|
نديم البيطار : الثورة الثقافية أولا فالاجتماعية تاليا، فالاشتراكية ثالثا
محمد بوجنال
الحوار المتمدن-العدد: 5153 - 2016 / 5 / 5 - 14:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
نديم البيطار : الثورة الثقافية أولا فالاجتماعية تاليا، فالاشتراكية ثالثا
يرى نديم البيطار أن العالم العربي يتميز بالتخلف التاريخي؛ إنه الوضع الذي يفرض إعطاء الأولوية للإنتلجنسيا الثقافية الثورية لتحمل مسئولية وتسلم السلطة؛ وبناء على ذلك تعمل على تسطير برنامجها للتأسيس لمشروعها الاجتماعي المتمثل في تحقيق "الثورة الاجتماعية" في مرحلة ثانية، لتتوج في مرحلة ثالثة " بثورة البروليتاريا أو الثورة الاشتراكية". فالانتقال من الإنتلجنسيا إلى البروليتاريا ، في نظر نديم البيطار، هو النهج الذي به تتحقق الثورات الثلاث : الثقافية أولا، فالاجتماعية تاليا، فالاشتراكية (البوليتاريا) ثالثا؛ لذلك فهو يؤكد، في مختلف مؤلفاته، أن هذه الأخيرة تحصل بفعل تبني نهج الإنتلجنسيا أولا، نظرا لقدراتها الذاتية الواعية القادرة على تحمل مسئوليتها التاريخية المتمثلة في الإشراف وتوفير شروط بناء " الثورة الاجتماعية". هكذا، فمفكرنا يركز على الأهمية التاريخية للإنتلجنسيا لقيادة الثورة التي هي ، بالكاد، الوحدة القومية العربية مستثمرا في ذلك القاعدة القائلة: " لا ثورة بدون نظرية ثورية ". فهي، في نظره، بفعل وعيها، تتميز بالقدرة والإرادة لمواجهة الثقافة التقليدية والخشبية والجامدة وهو ما يعني، وبالأساس، أن الوصول إلى الثورة الاشتراكية يعني المرور حتما من " الثورة الاجتماعية " إلى " الثورة البروليتارية " (الاشتراكية) أو قل أن المرور ذاك يعني العمل أولا على تدمير المجتمع التقليدي الذي هو أحد أهم مهام الإنتلجنسيا.. إنها الشروط التي سماها ب" الوضعية الوحدوية الموضوعية ". إذن ، فالإنتلجنسيا الثورية لا يمكن أن تكون كذلك إلا إذا كان نضالها نضالا وحدويا محددا ومسطرا بديله الوحدوي. من هنا أهمية الإنتلجنسيا الثورية العربية الوحدوية أو قل المثقفين العرب الثوريين الوحدويين لتوفير " الوضعية الوحدوية الموضوعية " بمعنى أن للإنتلجنسيا، في نظر مفكرنا، الدور الأساسي في تفعيل الوضع الحالي للعالم العربي. إنها الممارسة النظرية والفعلية التي تعمل على الإحلال محل نظيرتها التبشيرية والميتافيزيقية السابقة. فالثورة الثقافية بقيادة الإنتلجنسيا تتطلب اعتماد العقل والمنهج العلمي اللذان يفرضان، وبالبداهة، الرجوع إلى الواقع العربي للبحث والدراسة قبل إصدار الأحكام عنه. فالواقع العربي ذاك، عند تبني العقل والمنهج العلمي، في نظر البيطار، لا يحدد كمكونات مجزأة أو اعتباطية، ولا عبارة عن رغبات وأهواء كما نودها أن تكون بقدر ما أنه واقع عربي يتميز بالوجود الموضوعي وفق سياق زمني محدد. فالعقل بهذا المعنى يؤمن بأنه لا واقع بدون قوانين جدلية تعمل باستقلال عن ذواتنا وبالتالي فدرجة حرية الإنسان العربي تكون مرتبطة جدليا بدرجة " معرفته " لإمكان اكتشاف القوانين تلك وتوظيفها والتصرف على ضوئها. نستخلص مما سبق أن المقومات التي تجعل من الانتلجنسيا العربية القوى القادرة على لعب دور الطليعة الثقافية تتمثل في كونها حاملة الوعي الثوري أو قل أنها الفئة التي تعطي الأهمية للمعرفة والفكر لمعرفة وضبط آليات الواقع العربي ، فكر متمثل في الدراسة والبحث والتحليل والنقد والمقارنة والاستنتاج والتنبؤ بمستقبل هذا الواقع . بناء على ذلك، وللتوضيح، يرى نديم البيطار أن هناك ثلاثة أنواع من المثقفين: المثقف المرتبط بالتحليل الفكري وهو ما يسميه بالمثقف