أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - ماذا يعني البعث في ذاكرة العراقيين؟















المزيد.....

ماذا يعني البعث في ذاكرة العراقيين؟


عبدالخالق حسين

الحوار المتمدن-العدد: 1391 - 2005 / 12 / 6 - 10:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


نحن العراقيين، وبحكم التجربة المريرة من المعاناة طوال حكم البعث، صرنا أكثر شعوب العالم معرفة بمعنى (البعث) وماذا تعني هذه المفردة التي هي مرادفة للعنصرية والفاشية والنازية بأسوأ معانيها. فهي تثير في العراقيين الشعور بالرعب والفزع والقرف والمرارة وتحرك فيهم حالة سايكولوجية رهيبة تطاردهم حتى في منامهم على شكل كوابيس مرعبة. والبعث أطلق على حزب سياسي نشأ في سوريا في الأربعينات من القرن الماضي، اسمه الكامل (حزب البعث العربي الاشتراكي)، استمد مبادئه من النازية الألمانية والفاشية الإيطالية، وطبق بالأساليب الستالينية في العراق وسوريا ضد الديمقراطية ومع الإرهاب. وأعلن الحزب في الظاهر تبنيه لأهداف براقة مثل (الوحدة والحرية والاشتراكية)، ورفع شعاراً خادعاً (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة). أما في الواقع وبعد تجارب عشرات السنين من تسلطه على رقاب الشعبين العراقي والسوري وكذلك ما عاناه الشعب الكويتي خلال ستة أشهر من الغزو البعثي العراقي له عام 1990، فقد عرفنا حقيقة هذه الأهداف والشعارات البراقة.

ففي مخيلة العراقيين ترتبط مفردة (البعث) بالمقابر الجماعية وضحايا الغازات السامة في حلبجة والأنفال وإبادة الجنس والحروب والفقر والجوع والمرض والسجون والتعذيب والظلم والقهر والاستلاب والمنافي وإسقاط الجنسية عن أكثر من مليون مواطن وضياع حياة ومستقبل عدة أجيال وتدمير البئة... والقائمة تطول. وأهداف البعث تعني العكس تماماًَ لما هو معلن عنه. فالوحدة العربية لا تعني تخريب التضامن العربي فحسب بل وحتى تمزيق الشعب الواحد حيث تم وبشكل مبرمج، تفتيت النسيج الاجتماعي للشعب العراقي وإعادته إلى ما قبل مرحلة تكوين الشعوب أي إلى مرحلة القبلية والجاهلية الأولى. أما الحرية فمعناها العبودية وتأليه الدكتاتور. وأما الاشتراكية فتعني في قاموس البعث الفقر المدقع حتى ولو كان هذا الشعب يعيش في أغنى بلد مثل العراق العائم على بحر من النفط والثروات الطبيعية الأخرى. وباختصار فإن البعث يعني الدمار الشامل.

وحسناً فعل الأستاذ كنعان مكية في تأسيس (الذاكرة العراقية) والتي يديرها الآن الأستاذ مصطفى الكاظمي، وهي مؤسسة تجمع الوثائق والأدلة الثبوتية، بالصوت والصورة وغيرها تثبت جرائم النظام البعثي الساقط وما عاناه الشعب العراقي خلال حكمه الجائر الذي طال نحو أربعة عقود. والغرض من هذه المؤسسة هو إبقاء جرائم النظام باقية في الذاكرة العراقية لكي لا يسمح الشعب العراقي بعودة هكذا سلطة في المستقبل. وهو يشبه ما تقوم به الدول الأوربية بتذكير شعوبها بجرائم النازية والفاشية لمنع تكرارها.

مناسبة هذه المقالة هي ما أذاعته وكالات الأنباء عن اكتشاف مقبرة جماعية في وادي البقاع قرب المقر الرئيسي لجهاز الاستخبارات السورية التي كانت عاملة في لبنان نحو ثلاثين عاماً وعلى بعد ثلاثة كيلومترات من الحدود السورية ونقل رفات ستة وعشرين من الضحايا اللبنانيين إلى بيروت للتحري والكشف عن هوياتهم. فخلال فترة الاحتلال السوري للبنان، أعلن عن اختفاء العشرات وربما المئات من اللبنانيين دون العثور على أثر لهم. والآن وبعد انسحاب القوات السورية وتحرير لبنان وفق قرار مجلس الأمن الدولي 1559، "طلعت الشمس على الحرامية" كما يقول المثل وظهرت آثار جرائم البعث السوري. فهذه المقبرة هي أول الغيث والبقية تأتي. وهذا رد على جميع تخرصات أولئك الذين يدافعون عن حزب البعث، سواء العراقي أو السوري وراحوا يشككون بصراخ العراقيين من ظلم البعث. ولما طال الظلم أعضاء الحزب نفسه في العراق، ألقى بعض العروبيين اللوم على صدام حسين وحده من أجل تبرئة الحزب، وهذا طبعاً خداع وتضليل وجهل مفتعل.

