كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1392 - 2005 / 12 / 7 - 10:54
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم يدر في خلدي يوماً أن المرجعية الشيعية التي يقودها السيد السيستاني تتخذ مواقف تختلف عن مواقف المرجعيات الشيعية الأخرى, سواء أكان ذلك في العراق أم إيران أم في أي مكان آخر من العالم. ولم يدر في خلدي أبداً أن السيد السيستاني ينأى بنفسه عن الصراعات السياسية التي كانت وما تزال تدور في المجتمع العراقي, بل كنت أعرف منذ البدء أنه يمارس تكتيكاً يختلف عن تكتيكات الآخرين أكثر ذكاءً وأكثر صرامة من الآخرين ولكن وفق استراتيجية واحدة ومشتركة, إذ كان يسعى إلى تأمين الظروف الأكثر مناسبة قوة التيار الإسلامي السياسي الشيعي في الساحة السياسية العراقية ليوجه ضربته إلى من يريد أن يبعدهم عن السياسة العراقية بعد أن يوحد قوى الشيعة السياسية في معسكر واحد. وكنت أدرك ورغم التباين الموجود في صفوف القوى الدينية الشيعية, إلا أن هناك نوعاً من توزيع الأدوار التي لعب فيها السيد السيستاني دوراً خاصاً وفاعلاً كبيراً في القضية كلها, ولكنه مناهضاً في كل الأحلام للتيار الإسلامي المدني والعلماني الذي كان يتبناه عالم الدين الراحل السيد عبد المجيد الخوئي.
لهذا فوجئ البعض بموقفه الأخير وتخليه عن الحياد إزاء القوائم ليتخذ موقفاً جديداً نسق له بذكاء وخبرة إيرانية-عراقية متميزة مع قوى الإسلام السياسي الشيعية الحاكمة في إيران والعراق ليعلن بعدها عن موقفه الرسمي الذي كان مكشوفاً منذ البدء بوقوفه إلى جانب قائمة الائتلاف العراقي الموحد, هذه القائمة ذات الوجهة الطائفية السياسية والتعصب الديني الشيعي المتشدد التي تتجسد حالياً بثلاث شخصيات ثانوية يقودها مكتب السيد السيستاني, وأعني بها السادة عبد العزيز الحكيم وإبراهيم الجعفري ومقتدى الصدر, أي ثلاثة أجنحة تحت قيادة مرجعية واحدة, هي المرجعية الشيعية في النجف, وهي التي تعمل من أجل فرض ولاية الفقه على العراق تدريجاً وتجلت في مقدمة الدستور العراقي. وقد تجلت في رسالة وصلت على أحد العراقيين الذي وجه استفساراً إلى مكتب السيد السيستاني حول علاقة الدين بالدولة والتي أملك نسخة منها في أرشيفي الخاص.
إن المعركة التي يريد أن يفرضها السيد السيستاني والأحزاب السياسية الإسلامية حالياً على القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية تلزم جميع قوى المجتمع المدني العراقي أن تنتبه إلى ثلاثة مظاهر لهذه المعركة التي ستواجهها القوى المدنية, وهي غير متكافئة , وأعني بها:
1. استخدام الدين على أوسع نطاق ممكن للتأليب على قوى المجتمع المدني والإساءة لهم ونشر الأكاذيب عنهم, واستخدام منابر الجوامع والمساجد والمدارس الدينية والحوزة العلمية الشيعية لهذا الغرض والتأليب ضد قوائم المجتمع المدني والشخصيات الوطنية العلمانية العراقية.
2. التحري عن لغة المساومة المؤقتة مع قوى الإسلام السياسي السنية التي بدأت في القاهرة عبر الاجتماعات الخاصة بين بعض الحاضرتين من ممثلي الأحزاب الإسلامية الشيعية والسنية.
3. ممارسة التهديد والوعيد والقتل الفعلي لمن تصل له أيديهم للتخلص منهم باعتبار ذلك ضمن فتوى السيد محسن الحكيم القديمة ضد الشيوعيين والعلمانيين, وضد من يتصدى لهم باعتبارها يقيمون حكم الله على الأرض وإمام العصر وممثله على الأرض.
