|
»فتح مصر«.. يا حفيظ!!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 1391 - 2005 / 12 / 6 - 10:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انفردت مجلة »المصور« بنشر وثيقة خطيرة منسوبة لجماعة »الإخوان المسلمين« تتضمن »خطة فتح مصر«. الوثيقة التي كشف عنها النقاب الزميل حمدي رزق، في خبطة صحفية مدوية وسبق صحفي يستحق عليه التهنئة، بالغة الأهمية، فضلا عن أنها بالغة الخطورة. وكما يقول المثل المصري الشائع فإن »الجواب يُقرأ من عنوانه«، وعنوان هذه الوثيقة صادم ومذهل ومروع. إنه »فتح مصر«! أي ان جماعة »الإخوان« -إذا ما صدقت الوثيقة- تتعامل مع مصر بمنطق الغزاة والفاتحين، وليس بمنطق الشريك في الجماعة الوطنية. ثم إن رنين كلمة »الفتح« يوحي باستعادة الأيام الخوالي عندما قام عمرو بن العاص بفتح مصر وشتان بين تلك الأيام الغابرة وبين أوقاتنا المعاصرة. فلماذا اختيار هذه الكلمة بالذات رغم ما تحمله من دلالات تثير الشقاق اكثر مما توحي بالثقة والطمأنينة، خاصة اذا ما ربطنا بينها وبين السيفين المرفوعين اعلاها والمشهرين علي رقاب العباد وتحتهما كلمة »وأعدوا« التي تبدأ بها الآية الكريمة التي تحث علي حمل السلاح واعداد العدة والعتاد توطئة لشن الحرب. فعلي من سيتم شن هذه الحرب الضروس، علما بأن المرشد العام لجماعة »الإخوان« قال لزميلنا الأستاذ جمال عنايت في برنامجه التليفزيوني »علي الهواء« الذي تبثه قناة »الصفوة« بشبكة أوربت الفضائية، ان »الإخوان« رغم عدم اعترافهم باسرائيل لن يقوموا بمحاربتها لأنها ستمشي وحدها، دون ان يقول لنا كيف ستمشي والي أين؟! لكن المهم انه اكد انه لا يعتزم محاربتها.. فعلي من إذاً سيتم إعلان الحرب؟ وما علاقة ذلك بـ»فتح« مصر؟! وإذا ما تركنا العنوان ونزلنا إلي ما هو مكتوب تحته سنجد ما هو أخطر. وأول ما يلفت النظر بهذا الصدد هو سعي »الوثيقة - الخطة« الي »وحدة العمل الإسلامي« عن طريق تصفية أي تيار إسلامي آخر إما بضمه أو تفريغه أو احتوائه مع عدم استعمال النتائج حتي تظهر جماعة الإخوان في صورة من يمثل الإسلام »وحدنا دون غيرنا حتي تستقر هذه الصورة في أذهان الجماهير وبالتالي تنتفي تدريجيا عن الآخرين«. هذا التكتيك ينطوي علي أكثر من مشكلة: فإن تسعي جماعة »الإخوان« إلي تأكيد هويتها الإسلامية ، هذا حق مشروع لها لكن ما هو غير مشروع أن تحاول »احتكار« هذه الهوية التي لا يستطيع احد ان يدعي امتلاكه لـ»توكيلها«. والأهم ان محاولة الوصول الي هذه الوضعية الاحتكارية تتضمن هي الاخري وسائل غير مشروعة مثل »الضم« أو »التفريغ« أو »الاحتواء« للتيارات الإسلامية الاخري.. وهي كلها وسائل تندرج تحت لافتة اعرض هي »التصفية« بنص الوثيقة فهل تكون هذه التصفية »فكرية« أم »جسدية« أيضا؟ وألا يفتح ذلك باب »حرب دينية« وإذا مضت هذه الحرب علي النحو الذي تتصوره الوثيقة فهل تكون هذه » القطبية الاحادية« لكل التيارات الاسلامية التي تم قضمها ثم هضمها في الكيان »الإخواني« مقدمة لإذعان المجتمع كله لهذا القطب الاوحد الذي يحتكر التمثيل الاسلامي؟! والا يمثل ذلك تحديا خطيرا للتحول الديمقراطي في المجتمع؟ تأتي بعد ذلك تكتيكات »استخدام التخفي والتمويه لتحقيق خطة التمكين« و»استخدام المرحلية اي التدرج في الخطوات« ومع انه من حق جماعة »الإخوان« استخدام التكتيكات التي يرونها مناسبة فان من حق المجتمع ان يبدي تخوفه -علي الأقل- من ان اساليب التخفي والتمويه لا تتوافق مع روح الحياة الديمقراطية التي تتطلب الشفافية والعلنية. ومما يعطي وزنا متزايدا لهذه التخوفات ان هذا التمويه وذاك التخفي ترتبط بهما تكتيكات اخري تنص عليها الوثيقة من بينها »موالاة اختراق المؤسسات الصحفية خاصة الحكومية منها والتوافق مع المؤسسات المستقلة«. و»استخدام النقابات المهنية والمنظمات المدنية في ايجاد هامش كبير للحركة« و»الاستفادة من حالة الامتداد الاعلامي والميديا العالمية في ايجاد مساحة من الحرية لحركة الإخوان في المجتمع«. والأخطر »تجريح المخالفين واتهامهم بالرشوة والعمالة لتحييد معظم المختلفين واسكات البعض الآخر«! معقول؟! بصراحة.. انا لا أصدق ان تصدر هذه الجملة الأخيرة عن جماعة مهتمة بالشأن العام حتي لو كانت جماعة فاشية لأن الاسلوب الذي تحض عليه غير اخلاقي ولا يليق الا بعصابات المافيا. ورغم اختلافاتي الفكرية والسياسية الكثيرة مع جماعة »الإخوان« فقد كنت لا أتصور أن تنزلق الي مثل هذا الاسلوب الذي يقترب من »بروتوكولات حكماء صهيون«! وعلي جماعة »الإخوان« ان تفسر لنا هذه الامور الملتبسة والتي تتنافي تماما مع ألف باء العمل السياسي المشروع والعملية الديمقراطية خاصة انها لم تعد -بحكم الأمر الواقع- جماعة »محظورة« وانما هي لاعب أساسي له في مجلس الشعب ثاني أكبر كتلة برلمانية بعد الحزب الحاكم ولا يمكن لها بالتالي ان تجمع بين اساليب العمل السري تحت الارض وبين اساليب العمل السياسي في وضح النهار. ومن حق الرأي العام ان يتلقي ردا من جماعة »الإخوان« -التي لم تعد محظورة- علي كل هذه التساؤلات لان هذه التكتيكات الواردة في الوثيقة -إذا صحت- منافية لا تنتمي الي الممارسة الديمقراطية بقدر ما تنتمي إلي أساليب التآمر. وغني عن البيان انه لا مكان للتآمر في العمل السياسي الشرعي. ولهذا.. أعود وأحث زعماء جماعة »الإخوان« علي شرح الموقف للناس، فالصمت ليس مقبولا في مثل هذه الأمور. والصمت ليس مرفوضا من جماعة »الإخوان« فقط وإنما هو مرفوض بنفس القوة من الحزب الوطني الحاكم لان الوثيقة التي نتحدث عنها اشارت الي اهمية »اقامة قنوات اتصال بالحزب الحاكم وبشخصيات نافذة في العمل السياسي«. واوضحت الوثيقة ان هذا ليس مجرد أمنية أو نية وإنما »تم هذا الأمر وتم وضعه في الاعتبار وهو في اطار التكثيف والاستفادة من هذه القنوات في اتاحة اكبر هامش من الحرية لحركة الإخوان في الشارع«. طبعا.. من حق أي حزب ان يجري اتصالات مع اي حزب آخر أو يقوم بالتنسيق معه او حتي ان يتحالف معه.. لكن هذا شيء والصفقات السرية شيء آخر. وبالتالي من حق الرأي العام واعضاء الحزب الوطني، ان يسمعوا كلاما واضحا من قيادة الحزب الوطني عن هذه الاتصالات التي قالت الوثيقة انها حدثت وانها في »اطار التكثيف«. فهل حدثت أم لم تحدث؟ وإذا كانت قد حدثت.. فمع من؟ وماذا جري فيها؟ وما تأثيرها علي نتائج الانتخابات التي نتابعها؟! وإذا لم تكن قد حدثت.. فلماذا تتحدث عنها وثيقة جماعة »الإخوان« علما بانها ليست من الأمور التي يتباهون بها؟! هذه أسئلة أساسية أطالب المسئولين في الحزب الوطني وجماعة »الإخوان« بالرد عليها وتوضيحها للرأي العام لان ذلك يتعلق بصلب العمل السياسي وصميم العملية الديمقراطية وجوهر الانتخابات الجارية. ومطالبتي لقيادة »الإخوان« بالذات بتوضيح موقفهم والاجابة عن الاسئلة الكثيرة التي تطرحها وثيقة »فتح مصر« نابعة من موقفي من الجماعة التي اختلف مع منطلقاتها الفكرية وتوجهاتها السياسية والايديولوجية من الألف إلي الياء ومع ذلك فاني لست من هواة تلويثها وإلصاق كل ما هو سلبي وشرير بها فهي ليست شيطانا ولا ملاكا.. وإنما جماعة تصيب حينا وتخطئ أحيانا.. ومطلوب منها أن تجيب عن الأسئلة المطروحة لانها باختصار.. اتهام بالتآمر.
