أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - معمار الدور المسرحي















المزيد.....



معمار الدور المسرحي


أبو الحسن سلام

الحوار المتمدن-العدد: 5150 - 2016 / 5 / 2 - 22:38
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


معمار الدور المسرحي
بين
(المؤلف والمخرج والممثل والناقد )
د. أبو الحسن سلام
يمر بناء الدور المسرحي بعدد من المراحل الإبداعية بدءا من مرحلة التأليف إلى مرحلة الإخراج فمرحلة التمثيل ثم مرحلة النقد ، ولكل مرحلة بناء معمارها الذي تتجلى فيه مهارات الخلق والإبداع . هي إذن مهارات مركبة تضيف فيها رؤية المخرج إلى الأدوارإرادة الحياة ، يضيف إليها إمساك الممثل بالعاطفة الحاكمة للشخصية نبضها مشاعرها ، دوافعها ، سيكولوجيتها ، علاقاتها وجمالية تعبيرها ، ويضبف إليها الناقد ما يعكس قيمة معمارها الدرامي والجمالي .
وتبعا لهذا المهاد النظري يمكن الوقوف عند دور(الزير سالم ) الذي مثله الفنان المصري ( عبد الله غيث) في العرض الذي أخرجه المخرج (حمدي غيث) للمسرح القومي المصري لنص ألفريد فرج .
وقد وقع اختيارنا على معمار تمثيل شخصية ذلك الدور بإبداع (عبد الله غيث) لاعتبارين أساسيين :
أولهما : مهارات الفنان عبد الله غيث التمثيلية الفائقة .
ثانيا : معمار نص ( الزير سالم) ومهارة تضفير المؤلف الفريد فرج لبنية الأحداث المتجاورة تجاورا أفقيا في نسجية درامية / ملحمية ، مع رسم شخصياتها رسما تمسك فيه الشخصية بزمام الصراع طورا ، وفي طور آخر يدفع الحدث الشخصية أمامها وفي طور ثالث يتأسس معمار لغة التواصل بين الشخصيات والأحداث إلى على روح التباري في حوارية جدلية نقاشية أكثر من كونها درامية صراعية بين جوهر مشاعر وجوهر إرادت بشرية نابضة متوهجة . وهنا مكمن الصعوبة أمام الممثل ؛ لأنه يبقف أمام بنية حدث متعرج المسير بين الدرامية والملحمية . وهي خاصية أسلوبية في فن كتابة المسرحية عند الفريد فرج الذي يمزج معمار نصوصه المسرحية الكبرى انطلاقا من مركزية الشخصية ، التي سريعا ما تتخلى عن مركز إدارتها للصراع فتتركه للحدث وهو ما يطبع المعمار بطابع درامي تغريبي عبر رحلة الإنتاح ، بداية من التأليف مرورا بالإخراج فالتمثيل وصولا إلى مرحلة التلقي النقدي .
ولأن العبء كل العبء يقع في النهاية على معمار التمثيل باعتباره المحطة الأخيرة في عملية الإنتاج المسرحي ، قبل أن يمسك بزمام قياس ما انتهت إليه رحلة التشييد المسرحي أداة النقد لتعكس لنا ولمبدعي العرض وحوه البناية الفنية والجمالية للعرض.
ولأن لكل معمار حيازة ، وتصميم ، وآليات ، بناء ومهارات عملية ؛ فلمعمار الدور المسرحي حيازة وتصميم وآليات ومهارة ؛ فبناء الحدث والشخصية المسرحية يبدأ من حيازة الكاتب الممثل للشخصية ؛ سيرتها الذاتية في بنية النص ، وفي بنية نعها التراثي أو التاريخي ‘ذا خ-كانت مستلهمة في النص المسرحي من أحدهما مثل الزير سالم:
حياة الأمير سالم ( في التراث):
تنقسم حياة سالم – الزير – إلى مرحلتين، في المرحلة الأولى عرف بالشاعر العربيد الماجن، غير المهتم بأمور الحكم أو القبيلة، لكنه في المرحلة الثانية بعد مقتل أخي الملك كليب على يد جساس بن مرة شقيق الجليلة زوجة كليب أصبح المنتقم لأخيه انتقاما ما تزال الكتابات التاريخية تتناوله إلى الآن. عرف سالم بأبي ليلى المهلهل زير النساء، فارس الوقائع العجيبة وصاحب السيرة الغريبة " التي ألهمت المؤلف الشعبي المجهول ملحمته " الزير سالم " ورواها الرواة في مقاهي القاهرة في عصر الملاحم الكبيرة (العصر المملوكي) وانتقلت روايتها في أنحاء المشرق العربي كله لتظل من روائع الدب الشفاهي الذي أحيي سهرات مدن هذا الشرق العتيد مئات السنين " ويتساءل الكاتب المسرحي المصري ألفريد فرج عن الزير سالم فيقول : " هذا هو الأمير سالم الزير. ومع ذلك من هو ؟ أي نوع من الرجال هو، وأية أفكار وخواطر وخصال أسقطها عليه الشاعر الشعبي مؤلف سيرته. أهو نسخة شعبية من إمرئ القيس بن حجر الكندي الشاعر الجاهلي الكبير بن ملك كندة الذي تصعلك معربدا في الجزيرة العربية لا يرعى حرمة ولا عرضا حتى طرده أبوه فهام على وجهه مع أصحابه أهل المجون والبداوات.. فلما أتاه نبأ مقتل أبيه قال قولته المشهورة المأثورة (ضيعني أبي صغيرا وحملني وزر الثأر كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر )
حياة الأمير سالم في معمار النص المسرحي:
مر الأمير سالم بالظرف نفسه الذي مر به أمرؤ القيس حيث نفاه أخوه الملك كليب بسبب مكيدة دبرتها له الملكة الجليلة بنت مرة زوجة كليب فتصعلك مثل إمرئ القيس؛ فلما قتل أخوه كليب جرد سيفه وجمع أتباعه وخاض حربا طاحنة استمرت أربعين عاما متصلة انتقاما لأخيه ؛ محتجا بطلب الحق والعدل الكامل، الأمر الذي توقف أمامه نص مسرحية ألفريد فرج متسائلا : عما إذا كان قتاله الطويل عن حب لأخيه خاصة أن السيرة تذكر أنه " يقتحم وادي السباع بحثا عن دواء يشفي مرضه، ويصفح عن مكائد جليلة حبا في الأخ " ألهذا " يرفض كل مصالحة بعد مقتل كليب إلا أن يعود كليب حيا سويا أو يبيد قبيلة بكر على حد سيفه !!
لا شك أن غرابة طلب سالم (عودة كليب حيا) كان طلبا غير قابل للتحقيق وهذه الغرابة ربما هي النقطة المهمة التي لفتت نظر كل من تناول سيرته بدءا من الراوي المجهول الذي تغنى بتلك الملحمة وتعنى بها من تبعوه ؛ فأضافوا إلى حوادثها أو حذفوا دون أن يعرف من الذي أضاف إلى وقائعها ومن الذي حذف وماذا أضافوا وماذا حذفوا ومتى تم ذلك كله ؛ لتظهر لنا صورة الزير سالم " في تصور الفنان الشعبي القديم : الفارس المغوار والمحب لأخيه فوق كل اعتبار، الداعر، الماجن، الداهية، والبطل المدافع عن الحق. على أن غرابة طلب سالم تثير الدهشة ، والدهشة عمود فقري في معمار نظرية التغريب الملحمي الذي سيصبغ بنية النص المسرحي موضوع البحث- كما سنيتضح عند احليل بنيته الدرامية -
وأمام تلك الأسئلة التي يطرحها البحث مندهشا يلجأ الكاتب ألفريد فرج إلى الملحمة في محاولة للبحث عن ذلك الحق فيقول : " إذا عدنا للأصل التاريخي للواقعة، نجد حديث التاريخ يذم كليبا القتيل ويتهمه بالطغيان والاستبداد ويعقد البطولة للأمير جسّاس قاتله وابن عمه، ويصم المهلهل سالم الزير بالدموية والعصبية، وهالة البطولة الفذة حول رأس سالم الزير طالب أخيه حيا أو إبادة بني بكر قبيلة جسّاس عن آخرها !!
- وتلك أيضا غرابة رد الفعل في منظور التأرخة التي هي عصب نظرية التغريب الملحمي - عند تحليل بنية النص – الذي يعرض القضية ويقومها من منظور معاصر ، وهذا ما يخرج به الفريد فرج من أسئلته إذ يصل إلى حكم بأن سالم كان منتقما ولم يكن بطلا : " فالانتقام الدموي لا يمكن أن يكون مناط بطولة لبطل. الانتقام نفسه نزوة نفس خبيثة . ولا حق إلا بالقصاص، العدل"
وبناء على هذه النتيجة التي توصل إليها ألفريد فرج ؛ وجه نظره إلى نقطة أخرى في سيرة الزير سالم - بحثا كما يقول – عن طرف الخيط " فما أظن قصة انتقام دموي كانت قادرة على إثارة عواطف الجماهير طيلة هذه السنين.. ليست سالم الزير قصة انتقام. إنها قصة أمير وفارس وشاعر وماجن.. إلا أنه يطلب أخاه القتيل حيا ؟! يا للعجب ! أيمكن أن يعود الميت، ويبعث القتيل؟ بأية معجزة ؟! ,
ويلوح مناط التعبير التغريبي الملحمي هنا أيضا أساسا نظريا في رؤية الفريد فرج لبنية معمار نصه هذا
لقد وضع ألفريد فرج يده على النقطة الساخنة أو أمسك بطرف الخيط الذي يصلح لبناء نصه المسرحي، دون أن يقحم فنه بتفصيلات وأحداث فرعية زخرت بها السيرة الشعبية من شخصيات بالمئات وأماكن بالعشرات وأزمنة امتدت لما قبل الأعوام الأربعين التي دارت فيها حربه على قبيلة بكر جريا وراء طلبا مستحيل.
ولا شك أن كل من تناول سيرة الزير سالم دراميا سواء في المسرح أو في فنون الشاشة قد أمسك بطرف خيط درامي مناسب لفنه - السيناريو الدرامي أو النص المسرحي - باعتبار وجوه الاختلاف بين تقنيات كتابة الدراما المسرحية التي يتقدم فيها الحوار الصوتي على الصورة المرئية أو تقنيات دراما الشاشة التي يتقدم فيها الصورة المرئية على الحوار المسموع. وهي تقنيات مختلفة كليا عن الصياغة الملحمية السردية التي لا تتقيد بالأمكنة ولا بالأزمنة وتعتمد كليا على الحكي والرواية السردية وأساليب الاستطراد والإسهاب في الوصف؛ الذي هو أساس الحكي والرواية. ويكفي أن يلقي البحث نظرة على نموذج من بداية السيرة وأسلوب بدايتها بأصوات الحكائين الرواة؛ يبدأ الراوي بحمد الله والصلاة على الأنبياء ، وبعدها يبدأ في حكاية السيرة .
شخصية الزير سالم في المسرح :
من نماذج اختلاف المعالجة المسرحية عن رواية السيرة لأسباب قتل جساس لكليب واختلاف المعالجة التليفزيونية في المسلسل السوري وفي المسلسل المصري لسيرة الزير سالم ففي الدراما التليفزيونية تحكي الرواية عن مخالفة البسوس خالة جساس وضيفه لقرار الملك كليب بعدم رعي حلال (إبل) غير حلاله في منطقة يعتبرها حاميته ومرعي حلاله، ورفض جساس لذلك القرار واعتباره تسلطا غير مقبول، فلما خالفت البسوس القرار وتركت ناقتها ترعى في مرعى حلال الملك كليب أطلق كليب بنفسه سهما أصاب ضرعها فقتلها وهو ما أثار جساس الذي توعد من يقتل ناقة خالته البسوس فسيقتص منه وقد كان أن عاجل كليبا بطعنة قاتلة بسيفه بينما كان يهم بالنزول من على فرسه في موقع سقوط ناقة البسوس. لكن رواية اليمامة شقيقة هجرس أو(الجرو) - كما ورد اسمه في السيرة - تحكي قصة مختلفة عند ألفريد فرج :
" هجرس : ولكنكم وليتم كليبا.
مرة: اتفق جساس وسالم وجليلة على ذلك. كان ابن ربيعة، ملك العرب.
هجرس : ومع ذلك اغتاله جساس. وكان جساس صهره وأبن عمه وأخاه في السلاح. لعله كان يناديه بأخي.
مرة : نعم.
هجرس : ثم قتله.
مرة : نعم.
هجرس : لم ؟.. (لحظة) لا جواب.
أسما : اسأل يمامة أختك، فقد شهدت الواقعة.
يمامة: قتله من أجل عنبة.
هجرس : أهذا يعقل ؟ (يتجه لجليلة) قيل إنك دبرت مقتل تبع حسان، فهل دبرت مع أخيك مقتل زوجك ؟
جليلة : ولدي ! "
هجرس: طردك عمي بلا احترام بعد مقتل أبي، وعشت في بيوت البكريين لم ؟
.. (لحظة) لا جواب.
الجليلة : طردتني ابنتي يمامة
يمامة: بكرية "
وإذا كان هذا ما انتهت إليه المعالجة المسرحية لسيرة الزير سالم ؛ فماذا عن المعالجة الدرامية للسيرة تليفزيونيا .
من المفاهيم النقدية التي تتصل بالحداثية وما بعدها مفهوم السرد الانعكاسي وهو يتمثل في إعادة كاتب ما توظيف أسلوب أو تعبير من نص سابق لمؤلف ما في نص مؤلف جاء بعده ففي مسرحية (الزير سالم) يلجأ ألفريد فرج إلى تقنية السرد الانعكاسي فيستعير موقف للملك حسان التبع ملك التبابعة اليمنيين لوزيره وحاشيته فيضع على لسان الملك كليب ملك التغلبيين وهو يتفاخر بسلطانه؛ كما تفاخر تبع بسلطانه :
" كليب: (بصوت جهوري) أمرائي ورجالي. أيعلم أحدكم أن فوق هذه الأرض أو
تحت قبة السماء فرسانا كرجاليأو أميرا أفرس من أخي سالم أو نسـاء
أبهى وأملح من زوجتي جليلة وابنتي يمامة، بساتين كبساتيني أو عـدلا
كعدلي أو قصرا كقصري ؟
مرة: ما تليق بك هذه المقالة يا ولدي ؟
كليب : لم ؟
جساس : مباهاة القياصرة والأكاسرة.
مرة : لا أقصد، ولكنك أغفلت التباهي بأولاد عمك همام وجساس وسلطان.
كليب : أكلما فتحت فمي وجدت من يعترضني في قصري. سوء طوية وفساد نفس، لا أقل عين الحسد.. (ينفلت خارجا بينما يهرول خلفه يمامه منزعجة. يضطرب الشمل ويهمون على أثره 0فيتصدى لهم سالم الزير ويده على مقبض سيفه (
" سالم : مكانكم. "
تلك كانت بداية تسلط الملك كليب وتجبره على أبناء عمومته ، وذلك ما ترتبت عليه بقية الأحداث التي انتهت بقتل جساس له ، وبداية الصراع الطويل والقتلي بلا حدود على يد الزير سالم الذي ليس له ظلب غير ( عودة كليب حيا ) وهو طلب مستحيل ولنا أن نتصور أسلوب تمثيل ذلك الدور في المسرح وتجسيد انقلابه من شخص عابث منفلت سكير زير نساء ، لا يقيم وزنا للقيم ولا العادات ليصبح بهذه الصرامة والقسوة والدموية في حرب استمرت أربعين عاما .
العلاقة بين ( سالم) (الجليلة):
لقياس قيمة الأسلوب الذي قام به الممثل عبد الله غيث في تمثيل شخصية ( الويو سالم) في عرض المسرحية في المرة الأولى ، وكيفية تمثيل( نبيل الحلفاوي) لدور سالم في عرض المسرحية للمرة الثانية بعد ثلاثين عاما من عرضها الأول ؛ لابد من فهم العلاقة بين سالم والجليلة ، وبين سالم وكليب ، وبين سالم واليمامة إبنة كليب ؛ فبدون فهم لطبيعة التشابك في علاقته بكل من تلك الشخصيات الثلاث ، يصاب الاستدلال بخلل في أداة القياس.
" كليب: خل بالك ! ( ضربة سيف يفلت منها سالم) أنت ديد الحذر .
سالم: لا تجاملني وأنت ملكي.
كليب: وددت لو ذراعي في قوة ذراعك .
سالم: ذراعك قوى.
كليب: لا أعرف ماجنا منافقا مثلك.
سالم: خذ بالك !
كليب: أخطأتني، ولكن عن عمد .
سالم: لا أكاد أرى من سهر الليلة الماضية.
كليب: تمرست بالسيف بما يكفيني لأعرف قوة خصمي.
سالم: لست خصمك.
كليب: ومع ذلك تبغضني.
سالم: وأنت ؟
كليب: أبغضك لأني أحبك .
سالم: لقمان الحكم يعجز عن عن حل هذا اللغز.
كليب: أنا رجل واجب والتزام ، وأنت رجل صعلكة وتحلل.
سالم: ألهذا أحبك أم لهذا أبغضك ؟
كليب: تتطلع إلى فتحسدني ، وتستمد من كمالي شرفا.
سالم: عندي شرفي الخاص .
كليب: ما هو ؟
سالم: أن أصنع ما أشاء.
كليب: خذ بالك!
سالم: غلبتني.
كليب: هكذا تقول.
سالم: إلى الحقيقة إذن .
كليب: الحقيقة أحبك ، ولا يعجبني مجونك فأبغضك لأني أتمنى لك الكمال . أسأل
نفسي لم لا يكون أخي مثلي ؟
سالم: لا استطيع.
كليب: لذلك أخشاك.
سالم: أنا ؟
كليب: اقتضابك يخيفقني، أفي قلبك شئ ؟
سالم: حبك.
كليب: ألا تطمع في شئ أملكه ؟
سالم: حبك.
كليب: أما كنت تود لو تجلس مكاني ؟
سالم: أنا بك مكانك.
كليب: والعرش ؟
سالم: العرش والكأس زيادة.
كليب: أعندك وفاء ؟
سالم: عندي وفاء وحش .
كليب: لمن ؟
سالم: للدم.
كليب: الدم يتلاطم في العرق الواحد.
سالم: نحن أقل من واحد.
كليب: ولكني فوق عرشي وحدي.
سالم: بل أنت بأخيك أكثر.
كليب: ليتني كنت أقل ، فالأقل أسلم.
سالم: أنت أقل وأكثر.
كليب: ذراعك قوية، وعزمك قوي ، عقلك قوي . هل تصمد لمحنة ؟
سالم: امتحني .
كليب: في مقابل أي شئ ؟
سالم: ما تقول؟
كليب: ادعني مرة لجلسة مجون يا عتربيد .
سالم: وزوجتك ؟
كليب: غلبتني هذه المرة . "