وعلينا أن نعرف بأن التوجيه التي انطلقت من مكتب السيد السيستاني في ضوء اجتماع عقد لهذا الغرض يعتبر الخطوة الأولى على طريق المواجهة ضد كل القوى الديمقراطية والمدنية والعلمانية في سائر أنحاء العراق, وعلينا أن ندرك بأن القوى الديمقراطية والمدنية والعلمانية للشعب الكردي سوف لن تكون بمنأى عن موقف سيتخذه السيد السيستاني لاحقاً وبعد أن تستقر لهم الأوضاع نسبياً ويهيمنون على أكثرية نيابية في المجلس الجديد ويشكلون حكومة جديدة, ثم تبدأ المماحكات والاحتكاكات مع الكرد أيضاً, كما بدأت الآن مع قوى المجتمع المدني. وستكون إيران في هذه المرة ليست إلى جانب الكرد ولا الدولة التركية. والتفكير المبكر بهذا الجانب أساسي جداً لكي لا يعاقبنا التاريخ لأننا أدركنا الحقائق وتوصلنا إليها متأخرين كثيراً.
إن هذه الاحتمالات قائمة جداً, وقد عشنا مقدمتها قبل أيام. ولم تكن محاولة اغتيال الدكتور أياد علاوي بمعزل عن هذه الوجهة, إضافة إلى قتل شيوعيين في مدينة الثورة وقتل البعض الآخر من القائمة الوطنية العراقية.
إن هذا الواقع الجديد يضع على عاتق القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية العراقية أن تدرك المطب الذي يعد لها وأن تتحرى عن صيغة جديدة لعملها قبل فوات الآوان. فخروجنا من دكتاتورية صدام حسين ستضعنا تحت دكتاتورية دينية مريرة ينبغي الانتباه إلى عواقبها منذ الآن, وسيبدأ الناس يترحمون على الدكتاتور الصلف صدام حسين, كما ترحموا على روح نور السعيد في فترة صدام حسين.
إن هذه التنبيه ينطلق من حقيقة الوضع في العراق ومعرفتي الجيدة بالمرجعية العلمية الدينية في النجف وبالقوى السياسية الإسلامية الشيعية, إذ أنها لا تختلف من حيث الجوهر عن السلوكية المتشددة للقوى الإسلامية السياسية السنية المتشددة, وهي لا تختلف عن الجماعات المتشددة الحاكمة في إيران. إننا أمام محنة كبيرة, فالعراق يواجه إرهاباً شرساً من جانب القوى الوهابية المتعصبة المتمثلة بجماعات الزرقاوي وعصاباته وعصابات البعث الصدامية من جهة, وستواجه حالة جديدة, ستواجه حلفاء الأمس الذين عرفوا كيف يديرون المعركة بقيادة السيستاني لصالحهم من جهة ثانية وما ينتظر المجتمع العراقي نتيجة كل ذلك.
أنا هنا لا أتحدث باسم حزب أو جماعة سياسية, فأنا سياسي يساري مستقل أدرك بوضوح عواقب وصول الأحزاب السياسية الإسلامية, سواء أكانت شيعية أم سنية, إلى السلطة. وإذا كان البعض لم يصدق أو شكك بمضمون الموضوعات التي طرحتها قبل ذاك, ولا يريد أن يصدق ما أقوله الآن, بعد أن أصبحت قوات الجيش العراقي والشرطة العراقية والأمن العراقي مليئة بقوى مليشيات بدر وجيش المهدي والجماعات الإسلامية الأخرى, سيرى عواقب تخلفه عن إدراك حقيقة هذه القوى وما تخبئه للمجتمع العراقي وللقوى الوطنية والعلمانية واللبرالية في العراق. كم أتمنى أن يجري تدارك ذلك ليس لصالح القوى الديمقراطية واللبرالية والعلمانية فحسب, بل ولصالح القوى الإسلامية السياسية أيضاً التي تعتقد أن فرصتها قد جاءت وعليها أن تقطف الثمار قبل ضياعها. ولكنها لا تدرك أن هذه الثمار مرة وستنقلب الأمور عليها عاجلاً أم آجلاً ما لم تتصرف بحكمة وعقلانية مع المجتمع ومع جميع القوى السياسية, وما لم تدرك بأن "ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع", وهذه حكمة التاريخ ومن دروسه الغنية.
إن الطريق الوحيد لمواجهة هذا الواقع الجديد هو تعاون وتضافر جهود ونشاط كل قوى المجتمع المدني دون استثناء, إذ أنها المقصودة في التعليمات الأخيرة التي أصدرها السيد السيستاني في 17 شوال وما يترتب عن ذلك من عواقب أشرت إليها في أعلاه. وإذا كانت الخطوة الأولى تحريم التصويت للقوائم الديمقراطية واللبرالية والعلمانية بحجة عدم احترام الثوابت الإسلامية, فأن الخطوة الثانية هي مطاردتهم وفق فتوى, أو حتى بدونها, تؤكد ما ذهب إليه السيد محسن الحكيم في عام 1963.