إن صدام حسين لم يأت من فراغ، بل هو الوليد الشرعي لآيديولوجية حزب البعث. وقد ذكرنا مراراً وتكراراً أن صدام استطاع إزاحة منافسيه في الحزب والتسلق إلى قمة قيادته لأنه كان الشخص الأنسب والمهيأ أكثر من غيره، ساكولوجياً وتربوياً واخلاقياً، لهذه آيديولوجية العدوانية ولهكذا حزب مافيوزي. لذلك وكما قال "القائد المؤسس" ميشيل عفلق أن "حزب البعث هدية الأمة العربية للعراق وصدام حسين هدية العراق للأمة العربية". بمعنى وافق شن طبقة!! لذلك فهذه الجرائم البشعة التي ارتكبها نظام البعث ليس بسبب صدام وحده وتبرئة الحزب منها، بل هي نتاج الحزب وآيدويلوجيته الفاشية، سواء كان هذا الحزب في العراق بقيادة صدام حسين أو في سوريا بقيادة حافظ الأسد أو ابنه بشار الأسد، فلا فرق في الزمان والمكان والقيادات. ولمن يصر على تبرئة البعث من الجرائم، نسألهم هذا السؤال: ماذا كان موقع صدام حسين في الحزب في عهد انقلاب 8 شباط 1963 البعثي-القومي العروبي الأول والذي أطاح بثورة 14 تموز، حيث قام بمجزرة رهيبة في العراق راح ضحيتها أكثر من عشرين ألف من خيرة الوطنيين العراقيين؟ كما وضاقت السجون والمعتقلات بالمعتقلين، فحولوا الأندية والملاعب الرياضية إلى معتقلات ومقار للقتل والتعذيب. لم يكن صدام في ذلك الوقت أكثر من عضو قاعدي وحرس قومي، يمارس هواياته في تعذيب العراقيين.

أيها السادة، إن ما جرى في العراق وما سيكشف عنه الزمن قريباً في سوريا ولبنان، هو نتاج آيديولوجة البعث ولا يهم من هو في قيادته. فالكل يعرف ما عمله البعث السوري في مدينة حماه في السبعينات حيث قامت القوات البعثية بمجزرة رهيبة ضد سكانها الآمنين بسب مظاهرة احتجاجية عادية راح ضحيتها أكثر من ثلاثين ألف مواطن سوري، إضافة إلى نسف البيوت على رؤوس أصحابها. والله يعلم كم من مقابر جماعية سيتم اكتشافها في سوريا ولبنان بعد سقوط النظام السوري الفاشي كما حصل في العراق بعد سقوط هذا النظام الجائر فيه يوم 9 نيسان 2003 الأغر. الله في عون الشعبين اللبناني والسوري مما ارتكبه ويرتكبه هذا الحزب الفاشي ضد هذين الشعبين المسالمين. لقد صار اسم البعث مرادفاً للإرهاب سواء كان في السلطة أو خارجها. وما يجري في العراق بعد سقوطه من جرائم على أيدي فلوله وفي لبنان من تفجيرات واغتيال للشخصيات المناوئة للنظام السوري لدليل قاطع على ذلك.

وذات السياسة التي يمارسها النظام العروبي في ليبيا بقيادة "الأخ" معمر القذافي، الذي بدد ثروات البلد في بناء ترسانة أسلحة الدمار الشامل والذي اضطر أخيراً وبعد تهديده بمصير صدام حسين، فسلم كل ما عنده إلى أمريكا لكي ينجو بجلده. والمصير ذاته، ينتظر النظامين، الإيراني والسوري، في المستقبل القريب.