هكذا كانت علاقة كليب بسالم ، حب وتوجس من قوة بأسه ، وتفوقه عليه في المبارزة بالسيف وفي الجدل والنقاش .
والسؤال : هل تحتاج مثل تلك الحوارية الجدلية التي يتبارى فيها الأخوان (كليب وسالم) باستعراض مهارة كلامية إلى منهج تمثيل إندماجي ؟
والإجابة لا تحتاج إلى كثير من التفكير . عقل يباز عقل بالكلمات ، يحتاج إلى منهج أدجاء صوتي إلقائي لا أكثر . أما التعبير بملامح الوجه وبفن الإشارة ، فذلك يدخل في مهارة كل ممثل ، في توظيف متلازم مع تباين الأداء الصوتي .
أما العلاقة بين ( الجليلة ) وسالم فهي متوترة ، بسبب بوهيميته وتخوف المرأة بطبيعتها من الرجل المتجرئ خاصة مع ما شهر عنه من علاقات نسائية و سكر وعربدة . ومن ناحية أخرى خشيتها من توطد علاقته بأخيه الملك كليب – زوجها - وحب كليب الظاهر له ، وقد أظهرت نوعا من العصبية في التعامل معه بعد أن حملت طفل كليب وهناك تفسير آخر عن عاطفة حب مكبوتة فاشلة لسالم قبل زواجها من كليب .

ولذا دبرت ( الجليلة) حيلة لنفي ( سالم) عن المكان وأبعته بحيلة اقتحامه للقصر مخمورا وقد فعلت ذلك عندما رأت موقفه من أسرتها ( أبيها وأخوتها ) عندما كشف كليب عن تسلطه وجلافة تعامله مع عمه ( أبيها مرة) وأبناء عمومته ، وتذمر أبيها وأخوته ، وتأهب سالم لردع من يختلف مع كليب ، وذلك واضح في رد فعلها على سالم :
" جليلة: اخفض يدك يا سالم. لا يدخل أحدكم علينا بسلاح بعد اليوم. لا يدخل أحدكم
علينا بسلاح..
(يهمهم الحاضرون وهم ينسحبون إلى الظل، وقد خرج سالم، يسقط الجميع في الظل ما عدا جليلة التي تقطع المسرح في عصبية وخلفها وصيفتها)
" جليلة: لا يغضب ملك ويرمي أتباعه بفساد النفس إى بسبب. للملوك حاسة تشعر ظل الغمام في الأفق. ناهيك بالخيانة ! ولكن من ؟ من؟ من؟.. "
هكذا دبرت له مكيدة توقع بينه وأخيه الملك : حيث يواجهه كليب جالسا على كرسي العرش ، وما في ذلك من دلالة :
" كليب: أتنكر ما قالته جليلة ، بنت عمك وزوجتي ؟
سالم: لا.
كليب: كل كلمة ؟
سالم: كل كلمة.
كليب: لكنك كنت معصوب العينين.
سالم: تجاوزت حدود بيتي.
كليب: أكنت ترى مواطن قدميك ؟
سالم: كان أخلق بي أن أراها.
كليب:ولكنها المرة الأولى التي تجاوزت فيعا بيتك إلى بيتي.
سالم: لم أرفع عصابتي لأحد نفسي في بيتك إلا اليوم.
كليب: أتعنى أنك كنت تتجول معصوب العينين حيث تشاء؟
سالم: لم يكن يحق لي التجول معصوب العينين .
كليب: ولكن أحدا لم يرك في بيتي على هذه الصورة قبل اليوم.
سالم: لعل الخدم رأوني قبل فخافوا ولزموا الصمت.
كليب: لم تكن تقصد شرا.
سالم: ولكن سيدتي الملكة لحقها شر.
كليب: وإذن ؟
دليلة: ( تلتفتوتصرخ) عجبا ! تحاول تبرئته وهو مقر بذنبه .
كليب: (يصيح) أما ترين أنه يخيب محاولتي ؟
جليلة: لن أقول كلمة .
كليب: ليس في مملكتي كلها مثله رجلا . هذا الأخ الصديق الفارس ، الرجل أجدني على رغمي واقفا ضده . هيبة الملك تقف ضد إرادة القلب .ارحل من مدينتي يا سالم .سنة منفيا مشردا معذبا معاقبا على ما اقترف . وعد بعد تمام السنة بلا تأخير لأن أخاك سيقضي هو الآخر سنة موحشة ، منفيا فوق عرشه ، ، شريدا معذبا معاقبا ، على ما لم يقترف اذهب ! ( يده على كتف سالم) ودسد كل منا أعزل ، كجناح بلا رفيق . "

