منذر الفضل
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 11:15
المحور:
ملف 15-10- 2005 الديمقراطية والاصلاح السياسي في العالم العربي
ملخص محاضرة القيت في كوردستان في المؤتمر المنعقد يوم 20نوفمبر 2005 تحت عنوان
Democratization of the Middle East _ Problems and Prospective
يقول جون لوك (( حينما تنتهي سلطة الاستبداد تبدأ سلطة القانون ))
ماذا تعني سلطة القانون ؟
هل هناك ديمقراطية مع الاستبداد ؟
اسمحوا لي ان اشكركم شكرا جزيلا على دعوتكم لي للمشاركة في هذا المؤتمر الحيوي والمهم حيث تعيش منطقة الشرق الاوسط واسيا منذ فترة طويلة صراعات وازمات وتعقيدات جعلت تاثيراتها تمتد الى العالم كله حيث تأثر السلم والاستقرار والامن العالمي بسببها .
فالاعمال الارهابية التي وقعت في الولايات المتحدة الامريكية في سبتمبر 2001 ارتكبت من مواطني الشرق الاوسط واسيا, وتفجيرات لندن الاجرامية عام 2005 ارتكبها عدد من مواطني الشرق الاوسط ايضا و ما حصل في كوردستان من اعمال ارهابية وما يحصل في العراق من جرائم العنف السياسي يرتكبها عرب سواء من العراق ام من دول الشرق الاوسط وافريقيا , والاعمال الارهابية التي طالت الاردن في نوفمبر 2005 خطط لها ونفذها عدد من مواطني الشرق الاوسط , كما دارت اعنف الحروب في المنطقة وهكذا , وسبب ذلك يعود الى ازمة الديمقراطية ومصادرة ارادة الشعوب ورغباتها الى جانب شيوع ظاهرة ثقافة الموت بسبب التطرف الديني والقومي ووجود ازمة في الفكر الاسلامي وفي المفكر الاسلامي حيث انهما ابتعدا عن التطور والحداثة مما سببا اشكالية اخرى .
واذا كانت الديمقراطية واحدة من هذه الازمات حيث تعاني شعوب الشرق الاوسط واسيا من الاستبداد الديني والقومي في اغلب الدول فان ذلك يؤثر سلبا على حقوق الانسان والتنمية والأمن والاستقرار .
والديمقراطية تعني حكم الشعب من خلال ممثليه وتكون الدولة في خدمة المواطن وليس العكس ولا تعني الديمقراطية انها حكم الاغلبية ابدا , وانما تعني حكم الجميع بصورة متساوية ومتكافئة . والديمقراطية ليست حلا لمشكلة وانما هي وسيلة لحل المشكلات . ولهذا فان الحل الامثل لبناء الديمقراطية هو في تبني عقد اجتماعي بين الحاكم والمحكوم , أي بوجود الدستور . والدستور هو القانون الأعلى للبلاد الذي يتضمن الاسس التي لا يجوز مخالفتها وفي ضوئها تصدر القوانين . وهذا الدستور يبين شكل الدولة , هل هو بسيط ومركز أم مركب , أي فيدرالي , ويوضح شكل نظام الحكم , هل هو جمهوري أم ملكي , والحقوق والحريات الاساسية والمبادئ العامة الاخرى ولا سيما قضية التداول السلمي للسلطة .
والدستور هو الاساس في حل اشكاليات التحول الديمقراطي , حيث تنبثق طبقا له جمعية وطنية (برلمان منتخب ) وحكومة منتخبة وصحافة حرة ورقابة ومحاسبة من خلال مفوضية النزاهة او الرقابة المالية , ولكن يبقى الدستور ليس هو الضمانة اذ ان هناك كثيرا من الدول الاستبدادية فيها دستور وبرلمان وتداول سلمي للسلطة وتنادي بالديمقراطية ولكنها تنتهك حقوق الانسان وليس فيها ديمقراطية ليبرالية حقيقية , اذ ان العبرة في الاحترام الطوعي للدستور والقانون وفي اعتماد مبدأ الفصل بين السلطات وليس تركيز السلطة بيد الحاكم سواء أكان ملكا أم رئيس جمهورية .
إن آراء جان جاك روسو ومونتسيكيو وجون لوك وغيرهم هي حجر الزاوية في دساتير العالم الديمقرطي , ولاشك ان الدستور يجب ان يشمل القواعد الاساسية للعملية الديمقراطية من انتخابات وتداول سلمي للسلطة والحقوق الاساسية وغيرها .
