ياسين لمقدم
الحوار المتمدن-العدد: 5155 - 2016 / 5 / 7 - 03:18
المحور:
المجتمع المدني
حكاية من الواقع :
_____________________
يتمدد المرضى على أسرة المستشفى الجامعي المتهالكة في عنابر تنبعث منها روائح المرض، ويتسلل إليها ملَك الموت كل حين. عيونهم الجاحظة والمتعَبة تجاهد لمتابعة حركات الأجساد حولهم، وآذانهم تتلقف بصعوبة وشرود كلمات الزائرين.
أتعبتهم المجسات الباردة للأطباء المُتدرِّبِين، والذين يتجادلون حولهم برطانة فرنسية وهم يتناوبون على لمس مكامن الألم الأزلي في أجسادهم المتداعية. ودون أدنى مبالاة إنسانية وبعنف يقلِّب المتدربون أعطاف المرضى الهزيلة وكأنهم يعبثون بكتبهم التعلمية المَزقة.
وفي خضمِّ هذا التدافع بين الطلاب، تبحث عيون المعتلِّين عن الأستاذ الطبيب لعل نظرة حانية منه تبدد ضباب الملل وتزرع الأمل بدل اليأس. ولكنه دائما في عجالة من أمره، فبَشرٌ غير بشرِ المستشفى الجامعي ينتظرونه في غرفهم المكيفة داخل المصحات الخاصة.
تمرُّ الأيام والأسابيع والشهور، والمرضى على جُنوبهم يتقلَّبون. مُتعَبون جدا ومٌتعِبون لذويهم الذين يهرعون إليهم صباح مساء بالأكل والمشرب. تستمر إقامتهم في المستشفى الحكومي إلى ما لا نهاية، ولكن دون أن يلقوا أسباب العلاج. فتضيع من أعمارهم لحظات كانت جديرة أن تُقضى وسط أهلهم وصُحابهم لو أسرع الطبيب بالعلاج المناسب كالذي يقدَّمه في المصحات الخاصة. وتضيع أيضا على الدولة ميزانيات منفوخة عن مصاريف العلاج المزعوم للمريض وإقامته الطويلة في عنابر الموت بالمستشفيات الحكومية.
#ياسين_لمقدم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