كما كانت العلاقة بين ( الجليلة) وإبنتها ( اليمامة) علاقة متوترة أيضا بسبب العاطفة القوية في ارتباط كل من اليمامة وكليب أبيها:
رؤية المخرج حمدي غيث
معمار عرض ( الزير سالم):
اعتمدت رؤية المخرج ( حمدي غيث) في إخراجه لمسرحية ( ألفريد فرج ) على المعادلة السينوغرافية لتجسيد طبيعة التناقض في علاقات الصراع الدرامي ؛ وتأكيد دلالة المصالحة التلفيقية التي بدأ بها المشهد الافتتاحي من خلال خطبة (مرة البكري) ممهدا لتنصيب ( هجرس) ابن الملك كليب المغدور ملكا ، على عرش أبية ، ثمرة للمصالحة.
تداخلت خطوط المعالجة الدرامية في عرض المسرحية بإخراج (حمدي غيث) مثلما تداخلت خطوط الصراع في نص ألفريد فرج المسرحية المستلهمة لسيرة الزير سالم مع الخطوط الدرامية لبعض مواقف السيرة حيث تقابلت في بعض المواقف والصور واختلفت في بعض المواقف والصور مع احتفاظ النص المسرحي المستلهم لسيرة الزير سالم بالشخصيات التاريخية بأسماء أصحابها التاريخيين الذين وظفهم الكاتب ألفريد فرج في نصه المسرحي، هذا من الناحية الموضوعية لصورة الحدث المستلهم في النص المسرحي الذي أخرجه حمدي غيث؛ تداخلت الخطوط الدرامية في النص ، وفي العرض تميزت الصورة النسرحية في الافتتاحية بسحر المسرح وطقوسه واختلاف نوع الفرجة المسرحية للعرض عن الفرجة المسرحية في النص . في المشهد الافتتاحي للعرض يعتمد المنظر أسلوب التجريد مستويات عارية ودرجات وشجرة جرداء بيضاء اللون وكرسي عرش أبيض ، مسنده أقرب إلى شاهد قبر ، وكل من الشجرة وكرسي العرش في مستوى أعلى وسط فضاء المنظر تحتض إبنة كليب ( اليمامة) ظهر العرش الأكثر قربا من شكل شاهد قبر ، وقد خص الإخراج الممثلين الذين يمثلون قبيلة مرة بالمستوى اليمين بالنسبة للجمهور وأمامهم على مستوى منخفض ( مرة) والد الجليلة إبنته ، أرملة الملك (كليب) زعيم قبيلة مرة في منصف المستوى الذي وقف عليه أبوها ( مرة) وعلى يمينها أما المستوى الأيسر بالنسبة للجمهور تجلس ( أسما) شقيقة الملك القتيل ( كليب) وهي أرملة (همام) وهو ( ابن مرة وشقيق الجليلة ، وجساس مرة ) منعزلة عن تجمعي القبيلتين ( بكر) و(تغلب) وعلى تدرجات المستويات في اليسار – من حعى الحمهور – يقف رجال تغلب .
يقول د. أبو الحسن سلام (نجح المخرج " حمدي غيث " في تشكيل مكونات الصورة المسرحية بأسلوب يجسد دلالة المسكوت عنه ، الذي يناقض خطاب المصالحة الذي بدأ به ( مرة) سيد قبيلة (بكر) عن تصالح القبيلتين ( بكر وتغلب) ، وهو يمهد لاقناع ابن ( كليب) للجلوس على عرش أبيه ملكا ، وهو ثنرة اتفاق الصلح بين القبيلتين بعد حرب دامت أربعين عاما ، فقد صمم المخرج تشكيل القبيلتين في وضع مواجهة حاة مستفيدا بالتكوين الهرمي المقلوب – تكوين رأس الحربة - ـ وجعل ( اليمامة) ابنة القتيل كليب تحتضت ظهر كرسي العرش –في الدلالة الظاهرة ، أوشاهد القبر في المسكوت عنه – مستفيدا بالحقيقة التاريخية عن ارتباط ( اليمامة) وأببها ( كليب) في حياته ببعضهما بعضا ، وملازمتها الدائمة لقبره بعد موته ، ليؤكد دلالة عدم المصالحة. أما (هجرس) ابن القتيل كليب المنذور بعد الصلح للجلوس ملكا عوضا عن أبيه المغدور ؛ لفقد وقف حائرا بين أمه وجده لأمه( مرة) على المستوى نفسه _ فثلاثتهم : الجد مرة والأم جليلة والإبن هجرس على مستوى واحد أو خط واحد بما يوحي بالتوافق أو التقارب الضمني . بينما جعل ( أسم) وحيدة منعزلة ، في دلالة عدم الانتماء لأي من القبيلتين ، فقعودها على مستو منفرد ، فيه -لالة على عدم فاعليتها في مشهد التنصيب ، لأن كل من الأطراف الرئيسية فقد شخصا واحدا بينما فقدت هي شخصين ( ثلاثة أشخاص : زوحها همام ابن مرة ، وأخاها الملك كليب ، وأخاها سالم ، قاتل زوجها همام ) بما يكشف عن اقتناعها بخسارتها لكل شئ ، ما يربطها بقبيلة زوجها لأن جساس شقيق زوجها همام قتل أخاها الملك ( كليب وائل) وشقيقها ( سالم) قتل زوجها ( همام ) . هكذا جسد المخرج حمدي غيث علاقات الصراع في الحدث بدء من مشهد الافتتاحية . وهنا يمكن القول أن أسلوب إخراج (حمدي غيث) لعرض مسرحية ( الزير سالم) ينتمي من حيث منهج الإراج إلى ( الإخراج المفسر) لأنه بدء من الانطباع الأول للعرض وظف الصورة السيوغرافية توظيفا يغادل خطاب المؤلف ألفريد فرج ، حيث شكلية المصالحة ، مع دلالة المسكوت عنه ( التلفيقية) .
والصورة المسرحية للمشهد الافتتاحي في هذا العرض - بهذا الشكل – تجسد لنا للمشاهد توحد خطاب الإخراج مع خطاب النص ؛ قبل أن يشرع (مرة) سيد قبيليتي ( بكر وتغلب) في خطبته عن لقاء المصاحة بين القبيلتين المتصارعتين ليمهد العرش لهجرس كليب أبن الملك المغدور ، وهذا ما يؤكد معادلة الصورة السينوغرافية مع موضوع النص ، وتظهر وجهة تفسير الإخراج في الإضافة السينوغرافية لمكونات الصورة في وضعية المواجهة الجماعية للتشكيلين المتعارضين ، وفي التكوين المنفرد لليمامة ، والتكوين المنفرد لاسما بما يؤكد رفضهما المبدئي لفمرة المصالحة .
معمار تمثيل دور ( الزير سالم) :
قوبل أداء التمثيلي لعرض مسرحية ( الزير سالم) بآراء نقدية حادة في عرضه الأول بالمسرح القومي المصري ، وكان أبرز المقالات النقدية للدكتور عبد القادر القط ، وللتاقد فاروق عبد القادر ، حيث أخذا على منهج التمثيل ما وصفاه بالمباشرة والنزوع إلى الإلقاء والخطابة ، بعيد عن منهج المعايشة الاندمناجية











* السيرة في التوظيف الدرامي التليفزيوني :
السيرة الشعبية لون من ألوان الأدب الشعبي، والأدب الشعبي يعتبر " رافدا من روافد الفولكلور لما يتضمنه من التعبير عن العادات والتقاليد والممارسات "
والفولكلور كما عرفته الموسوعة العربية الميسرة

والفولكلور هو محصلة معارف العامة من الناس أو حكمة الشعب، والثقافة الشعبية الحية، الفعالة والمتراكمة منذ أقدم العصور"
وسيرة الزير سالم تروي عادات وتقاليد قبائل عربية دارت بينها حروب طاحنة لأربعين سنة بسبب خلافات وعادات الثأر والممارسات اليومية والاختلاف على قيم بين القبيلتين (بكر وتغلب) ومعالجتها الآن معالجة درامية في مسلسلات تليفزيونية لأكثر من مرة على المسرح وعلى الشاشة، محاولة لاسترجاع ماضي أو حادثة تاريخية تتشابه مع حوادث معاصرة نعيشها، للاعتبار وتذكير المجتمع المعاصر بمآسي ممارسات الماضي وبمظاهر الانقسامات والخلافات والحروب التي فرقت بين أبناء العمومة أو بين أبناء الدين الواحد في بلد عربي واحد حتى ينفر المجتمع العربي المعاصر من التباغض وأساليب الكراهية والخلاف. لذلك يقدم التراث برؤية جديدة تناسب الإنسان العربي المعاصر.
يقول خليل العريبي – نقيب الفنانين ببنغازي – " نحن في حاجة إلى تقييم موروثنا الشعبي للتأكيد على هويتنا الثقافية "
سيرة الزير سالم أدب شعبي يروى شفهيا سيرة حياة القبيلة العربية في شمال جزيرة العرب قبل الاسلام لذلك تعتبر أدبا شعبيا يقول د, عبد الحميد يونس:
" يعتبر الأدب الشعبي عن تجربة جماعية لا عن تجربة منفردة أو شخصية، نلتمس فيها روح الجماعة والمضمون الذي تتبناه، إذ تشكله ذاكرة الجماعة في مواقف معينة وفقا لمواهبها المبدعة وتلبية لحاجاتها الفورية، ويكون في أغلب الأحيان مجهول المؤلف
وسيرة الزير سالم أدب شعبي شفاهي، يحكى على لسان الراوي الشعبي ، بدأت معالجة الدرامية على شاشات التليفزيون وعلى المسارح إما عن طريق الراوي في بداية المسلسل التليفزيوني بمقدمة غنائية تحكي أحداث السيرة في إيجاز من خلال صوت غناء نسائي، مع تبادل القائي مع صوت الراوي يحكي أحداث السيرة بصوت راو رجل للربط بين أحداث السيرة مرة والتعليق على حدث انتهى عرضه في مرة أخرى.. وعلى هذا المنهج الفني اعتمد إخراج المخرج السوري حاتم على للسيرة عبر 40 أربعين حلقة تليفزيونية شارك فيها مئات الممثلين والفنانين والفنيين. اختلف أداء راوي السيرة في مقدمة المسلسل التليفزيوني إذن عن أداء راوي السيرة في النص الذي جمع من على أفواه الرواة:
تبدأ السيرة في النص الشفاهي بأداء إلقائي :
قال الراوي:
" أما بعد.. حمدا لله والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه. وبعد فهذه سيرة الأسد الكرّار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الأقطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الأشعار البديعة والوقائع المهولة المريعة وما جرى له في تلك الأيام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارئ وتلذ السامع. "
لا يدخل الراوي بعد تلك الافتتاحية التقليدية التي تتشابه في رواية كل السير الشعبية؛ لا يدخل إلى الحكاية مباشرة، وإنما يتفرع إلى الحديث عن خلفية يوجز فيها بعضا من المعلومات عن حياة العرب وأحوالهم محاولا إعطاء الجمهور بعض الصور عن طبائعهم وعن خلافاتهم وأنسابهم وحروبهم، وهي خلفية ربما أراد بها ربط ماضيهم بالحوادث التي سيرويها على جمهور السامعين – ربما بدءً من عصر المماليك) القرن الحادي عشر الميلادي) حتى بدايات العصر الحديث (القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي) وهو زمن لم يكن الراديو قدعرف بعد وكذلك السينما، مما أتاح لفنون السير الشعبية ورواتها الانتشار في الأحياء الشعبية بمصر وفي بلاد الشام وما بين النهرين، لذلك كانت ضرورة استطراد رواة سيرة (الزير سالم) بالإفاضة بالمعلومات التي تشكل بعض التاريخية التي تقرب الصورة للسامعين المشدودين إلى حكيه وغنائه حتى يصل في نهاية تلك التقديمة أو الخلفية إلى أصول القبيلتين (بكر وتغلب) اللتين دار الصراع الدموي بينهما.