المنظر؛ وهناك المثقف المرتبط أو المهتم بالأفكار المعيارية والتقييمية وهو ما يسميه بالمثقف الأخلاقي؛ وهناك المثقف الذي يربط بين الإثنين، فيكون مثقفا رافضا للأوضاع القائمة معتمدا الفكر المنضبط أو المنظم وهو ما سماه بالإنتلجنسيا؛ فهذه الأخيرة تختلف عن السابقين بكونها لا تمثل ما سماه ب " كلاب الحراسة "، حسب استعارة نديم البيطار، بقدر ما أنها فئة مناضلة مرتبطة بالواقع وممارسة النقد الذي هو الوعي أو قل أن الوعي هو النقد باعتباره أساس ثورية الإنتلجنسيا. لذلك يرى البيطار أن العديد من المؤلفات الماركسية تستهل بهذا المفهوم: "نقد فلسفة الحقوق عند هيجل" ، "نقد فلسفة الدولة عند هيجل" ، "نقد الاقتصاد السياسي". بناء على ذلك، فالوعي الثوري معناه، وبالكاد،إعادة النظر بشكل جذري في الأسس المعتمدة في عالمنا العربي على مستويات الإنسان، والمجتمع،والممارسة، والمعرفة. وعليه، فيسمى الحراك ثوريا عندما يحصل النقد على مستوى مختلف تلك المجالات. وقد أكد نديم البيطار على أن التاريخ قد أثبت الأهمية الطليعية للإنتلجنسيا في حصول الثورات. وفي هذا الإطار ،في نظر مفكرنا، نادت العديد من النظريات والحركات بأولوية فكرة أن للجماهير والعمال القدرة على إفراز قياداتها بذاتها ومن داخلها، ولها القدرة على بناء وعيها الثوري من خلال أوضاعها الخاصة؛ إلا أن التجارب أبرزت للنظريات والحركات تلك، جمود وركود تلك الجماهير والعمال ، فنادت بأن الأولوية يجب أن تكون للقيادات التي هي الإنتلجنسيا. إنه الانتقال من أولوية البروليتاريا إلى أولوية الثورية؛ فالأولى ما زالت لم تصل مرحلة الثورية أو قل أن هاجسها ما زال لم يتجاوز ضمان قوتها الاقتصادي اليومي؛ لذا، فهي لا تمثل قوة ثورية في الوقت الذي يبرز لنا فيه التاريخ، يقول نديم البيطار، بأن لا حركة ثورية بدون انتلجنسيا أو قيادات ثورية سميت المراحل والثورات بأسمائها : الماركسية ،اللينينية، الماوية، الغيفارية، الغرامشية، الألتوسيرية...الخ. فالكوادر كانت تتشكل من الإنتلجنسيا لا من البروليتاريا. فكل هذه القيادات نادت بأن الوعي الثوري هو القوة القادرة على تحريك التاريخ؛ وعي بين لها أن البروليتاريا عاجزة في ذاتها عن التأسيس له؛ لذلك نادوا بأن تثقيف البروليتاريا يكون من خارجها المتمثل في الإنتلجنسيا المنظمة حيث أن المطلوب منها كإنتلجنسيا ضرورة تسلم السلطة قصد التأسيس لتثقيف البروليتاريا بناء على تسطير برنامج التطور والتسريع أو قل حرق المراحل إذا أمكن. فهناك في التاريخ، يقول نديم البيطار، تقاطع حول أولوية الإنتلجنسيا الثورية له صلاحيتها بصدد الوضع العربي الذي يتجسد في مطلب الوحدة العربية. وقد دافع عن أهمية الإنتلجنسيا مثلا لوكاتش الذي رأى أن أهم مكونات الحزب الثوري هي الإنتلجنسيا باعتبارها القوة التاريخية القادرة على تحمل مسئولية التأسيس للوعي الثوري؛ وقد أكد ماو تسي تونغ أيضا بقوله أنه بدون المثقفين يكون نجاح الثورة مستحيلا؛ أما الماركسية الجديدة فقد رأى أحد مفكريها، ألتوسير،أن فهم التاريخ وصنع التاريخ لا يحصل إلا عبر العلماء والجماهير التي يتم تكوينها وتنظيمها وليست أية جماهير؛ فهذه الأخيرة حمقاء في نظره، إن لم ننظمها تكون مستعدة لتبني الأيديولوجيا البورجوازية: فكلما بقيت خارج الحزب لا يمكنها التخلص والخلاص من تلك الأيديولوجيا؛ كما أن الحزب نفسه لا يمكنه التخلص والخلاص منها كلما بقي خارج الفلسفة. وفي نفس الاتجاه ،عبر اليسار الجديد بدوره عن كون تميز الطبقة العاملة بالصفة النقيض لوضع الفقراء حيث أننا أصبحنا نجدها مرتبطة بالمجتمع الاستهلاكي