ثمة ظواهر وممارسات مضرة وذات نتائج سلبية على وحدة الحركة النقابية العمالية، لابد من الوقوف أمامها، وأن يتحمل الجميع حكومة وقوى المجتمع المدني الأهلية وسياسية وفردية نقابية مسؤولياتها الوطنية الحريصة على تأسيس حركة نقابية عمالية مستقلة وحرة وشرعية وذات قاعدة جماهيرية فاعلة حتى نقول بأنها حقاً تمثل الطبقة العاملة البحرينية.
حركة عمالية مستقلة تعني إستقلاليتها عن هيمنة وتدخل كافة الجهات الحكومية أو السياسية الشعبية بأطيافها ، وحينما ترفض الحركة العمالية أي نص قانوني يفرض على النقابة تبعيتها لوزارة العمل أو أية جهة حكومية أخرى، فإن هذا الرفض ينطبق ايضا على الحركات السياسية والشعبية والافراد من منطلق غريزة وإيمان وقناعة وتشريع دولي بأهمية إستقلالية الحركة النقابية، ولأن العلاقة الاستقلالية أو التابعية بين الحركة النقابية والحكومة تحكمها النص القانوني المكتوب والمقرؤ ومن ثم المجسد أمام الجميع فلذلك فهي علاقة واضحة من الممكن تبيان استقلاليتها من عدمها، أما العلاقة الاستقلالية أو التابعية بين الحركة النقابية والقوى السياسية فهي علاقة غير مرئية تحكمها الممارسات والمواقف بأعتبار أن جزء ليس بقليل من الكوادر والقيادات النقابية العمالية هم أعضاء في التنظيمات السياسية أو لهم علاقة مباشرة بمواقفها السياسية والفكرية، ولذلك فإن من الطبيعي في ظل غياب القناعة والوعي لدى البعض منهم –يجذب النقابات العمالية والمهنية التي ينتمون إليها صوب مواقف وممارسات تنظيماتهم السياسية، الأمر الذي يعني إضعاف مبدأ الاستقلالية للحركة النقابية، فضلاً عن مبدأ تمكن النقابات من اتخاذ قراراتها بشكل حر ودون ضغوط خارجية رسمية أو سياسية شعبية عبر فرض الكوادر النقابية المسيسة الى مواقف تنظيماتها السياسية عليها او الحكومية.
لذلك فوحدة واستقلالية الحركة النقابية تتجلى في المواقف والمناسبات، فالمؤمن بهذا المبدأ ((التنظيم أو الفرد)) يترك لقيادة الحركة النقابية العمالية وللجسم العمالي النقابي تحديد طريقة اتخاذ الموقف والاحتفال بالمناسبة ويدفع عماله وموظفيه الالتزام بوحدة الموقف، حتى وإن مارس هو كسياسي واتخذ التنظيم السياسي موقفاً أو أسلوباً مختلفاً في الاحتفال بمناسبة ما، ولذلك عند هذه المحطات تنكشف استقلالية النقابات المهنية أو النقابات التي (تسيطر)! عليها كوادر نقابية سياسية، فإذا ما التزمت بوحدة الموقف العمالي ولم تلتزم بالموقف السياسي أو الاحتفالي السياسي فإنه بذلك يجسد الاستقلالية النقابية، الأمر ينطبق على التنظيمات والأفراد والنقابيين والأفراد العادييين من العمال وغيرهم.
وحدة واستقلالية الحركة النقابية العمالية تتجلى أيضاً في التعامل الشفاف والشرعي والقانوني مع تأسيس النقابات دون النظر عن نصيب هذا التنظيم السياسي أو ذاك، وأنما الهدف الأسمى للعامل الأصيل هو أن تتأسس نقابة عمالية في منشائه أو وزارته أو فندقه أو مصرفه أو مصنعه بحيث تكون ممثلة لأكبر قطاع عمالي في هذا المنشأة قائم على مبدا ان من حق العامل ان ينتمي إلى نقابته بغض النظر عن الدين والمذهب والفكر والجنس واللون ...الخ.
