أخبار الشرق - 27 كانون الثاني 2003
عندما قرأت مقالة الدكتور محمود حسين صارم (أخبار الشرق 22/1/2003) التي تناولت العديد من المسائل الهامة والحساسة التي تهم وطننا السوري الحبيب، وبما أن الدكتور طرح في هذه المقالة رؤيته للمصالحة الوطنية؛ كان لا بد من إبداء بعض الملاحظات التي تهدف إلى توضيح بعض النقاط التي وردت في المقال المذكور لتساهم في النقاشات الدائرة حول مستقبل وطننا السوري.
ولكي لا أطيل كثيراً عبر العبارت الغامضة والرمزية، سأختصر وبنفس صراحة الدكتور محمود حسين صارم.
- انتقد كاتب المقالة الأنظمة الشولية بكل مؤسساتها، وخص بالذكر الفكر القومي الاشتراكي وحمّله ما نعانيه اليوم من تخلف وفساد و.. إلخ. لكنني استغربت عندما ورد في المقال (بل لأتمكن من اصدار بيان بشكل حر أوزعه على شعبنا العربي السوري العظيم).هنا أتساءل: لماذا العرب السوريين فقط؟ ومعلوم للجميع التنوع الإثني والمذهبي في سورية، أليس هذا المصطلح من بقايا الفكر القومي الاشتراكي؟
لماذا تناسى القوميات الأخرى في سورية، كالأكراد مثلاً؟ وبما أن برنامجه للمصالحة الوطنية، فأين المصالحة الوطنية إذاً؟!
أخشى أن يكون السيد الكريم قد صدق القوميين الاشتراكيين الشموليين بأن الأكراد في سورية قد تعربوا وأصبحوا قوميين عرباً وانتهى الأمر. ولا أعتقد أن الكاتب الكريم يريد مخالفة إرادة الله سبحانه وتعالى في خلقه للشعوب والقبائل متنوعة.
لقد عانى الشعب السوري وما يزال من الكثير من السياسات الخاطئة في ظل سيادة أحكام الطوارئ المعمول بها منذ أربعين عاماً. لا شك أن حصة الكرد من هذه السياسات الخاطئة كانت مؤلمة مثل باقي أبناء الشعب السوري، إذ كان أبرز تلك السياسات إنكار وجوده القومي وتطبيق السياسات الشوفينية والمشروعات العنصرية (الإحصاء الاستثنائي، الحزام العربي) بحقه ومنع لغته القومية وفرض الحظر عليها، إضافة إلى سياسات التعريب بكل أشكالها وحرمان الكرد من خيرات الوطن وإهمال مناطقه بشكل كبير.
إذا كانت هذه هي السياسة الرسمية تجاه الأكراد في سورية طوال السنوات الماضية، فما هو موقف القوى والشخصيات السياسية السورية من هذه القضية؟
وهنا أود أن يوضح الكاتب الكريم وكل القوى الوطنية (الإسلامية والقومية والاشتراكية) والديمقراطية في سورية موقفهم من القضية الكردية في سورية لكي يعرف الكرد مكانهم في المصالحة الوطنية التي ينشد الجميع قيامها. ولا أخفي أن الكثير من الكرد يبدون عدم ارتياحم وتفاؤلهم تجاه مواقف الكثير من القوى السياسية السورية من القضية الكردية في سورية.
- لا يمكن طرح المصالحة الوطنية بإبعاد بعض القوى والمصالحة مع بعضها الآخر. فقد ورد في المقال (المصالحة الوطنية: .. وخاصة مع التيار الإسلامي الوطني الذي يتزعمه الأستاذ علي صدر الدين البيانوني، المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين). المصالحة الوطنية تعني الجميع دون استثناء، كيف يمكن طرح المصالحة الوطنية بالعقلية الشمولية كما ورد في المقال (التيار الإسلامي الوطني) هذا يعني أن هناك تياراً غير وطني، سواء كان إسلامياً أم غير إسلامي، هل من المعقول الدعوة إلى المصالحة بلغة الماضي الشمولي المؤلم (كل بعثي وطني والباقي خونة ومتآمرين)!!
