أيا كان ما تم التوصل إليه عبر سبع جولات تفاوضية سبقت دورة أورجواى، فإن عملية تحرير التجارة عانت من القصور فى بعض النواحى التى تتمثل فى العجز عن إزالة القيود غير التعريفية على السلع الصناعية ذات الأهمية الخاصة للبلاد النامية، وبقاء التجارة الدولية فى المنسوجات والملابس والسلع الزراعية خارج القواعد التى تحكم التدفقات السلعية أى خارج إطار الجات، ويضاف إلى ذلك التراجع الكبير الذى طرأ على عملية تحرير التجارة وعلى دور الجات بصفة عامة بسبب الاضطرابات التى عرفها وشهدها الاقتصاد العالمى منذ عقد السبعينات والتى بلغت ذروتها فى الثمانينات.
وكانت مظاهر ذلك انهيار نظام "بريتون وودز" العالمى لأسعار الصرف الثابتة والآخذ بنظام الأسعار القائمة - إى تعويم أسعار الصرف - مع ما صاحب ذلك من ارتفاع شديد فى أسعار الطاقة مع ظهور التقلبات الحادة فى أسعار العملات الرئيسية خصوصا الدولار الأمريكى والين اليابانى والمارك الألمانى والارتفاع الكبيرفى أسعار الفائدة الدولية ثم تفجر أزمة المديونية عام 1982، وأزمة أسواق المال عام 1987، وانتشار موجات الكساد والتضخم فى البلاد الصناعية والنامية وتعاظم مشكلة البطالة على حد سواء (12)، ومما زاد من هذه المسألة التغيرات المتعلقة بأوضاع الاقتصاد الأمريكى والعجز المزمن فى ميزان المدفوعات والميزانية الأمريكية، فضلا عن النمو السريع لألمانيا واليابان مما أفقد الاقتصاد الأمريكى قدرته التنافسية خاصة مع تزايد نسبة التضخم وأدى أيضا إلى احترام التنافس والصراع بين الأطراف الرئيسية فى النظام الدولى.
ومما أدى إلى تسارع هذه المسآلة التغيرات الهيكلية الأخرى فى النظام الرأسمالى العالمى خاصة التوسع السريع للشركات متعددة الجنسيات بصفتها المنتج الرئيسى للسلع والخدمات فى التجارة الدولية، إذ تسيطر سبع وثلاثون ألف شركة متعددة الجنسية ومخالبها، 170 ألف فرع فى الخارج على الاقتصاد العالمى، وتتقاسم خمس بلدان هى الولايات المتحدة، اليابان، فرنسا، ألمانيا، بريطانيا فيما بينها 172 شركة من أكبر 200 شركة فى العالم، وارتفعت مبيعات الشركات متعددة الجنسية فيما بين 1982 - 1992 من 3000 مليار دولار إلى 5900 مليار دولار وارتفعت حصتها من إجمالى الناتج القومى العالمى من 22.2% إلى 26.8% خلال نفس الفترة (13).
ولم تكن هذه البئية صالحة لمزيد من تحرير التجارة الدولية بل على العكس من ذلك فإن موجة الكساد التضخمى وما صاحبها من اختلالات شديدة فى موازين المدفوعات وأسعار الصرف منذ نهاية السبعينات أدت إلى نكسة شديدة فى النظام التجارى العالمى، وأنعكس ذلك فى انتشار موجة من أساليب الحماية الجمركية فى البلاد الصناعية، وعلى وجه الخصوص فى الولايات المتحدة والمجموعة الأوربية، وأصبحت تلك الموجة معروفة بما يسمى "الحمائية الجديدة" وكانت تسير فى خط مضاد لحركة التحرير التى عرفها العالم خلال العقود الثلاثة السابقة على عقد الثمانينات.
ووصفت تلك الحمائية بالجديدة للجوئها لأساليب لحماية الصناعة الوطنية أمام المنافسة الأجنبية وهى أساليب لم تكن معروفة من قبل، وساعد على انتشارها تراجع البلاد الصناعية التقليدية أمام القوة الاقتصادية الصاعدة (اليابان والنمور الأربعة)، فقد أستطاعت تلك البلاد غزو أسواق البلاد الصناعية على النحو الذى أحدث اختلالات حادة فى عدد كبير من الصناعات، وشمل هذا الغزو الصناعات الاستهلاكية الخفيفة، وامتد إلى معاقل الصناعة ورموز التفوق التكنولوجى مثل صناعة السيارات والاليكترونيات، بالإضافة إلى الحديد والصلب والملابس والمنسوجات.
ولم تستطع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية الوقوف فى وجه هذا الفيضان الكاسح، ومن ثم فقد لجأت إلى أساليب مبتكرة للحد من منافسة اليابان والنمور الأربعة دون أن تتهم بالانتهاك الصريح لاتفاقية الجات، ومن هذه الأساليب ما يسمى "التقييد الأختيارى للصادرات" Voluntary Export Restesnt ومفادها أن تتفق الولايات المتحدة أو المجموعة الأوروبية مع اليابان مثلا على أن تمتنع الأخيرة (اختياريا) عن تصدير عدد من السيارات اليابانية أو أجهزة التليفزيون إلى السوق الأمريكية أو الأوروبية يزيد عن العدد المتفق عليه مسبقا، فإذا تجاوزت اليابان العدد المتفق عليه فإنها تتعرض لعقوبات غير تجارية على أساس أن المنافسة اليابانية غير عادلة.
وفى هذا السياق أدخلت تعديلات على قانون التجارة الأمريكى سنة 1984 وسنة 1988 لإعطاء رئيس الجمهورية سلطات استثنائية لفرض قيود عقابية فى كل حالة يرى أن المنافسة فيها غير عادلة، ثم ابتدعت الولايات المتحدة والمجموعة الاوربية ما يسمى "التوسع الأختيارى للواردات" Expanston Voluntary Import ومفاده أن تتفق الولايات المتحدة مع اليابان مثلا على أن تتعهد اليابان بأن تتوسع "اختياريا" فى الاستيراد من الولايات المتحدة بعض السلع مثل اللحوم والأرز وأجهزة الاتصالات السلكية واللاسلكية، وذلك لإرغام اليابان على الاستيراد من الولايات المتحدة بحيث ينخفض مقدار الفائض الذى تتمتع به اليابان فى الميزان التجارى فى علاقاتها مع أمريكا.
