أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مهنتي الكتابة | كُن كاتبًا تمشِ في الطرقات حُرًّا














المزيد.....

مهنتي الكتابة | كُن كاتبًا تمشِ في الطرقات حُرًّا


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5160 - 2016 / 5 / 12 - 22:00
المحور: حقوق الانسان
    


“كُن كاتبًا، فإن كتابًا واحدًا هو أكثرُ نفعًا من بيت مؤسس، ومن قبر في الغرب.” قال هذه العبارة الجميلةَ جدُّكَ وجَدّي، المصريُّ القديم، ناصحًا ابنَه. وأما "الغربُ" في العبارة، فلأن أجدادَنا كانوا يدفنون موتاهم غرب النيل، حيثما تغربُ الشمسُ وتموتُ، لتصحو من جديد مع النهار التالي، كما يُبعثُ الموتى من رقادهم حين يخرجون للنهار، ومن هنا جاء عنوان الكتاب الأقدم والأجمل بين كتب البشرية: “رحلة الخروج إلى النهار"، الذي اشتُهِر باسم: “كتاب الموتى".
كيف رسم جدُّكَ القديمُ وجَدّي صورة الكاتبَ؟ وكيف جعله دُرّة التاج فوق هامة مصر؟ اذهبوا إلى المتحف المصري لتشاهدوا هيئتَه في تمثال "الكاتب المصري"، أو انتقِ من مكتبة بيتك أيَّ كتاب من إصدارات "الهيئة المصرية العامة للكتاب"، وانظر إلى شعار تلك المؤسسة العريقة. أما ذلك التمثال البديع الموجود في متحف اللوفر بباريس، فهو شخصية سامية من أبناء الأسرة الخامسة.
ستراه رجلا مصريًّا ذا وقار يجلس متربّعًا، ممسكًا بينماه قلمًا من البوص، فاردًا فوق ركبتيه لفافة من ورق البردي. كان كلُّ أمر من أمور المملكة المصرية القديمة تحت إدارة الكاتب. مهنته هي الأولى بين المِهن جميعها. مهنةٌ شريفة، بل هي أشرف المهن. الكاتب هو الذي يأتي بالحُكّام أمام الفرعون ليحدد برنامج كل حاكم ويرسم خطوات حُكمه بدقّة. “كُن كاتبًا، تكن سيّد نفسِك"، عبارة محفورة على عديد الجداريات المصرية القديمة، وكان الكاتبُ بالفعل سيّدًا، على نفسه وعلى غيره من أبناء المجتمع، وردد تلك الحقيقة كثيرًا في أوراق البردي. فكان الكاتبُ هو الذي يفرض الضرائب على مصر العليا ومصر السفلى، وكان معفيًا منها رغم أن راتبه كان أعلى الرواتب. وهو الذي يحسب ويُقدّر ويدوّن حسابات الدولة والجيش والمؤسسات.
كان الكتّابُ في مصر القديمة يحرّكون الحياة الثقافية والفكرية واعتبرهم الشعبُ صُنّاعَ حضارتها الرئيسيين، وحُفّاظَ السِّيَر المحكية من فولكلور مصر القديمة. كان منوطًا بهم أن يراجعوا ويحرّروا العديد من النصوص الدينية واللاهوتية والطقسية والطبية في مصر القديمة، وكانوا يضطلعون بتأليف نصوص أدبية رفيعة من مسرحيات ومطولات محكية إيزيس وأوزوريس وملاحم حربية وسير أبطال وقصائد صوفية في عشق الله وأشعار عشق وغزل من عاشق لحبيبته، تنتشر فور إذاعتها بين ربوع الشعب المثقف بفطرته الطيبة. وكان الكتبةُ ذوي مكانة رفيعة لدى البيت الملكي في عصر الرعامسة وما تلاه من عصور. كانت "هيئة الكتاب"، التي توازي الآن نقابة الصحفيين واتحاد الكتاب، هي أساس الدولة وعمادها، هم الذين شكّلوا الفكر المصري القديم وحفظوا مستواه الرفيع خلال ثلاثة ألف عام.
في إحدى البرديات النفيسة التي تحكي عن أنواع المِهن، قال رجل اسمه دواوف، من أبناء الطبقة الوسطى، لابنه ينصحه وهو يختار مهنته، فيما يشبه جلساتنا مع أولادنا نملأ أوراق التنسيق في الجامعة: “ليس من مهنةٍ لا رئيس لها، إلا مهنة الكاتب، فهو رئيس نفسه. كُن كاتبًا كي تصير أصابعُك ناعمةً كما خلقها اللهُ، ويداك نظيفتين، وتسير في ثياب بيضاء، تتجوّل مُختالا، فيحبُّك الناس، ويُحييك رجالُ البلاط. تنادي شخصًا فيُلبّي نداءك ألفُ شخصٍ، فإن سرتَ في الطرقات سرت مرفوع الرأس حُرًّا.” فمصر القديمة المتحضرة لم تكن تعرف سجن الكتّاب بعد!
آمن جدّي وجدُّك المصريُّ القديم، بأن العلم والثقافة والمعرفة شروطًا حتمية للحياة الرغدة السعيدة، ومفتاح الارتقاء لأنها نهجها هو الحرية. وجاءات تعاليم الوزير بتاح حتب عام 2300 ق.م. تقول: “العلمُ والمعرفةُ نعمةٌ لمن يُنصت إليهما، ونقمةٌ على من يتجاهلهما.”
الكاتبُ هو خصيمُ العنف منذ فجر البشرية. لهذا يقولُ جدّي وجدُّك المصري القديم في برديته: “لا تزرعِ الخوفَ في نفوس الناس. فتلك إرادةُ الله. إذا لجأ أحدُهم إلى العنف، فإن الله ينزعُ الخبزَ من فمِه. وإذا فعل ذلك من أجل الثراء، سيقولُ له اللهُ: لأحرمنّك من هذه الثروة. اعملْ على أن يعيش الناسُ في سلام.”
أفخرُ أن مهنتي الكتابة. وأفخرُ أنني احاربُ العنفَ والعداء والظلم والقسوة بسلاحي. لا أحمل سيفًا ولا خنجرًا ولا سوطًا، ولا رصاصةٌ في جيبي ولا في سلّتي حصى. سلاحي أخطرُ من كل ما سبق. سلاحي هو قلمي الذي أكتب به كلًّ نهارٍ في مدونتي عبارة تتشكّل الآن بين أصابعي: اللهُ يحبُّ السلامَ، وجدّي المصري القديم قال: "كن كاتبًا تمش في الطرقاتِ حُرًّا"، وأنتم تسجنوننا.



