئي لعملية الهروب ، حيث انه شعر بان الاكراد سوف يتوصلون الى نوع من التسوية مع النظام ، فعندما توجه مسعود البرازاني الى بغداد لغرض " التفاوض مع الحومة " كانت الشؤون الكردية تقع على عاتق الاستخبارات العسكرية ، لذلك ابلغ السامرئي من قبل صدام بمواكبة المفاوضات ، واثناء احد الاجتماعات مع حسين كامل ، راقب اللاكراد مشدوهين ، سباب واهانات حسين كامل الجلف والقوي الموجهة الى السامرئي ، بسبب بعض الخروقات القانونية " وفي القرية التي اقلقتهم عقب الاجتماع ، توجه الاكراد بالسؤال الى السامرئي : كيف وهو ضابط الجيش المحترف ، ذو الرتبة العالية ، يستطيع تحمل هكذا تصرف من عريف ! رمق السامرئي الفضاء بنظرة ، عبر نافذة العربة مدمدما "سوف لن يدوم هذا طويلا " راجع ص 304 . وعندما فشلت المفاوضات مع الاكراد بقي السامرئي على اتصال معهم " كان هذا عملا محفوفا بالمخاطر ومرعبا في نفس الوقت " عبر احد المعارضين العراقين الذي يعرف عن كثب اللواء وفيق ، لكنه قال ايضا : " كان وفيق واحدا منهم عارفا باسرار ادارة مخابراتهم وكيف يمكنه التملص منها " راجع ص 304 .
* في اوائل عام 1992 م ، نقل صدام حسين السامرئي الى منصب استخبارتي في القصر الرأسي حيث بقي فيه الى اليوم الذي علم فيه من قبل صديق له - اواخر عام 1994 م - بأن " سيده المليىء بالشكوك حوله ، يخطط لقتله " يقول كوكبورن : " تمكن وفيق السامرئي من ايصال رسالة الى مسعود البرزاني ، طالبا فيها المساعدة في عملية فراره من بغداد ، وفي الثاني من كنون الاول عام 1994 م ، التزم الاكراد في اداء هذه المهمة ، حيث اوصلوه الى مصيف صلاح الدين " وحين وصوله الى هناك ، شاهد احد اصدقائه القدامى المتواجدين هناك ، فصاح عليه : " علي ، ماذا تفعل هنا ؟ " كان هذا ال "علي " ضابطا في CIA واصبح الان جزء من مجموعة الارتباط - التابعة للمخابرات المركزية الاميريكية - والذي ارسل سابقا الى بغداد من قبل " الوكالة CIA "لمساعدة صدام في حربه ضد ايران . حيث تعامل مباشرة مع السامرئي ، لذلك عرفه باسمه المشفر " علي " راجع ص 304 -305 .
* ينقل كوكبورن ، تعليقه خبيثة صدرت من احمد الحلبي ، والذي كان مقره مأوى لمركز المخابرات الامريكية في مصيف صلاح الدين ، عندما شاهد " علي ووفيق السامرئي " يتجذبان احاديث الذكريات في الايام الخوالي قال : " هذا دليل على ان الاصدقاء والمتصلين الحقيقين بوكالة المخابرات المركزية في العراق هم من البعثيين " في اشارة واضحة لحديث علي صلاح السعدي ،عندما تسلم حزب البعث السلطة في العراق ، حيث قال : " جئنا الى السلطة بقطار امريكي " راجع كوكبورن ص 305 .
*لم يكن وفيق السامرئي ، الهارب الوحيد من القوات النظامية العراقية ، بل هناك الكثير من الضباط غيره ، من الرتب العالية ، يتحينون الفرصة المؤاتية بغية الافلات من كابوس " العائلة الحاكمة " ، وحال الهروب يتصلون بحزب احمد الحلبي " حزب المؤتمر الوطني " لان هذا الحزب " يعتمد - انتاج - نظام مخابراته على معلومات يدلي بها الافراد الفارين من نظام صدام " راجع ص 294 / وحسب " دسومة المعلومة وموقف الشخص الهارب ، فان الدفع المالي تكون مؤشراته اعلى .
