|
صلاح الدين الأيوبى ونائبه قراقوش
محفوظ أبو كيلة
الحوار المتمدن-العدد: 5143 - 2016 / 4 / 25 - 11:24
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
صلاح الملك الناصر أبو المظفر صلاح الدين والدنيا يوسف بن أيوب الدين، قائد جند الغز "الأكراد بنى جلدته" ووزير الخليفة الفاطمي العاضد لدين الله، انقلب على ولى نعمته واغتصب منه حكم مصر وتوابعها فى الشام والحجاز وتهامة واليمن عام 1170. ومن أولى أوامره بعد زوال الخلافة الفاطمية في مصر التي استمرت نحو 260عام، كان اغلاق الجامع اﻷ-;-زهر و حظر الصلاة فيه تماما وتدمير مكتبته التى كانت تحتوى على مخطوطات نادرة بهدف القضاء على كل ما له صلة بالمذهب الشيعي. وتوجه عام 1174 إلى الشام لتوسعة وتوطيد ملكه غازيا تارة ومتحالفا أخرى للممالك والإمارات والمدن العربية والشامية والسلوجيقية والزنكيىة والكردية والفراتية والتركية والصليبية. ويقرر عدد من المؤرخين منهم حسن الأمين ناقلا عما جاء فى "كتاب الفتح القسي في الفتح القدسي"، للعماد الأصفهاني، أحد المُشاركين في "جماعة الإعلام" الذي انشأها صلاح الدين ويصطحبها في تنقلاته ليُذيعوا على الناس فى الأمصار مايريد أن ينشره من أخبار:"بدأ صلاح الدين يُمهد للصلح مع الصليبيين، والإعتراف بماملكهم وإنهاء حالة الحرب معهم ، وفاوضهم على ذلك أخوه العادل وانتهت المفاوضات بالاستسلام الكامل للصليبيين، وكان السبب فى ذلك أن صلاح الدين كان بحاجه لهم لمقاومة جيش الخليفة العباسى الناصر الذى كان فى طريقه لمحاربة الصليبين وإستلام المناطق التى تحت يد صلاح الدين، والتى كان يحكمها تحت راية الخلافة العباسية، وقد أدرك صلاح الدين أنه بقدوم الخليف بجيشه، ستصبح أملاكه ولاية خاضعة للخلافة، وبالتالي سيصبح هو الآخر أحد الولاة التابعين للخليفة. ويقول الدكتور حسين مؤنس، أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة، في هذا الشأن: «تنازل صلاح الدين للصليبيين عن جزء من الساحل يمتد من صور شمالاً إلى حيفا فى الجنوب،... ويضيف أنه بعدما علم الخليفة بتصالح (صلاح الدين) مع الصليبيين والتحالف بينهما، تراجع عن فكرة إرسال جيشه إلى فلسطين، خوفًا من الدخول في حرب لاطاقة له بها يتعاون فيها ضده، ممالك الصليبيون مع ممالك المسلمين. وعلى مدى 18 عام قضاها فى هذه الحروب عين صلاح الدين الأيوبى بهاء الدين قراقوش الذى كان مملوكا خصيا من خدمه نائبا له. وقد كان طاغية غشوما، سفاكا للدماء، فقد ذكرالمؤرخ الثقة تقي الدين المقريزي، أن صلاح الدين كلفه بنزع ملكية الأراضى الزراعية من ملاكها المصريين واقطاعها إلى أمراء جندة مقابل جلب أعداد من الجنود تتناسب مع المساحة المقطعة لكل منهم، وإعاشتهم وتزويدهم بالسلاح والعتاد منشئا نظاما للإقطاع العسكرى محولا جميع الملاك والفلاحين المصريين إلى أجراء لدى هؤلاء القادة، وترتب على هذا النظام أن صارت أراضى مصر كلها