معمار الدور المسرحي
بين
(المؤلف والمخرج والممثل والناقد )
د. أبو الحسن سلام
يمر بناء الدور المسرحي بعدد من المراحل الإبداعية بدءا من مرحلة التأليف إلى مرحلة الإخراج فمرحلة التمثيل ثم مرحلة النقد ، ولكل مرحلة بناء معمارها الذي تتجلى فيه مهارات الخلق والإبداع . هي إذن مهارات مركبة تضيف فيها رؤية المخرج إلى الأدوارإرادة الحياة ، يضيف إليها إمساك الممثل بالعاطفة الحاكمة للشخصية نبضها مشاعرها ، دوافعها ، سيكولوجيتها ، علاقاتها وجمالية تعبيرها ، ويضبف إليها الناقد ما يعكس قيمة معمارها الدرامي والجمالي .
وتبعا لهذا المهاد النظري يمكن الوقوف عند دور(الزير سالم ) الذي مثله الفنان المصري ( عبد الله غيث) في العرض الذي أخرجه المخرج (حمدي غيث) للمسرح القومي المصري لنص ألفريد فرج .
وقد وقع اختيارنا على معمار تمثيل شخصية ذلك الدور بإبداع (عبد الله غيث) لاعتبارين أساسيين :
أولهما : مهارات الفنان عبد الله غيث التمثيلية الفائقة .
ثانيا : معمار نص ( الزير سالم) ومهارة تضفير المؤلف الفريد فرج لبنية الأحداث المتجاورة تجاورا أفقيا في نسجية درامية / ملحمية ، مع رسم شخصياتها رسما تمسك فيه الشخصية بزمام الصراع طورا ، وفي طور آخر يدفع الحدث الشخصية أمامها وفي طور ثالث يتأسس معمار لغة التواصل بين الشخصيات والأحداث إلى على روح التباري في حوارية جدلية نقاشية أكثر من كونها درامية صراعية بين جوهر مشاعر وجوهر إرادت بشرية نابضة متوهجة . وهنا مكمن الصعوبة أمام الممثل ؛ لأنه يبقف أمام بنية حدث متعرج المسير بين الدرامية والملحمية . وهي خاصية أسلوبية في فن كتابة المسرحية عند الفريد فرج الذي يمزج معمار نصوصه المسرحية الكبرى انطلاقا من مركزية الشخصية ، التي سريعا ما تتخلى عن مركز إدارتها للصراع فتتركه للحدث وهو ما يطبع المعمار بطابع درامي تغريبي عبر رحلة الإنتاح ، بداية من التأليف مرورا بالإخراج فالتمثيل وصولا إلى مرحلة التلقي النقدي .
ولأن العبء كل العبء يقع في النهاية على معمار التمثيل باعتباره المحطة الأخيرة في عملية الإنتاج المسرحي ، قبل أن يمسك بزمام قياس ما انتهت إليه رحلة التشييد المسرحي أداة النقد لتعكس لنا ولمبدعي العرض وحوه البناية الفنية والجمالية للعرض.
ولأن لكل معمار حيازة ، وتصميم ، وآليات ، بناء ومهارات عملية ؛ فلمعمار الدور المسرحي حيازة وتصميم وآليات ومهارة ؛ فبناء الحدث والشخصية المسرحية يبدأ من حيازة الكاتب الممثل للشخصية ؛ سيرتها الذاتية في بنية النص ، وفي بنية نعها التراثي أو التاريخي ‘ذا خ-كانت مستلهمة في النص المسرحي من أحدهما مثل الزير سالم:
حياة الأمير سالم ( في التراث):
تنقسم حياة سالم – الزير – إلى مرحلتين، في المرحلة الأولى عرف بالشاعر العربيد الماجن، غير المهتم بأمور الحكم أو القبيلة، لكنه في المرحلة الثانية بعد مقتل أخي الملك كليب على يد جساس بن مرة شقيق الجليلة زوجة كليب أصبح المنتقم لأخيه انتقاما ما تزال الكتابات التاريخية تتناوله إلى الآن. عرف سالم بأبي ليلى المهلهل زير النساء، فارس الوقائع العجيبة وصاحب السيرة الغريبة " التي ألهمت المؤلف الشعبي المجهول ملحمته " الزير سالم " ورواها الرواة في مقاهي القاهرة في عصر الملاحم الكبيرة (العصر المملوكي) وانتقلت روايتها في أنحاء المشرق العربي كله لتظل من روائع الدب الشفاهي الذي أحيي سهرات مدن هذا الشرق العتيد مئات السنين " ويتساءل الكاتب المسرحي المصري ألفريد فرج عن الزير سالم فيقول : " هذا هو الأمير سالم الزير. ومع ذلك من هو ؟ أي نوع من الرجال هو، وأية أفكار وخواطر وخصال أسقطها عليه الشاعر الشعبي مؤلف سيرته. أهو نسخة شعبية من إمرئ القيس بن حجر الكندي الشاعر الجاهلي الكبير بن ملك كندة الذي تصعلك معربدا في الجزيرة العربية لا يرعى حرمة ولا عرضا حتى طرده أبوه فهام على وجهه مع أصحابه أهل المجون والبداوات.. فلما أتاه نبأ مقتل أبيه قال قولته المشهورة المأثورة (ضيعني أبي صغيرا وحملني وزر الثأر كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر )
حياة الأمير سالم في معمار النص المسرحي:
مر الأمير سالم بالظرف نفسه الذي مر به أمرؤ القيس حيث نفاه أخوه الملك كليب بسبب مكيدة دبرتها له الملكة الجليلة بنت مرة زوجة كليب فتصعلك مثل إمرئ القيس؛ فلما قتل أخوه كليب جرد سيفه وجمع أتباعه وخاض حربا طاحنة استمرت أربعين عاما متصلة انتقاما لأخيه ؛ محتجا بطلب الحق والعدل الكامل، الأمر الذي توقف أمامه نص مسرحية ألفريد فرج متسائلا : عما إذا كان قتاله الطويل عن حب لأخيه خاصة أن السيرة تذكر أنه " يقتحم وادي السباع بحثا عن دواء يشفي مرضه، ويصفح عن مكائد جليلة حبا في الأخ " ألهذا " يرفض كل مصالحة بعد مقتل كليب إلا أن يعود كليب حيا سويا أو يبيد قبيلة بكر على حد سيفه !!
لا شك أن غرابة طلب سالم (عودة كليب حيا) كان طلبا غير قابل للتحقيق وهذه الغرابة ربما هي النقطة المهمة التي لفتت نظر كل من تناول سيرته بدءا من الراوي المجهول الذي تغنى بتلك الملحمة وتعنى بها من تبعوه ؛ فأضافوا إلى حوادثها أو حذفوا دون أن يعرف من الذي أضاف إلى وقائعها ومن الذي حذف وماذا أضافوا وماذا حذفوا ومتى تم ذلك كله ؛ لتظهر لنا صورة الزير سالم " في تصور الفنان الشعبي القديم : الفارس المغوار والمحب لأخيه فوق كل اعتبار، الداعر، الماجن، الداهية، والبطل المدافع عن الحق. على أن غرابة طلب سالم تثير الدهشة ، والدهشة عمود فقري في معمار نظرية التغريب الملحمي الذي سيصبغ بنية النص المسرحي موضوع البحث- كما سنيتضح عند احليل بنيته الدرامية -
وأمام تلك الأسئلة التي يطرحها البحث مندهشا يلجأ الكاتب ألفريد فرج إلى الملحمة في محاولة للبحث عن ذلك الحق فيقول : " إذا عدنا للأصل التاريخي للواقعة، نجد حديث التاريخ يذم كليبا القتيل ويتهمه بالطغيان والاستبداد ويعقد البطولة للأمير جسّاس قاتله وابن عمه، ويصم المهلهل سالم الزير بالدموية والعصبية، وهالة البطولة الفذة حول رأس سالم الزير طالب أخيه حيا أو إبادة بني بكر قبيلة جسّاس عن آخرها !!
- وتلك أيضا غرابة رد الفعل في منظور التأرخة التي هي عصب نظرية التغريب الملحمي - عند تحليل بنية النص – الذي يعرض القضية ويقومها من منظور معاصر ، وهذا ما يخرج به الفريد فرج من أسئلته إذ يصل إلى حكم بأن سالم كان منتقما ولم يكن بطلا : " فالانتقام الدموي لا يمكن أن يكون مناط بطولة لبطل. الانتقام نفسه نزوة نفس خبيثة . ولا حق إلا بالقصاص، العدل"
وبناء على هذه النتيجة التي توصل إليها ألفريد فرج ؛ وجه نظره إلى نقطة أخرى في سيرة الزير سالم - بحثا كما يقول – عن طرف الخيط " فما أظن قصة انتقام دموي كانت قادرة على إثارة عواطف الجماهير طيلة هذه السنين.. ليست سالم الزير قصة انتقام. إنها قصة أمير وفارس وشاعر وماجن.. إلا أنه يطلب أخاه القتيل حيا ؟! يا للعجب ! أيمكن أن يعود الميت، ويبعث القتيل؟ بأية معجزة ؟! ,
ويلوح مناط التعبير التغريبي الملحمي هنا أيضا أساسا نظريا في رؤية الفريد فرج لبنية معمار نصه هذا
لقد وضع ألفريد فرج يده على النقطة الساخنة أو أمسك بطرف الخيط الذي يصلح لبناء نصه المسرحي، دون أن يقحم فنه بتفصيلات وأحداث فرعية زخرت بها السيرة الشعبية من شخصيات بالمئات وأماكن بالعشرات وأزمنة امتدت لما قبل الأعوام الأربعين التي دارت فيها حربه على قبيلة بكر جريا وراء طلبا مستحيل.
ولا شك أن كل من تناول سيرة الزير سالم دراميا سواء في المسرح أو في فنون الشاشة قد أمسك بطرف خيط درامي مناسب لفنه - السيناريو الدرامي أو النص المسرحي - باعتبار وجوه الاختلاف بين تقنيات كتابة الدراما المسرحية التي يتقدم فيها الحوار الصوتي على الصورة المرئية أو تقنيات دراما الشاشة التي يتقدم فيها الصورة المرئية على الحوار المسموع. وهي تقنيات مختلفة كليا عن الصياغة الملحمية السردية التي لا تتقيد بالأمكنة ولا بالأزمنة وتعتمد كليا على الحكي والرواية السردية وأساليب الاستطراد والإسهاب في الوصف؛ الذي هو أساس الحكي والرواية. ويكفي أن يلقي البحث نظرة على نموذج من بداية السيرة وأسلوب بدايتها بأصوات الحكائين الرواة؛ يبدأ الراوي بحمد الله والصلاة على الأنبياء ، وبعدها يبدأ في حكاية السيرة .
شخصية الزير سالم في المسرح :
من نماذج اختلاف المعالجة المسرحية عن رواية السيرة لأسباب قتل جساس لكليب واختلاف المعالجة التليفزيونية في المسلسل السوري وفي المسلسل المصري لسيرة الزير سالم ففي الدراما التليفزيونية تحكي الرواية عن مخالفة البسوس خالة جساس وضيفه لقرار الملك كليب بعدم رعي حلال (إبل) غير حلاله في منطقة يعتبرها حاميته ومرعي حلاله، ورفض جساس لذلك القرار واعتباره تسلطا غير مقبول، فلما خالفت البسوس القرار وتركت ناقتها ترعى في مرعى حلال الملك كليب أطلق كليب بنفسه سهما أصاب ضرعها فقتلها وهو ما أثار جساس الذي توعد من يقتل ناقة خالته البسوس فسيقتص منه وقد كان أن عاجل كليبا بطعنة قاتلة بسيفه بينما كان يهم بالنزول من على فرسه في موقع سقوط ناقة البسوس. لكن رواية اليمامة شقيقة هجرس أو(الجرو) - كما ورد اسمه في السيرة - تحكي قصة مختلفة عند ألفريد فرج :
" هجرس : ولكنكم وليتم كليبا.
مرة: اتفق جساس وسالم وجليلة على ذلك. كان ابن ربيعة، ملك العرب.
هجرس : ومع ذلك اغتاله جساس. وكان جساس صهره وأبن عمه وأخاه في السلاح. لعله كان يناديه بأخي.
مرة : نعم.
هجرس : ثم قتله.
مرة : نعم.
هجرس : لم ؟.. (لحظة) لا جواب.
أسما : اسأل يمامة أختك، فقد شهدت الواقعة.
يمامة: قتله من أجل عنبة.
هجرس : أهذا يعقل ؟ (يتجه لجليلة) قيل إنك دبرت مقتل تبع حسان، فهل دبرت مع أخيك مقتل زوجك ؟
جليلة : ولدي ! "
هجرس: طردك عمي بلا احترام بعد مقتل أبي، وعشت في بيوت البكريين لم ؟
.. (لحظة) لا جواب.
الجليلة : طردتني ابنتي يمامة
يمامة: بكرية "
وإذا كان هذا ما انتهت إليه المعالجة المسرحية لسيرة الزير سالم ؛ فماذا عن المعالجة الدرامية للسيرة تليفزيونيا .
من المفاهيم النقدية التي تتصل بالحداثية وما بعدها مفهوم السرد الانعكاسي وهو يتمثل في إعادة كاتب ما توظيف أسلوب أو تعبير من نص سابق لمؤلف ما في نص مؤلف جاء بعده ففي مسرحية (الزير سالم) يلجأ ألفريد فرج إلى تقنية السرد الانعكاسي فيستعير موقف للملك حسان التبع ملك التبابعة اليمنيين لوزيره وحاشيته فيضع على لسان الملك كليب ملك التغلبيين وهو يتفاخر بسلطانه؛ كما تفاخر تبع بسلطانه :
" كليب: (بصوت جهوري) أمرائي ورجالي. أيعلم أحدكم أن فوق هذه الأرض أو
تحت قبة السماء فرسانا كرجاليأو أميرا أفرس من أخي سالم أو نسـاء
أبهى وأملح من زوجتي جليلة وابنتي يمامة، بساتين كبساتيني أو عـدلا
كعدلي أو قصرا كقصري ؟
مرة: ما تليق بك هذه المقالة يا ولدي ؟
كليب : لم ؟
جساس : مباهاة القياصرة والأكاسرة.
مرة : لا أقصد، ولكنك أغفلت التباهي بأولاد عمك همام وجساس وسلطان.
كليب : أكلما فتحت فمي وجدت من يعترضني في قصري. سوء طوية وفساد نفس، لا أقل عين الحسد.. (ينفلت خارجا بينما يهرول خلفه يمامه منزعجة. يضطرب الشمل ويهمون على أثره 0فيتصدى لهم سالم الزير ويده على مقبض سيفه (
" سالم : مكانكم. "
تلك كانت بداية تسلط الملك كليب وتجبره على أبناء عمومته ، وذلك ما ترتبت عليه بقية الأحداث التي انتهت بقتل جساس له ، وبداية الصراع الطويل والقتلي بلا حدود على يد الزير سالم الذي ليس له ظلب غير ( عودة كليب حيا ) وهو طلب مستحيل ولنا أن نتصور أسلوب تمثيل ذلك الدور في المسرح وتجسيد انقلابه من شخص عابث منفلت سكير زير نساء ، لا يقيم وزنا للقيم ولا العادات ليصبح بهذه الصرامة والقسوة والدموية في حرب استمرت أربعين عاما .
العلاقة بين ( سالم) (الجليلة):
لقياس قيمة الأسلوب الذي قام به الممثل عبد الله غيث في تمثيل شخصية ( الويو سالم) في عرض المسرحية في المرة الأولى ، وكيفية تمثيل( نبيل الحلفاوي) لدور سالم في عرض المسرحية للمرة الثانية بعد ثلاثين عاما من عرضها الأول ؛ لابد من فهم العلاقة بين سالم والجليلة ، وبين سالم وكليب ، وبين سالم واليمامة إبنة كليب ؛ فبدون فهم لطبيعة التشابك في علاقته بكل من تلك الشخصيات الثلاث ، يصاب الاستدلال بخلل في أداة القياس.
" كليب: خل بالك ! ( ضربة سيف يفلت منها سالم) أنت ديد الحذر .
سالم: لا تجاملني وأنت ملكي.
كليب: وددت لو ذراعي في قوة ذراعك .
سالم: ذراعك قوى.
كليب: لا أعرف ماجنا منافقا مثلك.
سالم: خذ بالك !
كليب: أخطأتني، ولكن عن عمد .
سالم: لا أكاد أرى من سهر الليلة الماضية.
كليب: تمرست بالسيف بما يكفيني لأعرف قوة خصمي.
سالم: لست خصمك.
كليب: ومع ذلك تبغضني.
سالم: وأنت ؟
كليب: أبغضك لأني أحبك .
سالم: لقمان الحكم يعجز عن عن حل هذا اللغز.
كليب: أنا رجل واجب والتزام ، وأنت رجل صعلكة وتحلل.
سالم: ألهذا أحبك أم لهذا أبغضك ؟
كليب: تتطلع إلى فتحسدني ، وتستمد من كمالي شرفا.
سالم: عندي شرفي الخاص .
كليب: ما هو ؟
سالم: أن أصنع ما أشاء.
كليب: خذ بالك!
سالم: غلبتني.
كليب: هكذا تقول.
سالم: إلى الحقيقة إذن .
كليب: الحقيقة أحبك ، ولا يعجبني مجونك فأبغضك لأني أتمنى لك الكمال . أسأل
نفسي لم لا يكون أخي مثلي ؟
سالم: لا استطيع.
كليب: لذلك أخشاك.
سالم: أنا ؟
كليب: اقتضابك يخيفقني، أفي قلبك شئ ؟
سالم: حبك.
كليب: ألا تطمع في شئ أملكه ؟
سالم: حبك.
كليب: أما كنت تود لو تجلس مكاني ؟
سالم: أنا بك مكانك.
كليب: والعرش ؟
سالم: العرش والكأس زيادة.
كليب: أعندك وفاء ؟
سالم: عندي وفاء وحش .
كليب: لمن ؟
سالم: للدم.
كليب: الدم يتلاطم في العرق الواحد.
سالم: نحن أقل من واحد.
كليب: ولكني فوق عرشي وحدي.
سالم: بل أنت بأخيك أكثر.
كليب: ليتني كنت أقل ، فالأقل أسلم.
سالم: أنت أقل وأكثر.
كليب: ذراعك قوية، وعزمك قوي ، عقلك قوي . هل تصمد لمحنة ؟
سالم: امتحني .
كليب: في مقابل أي شئ ؟
سالم: ما تقول؟
كليب: ادعني مرة لجلسة مجون يا عتربيد .
سالم: وزوجتك ؟
كليب: غلبتني هذه المرة . "

هكذا كانت علاقة كليب بسالم ، حب وتوجس من قوة بأسه ، وتفوقه عليه في المبارزة بالسيف وفي الجدل والنقاش .
والسؤال : هل تحتاج مثل تلك الحوارية الجدلية التي يتبارى فيها الأخوان (كليب وسالم) باستعراض مهارة كلامية إلى منهج تمثيل إندماجي ؟
والإجابة لا تحتاج إلى كثير من التفكير . عقل يباز عقل بالكلمات ، يحتاج إلى منهج أدجاء صوتي إلقائي لا أكثر . أما التعبير بملامح الوجه وبفن الإشارة ، فذلك يدخل في مهارة كل ممثل ، في توظيف متلازم مع تباين الأداء الصوتي .
أما العلاقة بين ( الجليلة ) وسالم فهي متوترة ، بسبب بوهيميته وتخوف المرأة بطبيعتها من الرجل المتجرئ خاصة مع ما شهر عنه من علاقات نسائية و سكر وعربدة . ومن ناحية أخرى خشيتها من توطد علاقته بأخيه الملك كليب – زوجها - وحب كليب الظاهر له ، وقد أظهرت نوعا من العصبية في التعامل معه بعد أن حملت طفل كليب وهناك تفسير آخر عن عاطفة حب مكبوتة فاشلة لسالم قبل زواجها من كليب .