والواضح أن هذه الأجراءات من قبيل القيود الكمية التى تتعارض مع أحكام اتفاقية الجات وإطلاق وصف الاختيارية عليها جاء بغرض الالتفاف حول أحكام الجات، ولذلك فقد جرى العرف على تسميتها "الاجراءات الحمائية الرمادية" بمعنى أنها ليست بيضاء، بما يتفق مع أحكام الجات، وليست سوداء بما يتعارض معها.
وتحت وطأة انتشار تلك الإجراءات الرمادية فى كل البلاد الصناعية الرئيسية وتحت وطأة الأزمة الشديدة التى كان يمر بها الاقتصاد الرأسمالى، شعرت الدول الرئيسية بخطر نشوب حرب تجارية فيما بينها. إذا استمرت الممارسات التى سادت منذ منتصف السبعينات، ومن ثم بدأ التفكير فى جولة جديدة للمفاوضات متعددة الأطراف فى إطار الجات، يكون الهدف منها بعث الحياة فى النظام التجارى الدولى، والتصدى للمشكلات التى ترتبت على الحمائية الجديدة ومواجهة مشكلات أخرى ترتبت على التغيرات الهيكلية والتقدم التكنولوجى الهائل الذى عرفه الاقتصاد العالمى، وإعادة النظر فى بعض أحكام الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (الجات) بما يتواكب مع تلك التطورات، وتقوية "الجات" بحيث تكون حارسا فعالا على قواعد التجارة الدولية.
لهذه الاعتبارات جاءت جولة أورجواى مختلفة تمام الاختلاف عن الجولات السابقة من حيث تعدد القضايا التى تغطيها، وتصديها لقضايا جديدة لم يتم تناولها فى الجولات السابقة، وتطلعها إلى وضع قواعد جديدة محكمة للنظام التجارى الدولى.
وقائع جولة أورجواى
على الرغم من أن "جولة أوراجواى" هى الثامنة فى إطار جولات "جات" إلا أنها كانت أكثر الجولات تعقيدا وتأزما، فقد تأخرت أربع سنوات كاملة، حيث كان من المقرر لها أن تبدأ فى عام 1982، ولكنها لم تبدأ إلا فى سبتمبر1986 فى مدينة بونت ديلاستا فى أورجواى، بسبب عدم استعداد البلدان للتصدى للمشكلات التجارية المعلقة، كما انها أعدت لعلاج قطاعى "الزراعة والمنسوجات" اللذين كانا قد افلتا من ضوابط الاتفاق العام على امتداد عقود طويلة، كذلك أضيفت إلى جولة أورجواى مسائل جديدة أضيف اليها مسائل جديدة (كالخدمات وحقوق الملكية الفكرية وقوانين الاستثمار ذات الأثر على التجارة الدولية).
واتسمت الجولة بالطموح الخاص حيث أنها لاتتعامل فقط مع تخفيض التعريفات الجمركية ولكن تتعامل مع تحسين فرص دخول الأسواق، وتحرير انتقال الخدمات عبر الحدود والحماية القانونية للاستثمارات والصناعة. وأخيرا كان عليها تعزيز وتجديد اللوائح الملزمة دوليا، بالإضافة إلى تقوية الجات من الناحية المؤسسية.
ويمكن القول ان هذه الجولة تتعلق أساسا بتشكيل إطار التجارة الدولية فى القرن الحادى والعشرين.
ومما زاد من صعوبة الموقف فى (14) أورجواى أنها تزامنت مع حالة الكساد والركود لدى البلدان الصناعية المتقدمة، مع تفاقم مشكلتى البطالة والتضخم. وكلها أمور كانت تضغط على البلدان، وتحد من إمكانات الاتفاق على وسائل معينة للعلاج، خاصة وأن سياسة التحرير التجارى بتغييرها للأسعار النسبية وللربحية النسبية، تشجع بعض أوجه النشاط على حساب بعضها الاخر، ولايمكن أن يكون تحول الموارد من القطاعات الخاسرة إلى القطاعات التى تحقق أرباحا تحولا سلسا، ومن ثم يمكن توقع قدر من البطالة فى ظل هذه التحولات الجارية. فى وقت لاتزال البطالة فيه تشكل الهاجس الأكبر للاقتصاد العالمى. إذ تشير التقديرات الاقتصادية لمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادى
(O E C D) إلى أن عدد العاطلين عن العمل داخل البلدان الـ 24 الاعضاء فى المنظمة، سيصل الى 35 مليون شخص عام 1994.
وقد دفع ذلك الكثيرين إلى التحذير من تنامى النزعات الحمائية، إذ كثيرا ماتثير مشكلة البطالة الدعوات إلى حماية الواردات الصناعية المنافسة، والمعروف أن مشكلة البطالة قد نشأت بسبب سياسة نقدية متشددة استهدفت تقليل التضخم والحد من الأجور فى ظل تعويم نظام الصرف.
يضاف إلى ذلك دور التكتلات التجارية، الآخذة فى الاتساع سواء تمثل ذلك فى الاتحاد الأوروبى أو اتفاقية التجارة الحرة "نافتا" بين الولايات المتحدة وكندا والمكسيك فضلا عن منظمة التعاون الاقتصادى فى جنوب شرق آسيا "الآسيان"، بالإضافة إلى منطقة التجارة الحرة التى تمت الموافقة عليها بين دول الانديين فى منطقة أمريكا اللاتينية، وقد أدى ذلك إلى زيادة المخاوف من أن يؤدى الاتجاه نحو التكتلات إلى الحد من نمو التجارة الدولية، وإلى عقد تنظيم تجارى إقليمى يؤدى إلى تعديل التعريفات الجمركية، وجميع التفضيلات التجارية، وبالتالى فهو يغير الأسعار النسبية وأنماط الاستهلاك والإنتاج (16).
وجاءت جولة أورجواى والتى تعد أكثر جولات الجات طموحا وشمولا بإيعاز من الولايات المتحدة، واستمرت جولاتها التفاوضية بما مارسته الولايات المتحدة من قوة دفع وضغط من ناحية ومحاولات مستميته للإقناع من ناحية أخرى، ليس فقط إزاء الدول النامية، بل إزاء حلفائها من الدول المتقدمة عند اللزوم.