- ورد أيضاً في المقال (إن المعارضة الحقيقية اليوم في سورية هي "جبهة الميثاق الوطني"). أليس من المجحف بحق الكثير من أبناء سورية المناضلين من العرب والكرد الذين قضوا أجمل أيام حياتهم في السجون والمعتقلات في سبيل كرامة الوطن والمواطن، أن نسميهم معارضين غير حقيقيين!
من لم يشارك السلطة في ممارساتها فهو معارض وطني وحقيقي، وليس جبهة الميثاق الوطني وحدها، مع تقديري لكل أبناء سورية الذين ناضلوا لتحقيق العدل والمساواة في سورية.
- ورد أيضاً (تشكيل حكومة ائتلاف وطني: على أن يكون ثلث أعضائها لأحزاب الجبهة الحاكمة وثلث الآخر للمعارضة وأما الثلث الأخير فيكون للشخصيات الوطنية المشهود لها بالأخلاق الحميدة والحكمة). كيف يمكن في ظل القوانين الحالية تشكيل مثل هذه الحكومة؟ أليس من الأفضل، إلغاء قانون الطوارئ، وإطلاق سراح سجناء الرأي، وإصدار قانون ينظم الحياة السياسية في البلد(تشكيل الأحزاب)، وحل القضية الكردية، وتعديل قانون الانتخاب و.. و.. و.. إلخ، ثم الانتقال الطبيعي إلى بناء مؤسسات الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة؟
أخشى أن يكون التفكير بالمصالحة الوطنية يتم عبر توزيع الحصص وتوافق المصالح وليس عبر المصالحة الوطنية الحقيقية الشاملة لكافة أبناء الوطن وقواه السياسية.
- كما ورد في المقال (وأما التجمع الوطني الديمقراطي فهو في الحقيقة ينتمي بفكره وعقله وروحه إلى الحركة القومية الاشتراكية. وهذا لا يعني إطلاقاً أنه لا يمكن العبور من هذه الحركة إلى تلك. لكن عندما يحدث هذا فانه على المتحولين ان يعلنوا ذلك ليسهل على الشعب معرفة حقيقة امرهم وانهم ليسوا مع الانظمة الشمولية التي كانت احزابهم تنتمي اليها). لا أريد مناقشة هذه الفقرة بمعزل عن الفقرة التالية: (إن الإسلام بالنسبة لأبناء قطرنا العربي السوري: إما مرجعية دينية أو انتماء حضاري، فهو بالتالي كلي جامع لأبناء الوطن، موحد بينهم، حافظ لوجودهم").
إن مقارنة الفقرتين تُظهر التالي: من جهة يطلب الكاتب الكريم من أحزاب التجمع الوطني إعلان رفضهم للنظام الشمولي، وهذا مطلب صحيح وديمقراطي ويجب على كل القوى السياسية في سورية أن تعلن رفضها للدكتاتورية وتؤمن بالتعددية. ومن جهة أخرى يطرح برنامج جبهة الميثاق الوطني. هل يمكن أن تطلب من الآخرين ترك أيديولوجيتهم الشمولية وتقترح - بل وترى - أن أيديولوجيتك الشمولية هي الجامع لأبناء الوطن؟ فهذه دلالة على أن الدعوة للمصالحة غير ناضجة تمام النضوج بعد. ولكي لا يفهم أحد أنني أخلط بين الدين الإسلامي والأيديولوجيا السياسية، ولكن عندما يُطرَح هذا المفهوم من قبل حركة سياسية إسلامية فله دلالته الواضحة.
أخيراً لا يساورني الشك بأن دعوة الأخ الكريم (رغم اختلاف وجهات نظرنا) دعوة صادقة لبناء الوحدة الوطنية والعمل معاً من أجل وطن حر وديمقراطي يتمتع فيه الجميع بالعدل والمساواة.
__________
* كاتب كردي سوري - عين العرب (كوباني)