ولذا دبرت ( الجليلة) حيلة لنفي ( سالم) عن المكان وأبعته بحيلة اقتحامه للقصر مخمورا وقد فعلت ذلك عندما رأت موقفه من أسرتها ( أبيها وأخوتها ) عندما كشف كليب عن تسلطه وجلافة تعامله مع عمه ( أبيها مرة) وأبناء عمومته ، وتذمر أبيها وأخوته ، وتأهب سالم لردع من يختلف مع كليب ، وذلك واضح في رد فعلها على سالم :
" جليلة: اخفض يدك يا سالم. لا يدخل أحدكم علينا بسلاح بعد اليوم. لا يدخل أحدكم
علينا بسلاح..
(يهمهم الحاضرون وهم ينسحبون إلى الظل، وقد خرج سالم، يسقط الجميع في الظل ما عدا جليلة التي تقطع المسرح في عصبية وخلفها وصيفتها)
" جليلة: لا يغضب ملك ويرمي أتباعه بفساد النفس إى بسبب. للملوك حاسة تشعر ظل الغمام في الأفق. ناهيك بالخيانة ! ولكن من ؟ من؟ من؟.. "
هكذا دبرت له مكيدة توقع بينه وأخيه الملك : حيث يواجهه كليب جالسا على كرسي العرش ، وما في ذلك من دلالة :
" كليب: أتنكر ما قالته جليلة ، بنت عمك وزوجتي ؟
سالم: لا.
كليب: كل كلمة ؟
سالم: كل كلمة.
كليب: لكنك كنت معصوب العينين.
سالم: تجاوزت حدود بيتي.
كليب: أكنت ترى مواطن قدميك ؟
سالم: كان أخلق بي أن أراها.
كليب:ولكنها المرة الأولى التي تجاوزت فيعا بيتك إلى بيتي.
سالم: لم أرفع عصابتي لأحد نفسي في بيتك إلا اليوم.
كليب: أتعنى أنك كنت تتجول معصوب العينين حيث تشاء؟
سالم: لم يكن يحق لي التجول معصوب العينين .
كليب: ولكن أحدا لم يرك في بيتي على هذه الصورة قبل اليوم.
سالم: لعل الخدم رأوني قبل فخافوا ولزموا الصمت.
كليب: لم تكن تقصد شرا.
سالم: ولكن سيدتي الملكة لحقها شر.
كليب: وإذن ؟
دليلة: ( تلتفتوتصرخ) عجبا ! تحاول تبرئته وهو مقر بذنبه .
كليب: (يصيح) أما ترين أنه يخيب محاولتي ؟
جليلة: لن أقول كلمة .
كليب: ليس في مملكتي كلها مثله رجلا . هذا الأخ الصديق الفارس ، الرجل أجدني على رغمي واقفا ضده . هيبة الملك تقف ضد إرادة القلب .ارحل من مدينتي يا سالم .سنة منفيا مشردا معذبا معاقبا على ما اقترف . وعد بعد تمام السنة بلا تأخير لأن أخاك سيقضي هو الآخر سنة موحشة ، منفيا فوق عرشه ، ، شريدا معذبا معاقبا ، على ما لم يقترف اذهب ! ( يده على كتف سالم) ودسد كل منا أعزل ، كجناح بلا رفيق . "

كما كانت العلاقة بين ( الجليلة) وإبنتها ( اليمامة) علاقة متوترة أيضا بسبب العاطفة القوية في ارتباط كل من اليمامة وكليب أبيها:
رؤية المخرج حمدي غيث
معمار عرض ( الزير سالم):
اعتمدت رؤية المخرج ( حمدي غيث) في إخراجه لمسرحية ( ألفريد فرج ) على المعادلة السينوغرافية لتجسيد طبيعة التناقض في علاقات الصراع الدرامي ؛ وتأكيد دلالة المصالحة التلفيقية التي بدأ بها المشهد الافتتاحي من خلال خطبة (مرة البكري) ممهدا لتنصيب ( هجرس) ابن الملك كليب المغدور ملكا ، على عرش أبية ، ثمرة للمصالحة.
تداخلت خطوط المعالجة الدرامية في عرض المسرحية بإخراج (حمدي غيث) مثلما تداخلت خطوط الصراع في نص ألفريد فرج المسرحية المستلهمة لسيرة الزير سالم مع الخطوط الدرامية لبعض مواقف السيرة حيث تقابلت في بعض المواقف والصور واختلفت في بعض المواقف والصور مع احتفاظ النص المسرحي المستلهم لسيرة الزير سالم بالشخصيات التاريخية بأسماء أصحابها التاريخيين الذين وظفهم الكاتب ألفريد فرج في نصه المسرحي، هذا من الناحية الموضوعية لصورة الحدث المستلهم في النص المسرحي الذي أخرجه حمدي غيث؛ تداخلت الخطوط الدرامية في النص ، وفي العرض تميزت الصورة النسرحية في الافتتاحية بسحر المسرح وطقوسه واختلاف نوع الفرجة المسرحية للعرض عن الفرجة المسرحية في النص . في المشهد الافتتاحي للعرض يعتمد المنظر أسلوب التجريد مستويات عارية ودرجات وشجرة جرداء بيضاء اللون وكرسي عرش أبيض ، مسنده أقرب إلى شاهد قبر ، وكل من الشجرة وكرسي العرش في مستوى أعلى وسط فضاء المنظر تحتض إبنة كليب ( اليمامة) ظهر العرش الأكثر قربا من شكل شاهد قبر ، وقد خص الإخراج الممثلين الذين يمثلون قبيلة مرة بالمستوى اليمين بالنسبة للجمهور وأمامهم على مستوى منخفض ( مرة) والد الجليلة إبنته ، أرملة الملك (كليب) زعيم قبيلة مرة في منصف المستوى الذي وقف عليه أبوها ( مرة) وعلى يمينها أما المستوى الأيسر بالنسبة للجمهور تجلس ( أسما) شقيقة الملك القتيل ( كليب) وهي أرملة (همام) وهو ( ابن مرة وشقيق الجليلة ، وجساس مرة ) منعزلة عن تجمعي القبيلتين ( بكر) و(تغلب) وعلى تدرجات المستويات في اليسار – من حعى الحمهور – يقف رجال تغلب .
يقول د. أبو الحسن سلام (نجح المخرج " حمدي غيث " في تشكيل مكونات الصورة المسرحية بأسلوب يجسد دلالة المسكوت عنه ، الذي يناقض خطاب المصالحة الذي بدأ به ( مرة) سيد قبيلة (بكر) عن تصالح القبيلتين ( بكر وتغلب) ، وهو يمهد لاقناع ابن ( كليب) للجلوس على عرش أبيه ملكا ، وهو ثنرة اتفاق الصلح بين القبيلتين بعد حرب دامت أربعين عاما ، فقد صمم المخرج تشكيل القبيلتين في وضع مواجهة حاة مستفيدا بالتكوين الهرمي المقلوب – تكوين رأس الحربة - ـ وجعل ( اليمامة) ابنة القتيل كليب تحتضت ظهر كرسي العرش –في الدلالة الظاهرة ، أوشاهد القبر في المسكوت عنه – مستفيدا بالحقيقة التاريخية عن ارتباط ( اليمامة) وأببها ( كليب) في حياته ببعضهما بعضا ، وملازمتها الدائمة لقبره بعد موته ، ليؤكد دلالة عدم المصالحة. أما (هجرس) ابن القتيل كليب المنذور بعد الصلح للجلوس ملكا عوضا عن أبيه المغدور ؛ لفقد وقف حائرا بين أمه وجده لأمه( مرة) على المستوى نفسه _ فثلاثتهم : الجد مرة والأم جليلة والإبن هجرس على مستوى واحد أو خط واحد بما يوحي بالتوافق أو التقارب الضمني . بينما جعل ( أسم) وحيدة منعزلة ، في دلالة عدم الانتماء لأي من القبيلتين ، فقعودها على مستو منفرد ، فيه -لالة على عدم فاعليتها في مشهد التنصيب ، لأن كل من الأطراف الرئيسية فقد شخصا واحدا بينما فقدت هي شخصين ( ثلاثة أشخاص : زوحها همام ابن مرة ، وأخاها الملك كليب ، وأخاها سالم ، قاتل زوجها همام ) بما يكشف عن اقتناعها بخسارتها لكل شئ ، ما يربطها بقبيلة زوجها لأن جساس شقيق زوجها همام قتل أخاها الملك ( كليب وائل) وشقيقها ( سالم) قتل زوجها ( همام ) . هكذا جسد المخرج حمدي غيث علاقات الصراع في الحدث بدء من مشهد الافتتاحية . وهنا يمكن القول أن أسلوب إخراج (حمدي غيث) لعرض مسرحية ( الزير سالم) ينتمي من حيث منهج الإراج إلى ( الإخراج المفسر) لأنه بدء من الانطباع الأول للعرض وظف الصورة السيوغرافية توظيفا يغادل خطاب المؤلف ألفريد فرج ، حيث شكلية المصالحة ، مع دلالة المسكوت عنه ( التلفيقية) .
والصورة المسرحية للمشهد الافتتاحي في هذا العرض - بهذا الشكل – تجسد لنا للمشاهد توحد خطاب الإخراج مع خطاب النص ؛ قبل أن يشرع (مرة) سيد قبيليتي ( بكر وتغلب) في خطبته عن لقاء المصاحة بين القبيلتين المتصارعتين ليمهد العرش لهجرس كليب أبن الملك المغدور ، وهذا ما يؤكد معادلة الصورة السينوغرافية مع موضوع النص ، وتظهر وجهة تفسير الإخراج في الإضافة السينوغرافية لمكونات الصورة في وضعية المواجهة الجماعية للتشكيلين المتعارضين ، وفي التكوين المنفرد لليمامة ، والتكوين المنفرد لاسما بما يؤكد رفضهما المبدئي لفمرة المصالحة .
معمار تمثيل دور ( الزير سالم) :
قوبل أداء التمثيلي لعرض مسرحية ( الزير سالم) بآراء نقدية حادة في عرضه الأول بالمسرح القومي المصري ، وكان أبرز المقالات النقدية للدكتور عبد القادر القط ، وللتاقد فاروق عبد القادر ، حيث أخذا على منهج التمثيل ما وصفاه بالمباشرة والنزوع إلى الإلقاء والخطابة ، بعيد عن منهج المعايشة الاندمناجية











* السيرة في التوظيف الدرامي التليفزيوني :
السيرة الشعبية لون من ألوان الأدب الشعبي، والأدب الشعبي يعتبر " رافدا من روافد الفولكلور لما يتضمنه من التعبير عن العادات والتقاليد والممارسات "
والفولكلور كما عرفته الموسوعة العربية الميسرة