* لذلك يتم الواء عدنان نوري ، وجهته صوب شقيق هذا الحزب أي حزب الوفاق عندما " فلت " من سيطرة صدام ، وما ان التحق بهم ، حتى عرفوه على " طاقم العمل الخاص بوكالة المخابرات المركزية الاميركية " العامل معهم في " مصيف صلاح الدين ، حيث فسر احمد الحلبي " وجود الامريكيين تاكيدا على الدعم الامريكي له " ص 295 ، يقول كوكبورن : " كان لحزب الوفاق وجوده وكيانه الخاص في كردستان ، متزعما بلواء سابق في الجيش العراقي يدعى عدنان نوري ، وهذا الرجل ذو ملامح شريرة الى حد ما ، تركماني الاصل ، يتمتع باتصالات مباشرة بوكالة الخابرات المركزية "CIA " وفي شهر حزيران عام 1992 م ، اقام حزب المؤتمر - بعد دعمه من قبل وكالة المخابرات المركزية ماليا مؤتمر في " فيينا " فيما اوفدت الوكالة "CIA " نوري ، الى واشنطن لحضور اجتماع سري يعقد في " بريمير شريتون " في احد المراكز التجارية الضخمة ، في ضواحي " تايسون " الثانية ، وقد اخبره ممثلو الوكالة اثناء الاجتماع ، وكما صرح به مؤخرا : " انك تعمل بصورة منفردة ، وبمناىء عن حزب المؤتمر ، لكن لا تستقيل من حزب المؤتمر ، كن معه ، واعمل بصورة منفردة " يعلق كوكبورن على هذه المسلكية الاميريكية بالقول : " فالفكرة " التي يحملها الامريكيون في رؤوسهم ، هي التسهيل للقيام بانقلاب عسكري وفي هذه الاثناء اعلنت الحكومة الاميريكية وعلى الملأ ، تبني صيغة مختلفة لخططها فيما يخص العراق ، وليس بعيدا عقب تجنيد نوري ، اكد البيت الابيض ضآلة اهتمام حزب المؤتمر فيه " حق اختيار الديكتاتور " بكلمات اخرى انقلاب عسكري لابدال صدام برجل قوي اخر " راجع ص 296 .
بصيغة اكثر وضوح - ان امريكا - تريد رئيسا للعراق اقبح من صدام ، ووفق " فصالها الخاص " بمعنى اخر ، رئيس وعميل ، حتى تستتب وضعية العراق ويرفع الحصار عنه ، ويكون مقبولا دوليا ؟ !
* كان حزب الوفاق ، ينافس حزب الحلبي ، على كسب ود ودعم وكالة المخابرات المركزية الاميريكية "CIA " ، فقد طار جوا اللواء عدنان نوري الى واشنطن " ليقطر سما في اذان موجهي حزبه " كما يقول كوكبورن / ص 315 / حيث صرح بان " عملية حزب المؤتمر العسكرية ، كانت خطة مخادعة ، العقل الدبر لها هو وفيق السامرئي ، الغرض منها جر الولايات المتحدة الى حرب اخرى مع صدام " ثم اضاف : " بأن السامرئي شخصيا حاول ادراجه في الخطة قائلا : " التحق بنا ، وسنعمل خطة لخداع الامريكيين " راجع ص 315 .
* اذا تنافس - هؤلاء الضباط الهاربين من مراكز قوى صدام - هو لتحقيق مكاسب شخصية ذاتية ، ليس لها علاقة بالموقف الوطني مطلقا ، فمن باع نفسه لنظام جائر في السابق ، ويثبت في الممارسة انه " عبد للامريكان " كيف تنطبق عليه صفة " معارض وطني " ؟ !
كان يفترض بمثل - هؤلاء الضباط - الحفاظ على نبل القسم الذي اقسموا به عند تخرجهم من الكليات العسكرية العراقية ، لكنهم حنثوا به ، لسبب بسيط هو انهم تربية حزب البعث ، على الخديعة والكذب ، الغاية منها تحقيق مكاسب شخصية ، على حساب الموقف الوطني العام ، وما يتعرض له العراق الان ، دليلا واضحا على هذه " التربية اللا وطنية ، وساذكر هنا دليلا اخر ، يثبت ان " كوادر حزب البعث " يجيروا كل شيئ خاص بامور مأساة العراق لوافعهم الذاتية .