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بناءُ الإنسان في الإمارات
- اليماماتُ مذعورةٌ في بلادي!
- قراءة في كتاب -دفتر العمر-
- تحت شرفة عبد الوهاب … كَم تُرتكب من جرائم!
- السير يعقوب وليلى ابنة الفقراء
- الإمارات تكسر شرانقهم |الأسبوع العالمي للتوّحد
- تعالوا نمشيها نكت
- حُلم | قصيدة للشاعرة فاطمة ناعوت
- دعاء خصم فاطمة ناعوت | كيف ندعو على ظالمينا؟
- أجدلُ السعفَ لأنني أحبُّ
- ما الهزيمة؟
- القطة .... التي كسرت عنقي
- العصفورُ المتوحّد
- أولاد الوزّة
- سامحيني يا سمراء | أم الشهيدة والأرنب المغدور
- أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!1
- قفص العيب
- مَن هُم خصومُنا؟
- اسمُها زَها حديد
- ثغرة في قانون ازدراء الأديان


المزيد.....




- منظمة العفو الدولية: قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن أدا ...
- إصابة 7 أشخاص بهجوم طعن بمركز للاجئين في برلين
- اعتقالات وصدامات في احتجاجات للحريديم الرافضين لتجنيدهم
- -ضغوط دبلوماسية- لمنع إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالان ...
- حرب غزة.. حماس تدين صفقة الأسلحة الأميركية لإسرائيل: -دعم لا ...
- ضابط صهيوني يزعم: كنا على بعد دقائق من اعتقال السنوار!
- تاياني: العسكريون الإيطاليون مع الأمم المتحدة إلى غزة لبناء ...
- روسيا تنسحب من اتفاقية مجلس أوروبا الإطارية لحماية الأقليات ...
- الأونروا: 4 من كل 5 مدارس في غزة تعرضت للقصف
- -تقدم وعشرات الأسرى-.. زيلينسكي يتحدث عن الوضع في كورسك الرو ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - فاطمة ناعوت - مهنتي الكتابة | كُن كاتبًا تمشِ في الطرقات حُرًّا