ولعل من شروط نجاح الديمقراطية في مجتمع ما هو توفر روح التسامح والقبول والتعايش السلمي مع من تختلف معهم , أي اقرار حق الاختلاف , ولهذا فان الديمقراطية ممارسة وتثقيف وقبول بالاخر الذي لا يؤمن بالعنف ويؤمن بالحوار . ولا تسامح او حوار مع من يؤمن بالعنف السياسي ( الارهاب ) ولهذا فان الاعمال الاجرامية التي ترتكب في العراق ينفذها مجرمون وقتلة لا يجوز الحوار معهم ولا يجوز وصفهم بالمقاومة , اذ كيف يمكن ان نصف الاعمال الارهابية وقتل المدنيين بالمقاومة ؟ وكيف يمكن ان نقارن بين جيش يمارس العدوان ويغزو دوله اخرى مثل جيوش صدام التي احتلت دولة الكويت عام 1991 وقاومها ابناء الكويت مقاومة باسلة دفاعا عن اموالهم ووطنهم وشرفهم وتاريخهم وردا للعدوان الصدامي , وبين جيش حرر العراق من احتلال داخلي وهو احتلال طاغية مجنون قتل مئات الالاف من البشر واشعل البلاد بالحروب ودعم الارهاب وهدد أمن المنطقة والعالم ؟
شتان ما بين محتل غازي مثل جيش البعث وبين قوات حررت العراق والمنطقة من مجرم مستبد ودعمت القوى الوطنية العراقية في بناء مؤسسات العراق .
إن أغلب بلدان الشرق الاوسط واسيا هي انظمة حكم مركزة ودول بسيطة في ضوء القانون الدولي , وهي تفتقد لقواعد الحكم الديمقراطي , ففي العراق حكم حزب البعث حوالي 40 سنة بصورة استبدادية وارتكبت جرائم خطيرة في ظل هذا الحكم الذي يمثل نموذجا للنازية العربية رغم وجود دستور ومؤسسات شكلية من برلمان وقضاء وصحافة .
لقد تحرر العراق من الدكتاتورية في 9 نيسان 2003 وبقيت قوات متعددة الجنسيات فيه طبقا لقرار مجلس الامن الدولي 1546 وكان لقوات البيشمركة دورا كبيرا في عمليات التحرير ومن المستحيل ان يتحول العراق مباشرة الى الديمقراطية دون المرور بمرحلة انتقالية لتجاوز موروث النظام السابق الذي تسبب في هجرة العقول وتدمير الانسان ونشر الافكار الغيبية والفوضى وانتهاكات لحقوق الانسان والغاء للاخر , وما حصل في العراق قريب في بعض ظروفه من وضع جنوب افريقيا .
وقد رسم قرار مجلس الامن الدولي خارطة الطريق لبناء مؤسسات الدولة العراقية ونقل السيادة الى العراقيين وأسس بناء التحول الديمقراطي.
ولكن هل يمكن تصدير الديمقراطية للشرق الاوسط ومنها للعراق ؟
الجواب : لا , لايمكن تصدير الديمقراطية لدول الشرق الاوسط ولا للعراق بصورة خاصة , اذ كيف يمكن نقل او ترحيل الديمقراطية من مجتمع فيه كل مظاهر التطور ورسخ قواعد الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة الى مجتمع عاش في ظل قسوة الاستبداد حوالي نصف قرن وفي ظل مجتمع شبه صناعي _ زراعي بدائي ومحروم من كل شئ ؟
ولهذا فان التجارب الاجتماعية والسياسية لا تستنسخ ولا تصدر ولكن يمكن الاستفادة منها , ففي تجربة العراق ما بعد التحرير نجحت الخطوة الاولى نحو التحول للديمقراطية , وهي اجراء الانتخابات للجمعية الوطنية , ثم جرت عملية كتابة الدستور باختيار 55 عضوا من جمعية منتخبة والاستفتاء عليه , وستجري الانتخابات الثانية يوم 15 ديسمبر ( مرحلة التحول الديمقراطي ) .
ومع ذلك فهناك ثقافة كونية ومعايير انسانية مثل احترام حقوق الانسان وفصل السلطات وسيادة القانون وضمانات التقاضي واستقلال القضاء وغيرها .