والفولكلور هو محصلة معارف العامة من الناس أو حكمة الشعب، والثقافة الشعبية الحية، الفعالة والمتراكمة منذ أقدم العصور"
وسيرة الزير سالم تروي عادات وتقاليد قبائل عربية دارت بينها حروب طاحنة لأربعين سنة بسبب خلافات وعادات الثأر والممارسات اليومية والاختلاف على قيم بين القبيلتين (بكر وتغلب) ومعالجتها الآن معالجة درامية في مسلسلات تليفزيونية لأكثر من مرة على المسرح وعلى الشاشة، محاولة لاسترجاع ماضي أو حادثة تاريخية تتشابه مع حوادث معاصرة نعيشها، للاعتبار وتذكير المجتمع المعاصر بمآسي ممارسات الماضي وبمظاهر الانقسامات والخلافات والحروب التي فرقت بين أبناء العمومة أو بين أبناء الدين الواحد في بلد عربي واحد حتى ينفر المجتمع العربي المعاصر من التباغض وأساليب الكراهية والخلاف. لذلك يقدم التراث برؤية جديدة تناسب الإنسان العربي المعاصر.
يقول خليل العريبي – نقيب الفنانين ببنغازي – " نحن في حاجة إلى تقييم موروثنا الشعبي للتأكيد على هويتنا الثقافية "
سيرة الزير سالم أدب شعبي يروى شفهيا سيرة حياة القبيلة العربية في شمال جزيرة العرب قبل الاسلام لذلك تعتبر أدبا شعبيا يقول د, عبد الحميد يونس:
" يعتبر الأدب الشعبي عن تجربة جماعية لا عن تجربة منفردة أو شخصية، نلتمس فيها روح الجماعة والمضمون الذي تتبناه، إذ تشكله ذاكرة الجماعة في مواقف معينة وفقا لمواهبها المبدعة وتلبية لحاجاتها الفورية، ويكون في أغلب الأحيان مجهول المؤلف
وسيرة الزير سالم أدب شعبي شفاهي، يحكى على لسان الراوي الشعبي ، بدأت معالجة الدرامية على شاشات التليفزيون وعلى المسارح إما عن طريق الراوي في بداية المسلسل التليفزيوني بمقدمة غنائية تحكي أحداث السيرة في إيجاز من خلال صوت غناء نسائي، مع تبادل القائي مع صوت الراوي يحكي أحداث السيرة بصوت راو رجل للربط بين أحداث السيرة مرة والتعليق على حدث انتهى عرضه في مرة أخرى.. وعلى هذا المنهج الفني اعتمد إخراج المخرج السوري حاتم على للسيرة عبر 40 أربعين حلقة تليفزيونية شارك فيها مئات الممثلين والفنانين والفنيين. اختلف أداء راوي السيرة في مقدمة المسلسل التليفزيوني إذن عن أداء راوي السيرة في النص الذي جمع من على أفواه الرواة:
تبدأ السيرة في النص الشفاهي بأداء إلقائي :
قال الراوي:
" أما بعد.. حمدا لله والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه. وبعد فهذه سيرة الأسد الكرّار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الأقطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الأشعار البديعة والوقائع المهولة المريعة وما جرى له في تلك الأيام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارئ وتلذ السامع. "
لا يدخل الراوي بعد تلك الافتتاحية التقليدية التي تتشابه في رواية كل السير الشعبية؛ لا يدخل إلى الحكاية مباشرة، وإنما يتفرع إلى الحديث عن خلفية يوجز فيها بعضا من المعلومات عن حياة العرب وأحوالهم محاولا إعطاء الجمهور بعض الصور عن طبائعهم وعن خلافاتهم وأنسابهم وحروبهم، وهي خلفية ربما أراد بها ربط ماضيهم بالحوادث التي سيرويها على جمهور السامعين – ربما بدءً من عصر المماليك) القرن الحادي عشر الميلادي) حتى بدايات العصر الحديث (القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي) وهو زمن لم يكن الراديو قدعرف بعد وكذلك السينما، مما أتاح لفنون السير الشعبية ورواتها الانتشار في الأحياء الشعبية بمصر وفي بلاد الشام وما بين النهرين، لذلك كانت ضرورة استطراد رواة سيرة (الزير سالم) بالإفاضة بالمعلومات التي تشكل بعض التاريخية التي تقرب الصورة للسامعين المشدودين إلى حكيه وغنائه حتى يصل في نهاية تلك التقديمة أو الخلفية إلى أصول القبيلتين (بكر وتغلب) اللتين دار الصراع الدموي بينهما.

معمار الدور المسرحي
بين
(المؤلف والمخرج والممثل والناقد )
د. أبو الحسن سلام
يمر بناء الدور المسرحي بعدد من المراحل الإبداعية بدءا من مرحلة التأليف إلى مرحلة الإخراج فمرحلة التمثيل ثم مرحلة النقد ، ولكل مرحلة بناء معمارها الذي تتجلى فيه مهارات الخلق والإبداع . هي إذن مهارات مركبة تضيف فيها رؤية المخرج إلى الأدوارإرادة الحياة ، يضيف إليها إمساك الممثل بالعاطفة الحاكمة للشخصية نبضها مشاعرها ، دوافعها ، سيكولوجيتها ، علاقاتها وجمالية تعبيرها ، ويضبف إليها الناقد ما يعكس قيمة معمارها الدرامي والجمالي .
وتبعا لهذا المهاد النظري يمكن الوقوف عند دور(الزير سالم ) الذي مثله الفنان المصري ( عبد الله غيث) في العرض الذي أخرجه المخرج (حمدي غيث) للمسرح القومي المصري لنص ألفريد فرج .
وقد وقع اختيارنا على معمار تمثيل شخصية ذلك الدور بإبداع (عبد الله غيث) لاعتبارين أساسيين :
أولهما : مهارات الفنان عبد الله غيث التمثيلية الفائقة .
ثانيا : معمار نص ( الزير سالم) ومهارة تضفير المؤلف الفريد فرج لبنية الأحداث المتجاورة تجاورا أفقيا في نسجية درامية / ملحمية ، مع رسم شخصياتها رسما تمسك فيه الشخصية بزمام الصراع طورا ، وفي طور آخر يدفع الحدث الشخصية أمامها وفي طور ثالث يتأسس معمار لغة التواصل بين الشخصيات والأحداث إلى على روح التباري في حوارية جدلية نقاشية أكثر من كونها درامية صراعية بين جوهر مشاعر وجوهر إرادت بشرية نابضة متوهجة . وهنا مكمن الصعوبة أمام الممثل ؛ لأنه يبقف أمام بنية حدث متعرج المسير بين الدرامية والملحمية . وهي خاصية أسلوبية في فن كتابة المسرحية عند الفريد فرج الذي يمزج معمار نصوصه المسرحية الكبرى انطلاقا من مركزية الشخصية ، التي سريعا ما تتخلى عن مركز إدارتها للصراع فتتركه للحدث وهو ما يطبع المعمار بطابع درامي تغريبي عبر رحلة الإنتاح ، بداية من التأليف مرورا بالإخراج فالتمثيل وصولا إلى مرحلة التلقي النقدي .
ولأن العبء كل العبء يقع في النهاية على معمار التمثيل باعتباره المحطة الأخيرة في عملية الإنتاج المسرحي ، قبل أن يمسك بزمام قياس ما انتهت إليه رحلة التشييد المسرحي أداة النقد لتعكس لنا ولمبدعي العرض وحوه البناية الفنية والجمالية للعرض.
ولأن لكل معمار حيازة ، وتصميم ، وآليات ، بناء ومهارات عملية ؛ فلمعمار الدور المسرحي حيازة وتصميم وآليات ومهارة ؛ فبناء الحدث والشخصية المسرحية يبدأ من حيازة الكاتب الممثل للشخصية ؛ سيرتها الذاتية في بنية النص ، وفي بنية نعها التراثي أو التاريخي ‘ذا خ-كانت مستلهمة في النص المسرحي من أحدهما مثل الزير سالم:
حياة الأمير سالم ( في التراث):
تنقسم حياة سالم – الزير – إلى مرحلتين، في المرحلة الأولى عرف بالشاعر العربيد الماجن، غير المهتم بأمور الحكم أو القبيلة، لكنه في المرحلة الثانية بعد مقتل أخي الملك كليب على يد جساس بن مرة شقيق الجليلة زوجة كليب أصبح المنتقم لأخيه انتقاما ما تزال الكتابات التاريخية تتناوله إلى الآن. عرف سالم بأبي ليلى المهلهل زير النساء، فارس الوقائع العجيبة وصاحب السيرة الغريبة " التي ألهمت المؤلف الشعبي المجهول ملحمته " الزير سالم " ورواها الرواة في مقاهي القاهرة في عصر الملاحم الكبيرة (العصر المملوكي) وانتقلت روايتها في أنحاء المشرق العربي كله لتظل من روائع الدب الشفاهي الذي أحيي سهرات مدن هذا الشرق العتيد مئات السنين " ويتساءل الكاتب المسرحي المصري ألفريد فرج عن الزير سالم فيقول : " هذا هو الأمير سالم الزير. ومع ذلك من هو ؟ أي نوع من الرجال هو، وأية أفكار وخواطر وخصال أسقطها عليه الشاعر الشعبي مؤلف سيرته. أهو نسخة شعبية من إمرئ القيس بن حجر الكندي الشاعر الجاهلي الكبير بن ملك كندة الذي تصعلك معربدا في الجزيرة العربية لا يرعى حرمة ولا عرضا حتى طرده أبوه فهام على وجهه مع أصحابه أهل المجون والبداوات.. فلما أتاه نبأ مقتل أبيه قال قولته المشهورة المأثورة (ضيعني أبي صغيرا وحملني وزر الثأر كبيرا. لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر )
حياة الأمير سالم في معمار النص المسرحي:
مر الأمير سالم بالظرف نفسه الذي مر به أمرؤ القيس حيث نفاه أخوه الملك كليب بسبب مكيدة دبرتها له الملكة الجليلة بنت مرة زوجة كليب فتصعلك مثل إمرئ القيس؛ فلما قتل أخوه كليب جرد سيفه وجمع أتباعه وخاض حربا طاحنة استمرت أربعين عاما متصلة انتقاما لأخيه ؛ محتجا بطلب الحق والعدل الكامل، الأمر الذي توقف أمامه نص مسرحية ألفريد فرج متسائلا : عما إذا كان قتاله الطويل عن حب لأخيه خاصة أن السيرة تذكر أنه " يقتحم وادي السباع بحثا عن دواء يشفي مرضه، ويصفح عن مكائد جليلة حبا في الأخ " ألهذا " يرفض كل مصالحة بعد مقتل كليب إلا أن يعود كليب حيا سويا أو يبيد قبيلة بكر على حد سيفه !!
لا شك أن غرابة طلب سالم (عودة كليب حيا) كان طلبا غير قابل للتحقيق وهذه الغرابة ربما هي النقطة المهمة التي لفتت نظر كل من تناول سيرته بدءا من الراوي المجهول الذي تغنى بتلك الملحمة وتعنى بها من تبعوه ؛ فأضافوا إلى حوادثها أو حذفوا دون أن يعرف من الذي أضاف إلى وقائعها ومن الذي حذف وماذا أضافوا وماذا حذفوا ومتى تم ذلك كله ؛ لتظهر لنا صورة الزير سالم " في تصور الفنان الشعبي القديم : الفارس المغوار والمحب لأخيه فوق كل اعتبار، الداعر، الماجن، الداهية، والبطل المدافع عن الحق. على أن غرابة طلب سالم تثير الدهشة ، والدهشة عمود فقري في معمار نظرية التغريب الملحمي الذي سيصبغ بنية النص المسرحي موضوع البحث- كما سنيتضح عند احليل بنيته الدرامية -
وأمام تلك الأسئلة التي يطرحها البحث مندهشا يلجأ الكاتب ألفريد فرج إلى الملحمة في محاولة للبحث عن ذلك الحق فيقول : " إذا عدنا للأصل التاريخي للواقعة، نجد حديث التاريخ يذم كليبا القتيل ويتهمه بالطغيان والاستبداد ويعقد البطولة للأمير جسّاس قاتله وابن عمه، ويصم المهلهل سالم الزير بالدموية والعصبية، وهالة البطولة الفذة حول رأس سالم الزير طالب أخيه حيا أو إبادة بني بكر قبيلة جسّاس عن آخرها !!
- وتلك أيضا غرابة رد الفعل في منظور التأرخة التي هي عصب نظرية التغريب الملحمي - عند تحليل بنية النص – الذي يعرض القضية ويقومها من منظور معاصر ، وهذا ما يخرج به الفريد فرج من أسئلته إذ يصل إلى حكم بأن سالم كان منتقما ولم يكن بطلا : " فالانتقام الدموي لا يمكن أن يكون مناط بطولة لبطل. الانتقام نفسه نزوة نفس خبيثة . ولا حق إلا بالقصاص، العدل"
وبناء على هذه النتيجة التي توصل إليها ألفريد فرج ؛ وجه نظره إلى نقطة أخرى في سيرة الزير سالم - بحثا كما يقول – عن طرف الخيط " فما أظن قصة انتقام دموي كانت قادرة على إثارة عواطف الجماهير طيلة هذه السنين.. ليست سالم الزير قصة انتقام. إنها قصة أمير وفارس وشاعر وماجن.. إلا أنه يطلب أخاه القتيل حيا ؟! يا للعجب ! أيمكن أن يعود الميت، ويبعث القتيل؟ بأية معجزة ؟! ,
ويلوح مناط التعبير التغريبي الملحمي هنا أيضا أساسا نظريا في رؤية الفريد فرج لبنية معمار نصه هذا
لقد وضع ألفريد فرج يده على النقطة الساخنة أو أمسك بطرف الخيط الذي يصلح لبناء نصه المسرحي، دون أن يقحم فنه بتفصيلات وأحداث فرعية زخرت بها السيرة الشعبية من شخصيات بالمئات وأماكن بالعشرات وأزمنة امتدت لما قبل الأعوام الأربعين التي دارت فيها حربه على قبيلة بكر جريا وراء طلبا مستحيل.
ولا شك أن كل من تناول سيرة الزير سالم دراميا سواء في المسرح أو في فنون الشاشة قد أمسك بطرف خيط درامي مناسب لفنه - السيناريو الدرامي أو النص المسرحي - باعتبار وجوه الاختلاف بين تقنيات كتابة الدراما المسرحية التي يتقدم فيها الحوار الصوتي على الصورة المرئية أو تقنيات دراما الشاشة التي يتقدم فيها الصورة المرئية على الحوار المسموع. وهي تقنيات مختلفة كليا عن الصياغة الملحمية السردية التي لا تتقيد بالأمكنة ولا بالأزمنة وتعتمد كليا على الحكي والرواية السردية وأساليب الاستطراد والإسهاب في الوصف؛ الذي هو أساس الحكي والرواية. ويكفي أن يلقي البحث نظرة على نموذج من بداية السيرة وأسلوب بدايتها بأصوات الحكائين الرواة؛ يبدأ الراوي بحمد الله والصلاة على الأنبياء ، وبعدها يبدأ في حكاية السيرة .
شخصية الزير سالم في المسرح :
من نماذج اختلاف المعالجة المسرحية عن رواية السيرة لأسباب قتل جساس لكليب واختلاف المعالجة التليفزيونية في المسلسل السوري وفي المسلسل المصري لسيرة الزير سالم ففي الدراما التليفزيونية تحكي الرواية عن مخالفة البسوس خالة جساس وضيفه لقرار الملك كليب بعدم رعي حلال (إبل) غير حلاله في منطقة يعتبرها حاميته ومرعي حلاله، ورفض جساس لذلك القرار واعتباره تسلطا غير مقبول، فلما خالفت البسوس القرار وتركت ناقتها ترعى في مرعى حلال الملك كليب أطلق كليب بنفسه سهما أصاب ضرعها فقتلها وهو ما أثار جساس الذي توعد من يقتل ناقة خالته البسوس فسيقتص منه وقد كان أن عاجل كليبا بطعنة قاتلة بسيفه بينما كان يهم بالنزول من على فرسه في موقع سقوط ناقة البسوس. لكن رواية اليمامة شقيقة هجرس أو(الجرو) - كما ورد اسمه في السيرة - تحكي قصة مختلفة عند ألفريد فرج :
" هجرس : ولكنكم وليتم كليبا.
مرة: اتفق جساس وسالم وجليلة على ذلك. كان ابن ربيعة، ملك العرب.
هجرس : ومع ذلك اغتاله جساس. وكان جساس صهره وأبن عمه وأخاه في السلاح. لعله كان يناديه بأخي.
مرة : نعم.
هجرس : ثم قتله.
مرة : نعم.
هجرس : لم ؟.. (لحظة) لا جواب.
أسما : اسأل يمامة أختك، فقد شهدت الواقعة.
يمامة: قتله من أجل عنبة.
هجرس : أهذا يعقل ؟ (يتجه لجليلة) قيل إنك دبرت مقتل تبع حسان، فهل دبرت مع أخيك مقتل زوجك ؟
جليلة : ولدي ! "
هجرس: طردك عمي بلا احترام بعد مقتل أبي، وعشت في بيوت البكريين لم ؟
.. (لحظة) لا جواب.
الجليلة : طردتني ابنتي يمامة
يمامة: بكرية "
وإذا كان هذا ما انتهت إليه المعالجة المسرحية لسيرة الزير سالم ؛ فماذا عن المعالجة الدرامية للسيرة تليفزيونيا .
من المفاهيم النقدية التي تتصل بالحداثية وما بعدها مفهوم السرد الانعكاسي وهو يتمثل في إعادة كاتب ما توظيف أسلوب أو تعبير من نص سابق لمؤلف ما في نص مؤلف جاء بعده ففي مسرحية (الزير سالم) يلجأ ألفريد فرج إلى تقنية السرد الانعكاسي فيستعير موقف للملك حسان التبع ملك التبابعة اليمنيين لوزيره وحاشيته فيضع على لسان الملك كليب ملك التغلبيين وهو يتفاخر بسلطانه؛ كما تفاخر تبع بسلطانه :
" كليب: (بصوت جهوري) أمرائي ورجالي. أيعلم أحدكم أن فوق هذه الأرض أو
تحت قبة السماء فرسانا كرجاليأو أميرا أفرس من أخي سالم أو نسـاء
أبهى وأملح من زوجتي جليلة وابنتي يمامة، بساتين كبساتيني أو عـدلا
كعدلي أو قصرا كقصري ؟
مرة: ما تليق بك هذه المقالة يا ولدي ؟
كليب : لم ؟
جساس : مباهاة القياصرة والأكاسرة.
مرة : لا أقصد، ولكنك أغفلت التباهي بأولاد عمك همام وجساس وسلطان.
كليب : أكلما فتحت فمي وجدت من يعترضني في قصري. سوء طوية وفساد نفس، لا أقل عين الحسد.. (ينفلت خارجا بينما يهرول خلفه يمامه منزعجة. يضطرب الشمل ويهمون على أثره 0فيتصدى لهم سالم الزير ويده على مقبض سيفه (
" سالم : مكانكم. "
تلك كانت بداية تسلط الملك كليب وتجبره على أبناء عمومته ، وذلك ما ترتبت عليه بقية الأحداث التي انتهت بقتل جساس له ، وبداية الصراع الطويل والقتلي بلا حدود على يد الزير سالم الذي ليس له ظلب غير ( عودة كليب حيا ) وهو طلب مستحيل ولنا أن نتصور أسلوب تمثيل ذلك الدور في المسرح وتجسيد انقلابه من شخص عابث منفلت سكير زير نساء ، لا يقيم وزنا للقيم ولا العادات ليصبح بهذه الصرامة والقسوة والدموية في حرب استمرت أربعين عاما .
العلاقة بين ( سالم) (الجليلة):
لقياس قيمة الأسلوب الذي قام به الممثل عبد الله غيث في تمثيل شخصية ( الويو سالم) في عرض المسرحية في المرة الأولى ، وكيفية تمثيل( نبيل الحلفاوي) لدور سالم في عرض المسرحية للمرة الثانية بعد ثلاثين عاما من عرضها الأول ؛ لابد من فهم العلاقة بين سالم والجليلة ، وبين سالم وكليب ، وبين سالم واليمامة إبنة كليب ؛ فبدون فهم لطبيعة التشابك في علاقته بكل من تلك الشخصيات الثلاث ، يصاب الاستدلال بخلل في أداة القياس.
" كليب: خل بالك ! ( ضربة سيف يفلت منها سالم) أنت ديد الحذر .
سالم: لا تجاملني وأنت ملكي.
كليب: وددت لو ذراعي في قوة ذراعك .
سالم: ذراعك قوى.
كليب: لا أعرف ماجنا منافقا مثلك.
سالم: خذ بالك !
كليب: أخطأتني، ولكن عن عمد .
سالم: لا أكاد أرى من سهر الليلة الماضية.
كليب: تمرست بالسيف بما يكفيني لأعرف قوة خصمي.
سالم: لست خصمك.
كليب: ومع ذلك تبغضني.
سالم: وأنت ؟
كليب: أبغضك لأني أحبك .
سالم: لقمان الحكم يعجز عن عن حل هذا اللغز.
كليب: أنا رجل واجب والتزام ، وأنت رجل صعلكة وتحلل.
سالم: ألهذا أحبك أم لهذا أبغضك ؟
كليب: تتطلع إلى فتحسدني ، وتستمد من كمالي شرفا.
سالم: عندي شرفي الخاص .
كليب: ما هو ؟
سالم: أن أصنع ما أشاء.
كليب: خذ بالك!
سالم: غلبتني.
كليب: هكذا تقول.
سالم: إلى الحقيقة إذن .
كليب: الحقيقة أحبك ، ولا يعجبني مجونك فأبغضك لأني أتمنى لك الكمال . أسأل
نفسي لم لا يكون أخي مثلي ؟
سالم: لا استطيع.
كليب: لذلك أخشاك.
سالم: أنا ؟
كليب: اقتضابك يخيفقني، أفي قلبك شئ ؟
سالم: حبك.
كليب: ألا تطمع في شئ أملكه ؟
سالم: حبك.
كليب: أما كنت تود لو تجلس مكاني ؟
سالم: أنا بك مكانك.
كليب: والعرش ؟
سالم: العرش والكأس زيادة.
كليب: أعندك وفاء ؟
سالم: عندي وفاء وحش .
كليب: لمن ؟
سالم: للدم.
كليب: الدم يتلاطم في العرق الواحد.
سالم: نحن أقل من واحد.
كليب: ولكني فوق عرشي وحدي.
سالم: بل أنت بأخيك أكثر.
كليب: ليتني كنت أقل ، فالأقل أسلم.
سالم: أنت أقل وأكثر.
كليب: ذراعك قوية، وعزمك قوي ، عقلك قوي . هل تصمد لمحنة ؟
سالم: امتحني .
كليب: في مقابل أي شئ ؟
سالم: ما تقول؟
كليب: ادعني مرة لجلسة مجون يا عتربيد .
سالم: وزوجتك ؟
كليب: غلبتني هذه المرة . "