أما أن تقوم فئة صغيرة من العمال والموظفين لا يتجاوز عددهم أصابع اليدين والقدمين إلا قليلاً بعقد اجتماعات (سرية) وخارج المنشأة أو الوزارة ودون أن يلتزموا بأبجديات العمل النقابي، ودون أن يعلنوا عن اجتماعاتهم ولا يتم دعوة اتحاد عمال البحرين لاجتماعاتهم كما نص عليه القانون وينتخبوا لجنة تحضيرية لنقابتهم، بل ويعقدوا مؤتمرهم التأسيسي وينتخبوا إدارة النقابة ويقدموا طلب الايداع للوزارة المعنية ويعلنوا في الصحف عن ذلك بخبر يحمل ديباجة قانونية سليمة (إنطلاقاً من الاتفاقات الدولية ومبادىء الميثاق ومواد الدستور ..... الخ) ليفرضوا أمراً غير شرعياً وغير قانونياً على الواقع العمالي في وزارتهم أو منشأتهم، فهو أمر مفضوح إن تأسيس النقابة في موقع عمل يحتضن أكثر من 5000 آلاف عامل وموظف كوزارة الصحة لا يحتاج إلى كثير ذكاء من أن نجاحها يتطلب سلسلة من الخطوات التوعوية والتنظيمية والاجرائية، وأن يتم الإعلان الدوري عن كل خطوة لجميع العاملين وينشر في جميع مواقع العمل وفي الصحافة، وتتم دعوة الجميع إلى حضور الاجتماعات التحضيرية ثم المؤتمر التأسيسي، أما أن تلتقي مجموعة لا تتراوح عددها 30 شخصاً ما نسبتهم 0.6% فقط أو أقل وتعقد اجتماعاتها في ناد أو منزل وبسرية ودون إعلان واحد في الصحافة أو في أماكن العمل، ودون إشعار الاتحاد العام لعمال البحرين ويتفاجأ جميع العاملين بتشكيل نقابة وصور زعمائها الجدد على صفحات الجرائد وهم يبتسمون فرحاً ونشوة على انتصاراتهم وفوزهم الكاسح في انتخابات شرعية حضرتها مئات العاملين وكانت المنافسة بين المرشحين شديدة ونجح من نجح من المخلصين الكفوئين... هل حدث هذا كله،،،؟
هل التزم هؤلاء بقانون النقابات العمالية واحترموه ومن ثم احترموا نضالات عمالية قدمت فيها الحركة العمالية خيرة شبابها كشهداء أو معتقلين أو منفيين حتى يصدر مثل هذا القانون لتأتي مجموعة وتدوس عليه وتحاول اللف الدوران حوله، وتبرز التصريحات من هؤلاء غير المعروفين بأن نقابتهم شرعية لأن فقط القانون لم ينص على عدد محدد في ضوئه يتم الاعتراف بالنقابة، وتناسوا بتعمد أن القانون ينص بشكل واضح على دور الاتحاد الاشرافي واستمرارية التنظيمات العمالية القائمة، فضلاً عن العرف النقابي والمنطق النقابي المؤمن به كل عامل نقابي متواضع يعرف أصول العمل النقابي ويحترم الإرادة العمالية، أما أن يصرح الزعماء الجدد بأن القانون لم ينص على العدد أو الإعلان وبالتالي من حق أية قلة قليلة من الناس أن يتفقوا ويشكلوا نقابة، فهو تعبير فاضح عن استصغار عقول العاملين، واستهانة واضحة بنضالات العمال وخاصة التجربة الرائدة في السبعينات بتشكيل نقابة في وزارة الصحة رغم القمع والارهاب والعمل السري إلا إن النقابة تشكلت بعد اجتماعات علنية ومعروفة أمام جميع عمال الصحة، ليأتي القرن الجديد والعهد الجديد والشفافية والعلنية والديمقراطية والذين يقولون بأنهم ينطلقون من الميثاق والدستور فإذا بهم يمارسون السرية ويؤسسون النقابة في الخفاء... ماذا يخشون من بعد إلغاء قانون أمن الدولة؟ هل يخشون العمال!!!؟
إن هذه الخطوة الخطيرة أن دلت على شيء إنما تعكس عدة دلالات مهمة، منها:
1- عدم إحترام القانون الذي ناضل العمال منذ عقود لوجوده وتم الاشادة به محلياً ودولياً وبالتالي ضرورة تعزيزه في صفوف العمال بدلاً من خرقه وعدم الالتزام به وتطبيقه ومن ثم تأسيس قيم احترام القانون والمؤسسات التي ننادي بها جميعا قولاً وفعلا.