ان قوات التحالف نجحت في العمليات العسكرية ولابد ان تنجح في العملية السياسية فاذا فشلت في ذلك يعني فشل التحول الديمقراطي في العراق وحصول تاثير سلبي على منطقة الشرق الاوسط وانتشار ثقافة العنف , ولهذا لابد من وضع خارطة الطريق لرسم اسس التحول الديمقراطي في العراق ليكون نموذجا للديمقراطية في الشرق الاوسط غير ان هذا الامر يحتاج الى مزيد من الوقت .
لماذا دمقرطة الشرق الاوسط ؟
الجواب :
لان معظم بلدان الشرق الاوسط واسيا ذات انظمة استبدادية تسئ استعمال السلطة وهذا يضعف شرعية وجودها , وتنتهك حقوق الانسان وهذا يهدد شرعيتها , وتنتهك حقوق المرأة وتجعلها نصف انسان , وقد جرت نقاشات في الازهر حول ولاية المرأة للمنصب السيادي في الدولة ما بين رافض ومؤيد لهذه الولاية :
http://www.aljeeran.net/viewarticle.php?id=index-20051120-35600
هذا فضلا عن ان اغلب هذه البلدان تمارس عملية تسيس الدين وتنتهك حقوق الاقليات القومية مما يضعف شرعيتها وكذلك ليس فيها انتخابات نزيهة اي أن ممثلي الشعب لا يمثلون الشعب بصورة حقيقية , بل ان بعضها لا تعترف بالانتخابات كوسيلة لتمثيل الشعب وحكم الشعب اساسا , ولهذا تنعدم المعارضة السياسية للحكم او تكون ضعيفة الوجود أو لا رأي لها بتاتا مما يدلل على الاستبداد الذي يقود الى الاضطهاد وممارسة الظلم وتغييب ارادة الشعب الحقيقية .
التوقعات لبناء الديمقراطية
ان افضل ما يمكن ان تقدمة الديمقراطية هو البحث عن السعادة للانسان من خلال تحقيق مايلي :
• ازدهار في الخدمات الصحية للمواطنين .
• ازدهار في التعليم بسبب تكافؤ الفرص .
• ازدهار في احترام حقوق الانسان واعتماد المعايير الدولية .
• ازدهار في فرص العمل وانتعاش الوضع الاقتصادي .
• انتخابات عادلة ومنافسات قانونية من أجل التداول السلمي للسلطة .
كيف ينجح البناء الديمقراطي ؟
الجواب : ينجح البناء الدمقراطي من خلال احترام الحكام والمسؤولين للدستور و للقانون طواعية وكذلك :
• احترام طوعي من اعضاء البرلمان للدستور و للقانون .
• احترام الحكام الاداريين للدستور و للقانون بصورة طوعية .
• احترام الوزراء ورئيس الوزراء ورئيس الدولة للدستور وللقانون بصورة طوعية .
• التخلص من التطرف القومي والديني ونشر ثقافة التسامح وثقافة الاختلاف .
• اجتثاث البعث في العراق وفي بعض دول الجوار مثل سوريا والاردن والمغرب العربي .
• نشر ثقافة سياسية دستورية .
• خلق ظروف اقتصادية جيدة .
• المساواة على اساس المواطنة وليس على اساس الدين أو العرق أو العشيرة .
• الفصل بين السلطات .
• الرقابة الدستورية على شرعية القوانين .
كما إن اقرار حق تقرير المصير للشعوب في الدستور هو جزء من عملية التحول الديمقراطي لان الديمقراطية هي وسيلة لحل المشكلات , وفي تقرير المصير اعتراف بحق الشعوب وحل للمشكلة القومية بصورة سلمية في البلدان التي تعاني من هذه المشكلة مثل سوريا والعراق وتركيا , ولهذا فان الاعتراف بحقوق الشعب الكوردي في تقرير المصير ومنها حقه في الاستقلال وتكوين دولته المستقلة تطبيق للسلوك الحضاري وللديمقراطية من خلال احترام ارادة الشعب .
ولعل من المفارقات ان في الحكومات الاستبدادية في الشرق الاوسط وغيرها من البلدان يصاب المواطنون بالدهشة حينما يحترم المسؤولون القانون بينما في الحكومات الديمقراطية يندهش الشعب حينما لا يحترم المسؤولون القانون كما ان رفض نتائج الانتخابات عملية مخجلة في بلد ديمقراطي دستوري لانه خلاف اسس الديمقراطية.