يجب أن نميز بين الحركات الوطنية والحركات القومية. وأفضل وصف جاء من الرئيس الألماني يوهانس راو عندما قال: "الوطني هو إنسان يحب ارض أجداده, والقومي هو الذي يحتقر أراضي اجداد الآخرين." فمعظم الحركات القومية انتهت بالعنصرية وقادت شعوبها إلى الكوارث، مثل النازية في ألمانيا والفاشية في إيطاليا وحركة القومية العربية الناصرية في البلاد العربية التي انتهت بهزيمة حزيران/يونيو1967، وليس آخرها هزيمة البعث في العراق وما جلبه على العراق والشعوب العربية من دمار. فمتى يفيق العرب من هذا الخدر الآيدويلوجي العروبي والإسلاموي ليسيروا بانسجام مع ركب الحضارة الإنسانية؟

إني أتوقع من بعض المعقبين على مقالاتنا من العنصريين العرب والإسلامويين المتطرفين مواصلة ما اعتادوا عليه في توجيه السباب لكل من لا يوافقهم على عنصريتهم واتهامهم بالشعوبية والعمالة للاستعمار والصهيونية... إلى آخر الأسطوانة المشروخة. فنقول لهؤلاء أفيقوا فإنكم تسيرون نحو الهاوية وأنتم نيام. فليس هناك من لا يعتز بانتمائه القومي والديني والمذهبي... ولكن يجب عدم تسييس هذه الانتماءات، حيث ألحق بها أشد الأضرار عندما تم زج العروبة والدين والطائفة بالسياسة. فالديمقراطيون العلمانيون في الغرب ليسوا ضد انتماءاتهم القومية أو الدينية، ولكنهم ضد جميع أشكال التمييز، العنصري والديني والطائفي وشعارهم عش ودع غيرك يعيش. وإثارة الكراهية بين مكونات البشر جريمة يعاقب على بقوانين صارمة. ولذلك عاشت هذه الشعوب بسلام وحققت قفزات هائلة في التقدم في جميع المجالات. وطالما بقيتم ترددون الشعارات الغوغائية في تسويق الشعارات العنصرية والدينية والطائفية وتأليه جلاديكم، فهناك المزيد من القهقرى والتراجع والمزيد من الكوارث.



#عبدالخالق_حسين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤتمر القاهرة يخدم أعداء العراق
- رسالة من العراق إلى أنظار حكومتنا الرشيدة
- مؤتمر الأقباط العالمي الثاني انتصار للمظلومين
- إقرار الدستور إنتصار لكل العراقيين
- ماذا هيأتم للانتخابات القادمة؟
- محكامة صدام عادلة لأنها تحت الإحتلال!
- ملاحظات حول محاكمة صدام حسين
- أهمية الاستفتاء على مسودة الدستور
- صولاغ الوزير الغشيم
- ما يجري في العراق فضيحة عربية
- من الذي يحكم في العراق؟
- من المستفيد من تصاعد التوتر في البصرة؟
- ما جدوى مشاركة عراقيي الخارج في الاستفتاء والانتخابات؟
- كارثة 11 سبتمبر وحكمة التاريخ
- على السنة العرب أن ينأوا بأنفسهم عن البعث
- فاجعة جسر الأئمة، من المسؤول عنها؟
- الدستور، والخيار بين - كل شيء أو لاشيء
- مظاهرة من أجل العبودية!!
- مسودة الدستور.. ما لها وما عليها
- موقف الإسلامويين من المرأة


المزيد.....




- الأنشطة الموازية للخطة التعليمية.. أي مهارات يكتسبها التلامي ...
- -من سيناديني ماما الآن؟-.. أم فلسطينية تودّع أطفالها الثلاثة ...
- اختبار سمع عن بُعد للمقيمين في الأراضي الفلسطينية
- تجدد الغارات على الضاحية الجنوبية لبيروت، ومقتل إسرائيلي بعد ...
- صواريخ بعيدة المدى.. تصعيد جديد في الحرب الروسية الأوكرانية ...
- الدفاع المدني بغزة: 412 من عناصرنا بين قتيل ومصاب ومعتقل وتد ...
- هجوم إسرائيلي على مصر بسبب الحوثيين
- الدفاع الصينية: على واشنطن الإسراع في تصحيح أخطائها
- إدارة بايدن -تشطب- ديونا مستحقة على كييف.. وترسل لها ألغاما ...
- كيف تعرف ما إذا كنت مراقبًا من خلال كاميرا هاتفك؟


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالخالق حسين - ماذا يعني البعث في ذاكرة العراقيين؟