وكانت الولايات المتحدة قد أعدت العدة لهذه الجولة قبل عقدها بسنوات، وتحديدا فى أوائل الثمانينات عندما بدأت تشعر بالخطر الذى أصبح يداهم اقتصادها ويعرقل تقدمه على ثلاث أصعدة على وجه الخصوص، وهى :
1- تراجع قدرتها التنافسية على الصعيد الدولى فى مختلف مجالات التصنيع، لاسيما صناعة الحديد والصلب والسيارات والآلات والالكترونيات، واشتداد المنافسة فى مواجهة إنتاجها ليس من قبل اليابان والمانيا الاتحادية فحسب، بل إثر ظهور مجموعة الدول والتى عرفت بالصف الثانى والتى أصبحت تزاحم الولايات المتحدة فى أسواقها الدولية وسوقها الوطنى - ومن هذه الدول البرازيل وكوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة - بينما ظلت أسواق تلك الدول مغلقة أمام المنتجات الأمريكية.
2- تهديد صادراتها الزراعية وإنتاجها من الغذاء نتيجة لاشتداد المنافسة من المجموعة الاوربية، على إثر كبر حجم الدعم الذى كانت تمنحه الاخيرة لمنتجاتها ومزارعيها، والذى كان يصعب على الولايات المتحدة الاستمرار فى مواكبته فى ضوء سياستها التى كانت تهدف الى ضغط النفقات وخفض العجز فى ميزانيتها.
3- على الرغم من احتلال الولايات المتحدة المكانة الأولى بين الدول الصناعية فى أوائل الثمانينيات فى مجال خدمات الكمبيوتر والمواصلات السلكية واللاسلكية، فإنها لم تستطع تحقيق المزايا النسبية الواجبة من وراء ذلك، وأصبح لزاما على الولايات المتحدة أن تجد الوسيلة اللازمة التى تعوض لها خسارتها فى الصناعة، وكان ذلك بالضرورة من خلال فتح واستئثار الولايات المتحدة بالاسواق الدولية فى مجال الخدمات.
لذلك أصبحت جولة أورجواى فى نظر الإدارة الأمريكية تشكل لاقتصادها مسألة حياة أو موت، ومن هذا المنطلق قادت الولايات المتحدة معركتها على ثلاث جبهات تتمثل فى العمل على فتح اسواق دولية جديدة فى الدول النامية، لاسيما فى تلك الدول التى انجزت طفرة هائلة من التقدم، وهى دول نمور جنوب شرق آسيا، وكذلك دول مثل الصين والبرازيل، وتابعت معركتها فى هذا المجال من خلال فتح السوق اليابانى خاصة أمام انتاجها الزراعى وإرغام كل من اليابان وكوريا الجنوبية على وجه التحديد على إزالة القيود الكمية التى كانتا تفرضانها على وارداتهما الزراعية، كما لم تأل الولايات المتحدة جهدا - بدفع قوى من مؤسساتها متعددة الجنسية - إلى العمل على ادماج قطاع الخدمات وحقوق الملكية الفكرية والاستثمارات ضمن مفاوضات جولة أورجواى بغية إخضاعها لقواعد واحكام الجات (17).
ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية قد نجحت فى مهمتها ويشهد على هذا النجاح الإطار العام للاتفاقية الذى ضم اتفاقية خاصة بالتجارة فى الخدمات، واتفاقية تعنى بأوجه التجارة المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية، وأخرى بأوجه التجارة المتعلقة بالاستثمار كجزء لايتجزأ من الاتفاقية الكلية، فضلا عما حققته الولايات المتحدة فى مجال اتفاقية الزراعة بالنسبة لفتح اسواق دول المجموعة الأوربية واليابان والإزالة التدريجية للدعم، وقد استخدمت الدبلوماسية الامريكية كافة الوسائل مع مختلف الدول ومنها استخدام سياسة العصا والجزرة فى مختلف مراحل المفاوضات.
كما كانت الإدارة الأمريكية وبمباركة من الدول المتقدمة الأخرى قد أعدت عدتها لإعادة تعريف مشاركة الدول النامية فى النظام التجارى الدولى الجديد. وقامت بشن هجومها على ماكانت تحصل عليه الدول النامية من معاملة تفضيلية فى إطار قواعد الجات وكان تقييمها لذلك أن الدول النامية تحصل على جميع فوائد النظام التجارى الدولى دون تقديم أى شئ فى المقابل، ولذلك قادت الولايات المتحدة حملتها بضرورة اشراك الدول النامية بشكل متكامل فى النظام التجارى الدولى، وكان هدف هذه الحملة هو حرمان الدول النامية من أية معاملة تمييزية وقبولها النظام الجديد بقواعده وأحكامه دون التفرقة بين القوى والضعيف، والقادر وغير قادر.
ولعل بوادر النجاح الامريكى ظهرت فى مجال حماية الملكية الفكرية عندما تكتلت المؤسسات عبر الوطنية الامريكية فى مجال صناعة الدواء مع مثيلاتها من المؤسسات الاوربية واليابانية فى إصدار ماعرف "بالإطار الأساسى لقواعد الجات فى مجال الملكية الفكرية"، وذلك فى يونيو 1988.
وأتخذ هذا الإطار أساسا لصياغة الاتفاقية فى مجال الملكية الفكرية والتى بها ضربت عرض الحائط عمل وجهد سنوات طويلة لوضع قواعد متفق عليها فى مجال حماية الاختراعات المسجلة وتوحيد المعايير من قبل مندوبى الحكومات فى إطار المنظمة الدولية للملكية الفكرية التابعة للأمم المتحدة (18).
وعودة مرة اخرى الى جولة أورجواى والتى بدأت فى سبتمبر 1986 فى بونت ديلاست بدولة اورجواى والتى أخذت اسمها، وتم التوقيع على الاعلان الوزارى بواسطة وزراء تجارة الدول المشاركة فى مؤتمر أرجواى للتجارة متعددة الاطراف والذى اقر فيه أجندة أعمال الدورة، وقد احتوى الاعلان على كافة الاهداف الأساسية للولايات المتحدة، وكذا جميع الاهداف المقترحة من دول اخرى كموضوعات للتفاوض. وقد تضمن الاعلان الشكل المؤسسى للمفاوضات على هيئة لجنة مفاوضات التجارة Trade Negotiations Committee والتى سيكون لها وجهة النظر العليا لسير المفاوضات، وقد تفرع عن هذه اللجنة مجموعتان :
المجموعة الأولى : مجموعة التفاوض حول السلع
المجموعة الثانية : مجموعة التفاوض حول الخدمات
وقد ركزت المجموعة الأولى (التفاوض حول السلع) عملها على تغطية 14 قضية حاكمة هى :
1- الزراعة.