وحينما تكون الدولة اداة للعدوان والعنف تكون الديمقراطية في خطر ومن هنا ضرورة احترام السلطة التنفيذية للقانون لكي تتعزز الديمقراطية اذ لا يجوز ممارسة التعذيب مثلا من اجهزة الامن او الشرطة لانه مخالفة دستورية وقانونية توجب المسؤولية على الفاعلين .
ان الديمقراطية هي النظام السياسي الوحيد الذي يليق بالشعوب التي تقدس الحرية والكرامة وان اهم ضمانة لقيام الديمقراطية هي الدستور القائم على اسس صحيحة لانه اساس لمبدأ سيادة القانون ونهاية لكل اشكال الاستبداد واساءة استعمال السلطة التي بليت بها دول الشرق واسيا .
ونحن نعتقد ايضا ان الديمقراطية تتعزز من خلال مظاهر متعددة مثل الاستجواب للمسؤولين وهو ما يشير الى ان لا أحد فوق القانون ومثال ذلك :
• استجواب الوزير .
• استجواب رئيس الوزراء .
• استجواب رئيس الدولة .
معوقات بناء الديمقراطية في الشرق الاوسط
1. التطرف الديني خطر على الديمقراطية .
2. التطرف القومي .
3. انتهاكات حقوق الانسان .
4. خرق الدستور .
5. الارهاب ( العنف السياسي ) .
6. انعدام الانتخابات الديمقراطية والشفافية ووجود جمهوريات وراثية مثل سوريا .
7. تسيس القضاء وانعدام الاستقلالية .
8. انعدام الاعلام الحر .
9. مشكلة الاقليات القومية والدينية وضرورة حمايتها .
10. مشكلة فصل السلطات .
11. الفساد المالي والاداري
ونشير الى أن هناك العديد من الاحزاب والقوى السياسية في دول الشرق ترفض اعتبار الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهود الدولية والاتفاقات المختلفة التي ترفع من مكانة الانسان مصدرا للتشريع وجزءا من الدستور لاعتقادها انها مخالفة للاسلام وهو موقف غير سليم نابع من التطرف .
كما نعتقد ان تفتيت السلطة المركزية واعادة هيكلة شكل الدولة من دولة بسيطة الى دولة مركبة فيدرالية او اتحادية يجري بموجبه تقاسم الثروة والسلطة بين حكومة المركز والاقاليم خطوة لتعزيز التحول الديمقراطي وهو ما حصل في العراق في مشروع الدستور الجديد .
ونحن نعتقد بانه لا يمكن بناء الديمقراطية الا مع ترسيخ الاسس التالية :
• احترام حقوق الانسان .
• احترام حقوق القوميات وحماية حقوق الاقليات الدينية واتباع الديانات .
• احترام حقوق المرأة وتحريم سياسة التمييز بسبب الجنس .
• بناء المجتمع المدني ودعم منظمات المجتمع المدني .
• حرية الاعتقاد ( حرية التفكير والتعبير ) .
• فصل الدين عن الدولة وعدم تسيس الدين .
• فصل الجيش عن السياسة وعدم تسيس الجيش والقضاء والتعليم .
• مكافحة الفساد المالي والاداري .
• تعديل واصلاح المناهج الدراسية ( التربية الاسلامية , ونبذ العنف ونبذ النزعة القومية المتطرفة ونبذ الحرب ونشر ثقافة التسامح ) .
• اصلاح النظام القانوني لكي ينسجم مع الدستور ( قانون العقوبات وقانون الاحوال الشخصية والقانون المدني وقانون الانتخابات .....) .
• مشاركة فاعلة لصوت المرأة في البرلمان وفي مفاصل الدولة والمجتمع لتمثيل المرأة لا لتمثيل الاحزاب .
• الغاء سياسة التمييز والتفرقة بسبب الجنس او المذهب او الدين او الفكر او المعتقد
• السيطرة المدنية على الجهاز العسكري .
• استقلال القضاء وتحريم التدخل في شؤونه .
وفي الختام نستطيع القول إن العبارة الوحيدة التي يمكن أن تصدر للشرق الاوسط لبناء الديمقراطية هي العبارة التي قالها الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة ابراهام لينكولن في عام 1863 في خطابه عندما قال :
حكومة من الشعب
يختارها الشعب
يجب أن لا تزول من على وجه هذه الارض .
#منذر_الفضل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