وكذا تبنيها المواقف الرجعية؛ لذلك تكلم الماركسي الأمريكي ميلز، يقول نديم البيطار، عن ضرورة التخلص مما أسماه ب"الميتافيزيقا العمالية" بمعنى اعتباره الإنتلجنسيا الثورية هي أداة بناء الاشتراكية لا الطبقة العمالية. هكذا يستنتج نديم البيطار أن الأولوية، في عالمنا العربي، يجب أن لا تحظى بها البروليتاريا ما دامت عاجزة عن تكوين ذاتها بذاتها، بقدر ما أن الأولوية يجب أن تعطى للإنتلجنسيا الثورية التي لها الإرادة والقدرة الواعية على تحمل مسئولية إنجاز وتوفير شروط تحقيق "الثورة الاجتماعية" بعد ذلك؛ وفي هذه الأخيرة سيتم تحقيق شروط الانتقال إلى "الثورة البروليتارية" التي هي "الثورة الاشتراكية". إنها الصيرورة التي لا تعني تهميش البروليتاريا في عالمنا العربي ،يقول نديم البيطار، بقدر ما أنها تشكل جزء لا يتجزأ من إنجاز الرسالة التاريخية في مرحلة ثالثة ، بعد مرحلة "الإنتلجنسيا الثورية" التي تليها مرحلة "الثورة الاجتماعية". إنها المراحل الثلاث التي، بفعل صيرورتها، ستتوج بالتأسيس "للثورة الاشتراكية" حاملة فكرة الوحدة العربية التي طالما دافع عنها أيضا أحد شيوخ الفكر العربي المعاصر، المفكر خير الدين حسيب موضوع ورقتنا المقبلة.
#محمد_بوجنال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سمير أمين : - الثورة الثقافية أولا -
-
عبد الله العروي والدعوة إلى أولوية الحراك الثقافي
-
ثقافة الشعوب العربية:هيمنة الاستبداد ومحاصرة الوعي
-
في مكر مفهوم -الحق- في العالم العربي
-
الممنوع عربيا في الثالوث: الديمقراطية، الحاكم، الشعب
-
مقترحات إلى فدرالية اليسار الديمقراطي بالمغرب
-
الشغل بعبع الدولة
-
المصلحة سيدة القناتين المغربيتين
-
العنف أوكسجين الدولة والقوى الإسلامية المتطرفة
-
الفاعلون من خارج الدولة السلبية العربية
-
الربيع العربي أو التبعية بصيغة جديدة
-
الوضع العربي وليد فلسفة الاقتصاد السياسي
-
اللغة مؤسسة تقتضي التفكيك
-
الاقتصاد، الجنس،الدين،السياسة
-
المرحلة تفرض الاشتغال على السؤال: ما معنى العرب؟
-
أهمية الاقتصاد في فهم الالتفاف على الحراك العربي
-
محمد بوجنال: باحث وكاتب ومناضل يساري – في حوار مفتوح مع القر
...
-
العرب بين أيديولوجيا الريع وضعف اليسار
-
ثقافة اليسار ومستجدات الراهن العربي
-
فعل عنف اللغة
المزيد.....
-
الوزير يفتتح «المونوريل» بدماء «عمال المطرية»
-
متضامنون مع هدى عبد المنعم.. لا للتدوير
-
نيابة المنصورة تحبس «طفل» و5 من أهالي المطرية
-
اليوم الـ 50 من إضراب ليلى سويف.. و«القومي للمرأة» مغلق بأوا
...
-
الحبس للوزير مش لأهالي الضحايا
-
اشتباكات في جزيرة الوراق.. «لا للتهجير»
-
مؤتمر«أسر الصحفيين المحبوسين» الحبس الاحتياطي عقوبة.. أشرف ع
...
-
رسالة ليلى سويف إلى «أسر الصحفيين المحبوسين» في يومها الـ 51
...
-
العمال يترقبون نتائج جلسة “المفاوضة الجماعية” في وزارة العمل
...
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
المزيد.....
-
الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي )
/ شادي الشماوي
-
هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي
...
/ ثاناسيس سبانيديس
-
حركة المثليين: التحرر والثورة
/ أليسيو ماركوني
-
إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع
...
/ شادي الشماوي
-
كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات
...
/ شادي الشماوي
-
المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب -
...
/ شادي الشماوي
-
ماركس الثورة واليسار
/ محمد الهلالي
المزيد.....
|