|
قدر المغرب الراهن بين نظامين . نظام الملكية المطلقة ، ونظام الجمهورية
سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر
(Oujjani Said)
الحوار المتمدن-العدد: 5150 - 2016 / 5 / 2 - 22:08
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قدر المغرب الراهن بين نظامين . نظام الملكية المطلقة ، ونظام الجمهورية منذ ان طُرح الصراع السياسي لفرز التنظيمات والأحلاف في سنة 1956 ، فان هذا الصراع لا يزال يفعل فعلته ، وبدرجة تتراوح بين ، مرة جد عنيف ومرة عادي غير عنيف من احتدام الصراع السياسي حتى العشرية الاولى من الالفية الثالثة . منذ ستينات القرن الماضي ومرورا بحقب مختلفة ، كان مطلب المعارضة هو الحكم وليس اقتسامه او المشاركة فيه . وهنا نجد ان الصراع اتخذ عدة مناحي بين النظام الملكي التقليدي الذي كان يدافع عن وجوده وبقاءه ، وبين المعارضة التي تميزت مطالبها ، بين الجمهورية وبين الملكية البرلمانية . وهنا لا يجب ان نغفل احواش النظام المحافظ ، من تقليديين واركاييكيين ، حين كانوا يتمسكون بالملكية المطلقة كنظام عشائري ينسجم ويتوافق مع مصالحهم الخاصة . ان اول معارضة بزغت الى الوجود ، كانت معارضة البرجوازية الصغيرة المنحدرة من تجربة " الحركة الوطنية " ، واخص بالذكر منها " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " . فعندما انفصل الحزب عن حزب الاستقلال ، فذلك لرفضه الاتجاه الميركانتيلي للقيادة الفاسية المحافظة ، التي سرقت الاستقلال ووظفته في خدمة مصالحها الضيقة بالتوافق مع القصر الراعي لمصالحها . هكذا فان حزب " الاتحاد الوطني للقوات الشعبية " الذي كان متأثرا بنماذج وتجارب الانظمة القومية العربية بالشرق الاوسط ، ومتأثرا بتجربة " جبهة التحرير الوطني " الجزائرية ، لم يكن يتردد في حسم قضية الحكم بنفس الطرق التي اوصلت الناصرية والبعثية الى السلطة . لذلك فالرعيل الاول للحزب ، طرح مشروع نظام الجمهورية كبديل ، عن نظام الملكية المطلقة التي سرقت الحكم بانقلابها الذي ركز لنظام الحكم المطلق . فكانت عدة محاولات للانقضاض على الحكم الرجعي ، ابرزها محاولة 16 يوليوز 1963 ، ومحاولة 3 مارس 1973 ، و مشاركة الجنرال محمد افقير انقلاب الطائرة في سنة 1972 . ستؤدي الاخفاقات المتوالية والمتتابعة للبرجوازية الصغيرة في حسم قضية الحكم ، الى بروز اختلافات اساسية بين صفوفها ، بين من كان يدافع عن نقاوة وصحة الخط الثوري الى سنة 1982 ( جناح الفقيه محمد البصري ) ، وبين من اعتبر التجربة ، كانت عبارة عن عمليات انتحارية غير مسؤولة ، مكّنتْ النظام الاستبدادي من توجيه ضربته القاسمة الى التنظيم ، مما اسهم في اضعافه ، وفي عجزه في بناء النظام الديمقراطي ضمن الدولة الديمقراطية . بدأ هذا الصراع بقرارات 30 يوليوز 1972 ، بين خطين اصبحا متباعدين . خط نقابي مثله الاستاذ عبدالله ابراهيم ونقابة الاتحاد المغربي للشغل ، وخط سياسي تقدمي مثله الاستاذ عبدالرحيم بوعبيد . اما جناح المقاومة الذي مارس النضال شبه المسلح ، فظل يمثله الفقيه محمد البصري ضمن حركة الاختيار الثوري