هكذا كانت علاقة كليب بسالم ، حب وتوجس من قوة بأسه ، وتفوقه عليه في المبارزة بالسيف وفي الجدل والنقاش .
والسؤال : هل تحتاج مثل تلك الحوارية الجدلية التي يتبارى فيها الأخوان (كليب وسالم) باستعراض مهارة كلامية إلى منهج تمثيل إندماجي ؟
والإجابة لا تحتاج إلى كثير من التفكير . عقل يباز عقل بالكلمات ، يحتاج إلى منهج أدجاء صوتي إلقائي لا أكثر . أما التعبير بملامح الوجه وبفن الإشارة ، فذلك يدخل في مهارة كل ممثل ، في توظيف متلازم مع تباين الأداء الصوتي .
أما العلاقة بين ( الجليلة ) وسالم فهي متوترة ، بسبب بوهيميته وتخوف المرأة بطبيعتها من الرجل المتجرئ خاصة مع ما شهر عنه من علاقات نسائية و سكر وعربدة . ومن ناحية أخرى خشيتها من توطد علاقته بأخيه الملك كليب – زوجها - وحب كليب الظاهر له ، وقد أظهرت نوعا من العصبية في التعامل معه بعد أن حملت طفل كليب وهناك تفسير آخر عن عاطفة حب مكبوتة فاشلة لسالم قبل زواجها من كليب .

ولذا دبرت ( الجليلة) حيلة لنفي ( سالم) عن المكان وأبعته بحيلة اقتحامه للقصر مخمورا وقد فعلت ذلك عندما رأت موقفه من أسرتها ( أبيها وأخوتها ) عندما كشف كليب عن تسلطه وجلافة تعامله مع عمه ( أبيها مرة) وأبناء عمومته ، وتذمر أبيها وأخوته ، وتأهب سالم لردع من يختلف مع كليب ، وذلك واضح في رد فعلها على سالم :
" جليلة: اخفض يدك يا سالم. لا يدخل أحدكم علينا بسلاح بعد اليوم. لا يدخل أحدكم
علينا بسلاح..
(يهمهم الحاضرون وهم ينسحبون إلى الظل، وقد خرج سالم، يسقط الجميع في الظل ما عدا جليلة التي تقطع المسرح في عصبية وخلفها وصيفتها)
" جليلة: لا يغضب ملك ويرمي أتباعه بفساد النفس إى بسبب. للملوك حاسة تشعر ظل الغمام في الأفق. ناهيك بالخيانة ! ولكن من ؟ من؟ من؟.. "
هكذا دبرت له مكيدة توقع بينه وأخيه الملك : حيث يواجهه كليب جالسا على كرسي العرش ، وما في ذلك من دلالة :
" كليب: أتنكر ما قالته جليلة ، بنت عمك وزوجتي ؟
سالم: لا.
كليب: كل كلمة ؟
سالم: كل كلمة.
كليب: لكنك كنت معصوب العينين.
سالم: تجاوزت حدود بيتي.
كليب: أكنت ترى مواطن قدميك ؟
سالم: كان أخلق بي أن أراها.
كليب:ولكنها المرة الأولى التي تجاوزت فيعا بيتك إلى بيتي.
سالم: لم أرفع عصابتي لأحد نفسي في بيتك إلا اليوم.
كليب: أتعنى أنك كنت تتجول معصوب العينين حيث تشاء؟
سالم: لم يكن يحق لي التجول معصوب العينين .
كليب: ولكن أحدا لم يرك في بيتي على هذه الصورة قبل اليوم.
سالم: لعل الخدم رأوني قبل فخافوا ولزموا الصمت.
كليب: لم تكن تقصد شرا.
سالم: ولكن سيدتي الملكة لحقها شر.
كليب: وإذن ؟
دليلة: ( تلتفتوتصرخ) عجبا ! تحاول تبرئته وهو مقر بذنبه .
كليب: (يصيح) أما ترين أنه يخيب محاولتي ؟
جليلة: لن أقول كلمة .
كليب: ليس في مملكتي كلها مثله رجلا . هذا الأخ الصديق الفارس ، الرجل أجدني على رغمي واقفا ضده . هيبة الملك تقف ضد إرادة القلب .ارحل من مدينتي يا سالم .سنة منفيا مشردا معذبا معاقبا على ما اقترف . وعد بعد تمام السنة بلا تأخير لأن أخاك سيقضي هو الآخر سنة موحشة ، منفيا فوق عرشه ، ، شريدا معذبا معاقبا ، على ما لم يقترف اذهب ! ( يده على كتف سالم) ودسد كل منا أعزل ، كجناح بلا رفيق . "