قبل الطبع بعد أن كتبت هذا المقال.. ودفعت به إلي المطبعة نبهني احد الزملاء الي صدور تكذيب من المهندس محمد خيرت الشاطر النائب الثاني للمرشد العام للإخوان المسلمين منشور علي موقع »الإخوان أونلاين«. وبالرجوع الي هذا البيان اكد المهندس الشاطر ان الوثيقة المشار اليها مزورة قائلا ان ما سميت بالوثيقة انما هي مزورة وان التوقيع المنسوب الي مزور وان الموضوع من أساسه عار من الصحة ومختلف اختلافا كاملا. وردا علي ما يمكن ان يقال بان »الوثيقة« مطبوعة علي أوراق الجماعة قال البيان انه جري اولا طباعة شعار موقع »اخوان اونلاين« -الموقع الرسمي للإخوان- علي الورقة التي كتب عليها الكلام المنسوب للمهندس الشاطر وهو ما لا ينطبق علي وثائق الإخوان بفرض وجود شيء من هذا كما يبدو التلفيق في اطراف الصورة بشكل واضح عند موضع التقاء شعار الموقع مع ورقة الوثيقة المزورة. وهذا التكذيب مهم بطبيعة الحال.. لكنه لا ينهي المسألة فهناك تأشيرة مكتوبة علي الورقة وهي منسوبة للمهندس خيرت الشاطر.. وفي رأيي أنها فاصلة لأن مضاهاتها كفيلة بإثبات مدي صحة نسبتها للمهندس خيرت الشاطر. المسألة الثانية هي ان اثبات صحة الوثيقة من عدمه مسألة جوهرية ليس فقط لتبرئة ذمة الإخوان أو إمساكهم بالجرم المشهود وإنما لتنقية حياتنا السياسية من الأساليب غير الشريفة فإذا ثبت ان الوثيقة مزورة فيجب أن نعرف من زورها، ولمصلحة من، وكيف قام بدسها علي صحفي كبير مثل الزميل حمدي رزق، وكيف انطلت الحيلة علي مجلة رصينة مثل »المصور«. والأهم كيف نتجنب هذا السلاح الذي لا يقل خطورة عن صفقة الأسلحة الفاسدة. أما إذا ثبت العكس فإننا نعود إلي الأسئلة التي طرحناها وننتظر إجابتها.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطلوب إعادة الاعتبار إلي «فكرة» الانتخابات
-
رسالة »الإخوان« للحزب الوطني: وجب الشكر علينا
-
-أبانا- الذى فى البيت الأبيض!
-
صدق أو لا تصدق: إسرائيل أخضعت -السادات- لاختبارات كشف الكذب!
-
!أبو الغيط يؤذن فى المنامة
-
السودانيون يتدخلون فى الشئون الداخلية ل -جمهورية المهندسين-!
-
اغتيال -الحرية والإخاء والمساواة- فى عقر دار الثورة الفرنسية
-
برنامج الثلاث كلمات
-
اكثر المفكرين تأثيراً فى العالم
-
هل تتذكرون تراجيديا الفتنة الطائفية بالإسكندرية؟!
-
! مسرحية الإسكندرية أكذوبة
-
مرصد انفلونزا طيور الظلام الطائفية
-
! أربعة تعهدات.. وثماني علامات استفهام
-
فيروس التعصب الدينى يصل إلى مكتبة الأسرة
-
اعتذار .. عن مطالبة الكنيسة بالاعتذار
-
تقرير القاضي »ميليس«.. ليس حكم إدانة
-
-التَّوْلَه- الجماعية .. فى قضايا مصيرية!
-
سور شرم الشيخ .. غير العظيم
-
أول قصيدة الحزب الوطنى .. تسد النَّفْس
-
هل يطلب المصريون حق اللجوء -البيئى-؟
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
الإمارات تعلق رسميا على مقتل -الحاخام اليهودي-.. وتعلن القبض
...
-
من هم المسيحيون الذين يؤيدون ترامب -المخلص-؟
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|