الى غاية سنة 1981 حين تم طرده مع مجموعة من الاطر من قبل المُتبرّئين من تجربة الاتحاد الراديكالية الذين سيؤسسون في بداية الثمانينات من القرن الماضي تجربة " اللجنة الادارية الوطنية " التي ستتحول منذ 1991 الى " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " . وللإشارة ، فان القطيعة بين جناح المقاومة والجناح الاصلاحي تعود بالضبط الى سنة 1975 تاريخ عقد المؤتمر الاستثنائي . هكذا وبعد ان كان الاتجاه الثوري البلانكي هو المسيطر على قواعد وقيادة الحزب الى سنة 1973 ، اصبح الاتجاه السياسي الاصلاحي هو المسيطر، بعد ان حسم الصراع السياسي ، وليس الايديولوجي عند عقد المؤتمر الاستثنائي ، وهو مؤتمر اعتبره البعض تصفية حسابات سياسية بين القيادة ، واعتبره البعض الآخر بمثابة قطيعة اصلاحية مع خط الحركة الاتحادية الاصيلة والراديكالية ، ومع ماضي الاتحاد الثوري الذي تجسد في قرارات الانفصال عن حزب الاستقلال ، وفي قرارات المؤتمر التأسيسي ، وقرارات المؤتمر الثاني ، وفي احداث 16 يوليوز 1963 ، وأحداث 3 مارس 1973 ، وفي تصريحات ومواقف زعماء الحزب التاريخيين وعلى رأسهم المهدي بن بركة والفقيه محمد البصري ومومن الديوري . فهل القطيعة مع نظام الجمهورية على اطريقة العربية ، والتمسك بالنهج الاصلاحي الذي كان يهدف الى اصلاح النظام من الداخل ، ليس لإحداث تغييرات سياسية كبيرة في اصل النظام ، بل لتمكين الاصلاحيين من المشاركة في الحكم عن طريق اقتسامه مع القصر ، كان قمة ما استطاع الاتجاه الاصلاحي الوصول اليه ، والذي يكون قد تبلور جليا في الحكومة التي كان وزيرها الاول الاستاذ عبدالرحمان اليوسفي ؟ لقد عجز التيار الاصلاحي الذي راهن على اقتسام الحكم ، من فرض اختياره الذي عكسته تجارب مماثلة ، لكنها كانت ذات خصوصيات خارجية لا علاقة لها بما ينطق به الواقع المغربي من استعارات لا يفهمها ولا يدرك كنهها غير الراسخون في المدرسة المحافظة التي تتمسك بالجمود ، والتحجر ، وترفض التغيير لأنه مضر بمصالحها المندمجة مع مصالح القصر . هكذا وبعد الفشل في اصلاح النظام من الداخل ، والفشل في اقتسام الحكم ، سينتقل الاتجاه الاصلاحي في مواجهته للنظام ، بقبول فقط المشاركة في الحكومة ، بعد ان اسقط من اجندته مطلب اقتسام الحكم ، مثلما اسقط من قبل مطلب الحكم . إذا كان اقتسام الحكم مع النظام ، يعني في مفهوم اصحابه اقتسام الغنائم والخيرات والامتيازات اكثر منه اقتسام للسلطات ، فان هذه القسمة التي رفضها القصر ، الذي نجح في افراغ هذا الاتجاه من شعاراته الاصلاحية ، حيث ان الملك هو من غير الاتحاد من الداخل وليس العكس ، لا علاقة له ، اي اقتسام السلطة ، بمطلب الملكية البرلمانية على الطريقة الاوربية . ان المطلب بالملكية البرلمانية ، وهي النقيض الاساسي لنظام الملكية المطلقة ، كان يعتبر من قبل محافظي القصر بمثابة انقلاب سياسي عليه ، وخروجا عن امارة المؤمنين ، وعقد البيعة الذي يربط الامير بالرعية ، والرعية بأميرها ومولاها ، ولا يربط القصر بأي وجه من الوجوه ، بالأحزاب والنقابات التي تعمل في كنفه ، وتحت