كما كانت العلاقة بين ( الجليلة) وإبنتها ( اليمامة) علاقة متوترة أيضا بسبب العاطفة القوية في ارتباط كل من اليمامة وكليب أبيها:
رؤية المخرج حمدي غيث
معمار عرض ( الزير سالم):
اعتمدت رؤية المخرج ( حمدي غيث) في إخراجه لمسرحية ( ألفريد فرج ) على المعادلة السينوغرافية لتجسيد طبيعة التناقض في علاقات الصراع الدرامي ؛ وتأكيد دلالة المصالحة التلفيقية التي بدأ بها المشهد الافتتاحي من خلال خطبة (مرة البكري) ممهدا لتنصيب ( هجرس) ابن الملك كليب المغدور ملكا ، على عرش أبية ، ثمرة للمصالحة.
تداخلت خطوط المعالجة الدرامية في عرض المسرحية بإخراج (حمدي غيث) مثلما تداخلت خطوط الصراع في نص ألفريد فرج المسرحية المستلهمة لسيرة الزير سالم مع الخطوط الدرامية لبعض مواقف السيرة حيث تقابلت في بعض المواقف والصور واختلفت في بعض المواقف والصور مع احتفاظ النص المسرحي المستلهم لسيرة الزير سالم بالشخصيات التاريخية بأسماء أصحابها التاريخيين الذين وظفهم الكاتب ألفريد فرج في نصه المسرحي، هذا من الناحية الموضوعية لصورة الحدث المستلهم في النص المسرحي الذي أخرجه حمدي غيث؛ تداخلت الخطوط الدرامية في النص ، وفي العرض تميزت الصورة النسرحية في الافتتاحية بسحر المسرح وطقوسه واختلاف نوع الفرجة المسرحية للعرض عن الفرجة المسرحية في النص . في المشهد الافتتاحي للعرض يعتمد المنظر أسلوب التجريد مستويات عارية ودرجات وشجرة جرداء بيضاء اللون وكرسي عرش أبيض ، مسنده أقرب إلى شاهد قبر ، وكل من الشجرة وكرسي العرش في مستوى أعلى وسط فضاء المنظر تحتض إبنة كليب ( اليمامة) ظهر العرش الأكثر قربا من شكل شاهد قبر ، وقد خص الإخراج الممثلين الذين يمثلون قبيلة مرة بالمستوى اليمين بالنسبة للجمهور وأمامهم على مستوى منخفض ( مرة) والد الجليلة إبنته ، أرملة الملك (كليب) زعيم قبيلة مرة في منصف المستوى الذي وقف عليه أبوها ( مرة) وعلى يمينها أما المستوى الأيسر بالنسبة للجمهور تجلس ( أسما) شقيقة الملك القتيل ( كليب) وهي أرملة (همام) وهو ( ابن مرة وشقيق الجليلة ، وجساس مرة ) منعزلة عن تجمعي القبيلتين ( بكر) و(تغلب) وعلى تدرجات المستويات في اليسار – من حعى الحمهور – يقف رجال تغلب .
يقول د. أبو الحسن سلام (نجح المخرج " حمدي غيث " في تشكيل مكونات الصورة المسرحية بأسلوب يجسد دلالة المسكوت عنه ، الذي يناقض خطاب المصالحة الذي بدأ به ( مرة) سيد قبيلة (بكر) عن تصالح القبيلتين ( بكر وتغلب) ، وهو يمهد لاقناع ابن ( كليب) للجلوس على عرش أبيه ملكا ، وهو ثنرة اتفاق الصلح بين القبيلتين بعد حرب دامت أربعين عاما ، فقد صمم المخرج تشكيل القبيلتين في وضع مواجهة حاة مستفيدا بالتكوين الهرمي المقلوب – تكوين رأس الحربة - ـ وجعل ( اليمامة) ابنة القتيل كليب تحتضت ظهر كرسي العرش –في الدلالة الظاهرة ، أوشاهد القبر في المسكوت عنه – مستفيدا بالحقيقة التاريخية عن ارتباط ( اليمامة) وأببها ( كليب) في حياته ببعضهما بعضا ، وملازمتها الدائمة لقبره بعد موته ، ليؤكد دلالة عدم المصالحة. أما (هجرس) ابن القتيل كليب المنذور بعد الصلح للجلوس ملكا عوضا عن أبيه المغدور ؛ لفقد وقف حائرا بين أمه وجده لأمه( مرة) على المستوى نفسه _ فثلاثتهم : الجد مرة والأم جليلة والإبن هجرس على مستوى واحد أو خط واحد بما يوحي بالتوافق أو التقارب الضمني . بينما جعل ( أسم) وحيدة منعزلة ، في دلالة عدم الانتماء لأي من القبيلتين ، فقعودها على مستو منفرد ، فيه -لالة على عدم فاعليتها في مشهد التنصيب ، لأن كل من الأطراف الرئيسية فقد شخصا واحدا بينما فقدت هي شخصين ( ثلاثة أشخاص : زوحها همام ابن مرة ، وأخاها الملك كليب ، وأخاها سالم ، قاتل زوجها همام ) بما يكشف عن اقتناعها بخسارتها لكل شئ ، ما يربطها بقبيلة زوجها لأن جساس شقيق زوجها همام قتل أخاها الملك ( كليب وائل) وشقيقها ( سالم) قتل زوجها ( همام ) . هكذا جسد المخرج حمدي غيث علاقات الصراع في الحدث بدء من مشهد الافتتاحية . وهنا يمكن القول أن أسلوب إخراج (حمدي غيث) لعرض مسرحية ( الزير سالم) ينتمي من حيث منهج الإراج إلى ( الإخراج المفسر) لأنه بدء من الانطباع الأول للعرض وظف الصورة السيوغرافية توظيفا يغادل خطاب المؤلف ألفريد فرج ، حيث شكلية المصالحة ، مع دلالة المسكوت عنه ( التلفيقية) .
والصورة المسرحية للمشهد الافتتاحي في هذا العرض - بهذا الشكل – تجسد لنا للمشاهد توحد خطاب الإخراج مع خطاب النص ؛ قبل أن يشرع (مرة) سيد قبيليتي ( بكر وتغلب) في خطبته عن لقاء المصاحة بين القبيلتين المتصارعتين ليمهد العرش لهجرس كليب أبن الملك المغدور ، وهذا ما يؤكد معادلة الصورة السينوغرافية مع موضوع النص ، وتظهر وجهة تفسير الإخراج في الإضافة السينوغرافية لمكونات الصورة في وضعية المواجهة الجماعية للتشكيلين المتعارضين ، وفي التكوين المنفرد لليمامة ، والتكوين المنفرد لاسما بما يؤكد رفضهما المبدئي لفمرة المصالحة .
معمار تمثيل دور ( الزير سالم) :
قوبل أداء التمثيلي لعرض مسرحية ( الزير سالم) بآراء نقدية حادة في عرضه الأول بالمسرح القومي المصري ، وكان أبرز المقالات النقدية للدكتور عبد القادر القط ، وللتاقد فاروق عبد القادر ، حيث أخذا على منهج التمثيل ما وصفاه بالمباشرة والنزوع إلى الإلقاء والخطابة ، بعيد عن منهج المعايشة الاندمناجية











* السيرة في التوظيف الدرامي التليفزيوني :
السيرة الشعبية لون من ألوان الأدب الشعبي، والأدب الشعبي يعتبر " رافدا من روافد الفولكلور لما يتضمنه من التعبير عن العادات والتقاليد والممارسات "
والفولكلور كما عرفته الموسوعة العربية الميسرة

والفولكلور هو محصلة معارف العامة من الناس أو حكمة الشعب، والثقافة الشعبية الحية، الفعالة والمتراكمة منذ أقدم العصور"
وسيرة الزير سالم تروي عادات وتقاليد قبائل عربية دارت بينها حروب طاحنة لأربعين سنة بسبب خلافات وعادات الثأر والممارسات اليومية والاختلاف على قيم بين القبيلتين (بكر وتغلب) ومعالجتها الآن معالجة درامية في مسلسلات تليفزيونية لأكثر من مرة على المسرح وعلى الشاشة، محاولة لاسترجاع ماضي أو حادثة تاريخية تتشابه مع حوادث معاصرة نعيشها، للاعتبار وتذكير المجتمع المعاصر بمآسي ممارسات الماضي وبمظاهر الانقسامات والخلافات والحروب التي فرقت بين أبناء العمومة أو بين أبناء الدين الواحد في بلد عربي واحد حتى ينفر المجتمع العربي المعاصر من التباغض وأساليب الكراهية والخلاف. لذلك يقدم التراث برؤية جديدة تناسب الإنسان العربي المعاصر.
يقول خليل العريبي – نقيب الفنانين ببنغازي – " نحن في حاجة إلى تقييم موروثنا الشعبي للتأكيد على هويتنا الثقافية "
سيرة الزير سالم أدب شعبي يروى شفهيا سيرة حياة القبيلة العربية في شمال جزيرة العرب قبل الاسلام لذلك تعتبر أدبا شعبيا يقول د, عبد الحميد يونس:
" يعتبر الأدب الشعبي عن تجربة جماعية لا عن تجربة منفردة أو شخصية، نلتمس فيها روح الجماعة والمضمون الذي تتبناه، إذ تشكله ذاكرة الجماعة في مواقف معينة وفقا لمواهبها المبدعة وتلبية لحاجاتها الفورية، ويكون في أغلب الأحيان مجهول المؤلف
وسيرة الزير سالم أدب شعبي شفاهي، يحكى على لسان الراوي الشعبي ، بدأت معالجة الدرامية على شاشات التليفزيون وعلى المسارح إما عن طريق الراوي في بداية المسلسل التليفزيوني بمقدمة غنائية تحكي أحداث السيرة في إيجاز من خلال صوت غناء نسائي، مع تبادل القائي مع صوت الراوي يحكي أحداث السيرة بصوت راو رجل للربط بين أحداث السيرة مرة والتعليق على حدث انتهى عرضه في مرة أخرى.. وعلى هذا المنهج الفني اعتمد إخراج المخرج السوري حاتم على للسيرة عبر 40 أربعين حلقة تليفزيونية شارك فيها مئات الممثلين والفنانين والفنيين. اختلف أداء راوي السيرة في مقدمة المسلسل التليفزيوني إذن عن أداء راوي السيرة في النص الذي جمع من على أفواه الرواة:
تبدأ السيرة في النص الشفاهي بأداء إلقائي :
قال الراوي:
" أما بعد.. حمدا لله والصلاة والسلام على رسله وأنبيائه. وبعد فهذه سيرة الأسد الكرّار والبطل المغوار الذي شاع ذكره في الأقطار وأذل بسيفه كل صنديد وجبار المهلهل بن ربيعه صاحب الأشعار البديعة والوقائع المهولة المريعة وما جرى له في تلك الأيام مع ملوك الشام وفرسان الصدام من الحوادث والوقائع التي تطرب القارئ وتلذ السامع. "
لا يدخل الراوي بعد تلك الافتتاحية التقليدية التي تتشابه في رواية كل السير الشعبية؛ لا يدخل إلى الحكاية مباشرة، وإنما يتفرع إلى الحديث عن خلفية يوجز فيها بعضا من المعلومات عن حياة العرب وأحوالهم محاولا إعطاء الجمهور بعض الصور عن طبائعهم وعن خلافاتهم وأنسابهم وحروبهم، وهي خلفية ربما أراد بها ربط ماضيهم بالحوادث التي سيرويها على جمهور السامعين – ربما بدءً من عصر المماليك) القرن الحادي عشر الميلادي) حتى بدايات العصر الحديث (القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلادي) وهو زمن لم يكن الراديو قدعرف بعد وكذلك السينما، مما أتاح لفنون السير الشعبية ورواتها الانتشار في الأحياء الشعبية بمصر وفي بلاد الشام وما بين النهرين، لذلك كانت ضرورة استطراد رواة سيرة (الزير سالم) بالإفاضة بالمعلومات التي تشكل بعض التاريخية التي تقرب الصورة للسامعين المشدودين إلى حكيه وغنائه حتى يصل في نهاية تلك التقديمة أو الخلفية إلى أصول القبيلتين (بكر وتغلب) اللتين دار الصراع الدموي بينهما.



#أبو_الحسن_سلام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خطاب التسلط بين السياسة والمسرح
- دعونا نحتسب !!
- حيرة الممثل وتعدد مناهج أداء المونودراما التعاقبية
- على هامش الإبداع
- مقاربات في نقد عرض مسرحي
- مباهج الحكي التراثي ودراما اللاشكل - مسرح عز الدين المدني -
- الفاعل الفلسفي في الدراسات المسرحية
- سارتر وقضية الالتزام
- الإيقاع وروح الشعر
- الديالوج في دراما الصورة الغنائية بين الغناء والقوالة – عبد ...
- الخطايا السبع للبرجوازي الصغير
- - تجديد ذكرى علم من أعلام العلم والأدب
- توفيق الحكيم وبهرام بيضاني في محكمة العدل
- الدراماتورجية بين الإخرج الحداثى الاستعادي ل (مارا – صاد) وم ...
- ما الأدب ؟ قراءة ليست للجميع !!
- فاطمة وماريكا وراشيل - جنسية الغناء -
- قضية فنية للمناقشة الطاقة التعبيرية بين الكلمات والألحان
- الممثل بين المحاكاة والتعبير وإعادة التصوير
- النيل ينسي !!
- غواية الكذب في حديث الترللي


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أبو الحسن سلام - معمار الدور المسرحي