2- جميع الأوجه المتعلقة بالتجارة بالنسبة للملكية الفكرية (Trips) بما فيها السلع المغشوشة أو المزورة.
3- جميع الأوجه المتعلقة بالنسبة لمقاييس أو معايير الاستثمار (Trims).
4- تسوية النزاعات.
5- المنتجات الاستوائية.
6- المنسوجات والملابس.
7- المنتجات القائمة على الموارد الطبيعية.
8- التعريفات.
9- المعايير غير التعريفية.
10- الإجراءات الوقائية.
11- الدعم والمعايير التعويضية.
12- اتفاقات دورة طوكيو.
13-بنود (جات).
14- نظام وأداء (جات).
وفى ديسمبر 1988 وعلى المستوى الوزارى تم مراجعة التقدم فى سير المفاوضات كتقرير عن نصف المدة المحددة لإنهاء مفاوضات دورة أورجواى فى 1990 والتى عقدت فى العاصمة الكندية مونتريال.
وقد قصد من ذلك تقييم ماتم إجراؤه من تقدم خلال النصف الأول للدورة ولإمكان وضع إطار للاتفاقات المطروحة للتفاوض والتى ستغطى النصف الثانى من الدورة.
وكانت الخمس عشرة قضية الأساسية (14 منها تتعلق بالسلع والأخيرة تتعلق بالخدمات)، كانت كلها مطروحة للتفاوض، إلا انه لم يتم التوصل لأى اتفاق بالنسبة للقضايا التالية :
1- الزراعة.
2- حقوق الملكية الفكرية.
3- المنسوجات.
وكان من الواضح أن تعثر المفاوضات سببه عدم التوصل إلى اتفاق بشأن قضية الزراعة فى لقاء مونتريال، مما أدى إلى أن مجمل الصفقة لانهاء الاتفاق قد تعقدت ظروفها بالرغم من اتفاق الاطراف المفاوضه على استمرار المفاوضات خلال إبريل 1989 وقد تم التوصل آنذاك الى إطار الاتفاقيات حول تلك القضايا الأربع السابقة الذكر، مما أدى إلى إجازة التقرير نصف المرحلى على أساس خمسة عشر إطارا للأتفاق حول القضايا المطروحة للتفاوض.
وفى لقاء وزراء التجارة فى العاصمة البلجيكية بروكسل فى المدة 3-7 ديسمبر 1990 كان مزمعا إنهاء الدورة، إلا أن الاختلافات حول بعض القضايا أمكن حلها بينما لم تفلح الجهود المبذولة فى حل بعضها الآخر، وكان من بين هذه المجالات - التى لم تخل - قضية الزراعة.
وانتهى لقاء بروكسل دون التوصل إلى اتفاق نهائى، وبعد مشاورات مكثفة مع الأطراف الرئيسية فى التفاوض، فإن مدير عام " جات " السابق (آرثر دنكل) (سويسرى الجنسية)
صرح بأن هناك قواعد قد تم التوصل إليها لإكمال المحادثات، ودعا دنكل إلى عقد لقاء فى 26 فبراير 1991 صرح فيه : إن بين يديه كافة العناصر الأساسية التى من شآنها إعادة المفاوضات إلى مجراها الطبيعى، وقدم مقترحا كبرنامج عمل غير محدد بمدة زمنية للإنتهاء من المفاوضات (19).
مشروع دنكل
فى ديسمبر 1991 فى قدم مدير عام الجات وقتئذ آرثر دنكل - وعلى مسئوليته - نصا كاملا لإتفاقية جولة أوروجواى وما تتضمنه من اتفاقيات، وبدأت منذ ذلك الوقت الدول - صغيرها وكبيرها - تعى التداعيات المحتملة من جراء هذه الجولة على اقتصادياتها وعلى الاقتصاد الدولى ككل.
وتم الاتفاق على إتخاذ نص "دنكل" أساسا للاتفاق النهائى للجولة لما سعى من خلاله إلى وضع إطار عام للمفاوضات شاملا ما تضمنته من 28 إتفاقية، بما فى ذلك الإتفاقية الخاصة بإنشاء منظمة دولية جديدة للتجارة، ونجح نص "دنكل" فى دمج جميع هذه الاتفاقيات فى مشروع إتفاق واحد واعتباره كلا لا يتجزأ، بعبارة آخرى إن انضمام الدولة إلى اتفاقية جولة أورجواى يعنى قبولها جميع الاتفاقيات المبرمة فى إطارها، مع إنتفاء حق أى دولة فى إقامة تحفظ على أية اتفاقية أو حتى على مادة من موادها، فإما أن تقبل اتفاقية جولة أورجواى ككل أو ترفضها برمتها.
ولا شك أن هذا يعد تحولا جذريا عما كان معمولا به فى إطار الجات بالنسبة للاتفاقيات السابقة التى أبرمت فى نطاقها بموجب جولاتها السبع حيث كان انضمام الدولة إلى جميع هذه الاتفاقيات أو البعض منها فقط لا يؤثر على عضويتها فى الجات، أما الآن فإذا تراجعت أو تحفظت دولة على أية إتفاقية من الثمانى وعشرين إتفاقية فأنها لن تصبح عضوا فى الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (جات) وتبقى بالتالى خارج النظام الدولى الخاص بالتبادل التجارى (20).
وذكر مدير عام الجات فى تقريره أن التغيرات الدولية أكدت على تناقض وتعارض المصالح الاقتصادية على الصعيد العالمى (خاصة بين الكبار) بسبب الشروخ التى حدثت فى بنية الاقتصاد العالمى بعد تفكك الكتلة السوفيتية وسقوط المنظومة الإشتراكية فى دول شرق ووسط أوروبا، وقد رصد مدير الجات فى تقريره عام 1992 أن أهم التعقيدات التى ادت إلىتعثر المفاوضات هى (21) :
1- تجدد الاهتمام بالتجارة الإقليمية.