سلطته ، ولا تمثل إلاّ جزءا يسيرا من الساكنة او المناضلين ، بخلاف الامير الذي يعتبر الممثل الاسمى للآمة . هكذا ومع مرور الوقت تبخرت جميع المشاريع ، سواء منها الجمهورية على الطريقة العربية ، او المشاريع المطالبة باقتسام الحكم التي لا علاقة لها بالملكية البرلمانية التي يتواجد فيها الملك ولا يحكم . ( انني اعترض على استعمال كلمة يسود لأنها جاءت من السيادة ، والسيادة هي اصل الحكم ومرآته . ان القول بملك يسود ، اي القول بملك يحكم ، وهذه لا علاقة لها اطلاقا بملك لا يحكم ، اي لا يسود . فهناك تناقض صارخ بين يسود وبين لا يحكم ، والخطورة حين يردد هذا الاستعمال سياسيون وأساتذة جامعيون . ) . ان الملك كان يعتبر ان اي مطلب من قبيل اقتسام السلطة ، وليس فقط مطلب الملكية البرلمانية ، هو بمثاب انقلاب عليه ، والكل يتذكر محنة محمد نوبير الاموي ، عندما طالب بالملكية البرلماني في احدى تجمعات فاتح مايو ، وهي الفكرة التي كان يحتفظ بها لنفسه ، مع ثلة من رفاقه ، ولم تكن تعني شيئا بالنسبة لأعضاء المكتب السياسي الذين كانوا على علم بالمدة التي سيقضيها الاموي في السجن ، قبل صدور الحكم عليه علانية من قبل المحكمة . هنا يجب ان نذكر بالمشاريع التي تبناها اليسار الجديد ، ولم تكن لها اية علاقة ، لا مع اقتسام السلطة ، ولا مع المشاركة في الحكومة ، ولا مع الملكية البرلمانية التي ستظهر في حلة جديدة اكثر متقدمة مع " منظمة العمل الديمقراطي الشعبي " المعبر عنها ب " الدولة الديمقراطية ". وبما ان مشاريع اليسار الجديد كانت تركز فقط على نظام الجمهورية الماركسية اللينينية ، فان مطلب الدولة الديمقراطية لدا " منظمة العمل الديمقراطي الشعبي " سينتقل من نظام الملكية البرلمانية بالتوافق مع الشعب والقوى التي راهن عليها وخذلته ، وكان يطلق عليها تسمية القوى الحية ، الى نظام الملكية البرلمانية بالتوافق مع الملك كما يطالب بذلك اليوم " الحزب الاشتراكي الموحد " و " حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي " . بعد وفاة الحسن الثاني ومجيء خلفه الملك محمد السادس ، وبالأخص منذ ظهور حركة 20 فبراير في 2011 ، عادت الساحة السياسية من جديد لتعرف لغطا سياسيا حول الملكية البرلمانية ، والملكية اللاستبدادية المطلقة ، ونظام الجمهورية . وهنا حين نشير الى نظام الجمهورية ، فهي ليست جمهورية واحدة ، لكنها تتنوع الى جمهوريات ، حسب تنوع وتعدد التنظيمات السياسية ، بين جمهورية اوربية غربية ، وجمهورية على شاكلة الجمهوريات التي سادت اوربة الشرقية وروسيا ، وجمهورية عربية متميزة بديمومة الحاكم ، وجمهورية ثيوقراطية تتراوح بين جمهورية على شاكلة الجمهورية الاسلامية الايرانية ، ونظام الخلافة الذي تتقاسمه كل التنظيمات الاسلامية من " سنية " و " شيعية " . فجماعة العدل والإحسان مثلا التي تأثرت ايام مرشدها الشيخ عبدالسلام ياسين بالجمهورية الايرانية ( تعريض القاعدة للتحضير للقومة ) ، عادت مع الشيخ العبادي ، لتخلط الاوراق عند طرحها مطلب الخلافة الاسلامية ، وهو ما يخلق احراجا بيّنا لحزب " النهج الديمقراطي " الذي كسر الطابو حين نسق معها في مسيرات 20 فبراير ، وفي اعتبار الجماعة عنصرا اساسيا في اي جبهة وطنية للتغيير كما صرح بذلك مؤخرا الاستاذ عبدالله لحريف . ان السؤال . هل محيط الملك الماسك بزمام الحكم ، وليس الملك الذي فوض له ذلك ، سيقبل الانصات الى مطلب ، ولا اقول اقتسام السلطة ، بل فقط التنازل عن شيء منها لصالح حزبين ، يعرف هذا المحيط ضعفهما البين الواضح ، والأكثر من هوان عش عنكبوت ؟ وإذا كان كل من الاشتراكي الموحد والطليعة يدركان تجاهل القصر لهما في التنازل عن بعض اختصاصاته ، ومع ذلك يستمران في غيهما ، فأين ندرج مطلبا من هذا النوع اليوم . هل المطالبة بالتنازل شيئا ما عن بعض الاختصاصات ، مع احتفاظ الملك بالاختصاصات القوية ، هو دعوة لتدعيم الملكية ألمطلقة ، ام انه وفي مفهوم وفهم اصحابه ، هو بعينيه نوع الملكية البرلمانية التي يطالبان بها ؟ بل لنفرض جدلا ان الملك قبل اقتسام الحكم ، وليس فقط التنازل عن بعض الاختصاصات ، فهل اذا قبل الملك تقسيم السلطة مع هذين الحزبين ، هو ملكية برلمانية ، ام انه تأبيد للملكية المطلقة التي سيحكم فيها الملك الى جانب الاشتراكي الموحد والطليعة ؟ فهل هكذا الملكيات البرلمانيات في اوربة الغربية ؟ اعتقد ان المطالبة بملكية برلمانية بالتوافق مع الملك ، وهذا لن يكون طبعا ، هو دعوة لكي يتنازل الملك عن جزء يسير من سلطاته التي يعطيها له الدستور الممنوح ، وليس عقد البيعة الذي يعتبر رئيس الدولة اميرا ، وليس ملكا ، وخليفة الله في الارض . ان اهم الاختصاصات هي ما يمنحه عقد البيعة الدستور الالهي غير المكتوب ، وليس ما ينصص عليه الدستور المكتوب . ومن ثم يكون مطلب الملكية البرلمانية التي يلوح بها الحزبان ، الهدف منه تأبيد الملكية المطلقة التي لا علاقة لها اطلاقا بالملكية البرلمانية الحقيقية ، ولا علاقة لها حتى باقتسام السلط او الحكم . ومن ثم اتساءل ، هل من فرق بين هذين الحزبين ، وبين احزاب المخزن " الاتحاد الاشتراكي " و " حزب التقدم والاشتراكية " و " حزب العدالة والتنمية " و " الاصالة والمعاصرة " و " التجمع الوطني للأحرار " و " الحركة الشعبية " وكل الاحزاب المرخص لها من وزارة الداخلية . ان النظام المدرك بحقيقة الوضع يستعمل هذين الحزبين لإضفاء نوع من المشروعية المفقودة على اجماع ( وطني ) فاسد بخصوص قضية الصحراء ، فأصبح الاستاذ عبدالرحمان بن عمرو ، والأستاذة نبيلة منيب ، يجلسان جنبا الى جنب بالديوان الملكي ، وتحت رئاسة احد مستشاري الملك ، مع محمود العرشان ، وعبدالاله بنكيران ، واحزاب كثير تجهل وزارة الداخلية التي رخصت لها ، اسماءها دون الرجوع الى المستندات . ان حزب الطليعة اضحى مشتلا يزود النظام بالأطر ، وعبدالاله بنكيران وعد السيدة نبيلة منيب وحزبها ، بدور بارز ، له شأن عظيم في الشهور القادمة ، اي بعد الانتخابات . وحين يعطي بنكيران شهادة المصداقية للاشتراكي الموحد ، وحين تغير وزارة الداخلية نظام العتبة لولوج الانتخابات والبرلمان ، تكون قد رسمت امامنا صورة واضحة ، عن الوضع والخريطة السياسية لمغرب ما بعد انتخابات