إننا أمام حالة جديدة فهل ستقتنع جمهرة الأخوات والأخوة في التيار الديمقراطي واللبرالي والعلماني للمخاطر التي تواجه الحركة الديمقراطية والمجتمع المدني أم أنها ستواصل مسيرة التفكك الراهنة والصراعات على الصغائر في العراق, وكما يقول المثل الشعبي العراقي "كلمن يحود النار ال?رصته"؟
6/12/2005 كاظم حبيب
*****************************************************
كاظم حبيب
هل ينبغي أن نسمح للدكتاتور صدام حسين أن يمارس لعبة الضحك على الذقون؟
ما يزال الدكتاتور صدام حسين يعيش في عالمه الخاص, عالم مليء بالأوهام والأحلام والعجرفة البائسة والسخرية بضحاياه الذين أعدموا أو قتلوا تحت التعذيب على أيدي أجهزته الأمنية والمخابرات التي كان يرأسها أخيه المتهم بزان التكريتي. وبعد أن كان يحمل السيف المرهف لقطع رؤوس الناس الطيبين في العراق الذي استبيح لعشرات السنين من مستبدين وجهلة, راح يحمل اليوم القرآن الكريم ويأمل منه أن ينجيه من عقوبة عادلة ينزلها به القضاء العراقي.
ما يزال صدام حسين يعتقد:
• إنه الرئيس الشرعي للشعب العراقي, ونسى أنه لم يكن يوماً رئيسياً شرعياً لهذا الشعب, بل كان دكتاتوراً أهوجاً لا يختلف عن الحجاج بن يوسف الثقفي إلا بمزيد من العنف والقسوة والأساليب الحديثة في تعذيب الناس وقتلهم. ويبدو أن محامي الدفاع, الذين كانوا من مسانديه في فترة حكمه, يحاولون اليوم تكريس هذه الوهم في رأسه المصاب بجنون العظمة والشزفرينة.
• وأنه ما يزال قادراً الضحك على ذقون بعض الناس حين يحمل القرآن الكريم بيديه المتهمتين بخنق أنفاس الكثير من الناس الطيبين, إذ هو وليس غيره قرر أو صادق ووقع على قرارات أدت إلى حروب ودمار واسع في كل من العراق وإيران والكويت, وإلى موت وخراب كبيرين في كردستان العراق وفي الأهوار وجنوب ووسط العراق, وإلى إقامة مقابر جماعية لم يحصى عدد من دفن فيها حتى الآن, وإلى تهجير أكثر من ثلاثة ملايين إنسان عراقي كانوا وما زالوا يعيشون في الغربة.
كل هذا يؤكد ثلاث حقائق جوهرية, وهي:
1. لم يدرك الدكتاتور ولا يريد أن يدرك حجم التهم الموجهة إليه بارتكابه أبشع الجرائم بحق الشعب طيلة وجوده في الحكم والعواقب الوخيمة التي جرها على العراق بكل مكوناته وعلى استقلال البلاد.
2. وأنه مستعد على تكرار كل الجرائم المتهم بها طيلة 35 عاماً لو تسنى له العودة إلى الحكم.
3. وهذا يعني إن صدام حسين ما يزال يعيش عالمه الخاص وبعاني من جنون العظمة والسادية وازدواج الشخصية بكل أبعادها وعواقبها. ولا يمكن استثناء بقية الطغمة الحاكمة, وبشكل خاص برزان التكريتي وطه ياسين رمضان.
انطلقت سياسات صدام حسين وممارساته من نهج فكري مشحون بالفاشية والتطرف والعنف وتبلورت في:
• سياسة عنصرية معادية للكرد, ومنهم الكرد الفيلية, ولبقية القوميات في العراق, وتجلت لا في حروبه العدوانية ضد الشعب الكردي وقتله مئات الألوف منهم وتهديمه لأكثر من 4250 قرية رأيت أغلبها بنفسي في كردستان العراق فحسب, بل ومارس التهجير والتعريب القسري وعمليات الصهر والإبادة الجماعية.
• سياسة طائفية مليئة بالحقد والكراهية للشيعة بشكل خاص ولبقية الأديان والمذاهب تسببت في قتل وتهجير مئات الألوف من البشر, رغم أن الدكتاتور لم يكن متديناً في أي مرحلة من مراحل حياته, سوى حمله القران حالياً كما حمله معاوية في معركة صفين, كما أنه لم يكن علمانياً بأي حال.