2- تعميق اندماج الإقتصادات الوطنية فى اقتصاد عالمى.
3- ظهور شركاء تجاريين جدد ومشاركتهم بنشاط فى جولة أورجواى (إشارة إلى الآسيويين).
4- الاختلال الخارجى الواسع للدول القائدة للتجارة الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية أوضح مثال).
5- دخول دول جديدة بعد تفكك الاتحاد السوفيتى للإندماج المتزايد فى السوق العالمى (إتحاد دول الكومنولث + دول شرق ووسط أوروبا).
6- الاتجاه إلى بناء تكتلات تجارية واقتصادية اقليمية مغلقة تتوسع فى إستخدام القيود الحمائية مع التلويح بتعاظم النزعات الانتقامية.
7- التقسيم الحالى للتكتلات الإقتصادية والتجارية سيقذف بالبعض خارج الحلبة تماما (مثال : الدول العربية والأفريقية ستكون الضحية الأولى الرئيسية).
8- خلق أسعار مصطنعة فى السوقين المحلى والعالمى (مثال : الولايات المتحدة على مدى السنوات من 90 : 1995 ستقدم دعما زراعيا يقدر بنحو 85 مليار دولار للمزارعين).
9- دعوة بعض الدول النامية بتبنى إنشاء منظمة للتجارة العالمية فى إطا الأمم المتحدة (مثال : عرض وزير خارجية فنزويلا فى أكتوبر 1990 نيابة عن 15 دولة نامية هى : الأرجنتين - البرازيل - مصر - الجزائر - نيجيريا - الهند - إندونيسيا - جاميكا - ماليزيا - المكسيك - بيرو - فنزويلا - زيمبابوى - السنغال يوغسلافيا) (مثال آخر : تبنت مصر الدعوة فى إطار منظمة الوحدة الافريقية ومجموعة عدم الانحياز إلى ضم مجموعة الـ 77 ومجموعة الـ 15 لتشكل صوتا مسموعا على النطاق العالمى).
10- قيام المجموعة الأوروبية بتقديم مقترحات رسمية إلى سكرتارية "جات" لتحويلها إلى منظمة دائمة للتجارة الدولية لتصبح منظمة مكملة لكل من صندوق النقد الدولى والبنك الدولى، وهو الأمر الذى انتهت إليه المفاوضات فعلا فى15 ديسمبر 1993.
واستمرت جولة أورجواى فى المفاوضات بين الأطراف المشاركة فى الأتفاقية وفى عامى 92، 93 تسارعت وتيرة المفاوضات بشكل سريع، حتى تم الإنتهاء من جولة أورجواى فى 15 ديسمبر 1993.
وقبل أن نرى ما تمخضت عنه جولة أورجواى فى المجالات التى كانت سببا فى تعثر المفاوضات (الزراعة - الخدمات - المنسوجات) وفى القضايا الجديدة التى أدخلتها جولة أورجواى (الملكية الفكرية - معايير الأستثمار)، نلقى نظرة على التغيرات التى طرات على البيئة الدولية للمفاوضات والتى دفعت أطراف الاتفاقية الكبار - وخاصة الولايات المتحدة - للدخول فى سباق محموم لإنهاء الاتفاقية قبل نهاية عام 1993، بالرغم من أنه حتى تاريخ قريب جدا لتوقيع الاتفاقية (12/12/1993) لم يكن قد تم التوصل بعد إلى حل يرضى جميع الأطراف فى المسألة الزراعية وكذلك الخدمات.
التغيرات التى طرأت على البيئة الدولية
وسوف نرصد هنا بعض التغيرات التى طرأت على البيئة الدولية أثناء مفاوضات جولة أورجواى :
انهيار منظومة الدول الأشتراكية
الأمر الذى صاحب إنهاء حالة الحرب الباردة، وحالة القطبية الثنائية، وما نجم عن ذلك من ظهور واقع عالمى جديد، صارت معه اتفاقية الجات معبرة عن النظام العالمى القديم، وغير ملائمة للوضع الدولى الجديد الناجم عن انهيار الكتلة الاشتراكية، كما أن الولايات المتحدة والتى كانت مهندسة النظام القديم والقائمة على حمايته لم تعد مستعدة للتضحية من اجل شركائها بل بدأت تطالبهم بالتعويض، عن التكاليف - ليست المادية فقط - التى تكبدتها لحماية النظام القديم.
واعلنت انها لن تقبل أى نوع من الدعم للزراعة، وأنها لن تقبل بالقرصنة على العلامات المسجلة وحقوق الملكية وتجارة الخدمات، وبدأت أمريكا تحت وطأة إحساسها بقيادتها للنظام العالمى الجديد، تضغط لتوقيع اتفاقية الجات مستغلة الاختلال الحادث فى توازن القوى على الصعيد العالمى كما كان لهذا الانهيارأثره السيئ على وضع الدول النامية فى مواجهة دول الشمال الغنى.
الانتخابات الامريكية ومفاوضات الجات
وجاء نجاح الديمقراطيين فى الوصول إلى البيت الأبيض عام 1992، ليثير عددا من التساؤلات فى الولايات المتحدة حول مدى ملاءمة السياسات الاقتصادية الاوربية لقواعد حرية التجارة.
انهيار منظومة الدول الأشتراكية
الأمر الذى صاحب إنهاء حالة الحرب الباردة، وحالة القطبية الثنائية، وما نجم عن ذلك من ظهور واقع عالمى جديد، صارت معه اتفاقية الجات معبرة عن النظام العالمى القديم، وغير ملائمة للوضع الدولى الجديد الناجم عن انهيار الكتلة الاشتراكية، كما أن الولايات المتحدة والتى كانت مهندسة النظام القديم والقائمة على حمايته لم تعد مستعدة للتضحية من اجل شركائها بل بدأت تطالبهم بالتعويض، عن التكاليف - ليست المادية فقط - التى تكبدتها لحماية النظام القديم.
واعلنت انها لن تقبل أى نوع من الدعم للزراعة، وأنها لن تقبل بالقرصنة على العلامات المسجلة وحقوق الملكية وتجارة الخدمات، وبدأت أمريكا تحت وطأة إحساسها بقيادتها للنظام العالمى الجديد، تضغط لتوقيع اتفاقية الجات مستغلة الاختلال الحادث فى توازن القوى على الصعيد العالمى كما كان لهذا الانهيارأثره السيئ على وضع الدول النامية فى مواجهة دول الشمال الغنى.