اكتوبر القادم ، اي حكومة جديدة لجلالة الملك ، ومعارضة جديدة لجلالته ، بعد ان استنفد ادوارهما كل من " الاتحاد الاشتراكي " و " حزب التقدم والاشتراكية " وحان موعد التخلص منهما ، بعد ان اضحيا صدف فارغة . إذا عدنا لمقارنة المشاريع او المطالب العامة لما قبل 20 فبراير 2011 ، مع المشاريع او المطالب العامة لما بعد 20 فبراير 2011 ، فإننا سنجد تغييرا جوهريا طبع الفترتين المتعاقبتين . و هنا وللاختصار سنركز على فترة الما بعد 20 فبراير 2011 . دائما وفي نفس السياق تتوزع وتتنوع الحركات السياسية بين : --- حركات تدعو الى الملكية البرلمانية بالتوافق مع الملك . ( الاشتراكي الموحد والطليعة ) . --- حركات تدعو الى الدولة الديمقراطية . وهنا يبقى مفهوم الدولة يطرح بعض الغموض بخصوص القصد من الدولة الديمقراطية ، لان هذه قد تعني الملكية البرلمانية بالتوافق مع الشعب ، وقد تعني الجمهورية على الطريقة الاوربية . --- وحركات تدعو الى الجمهورية الديمقراطية الشعبية . وهنا ، هناك من يركز على نظام الاتحاد السوفيتي ايام جوزيف ستالين ، وهناك من يركز على النظام الماوي ايام ماوتسي تونغ في الصين ، وهناك حركات يسارية تتطلع لتجربة محمد انوار خوجة ، او نظام كوريا الشمالية . 1 ) فبالنسبة للحركات والتنظيمات التي تدعو الى الملكية البرلمانية بالتوافق مع الملك ، فان الدعوة لتنازل الملك عن بعض اختصاصاته التي يعطيها له الدستور وليس عقد البيعة ، او حتى الدعوة لاقتسام السلطة مثلما كان الحال اثناء المؤتمر الاستثنائي في سنة 1975 ( المنهجية الديمقراطية ) لا علاقة لها بمطلب الملكية البرلمانية ، لأنها تبقى دعوة تؤيد تأبيد الملكية المطلقة ، وقد يسميها البعض ، دعوة لتأبيد ملكية شبه مطلقة ، او شبة برلمانية ما دام الملك يتمسك بسلطات عقد البيعة ، وما دام يمسك بالسلطات الاساسية التي يعطيها له مفهوم السيادة . وكما قلت اعلاه . هل الملك الذي يعرف ضعف هذين الحزبين البين والواضح ، سيقبل حتى الانصات لهما ، فأحرى ان يتنازل لهما عن جزء ، ولو يسير من سلطاته ، ولا نقول قبوله اقتسام السلطة معهما ؟. 2 ) اما بالنسبة للحركات والتنظيمات التي تدعو الى الملكية البرلمانية بالتوافق مع الشعب ، فالسؤال من هي العائلة او القبيلة التي ستبوئها هذه التنظيمات مع الشعب الذي ستتوافق معه ، الحكم ؟ هل هي القبيلة او العائلة العلوية ؟ وان كان الامر كذلك ، من سيكون المخاطب بالحكم ؟ هل الملك محمد السادس ، او ابنه ، او اخيه رشيد ، او ابن عمه هشام ، ام شخص آخر من العائلة قد يكون اهلا لهذا النوع من الحكم ؟ وان لم يكن الامر كذلك ، هل هناك من عائلة او قبيلة غير العائلة او القبيلة العلوية سيبوئها هؤلاء شرف الحكم في الملكية البرلمانية ؟ ان الدعوة بالتوافق مع الشعب ، الى الملكية البرلمانية ، يعني ان الشعب سينزل الى الشارع لفرض مطلب الدولة الديمقراطية . بطبيعة الحال ان النظام الثيوقراطي ، سيعتبر هذا النوع من المطالب ، بمثابة انقلاب جذري على الاختصاصات التي يمنحها عقد البيعة للملك كأمير ، وإمام وخليفة الله في ارضه ، وهذا يعني ان ذاك النزول الجماهيري او الشعبي سيغرق في بحر من الدماء قبل ان يخضع النظام لمطلب المنتفضين . إذا كان للدماء ان تُسفك ، هل مطلب الملكية البرلمانية ، يكون جديرا بهذه التضحية التي يجب ان تتجاوز مطلب الملكية البرلمانية ، لأنها اصبحت متجاوزة لصالح نظام آخر لا يخرج عن الجمهورية ؟ فإذا كانت الجماهير ستنزل الى الشارع لتسفك دماءها من اجل ملكية برلمانية ، فأجدر ان تسفك تلك الدماء لبناء نظام الشعب ، وليس بناء نظام العائلات . لان هذا يعني الاقرار بسيادة الاسياد والعائلات والطبقات . ان الملكيات الاوربية يوجد على رأسها العائلات التي تتوارث الحكم اب عن جد وهكذا . إذن نستنتج اليوم ، ان هناك فريقان يدعوان الى الملكية البرلمانية : 1 ) فريق على رأسه حزب " الاشتراكي الموحد " ، وحزب " الطليعة " يدعوان الى ملكية برلمانية بالتوافق مع الملك ، وهنا المقصود محمد السادس لا غيره ، وفي اطار الدولة العلوية لا غيرها ، وأساس هذا التوافق ، أن يتنازل الملك لهما عن جزء ولو يسير من اختصاصاته التي يعطيها له الدستور الممنوح ، وليس الدستور العرفي الذي هو عقد البيعة . وهذا النوع من الملكية الذي سيتنازل فيه الملك عن جزء من اختصاصاته ، بل ولنذهب ابعد من التنازل ، الى اقتسام السلطة ، لا علاقة له بالملكية البرلمانية ، كالملكيات الاوربية التي يتواجد الملك على رأسها ، كرمز وليس كسلطة . ان الملكية بالتوافق مع الملك ، يعني ان يبقى هو ، محور الاساس الما فوق المؤسسات ، اما دور الفريق الداعي الى هذا النوع من الملكية ، فلن يتعدى فريق تصريف الاعمال الحكومية ، وليس السيادية ، مع تعتيم الوضع باعتبار تلك الاعمال ، اصلاحات سياسية دالة على الاصلاحات السياسية في العهد الجديد ، في حين انها تؤبد نظام الملكية الاستبدادية المطلقة . لان سلطات السيادة المنصوص عليها في الدستور العرفي بمقتضى عقد البيعة ، لن يحلم هؤلاء بان الملك سيتنازل لهم عنها في يوم من الايام ، فقط بالمفاوضات . 2 ) وهناك فريق آخر يرفض الملكية البرلمانية بالتوافق مع الملك ، ويرى ان طريق بناء هذا النوع من الملكيات ، يجب ان يكون بالتوافق مع الشعب ، لا مع الملك . ان هذا الفريق حين يدعو الى الديمقراطية ، فهو يقصد الملكية البرلمانية على الشاكلة الاوربية ، كما قد يقصد نظام الجمهورية على الشاكلة الاوربية كذلك . وبالرجوع الى الشعارات التي تم ترديدها عند حملة 20 فبراير ، سنجد ان حزب " النهج الديمقراطي " ، و جماعة " العدل والإحسان " ، تمسكا في البداية بشعارات 20 فبراير عن الملكية البرلمانية ، لكنهما وبشكل مخالف ، وربما للمزايدة على بعض الشعارات الاصلاحية ، كانا ضد ربط المطالب بسقف معين من الشعارات إذ اراد ( الشعب ) ذلك . اي تجاوز شعارات الملكية البرلمانية ، لصالح نظام الجمهورية . وانسجاما مع هذا المطلب ، سيكسر حزب " النهج الديمقراطي " الطابو اليساري ، حين سيدخل في تنسيق مع تنظيم معارض عقائديا وليس ايديولوجيا ، هو جماعة " العدل والإحسان " ، آملا في بناء جبهة وطنية تقدمية ديمقراطية ، تضم كل الفئات والتنظيمات التي تطالب