ينقل كوكبورن - وهذا الشاهد منه -حادثة لعامر رشيد - الواء العسكري ، والذي احتل منصب " حسين كامل " بعد فراره ،واصبح واجهة العراق للتعامل مع اللجنة الخاصة التي شكلها مجلس الامن الولي ، لتدمير التراسانة العراقية للاسلحة الكيمياوية وغيرها ، يقول كوكبورن : " في العام 1995 م ، اجتمع عامر رشيد والدكتورة رحاب طه مع اكيوس / رئيس اللجنة الدولية الخاصة / في نيويورك للنقاش في علاقات اللجنة الخاصة والعراق ، في الامم المتحدة ، لغرض حل لغظ التناقدات في الملف العراقي ، حيث ازهر الحب على شاطىء النهر الشرقي فهجر رشيد زوجته ، ليتزوج بالدكتورة رحاب طه بعد هذه المناقشة بفترة وجيزة " على اثرها قال اكيوس بلهجة يشوبها الحزن الشديد : " لقد لعبت دور صانع الزيجات جامعا هذا الزواج المريع - رشيد وطه " راجع ص 197 .
من يتصور ان عالمة في " برنامج التسليح النووي - يجب ان تكون بعثية - كشرط لقبولها في مثل هذا البرنامج ، ووزير ، يقتضي بسيده- القائد الملهم لحزب البعث - في خضم اخطر محادثات تخص مستقبل العراق ، تجنح بهم " نزواتهم العاطفية " على خطورة مهمتهم ، فيتركون امر العراق ، وتفشل المفاوضات ، لكن تحقق المطمح الشخصي للافراد ، ولينزل بالعراق الدمار ، تصوروا ان اكيوس يحزن وهم بغيتهم يفرحون ؟
• واللواء عدنان نوري ليس حالة شاذة في مسلكية كوادر حزب البعث العسكرية ، فلو لم يرى ويشاهد بأم عينيه مسلكية رفاقه في الحزب ، لما سلك ذلك السلوك وهو مقتنع كل الاقتناع لما يقوم به من دور مرسوم له . ان الانتماء العقائدي لحزب البعث العربي الاشتراكي ، مشكوك فيه من حيث العروبة والوطنية ، والسلوك الاخلاقي ، الامر الذي يتوجب اعادة قراءة الايديولوجية التي تحكم رؤية الحزب / وهذه مسألة اخرى ، سوف نفرد لها درايسة خاصة / وما يهمنا في الموضوع ان كوادر هذا الحزب بمجرد اختلافاتها الشخصية مع النظام السياسي ، والتي كانت هي جزء منه ، تتراكض بسرعة قسوى نحو شبكة العنكبوت الامريكية ، "CIA ؟ !وهذا الامر مرعب ! حيث هناك اكثر من حالة شاهدناها ، والمخيف في الامر ان هؤلاك العسكريين يعطون كل شيء صغيرا كان ام كبيرا الى الامريكان ، مقابل حفنة من الدولارات ، وينفذوا ما يطلب منهم على الفور ، فاللواء عدنان نوري ، وبناء على اوامر " سي أي ا ) جند فريقا للقيام باعمال ارهابية " ضد المواطنيين وليس ضد السلطة العراقية " ؟ ! فلقد اوعز الى مجنده " ابو امنه لاحداث تفجيرات في بغداد ، شملت " دار سينما ومسجد " راجع ص 351 / في عام 1994 م ، و 1995 م / بناء على اوامر " السي أي ايه " التي جندته عام 1992 م ، ومنحته " رتبة قائد عمليات حزب الوفاق الوطني المعارض في كردستان ، وحددوا له مهمه بالعمل على التحضير للقيام بانقلاب عسكري ، ينبثق من داخل المؤسسة العسكرية العراقية ، والتي ستعمل على ازالة صدام ، اخر الامر " راجع ص 352
وللحديث صلة في القسم القادم .