2- نزعة الهيمنة والسيطرة الفئوية والحزبية دون التفكير لخطورة هذه النزعة على إضعاف وتشويه سمو النقابات أمام جماهير العمال والموظفين العاديين الذي ما أن يشاهدوا هذه الانتهازية لدى كوادر نقابية واعية (لأنهم سياسيون ونخبويون) حتى يفقدوا الثقة بهذه المنظمة العمالية التي من المفترض أن تكون منظمة تحمي مصالح هؤلاء البسطاء، بدلاً من التفكير القفز عليها والسيطرة من أجل تسييسها أو الافتخار بأن هذا التنظيم له وجود كمي في قياداتها، أو استغلالها لمواقفها السياسية أو لأي غرض آخر. إن ممارسة (من سبق لبق) التي مارستها جماعة في وزارة الصحة تعد سابقة خطيرة في الحركة النقابية العمالية وتأسيسها على أسس قوية وجماهيرية وأثار هذه الخطورة تتجلى في التالي:
أ- أن هذه الممارسة غير الشرعية والاعتراف بها تعني تشجيع أية فئة محدودة حتى وإن كانت شلة من الأصدقاء في وزارة عدد عمالها وموظفيها أكثر من عشرة ألاف، أن تجتمع في نادي أو حتى في حانة وتعلن نفسها نقابة تمثل كل هذه الشريحة الكبيرة والأنكى أن تقوم الجهات الرسمية من إدارات الوزارات التي تمارس فيها هذه الفعلة! بقبول هذا الطلب النكره وإيداعه دون التأكد من قانونية الموقف وشرعية النقابة والتزام هذا الفئة بمواد قانون النقابات العمالية أو من عدمها،
ب - أن مسؤولية مثل هذه الممارسات الخاطئة وبعضها تستهدف ورائها التحريض والتخريب وبعضها تهدف الانشقاق وإفشال وحدة الحركة النقابية، أن مسؤولية مثل هذه الممارسات تقع على طريقة نشر الوعي النقابي والتوجيه النقابي الخاطىء أكان من قبل تعبئة التنظيمات السياسية أو من يدعي بأنهم نقابيون أو محامون أقحموا أنفسهم في المسألة النقابية دون أن يفكروا بخطورة (فتاويهم) للعمال البسطاء الذين يأتون للاستفسار عن طريقة تأسيس النقابية، أو شرعية تأسيس نقابة في قطاع يوجد فيه نقابة، كما هو حادث في قطاع العاملين في الفنادق أو الطيران أو التعامل الصنمي والأصم مع القانون حتى وأن كانت النتيجة تفتتيت الحركة النقابية وإنشاء نقابات عديدة ضعيفة هجينة، غير معبرة عن أوسع القواعد العمالية، وهي أهداف بلاشك تلتقي مع أهداف جهات لا تريد أن تكون هناك حركة نقابية عمالية قوية وراسخة.
أن الاتحاد العام لعمال البحرين ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية وجميع المخلصين من القيادات النقابية والكوادر العمالية في جميع مواقع العمل عليهم العمل كل حسب تخصصه ودوره، في سد هذه الثغرات المرضية الخطيرة والتصدي لها قبل أن تتحول إلى فتحات تهدم السد وتحول النقابات - الحلم العمالي إلى مؤسسات نكرة تتصارع فيها الصلعان على من يستحوذ على المشط!
* نقابي