بالدولة الديمقراطية . لكن رغم مبادرة " النهج الديمقراطي " التي كسرت طابو التنسيق مع تنظيمات الاسلام السياسي ، فان الجماعة تخلت عن النهج ، كما تخلت عن حركة 20 فبراير ، حين فكت ارتباطها معها ، متذرعة بتبريرات واهية ، وهي ان حركة 20 فبراير استنفدت زخمها ، وان الاستمرار بعد هذا الاستنفاد ، سيغرق الشارع في بحر من الدماء ، وكأن الثورات التي حصلت في التاريخ لم تسل فيها دماء . ان السبب في انسحاب الجماعة من حراك 20 فبراير ، فضحته الاستاذة نادية ياسين بمقبرة ( الشهداء ) ، حين اعربت عن ندمها عن ابرام صفقة مع القصر ، للانسحاب على حساب 20 فبراير ، ومكوناتها السياسية التي اعتنقت شعاراتها . ان الدعوة الى ملكية برلمانية ، بالتوافق مع الشعب ، وليس مع الملك ، هي دعوة الى ثورة اصلاحية ، وليس ثورة ثورية ، ورغم ذلك فالقصر سيعتبرها بمثابة انقلاب عليه ، سيسلبه الاختصاصات والسلطات ، سواء تلك التي منصوص عليها في الدستور الممنوح والمكتوب ، او الاختصاصات والسلطات المنصوص عليها في الدستور العرفي الالهي بمقتضى عقد البيعة . لذا فالنظام لن يتردد في اغراق اي نزول الى الشارع في بحر من الدم . ولنفترض جدلا ، انه رغم انسكاب الدم ، تمكن الشعب من فرض مطلب الملكية البرلمانية . فلنا ان نتصور ، كيف سيقع بناء هذه الملكية ؟ ومن هي القبيلة او السلالة او العائلة التي سيتم معها بناء هذه الملكية ؟ هل مع محمد السادس الذي يكون قد اغرق الشوارع في الدم ؟ ام مع ابنه الحسن ؟ ام مع اخيه رشيد ؟ ام مع ابن عمه هشام ؟ ام مع امير آخر غير هؤلاء ، ومن قبيلة او سلالة غير سلالة او قبيلة العلويين ؟ ثم إذا كان الهدف من بناء الملكية البرلمانية ، هو بناء نظام العائلات ، وليس بناء نظام الشعب ، فهل الوصول الى هذه الملكية يستحق ان تسفك من اجلها الدماء في الشوارع ؟ ان دعوة حزب " الاشتراكي الموحد " وحزب " الطليعة " الى ملكية برلمانية بالتوافق مع الملك ، هي دعوة لا علاقة لها بالملكية البرلمانية الحقيقية ، لأنها وباسم الخصوصية ، ستعمل على تأبيد الملكية المطلقة الاستبدادية ، وليس حتى ملكية نصف ، او شبه مطلقة ، او نصف ، او شبه برلمانية. اما الدعوة الى ملكية برلمانية بالتحالف مع الشعب ، فهي دعوة الى نظام العائلات ، وليس نظام الشعب . لقد كان من الممكن بناء مثل هذه الملكية في بداية حكم محمد السادس ، خاصة وانه اعطى اشارت كثير في هذا الصدد هددت مصالح المخزن العتيق . لكن المجرمين الذين وقفوا وراء تفجيرات الدارالبيضاء في 16 مايو 2003 ، وتفجيرات مدريد في 11 مارس 2004 ، حالوا دون بناء ملكية برلمانية على الطريقة الاوربية ، فأصبح قدر المغرب الراهن ، محكوم بين نظامين : ا --- إمّا الاستمرار في نظام الملكية الاستبدادية المطلقة التي تمزج بشكل حربائي في تثبيت وجودها وبقاءها ، بين دستور مكتوب ممنوح ومستفتى عليه ( المعاصرة ) ، ودستور عرفي الهي منزل من السماء ، لان الملك امير للمؤمنين وخليفة الله في الارض ( الاصالة ) . ب --- وإمّا بناء جمهورية ديمقراطية على الطريقة الاوربية ، يكون فيها مصدر الحكم الانسان ، وليس