• سياسة توسعية عدوانية إزاء الجيران العرب والإيرانيين تجلت في حربيه ضد إيران والكويت واستخدامه جميع الأسلحة المتوفرة لديه ضد البلدين الجارين وما نجم عنهما من موت لأكثر من مليون وربع المليون إنسان, إضافة إلى عدد مقارب من الجرحى والمعوقين والخسائر المادية التي بلغت مئات المليارات من الدولارات الأمريكية. ونجم عن ذلك تقليص مساحة العراق بما يزيد عن ستة ألاف كم مربع.
• سياسة إرهابية قمعية ترفض الأخر وتسعى إلى استئصاله من الساحة الفكرية والسياسية. وتميز عهد صدام حسين الضراوة والقسوة حيث امتلأت سجون العراق بعشرات الألوف من معتقلي الفكر والمعتقد والرأي السياسي, ولم ينج منه حتى جمهرة غير قليلة من البعثيين والقوميين ومن أتباع النظام ذاته.
• سياسة اعتمدت الذهنية العسكرية والعنف في معالجة القضايا الداخلية والدولية التي دفعت النظام إلى بناء أكبر ترسانة عسكرية في المنطقة بعد إسرائيل وأكبر جيش في المنطقة, وسعيه لاقتناء وإنتاج أسلحة الدمار والقتل الجماعي, ومنها الأسلحة الكيماوية والبايولوجية والنووية.
• سياسة نهب وسلب موارد الشعب والتفريط بها, إضافة إلى سيادة نظام عام للفساد الوظيفي في البلاد, واعتماد مبدأ شراء الذمم في الداخل والخارج, جسدتها فضائح أموال أعضاء القيادة القومية وعائلة الدكتاتور ورهطه وكوبونات مبيعات النفط الخام والسرقات التي ارتبطت بقرار "النفط مقابل الغذاء".
إن محاكمة صدام تستوجب توفر أربع مقومات لكي تكون نافعة للشعب العراقي والعالم:
1. العدالة التامة في مواجهة المتهمين استناداً إلى الحقائق التاريخية والالتزام بالمعايير الدولية, وهو ما تمارسه المحكمة الخاصة والمشروعة.
2. الصرامة في مواجهة المتهمين دون الإساءة لهم, وعدم السماح لهم بالتجاوز على شرعية المحكمة ومنزلة القضاة, أو أن يعتقدوا بأن الحاكم يخشى على حياته فيجامل المتهمين أو أنه ضعيف في شخصيته.
3. احترام حق الادعاء العام في عرض وجهات نظره دون مقاطعة أو اقتطاع مطالعته.
4. يفترض أن يمنح المحامون نفس الحق في طرح وجهات نظرهم دون مساسهم بمشاعر الشعب الذي عانى من سياسات النظام السابق والطغمة الحاكمة, أو ممارسة تكتيك إطالة أمد المحاكمة من الناحية الشكلية بهدف الحصول على تأجيل مستمر للمرافعة ثم الادعاء بعجز المحكمة والمطالبة بنقلها إلى خارج البلاد.
5. أن يحترم الوقت وأن لا يُضَّيع بمسائل يفترض أن تكون جاهزة وأن لا يمارس التأجيل لأسباب غير مناسبة. إذ يبدو أن المتهمين والمحامين يلعبون بوعي واتفاق مسبق على وتر الوقت لأسباب معروفة. إذ أنهم بذلك يؤججون حفيظة الناس ويزرعون الشك في قدرة القضاة على تسيير دفة المحاكمة بصورة جيدة.
ويفترض أن نشير إلى أن الجلسة الثالثة للمحكمة التي قدم فيها شاهدان شهادتيهما أمام السادة القضاة, استقبلت من قبل المتهمين بالتهكم والتعليبقات الفجة والإساءة غير المباشرة للمحكمة وجسدت مسألتين, وهما:
• مدى شراسة وقسوة النظام السابق بقيادته وكوادره وأجهزته القمعية التي أذلت الشعب ومارست القتل والتعذيب ضده ولم تميز في ذلك بين الرجال والنساء والأطفال والمرضى والشيوخ, وأنها كانت تقتل دون تحقيق شرعي ومحاكمات, كما لم يكن للضحايا من يدافع عنهم.
• وأن المتهمين يسخرون من ضحاياهم وأنهم لم يشعروا بضرورة الاعتذار لهذا الشعب وضحاياه لما تسببوا به من كوارث وحروب وقبور جماعية, وأنهم ما زالوا يعتقدون أنهم الحكام الحقيقيون في البلاد.
وأعتقد جازماً بأن غالبيته المجتمع العراقي تنتظر أن تمارس هيئة المحكمة صيغة أخرى تختلف عن الجلسات التي شهدناها حتى الآن وان تفرض احترامها واحترام الشهود وأصحاب الدعوى والضحايا على المتهمين والدفاع في آن!
7/12/2005 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