الانتخابات الامريكية ومفاوضات الجات
وجاء نجاح الديمقراطيين فى الوصول إلى البيت الأبيض عام 1992، ليثير عددا من التساؤلات فى الولايات المتحدة حول مدى ملاءمة السياسات الاقتصادية الاوربية لقواعد حرية التجارة.
وقد طرح الرئيس الامريكى بيل كلنتون مفهوما جديدا لحرية التجارة العالمية يقوم على أساس "تحرير الشروط الهيكلية للتجارة" وهو ما يتجاوز إزالة القيود الهيكلية الانتاجية التى تخلق منافسة غير متكافئة على الصعيد التجارى، ومن ابرز هذه القيود إعانات دعم الانتاج التى تقدمها المجموعة الاوربية للمزارعين وللشركات العاملة (22).
وبدأ كلينتون أولى خطواته بتغيير المفاوض الامريكى التجارى "كارلاهيلز" وتعيين "ميكى كانتور" رئيسا للمفاوضين الامريكيين فى محادثات الجات مع شيوع تفاؤل فى أوساط الدوائر الاقتصادية بأن الرئيس الديمقراطى بيل كلينتون أفضل من سابقه الجمهورى بوش.
ولكن بعد أقل من اسبوعين على بدء ولاية الرئيس الامريكى كلينتون - والذى جاء للحكم ببرنامج انتخابى يدعو لاعادة الازدهار للإقتصاد الأمريكى الذى يعانى من أزمات الركود والتضخم - بدأ الخوف يتسرب إلى دوائر الاقتصاديين والسياسيين فى أرجاء العالم خوفا من انهيار الجهود التى بذلت على مدى سنوات طوال من اجل تحرير التجارة الدولية.
فقد أعلن المفوض التجارى الامريكى ميكى كانتور استبعاد الشركات الاوربية من الاشتراك فى العديد من المناقصات الحكومية، كما قامت وزارة التجارة الامريكية فى اليوم الخامس للادارة الجديدة بفرض رسوم جمركية على صادرات الصلب الاوربية الى الولايات المتحدة، ولم يقف الامر عند هذا الحد فقد اصدرت وزارة المالية الامريكية امرا باعادة النظر فى الرسوم الجمركية المفروضة على سيارات الركوب الفارهه مع احتمال زيادتها الى 10 أمثال ماهى عليه لتصبح 25%، وذلك فى ظل تأييد رجال الصناعة الامريكية وخاصة صناعة السيارات الذين طالبوا بالحماية لصناعتهم وذلك تطبيقا للمبدأ الذى أعلنته الادارة الامريكية الجديدة وهو "أمريكا أولا". وقد أعلن الرئيس الاميكى بيل كلينتون (23) - فيما يعد تهديدا لليابان والمجوعة الاوربية - أن أولوياته ليست موضوع الجات وإنما إعادة الإزدهار للإقتصاد الأمريكى، كما أكد أن اهتماماته فيما يتعلق بالسياسة التجارية سوف تتركز أولا فى الانتهاء من إنشاء سوق التجارة الحرة لامريكا الشمالية (النافتا). وكادت هذه السياسات التى اتبعتها الادارة الامريكية الجديدة - للضغط على الدول المشاركة فى الجات للإسراع بتوقيع الاتفاقية - أن تتسبب فى حدوث حرب تجارية شاملة بين الاقطاب الثلاثة للنظام الرأسمالى (اليابان - المجموعة الاوربية - الولايات المتحدة)، كما أعادت إحياء المخاوف من تقسيم العالم إلى ثلاث كتل تجارية متناحرة.
اتفاقية النافتا والجات
يعد إقرار اتفاقية النافتا اهم تحد سياسى داخلى واجه الرئيس الامريكى بيل كلينتون، حيث صاحبها قدر كبير من الجدل والصخب الشعبى، جنبا الى جنب مع المناورات الحزبية على الساحة الامريكية.
إلا أن "النافتا" خرجت الى حيز الوجود بعد ما أقرها الكونجرس الامريكى فى السابع عشر من نوفمبر عام 1993 ليبدأ العمل بها فى مطلع عام 1994.
وكما هو معروف فإن النافتا تعد عملاقا اقتصاديا جديدا ، وتضم تكتلا مكونا من (أمريكا - المكسيك - كندا) بالاضافة الى انها تعتبر من اكبر الأسواق العالمية حيث تسع "360 مليون نسمة"، وحجم ناتجها القومى الاجمالى يصل الى "7 تريليونات دولار".
وقد بدأت جهود إبرام "النافتا" فى عهد الرئيس الامريكى "بوش" الذى تبناها ووقع عليها بالأحرف الأولى، ولكنها خرجت إلى حيز الوجود فى عهد الرئيس كلينتون.
وفى سياق المفاوضات التجارية المتعثرة على صعيد "الجات" التى أثرت وتأثرت بمسار الاحداث الداخلية على صعيد الولايات المتحدة الامريكية، سعى الرئيس "كلينتون" جاهدا من اجل اقرار اتفاقية "النافتا" حتى يمكن أن يدفع الأمور إلى الأمام فى مفاوضات الجات التى كان محددا لها يوم الخامس عشر من ديسمبر 1993 موعدا نهائيا لاختتامها.
وأكدت النافتا رغبة امريكا فى توسيع نطاق حرية الحركة أمام صادراتها واستثماراتها شمال وجنوب القارة، وليس الميل الى الانعزال والتقوقع فى حدود القارة الشمالية، حتى فى إطار الاندماج والتعاون مع حدودها الجنوبية، فقد كانت الرغبة فى الاستثمار وتكاتف عناصر رأس المال والتكنولوجيا، إضافة الى العمالة الرخيصة المتوافرة فى المكسيك عاملا أساسيا، فى الترغيب باتفاقية النافتا (23).
وتشير الخطوط العامة للإتفاقية إلى :
- تخفيض الرسوم الجمركية على مدى 15 عاما، مع تباين نسب التخفيض والفترة التى تستغرقها، طبقا للقطاع المعنى.
- إزالة كافة القيود المفروضة على الاستثمارات فى القطاعات المختلفة باستثناء قطاع البترول فى المكسيك، والصناعات الثقافية فى كندا، والخطوط الجوية والاتصالات اللاسلكية فى الولايات المتحدة.
