هويدا طه
الحوار المتمدن-العدد: 1392 - 2005 / 12 / 7 - 10:52
المحور:
الصحافة والاعلام
حتى وقتٍ قريب كان ظهور مثقف مصري- من هؤلاء الذين يعارضون النظام بوضوح- في قنوات مصرية خبرا لا يصدق، فالقنوات التليفزيونية (خاصة أو حكومية) يمسك بتلابيبها رجال الحكم في مصر.. لا يسمحون لمن يعارضهم بالاقتراب من أسوارها.. حتى لو كان أبا المبدعين وأعماله معروفة في الشرق والغرب.. طالما ظل ممن لا يرضون لكرامتهم أن تهتز بمدح الرئيس أو وزير الإعلام أو أي من رجالهم، بينما يفتحون أبواب التليفزيون لأنصاف أو أرباع وربما عديمي الموهبة من أصله.. حتى أشاعوا بين كثير من قطاعات الجمهور تجهيلا وتغييبا وتفاهة غير محدودة، وفي المرات النوادر التي يظهر فيها واحد من المعارضين- الجادين- في قناة مصرية.. يجتهد حتى يحتفظ بكرامته، صحيح لا ينافق.. لكنه بالطبع- وهذا هو الثمن- لا يقترب من رأس السمكة أو حتى ذيلها! لذلك كان من المعروف بديهيا أن الضيوف المستديمين على القنوات المصرية لابد من ثمن ما يدفعونه.. لضمان تلك الاستدامة وهو طبعا رضا النظام عنهم جزئيا أو كليا، ومنذ سنوات بدأ بعض من كانوا في عيوننا (رموزا) يتسربون إلى تلك الشاشات المشبوهة ديمقراطيا.. رمزا رمزا! بالطبع تفاوتت درجة التقليم التي طالت أظافرهم.. كثمن لابد من دفعه، كان الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي أبدع قصائد بالعامية المصرية حارقة للنظام على اختلاف رأسه.. من هؤلاء الممنوعين من الظهور في أي قناة مصرية، ثم بدأ يتسرب إليها.. خفت اللهجة بالطبع.. ثم راحت تخف أكثر وأكثر، حتى عبر هو نفسه عن الأمر عندما سأله محاور قناة الحرة: لماذا وأنت الذي طالما هاجمت النظم السابقة لا تقترب من النظام الحالي؟! إذ قال:(كنت حمار ومش فاهم حاجة)! لحق به آخرون ومن ضمنهم جمال بخيت.. الشاعر الذي كتب قصيدة سوهارتو عن مبارك وفساد نظامه، يظهرون الآن على التليفزيون.. لكن أعمالهم التي عرفناهم بها.. بالطبع تلاشت! ربما لا يحق لنا أن نلومهم.. لكن يحق لنا أن نحزن حين نرى من مستنا إبداعاتهم وفنونهم يتعرضون (لشبهة) نرجو أن تكون خطئا، فهذا نذير تنازلات عما اجتهدوا سنينا كي يعلمونا ألا ننساه، هذا الأسبوع وفي ظهور ملفت احتفى التليفزيون المصري بالشاعر الصعيدي عبد الرحمن الأبنودي الذي أحببنا شعره ومقالاته، سرعان ما فسر تلك الحفاوة قوله على القناة الرابعة:(فاروق حسني طبعا ربنا يكرمه راجل مستنير و...) لم يمض بعدْ زمن طويل على احتراق أجساد المثقفين في مسرح بني سويف.. يا شاعرنا الجميل! وما زلنا نذكر من أشعارك بعض أبياتٍ متفرقات:(كل صبح جديد بييجي بحزن قديم.. فينك يا عبد الحليم، سِكن فيّ السكوت.. سِكت ولا نطقت.. ويشتم الشاتم.. أقول أحسنت)!
#هويدا_طه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