الاله ، التراث الانساني وليس الدين . اما من يطمح الى بناء جمهوريات كما كان الحال في اوربة الشرقية ، وفي روسيا ، والصين ، وألبانيا ، ويوغوسلافيا ، فان فشل هذه النماذج من الانظمة الشمولية ، محكوم عليها بالفشل في المغرب ، لأنها ستركز للدولة الاستبدادية المطلقة ، وليس للدولة الديمقراطية التي تعتمد الانتخابات والاستفتاءات وصناديق الاقتراع . ان الملك ومحيطه الذي يعرف الضعف الواضح لأصحاب الملكية التوافقية مع الملك ، والضعف الواضح لأصحاب الملكية التوافقية مع الشعب ، لن يقبل ان ينصت الى مطلب الفريق الاول ، فأحرى ان يفاوضهم على اشياء لا يملكون القوة المادية والتنظيمية لفرضها . كما ان التوافق مع الشعب لبناء ملكية برلمانية ، يبقى أضغاث احلام ، إذا اغرقها النظام في بحر من الدماء . وحتى تتهيأ الظروف للوصول الى الجمهورية البرلمانية ، وهي لن تتهيأ ابدا بسبب نظام الرعايا ، فان قدر المغرب هو الاستمرار في العيش في ظل ملكية استبدادية ومطلقة ، ملكية الحق الالهي ، والإقطاعية الالهية .
#سعيد_الوجاني (هاشتاغ)
Oujjani_Said#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تمخض الجبل فولد فأرا
-
هل استشعر الملك محمد السادس بشيء يحاك ضده ؟
-
بين مغالطة - الاجماع الوطني - الاجماع الفاسد ، واقرار سيادة
...
-
- هيئة الامم المتحدة لتنظيم الاستفتاء بالصحراء الغربية - - ا
...
-
ألإقطاعية المخزنية والانتخابات
-
إقرار السيادة للشعب
-
- كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون - اتق الله يا جلا
...
-
قرار مجلس الامن المرتقب حول نزاع الصحراء
-
مثقف الطريق الوسط الراكد وراء المنصب الكبير
-
هل الصحراء مغربية ؟
-
هل سيتم حل قضية الصحراء الغربية بلجوء مجلس الامن الى الفصل ا
...
-
التجييش والتهييج
-
هل تعترف الامم المتحدة بالجمهورية الصحراوية ؟
-
وضع المرأة في المجتمع الراسمالي : الجنس والاستغلال
-
المرأة المحتقرة في النظام الراسمالي
-
في المغرب سلك القضاء من وظائف الامامة
-
اربعون سنة مرت على تأسيس الجمهورية العربية الصحراوية
-
النظام الملكي في مواجهة مباشرة مع مجلس الامن والامم المتحدة
-
الدولة القامعة
-
عندما تغيب الاستراتيجية تُفقد البوصلة ويعم التيه
المزيد.....
-
لحظة لقاء أطول وأقصر سيدتين في العالم لأول مرة.. شاهد الفرق
...
-
بوتين يحذر من استهداف الدول التي تُستخدم أسلحتها ضد روسيا وي
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك شمال قطاع غزة
-
هيّا نحتفل مع العالم بيوم التلفزيون، كيف تطوّرت -أم الشاشات-
...
-
نجاح غير مسبوق في التحول الرقمي.. بومي تُكرّم 5 شركاء مبدعين
...
-
أبرز ردود الفعل الدولية على مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالا
...
-
الفصل الخامس والسبعون - أمين
-
السفير الروسي في لندن: روسيا ستقيم رئاسة ترامب من خلال أفعال
...
-
رصد صواريخ -حزب الله- تحلق في أجواء نهاريا
-
مصر تعلن تمويل سد في الكونغو الديمقراطية وتتفق معها على مبدأ
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|