- استبعاد الهجرة أو حرية الحركة للأفراد، باستثناء بعض النوعيات من العمالة.
- فتح الباب أمام التعاقدات الحكومية، التى تتجاوز فترة معينة، وتعد المكسيك هى الطرف الأساسى الذى سيتأثر من هذا الإطلاق، حيث تحتفظ ببعض التعاقدات للشركات الوطنية المكسيكية.
- يمكن العودة الى قدر من القيود الجمركية، فى حالة تعرض الصناعة المحلية للدولة المعنية لبعض الصعوبات نتيجة فتح السوق.
- اللجوء الى التحكيم المستقل لحل الخلافات التى تنجم عن التطبيق.
وأما القطاعات التى تسرى عليها الاتفاقية فتشمل :
* قطاع الزراعة، حيث اتفق على إزالة معظم الرسوم الجمركية المفروضة على المعاملات الزراعية بين الولايات المتحدة والمكسيك بصورة فورية فى أعقاب تنفيذ الإتفاقية.
* وفيما يتعلق بالسيارات أشارت الاتفاقية الى ازالة الحواجز الجمركية على مدى عشرة أعوام، كما تطلق فى ذات الوقت حصة المكسيك فى الواردات من السيارات على مدى نفس الفترة، على ان تراعى ضرورة التصنيع المحلى بنسبة 62.5% من مكونات السيارة حتى يمكن إعفاؤها من الرسوم الجمركية.
* قطاع الطاقة، وتقرر فيه ان يستمر العمل بالحظر المكسيكى المفروض على قيام القطاع الخاص بعمليات البحث والتنقيب عن النفط الخام، إلا أنه تم السماح للشركة البترولية المملوكة للدولة بفتح المجال أمام الشركات الامريكية والكندية، للدخول فى العقود الحكومية.
* قطاع الخدمات المصرفية، حيث اتفق على ان تفتح المكسيك قطاعها المصرفى بصورة تدريجية، أمام الاستثمارات الامريكية والكندية، حتى تزال كافة القيود والحواجز بحلول عام 2007.
* وقد نصت الاتفاقية على إلغاء الرسوم الجمركية المفروضة على قطاع المنسوجات، على مدى عشرة أعوام من جانب الدول الثلاث فى وقت واحد.
وشملت ايضا اتفاقية النافتا بعض الاتفاقيات الجانبية، منها اتفاقية خاصة بحماية البيئة حيث نصت على ان تفرض غرامات مالية، إضافة إلى العقوبات الأمريكية والمكسيكية، فى حالة ثبوت وجود مخالفات متكررة لقوانين حماية البيئة. كما تشمل ايضا الاتفاقية الخاصة بقوانين العمل، والتى تنصرف الى فرض عقوبات فى حالة عدم تنفيذ قوانين حماية الطفولة والصحة والحد الادنى للأجر، والاتفاقية الموقعة بين المكسيك والولايات المتحدة لإنشاء بنك أمريكا الشمالية للتنمية، لتمويل عمليات تحسين البيئة ورفع مستوى المناطق الواقعة على الحدود الأمريكية المكسيكية المشتركة.
كما اتفق ايضا على قيام الولايات المتحدة بإنفاق حوالى 90 مليون دولار، على مدى الثمانية عشر شهرا الأولى من اجل إعادة ترتيب العمالة فى الدول المشاركة فى الاتفاقية والتى ستفقد وظائفها نتيجة لتطبيق الاتفاقية.
تلك هى الملامح العامة لاتفاقية منطقة التجارة لأمريكا الشمالية، والتى مثلت تمهيدا لاتفاقية جولة أورجواى فى محادثات الجات، وقد عبر عن ذلك الرئيس الامريكى كلنتون فى مجال تعليقه على تصويت مجلس النواب، حيث قال ان اتفاقية "نافتا" تقدم النموذج الاقتصادى والسياسى والاخلاقى الذى يجب ان تكون عليه الاوضاع التجارية فى العالم كله (25).
وكان وزير الخارجية الأمريكى وارين كريستوفر واضحا جدا عندما أعلن أن موافقة مجلس النواب الامريكى على اتفاقية "التجارة الحرة لأمريكا الشمالية" يشكل تحذيرا للأوربيين، وقال ان هذه الموافقة رسالة الى جنيف حيث مفاوضات جولة أورجواى فى إطار اتفاقية الجات.
قمة سياتل (الأبيك والجات)
لم يبق هذا التحذير أمريكيا بل تلقى دعما من منظمة التعاون الاقتصادى لدول آسيا والمحيط الهادى، والمعروفة إختصارا باسم "أبيك"، حيث عقدت فى سياتل غرب الولايات المتحدة قمة لهذه المنظمة، بعد يومين فقط من إقرار اتفاقية النافتا أى فى التاسع عشر من نوفمبر 1993.
وقد ظهرت أبيك إلى الوجود فى عام 1989 بناء على دعوة استرالية، وهى تضم سبع عشرة دولة موزعة على ثلاث قارات، وهى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك واستراليا ونيوزيلندا، بالإضافة إلى الدول الآسيوية : الصين، واليابان، وهونج كونج وغينيا الجديدة وتايوان وبروناى وماليزيا وأندونيسيا وسنغافورة والفلبين وكوريا الجنوبية وتايلاند.
ويعكس هيكل عضوية المنظمة أنها تضم أكبر ثلاث اقتصاديات فى العالم : الولايات المتحدة واليابان والصين، إلى جانب كونها منظمة تدمج فى عضويتها تكتلين اقتصاديين : "النافتا" لدول أمريكا الشمالية و "الآسيان" لدول جنوب شرق آسيا، وتتحكم الآبيك بدولها فى نحو 40% من حجم التجارة العالمية، وسوقا يصل عدد مستهلكيها إلى مايزيد على مليارى نسمة.
وكما جاء فى إعلان سياتل فإن منظمة الأبيك تشجع على المشاركة وانضمام أعضاء جدد لها، بالإضافة الى هدفها الأساسى وهو إزالة العوائق التى تقف أمام التجارة والاستثمار حتى يمكن ممارسة المزيد من التجارة فى المنطقة ومع بقية دول العالم (26).
ورأى الكثير من المراقبين فى قمة سياتل والمعقودة بدعوة أمريكية تحولا صريحا فى توجه السياسة الأمريكية من أوربا إلى آسيا فى حقبة مابعد الحرب الباردة.
ويدلل هؤلاء على ذلك بقولهم إن أهمية أوروبا بالنسبة لأمريكا بدأت فى التضاؤل بعد إنهيار الاتحاد السوفيتى، خاصة وأن امريكا تجد نفسها حاليا أمام معضلة إحراز تفوق اقتصادى كامل بعد أن انفردت سياسيا وعسكريا بالقرار السياسى الدولى، وتكمن المعضلة فى صعوبة إحراز هذا التفوق فى ظل وجود قوة اقتصادية كاليابان وأوربا الموحدة، ونمو قوة اخرى كالصين، بالرغم من ان الولايات المتحدة مازالت تملك الاقتصاد الأول العالم.
وأصبح واضحا ان السياسة الخارجية الامريكية وان كانت تعتمد فى أحد أبعادها على الحفاظ على الأمن القومى من خلال الابقاء على حلف الاطلنطى وأعضائه الأوربيين، إلا أن البعد الأكثر اهمية للأمن القومى الأمريكى يرتكز الآن - بعد زوال الاتحاد السوفيتى - على المخاطر الاقتصادية القادمة من الشرق والتى تتزايد يوما بعد يوم، سواء مع ظهور قوى اقتصادية جديدة تقتفى أثر النموذج اليابانى، أو مع تزايد العجز التجارى الأمريكى مع طوكيو وبكين.
ومن أبرز الامثلة على السياسة الأمريكية الجديدة فى منطقة شرق آسيا، الخطوة التى أقدم عليها الرئيس كلينتون، والتى قام فيها بإلغاء الحظر التجارى الذى فرضته بلاده على فيتنام منذ ثلاثين عاما، وإن كان الهدف المعلن لهذا القرار هو المساعدة على معرفة مصير أكثر من 2300 أسير امريكى فقدوا خلال حرب فيتنام، فإن الهدف غير المعلن هو إتاحة الفرصة للشركات الأمريكية لاخذ نصيبها من كعكة الاستثمار فى إعادة بناء الاقتصاد الفيتنامى، والخوف من انفراد الشركات الاسيوية والاوربية بالاستثمار فى دولة مرشحة لأن تكون نمرا جديدا (27).
وتصريح الرئيس كلينتون اثناء انعقاد هذه القمة جاء مؤكدا للتوجهات الامريكية حيث صرح أن أمريكا ستواصل تعاونها وتحالفها مع دول حلف الاطلنطى لكنها ستركز اهتمامها على المحيط الهادى لأن آسيا تعد أكبر شريك تجارى لأمريكا. حيث توضح الارقام المتداولة أن قيمة التبادل التجارى بين الولايات المتحدة وآسيا عام 1992 بلغت 334 مليار دولار بزيادة 51% عن قيمة التبادل التجارى بين الولايات المتحدة وأوربا. كما وصلت الاستثمارات الأمريكية فى آسيا عام 1991 إلى 66 مليار دولار ويبلغ هذا الرقم 51% من حجم الاستثمارات الامريكية المباشرة خارج الولايات المتحدة (28).
وإزاء التصريحات الاخيرة للرئيس كلينتون، والتوجهات الجديدة للادارة الامريكية المتبلورة فى سعيها لدعم علاقاتها فى محيطها العالمى الاخر من خلال اتفاق "نافتا"، ومحاولات احياء التعاون التجارى - الامريكى مع دول المحيط الهادى وشرق آسيا بما فى ذلك اليابان والصين كعمق جديد ضخم من الناحية التجارية لامريكا، شعرت المجموعة الأوربية - وبالاخص بريطانيا - بالقلق من ان الحكومة الامريكية بدأت تدير ظهرها لحلفائها التقليديين الأوربيين.
ولذلك بدأ الوزراء الاوربيين فى ممارسة ضغوط على فرنسا لحل أزمة الملف الزراعى - التى كانت تعتبر العائق الأول لإنجاح الجولة - لسرعة التوصل إلى اتفاق فى إطار جولة أورجواى لمباحثات الجات (29).
وفى بداية ديسمبر 1993، بدأ وزير الخارجية الامريكى وارين كريستوفر جولة اوربية لحث المجموعة الاوربية على دفع المفاوضات والاستعداد لتوقيع اتفاقية التجارة الدولية فى إطار الاتفاقية العامة للتعريفة الجمركية والتجارة (الجات)، وجاءت جولة كريستوفر كتحذير للأوربيين من أن الفشل فى التوصل الى اتفاق فى إطار "جات" سيؤدى إلى حرب تجارية تضر جميع الدول الرئيسية، وأن الأوربيين سينالهم أكبر الضرر.
وبدأ السباق المحموم للتوصل إلى صيغة نهائية لمسودة الاتفاق، ففى يومى 6،7 ديسمبر 1993 اجتمع المفوض التجارى ميكى كانتور مع سير "ليون بريتان" المفوض الاوربى فى بروكسل، وتوصلا الى اتفاق بشأن الدعم الزراعى ودخول الاسواق ولكن دون تسوية الخلافات حول منتجات الصوتيات والمرئيات، ودعم صناعة الطائرات.
وفى تاريخ 11/12/93 اجتمع كانتور وبريتان مرة اخرى فى جنيف.. وواصلا الاجتماع يوم 12/12 دون إحراز تقدم نهائى (30).
إلا انه فى يوم 15/12/93 وهو التاريخ المحدد مسبقا للتوصل الى اتفاق نهائى فى إطار الجات، تم بالفعل التوصل الى اتفاق التجارة الدولية، حينما أعلن بيتر سوذرلاند (المدير العام للجات والايرلندى الجنسية والذى جاء خلفا لآرثر دنكل) أن جولة أورجواى قد انتهت، على ان تقوم الدول المشاركة فى الجات بالتوقيع على الاتفاقية بمراكش فى المغرب فى شهر ابريل 1994.
فما الذى اضافته جولة أورجواى بالنسبة لتحرير التجارة الدولية ؟ ومالذى قدمته للدول النامية بشكل عام ؟ وماتآثيراتها على اقتصاديات الدول النامية (وخاصة الدول العربية ومصر). هذا ماسيتم إلقاء الضوء عليه فى بقية الدراسة.