تقطع لصالح السلطان وقادة جنده، وبات الفلاح المصرى يزرع فى أرض ليست ملكا له، وامتلك أصحاب الإقطاع وسائل الإنتاج، من أبقار وسواقى وما إلى ذلك، واجبر الفلاحين على استضافة الغز هم وركائبهم فى بيوتهم، والعمل سخرة فى خدمتهم ولم يسلموا من الضرب والإهانة، وإحتكر أيضا قادة الجند الأخشاب والحديد، وتجارة المحاصيل، وأصبح حال المصريين فى العصر الأيوبى، مابين تشرد وإفلاس. وقد سخر قراقوش في بناء قلعة الجبل بالمقطم المعروفة حاليا بقلعة صلاح الدين عشرات الألوف يوميا، يخطفون من الشوارع و من منازلهم ومن على أبواب القاهرة والمراسى النيلية عنوة وتصادر دوابهم، ثم يُساقون إلى العمل قسرا تحت إشراف قوم من العرفاء الظلمة القساة، و لا يحصلون من الأجر إلا على كسرة جافة يتبلعونها بالماء العكر، و كان الكثير منهم يهلك ويموت من القسوة و الإنهاك و سوء التغذية، و هدم كثير من المساجد والأبنية والمعابد الفرعونية، ويقول المقريزى في كتابه الخطط : «كان هناك عدد كبير من الأهرامات في منطقة الجيزة، هدمها صلاح الدين بأكملها ولم يتبق منها سوى ثلاثة من أعظمها، وأخذ حجارتها ليبنى بها قلعته المعروفة بإسمه، والسورالجديد المحيط بالقاهرة، " ويشير المؤرخ عبد اللطيف بن يوسف البغدادي في كتابه " لإفادة والاعتبار "حاول قراقوش وزير صلاح الدين هدم الأهرامات الثلاثة المتبقية، فبدأ بالهرم الصغير، فأوفد إليه النقابين والحجارين، وجماعة من عظماء الدولة وأمراء المملكة، وأمرهم بهدمه ووكلهم بخرابه، فخيموا عندها، وحشروا عليها الرجال ووفروا عليهم النفقات، وأقاموا يهدمون كل يوم بعد بذل الجهد، واستفراغ الوسع، الحجر والحجرين فرحلوا بعد 8 أشهر". وفي كتاب «التطور العمراني لمدينة القاهرة منذ نشأتها وحتى الآن» للدكتور أيمن فؤاد السيد، قال: "استولى قراقوش على ما في القصور من خزائن ودواوين وأموال ونفائس، وأباح بيع كل ما وجد فيها ، حتى أنه يبيع كل ما خرج منها لمدة 10 سنين، كما اقطع أمراءه وخواصه ما كان للفاطميين من دور ورباع، وقال المقريزي أيضًا في كتابه "خطط المقريزي": "السلطان صلاح الدين استولى على ما بالجامع الأزهر من فضة قدر ثمنها بـ5 آلاف درهم ثم استولى على كل ما وقعت عليه يداه من فضة في بقية المساجد وبقي المسجد الأزهر معطلا لا تقام فيه الصلاة مائة عام حتى اعاده إفتتاحه السلطان المملوكى الظاهر بيبرس". ويقول الدكتور محمود اسماعيل: "ان صلاح الدين الأيوبى دمر أعظم مكتبة عرفتها مصر الإسلامية، وهى مكتبة دار الحكمة التى كانت من أعظم الخزائن، وأكثرها جمعاً للكتب النفيسة من جميع العلوم، و تضم الكثير من المخطوطات والوثائق الدالة على فترة حكم الفاطميين، وذكر المقريزي: "أنه في عهد صلاح الدين قضي على خزائن المكتبات بدار الكتب والأزهر والجوامع، تحت إمرة قراقوش بأن أغرقها فى النيل دون فرزها ، إلى أن تمكن القاضى الفاضل من إقناع قراقوش ببيع ما تبقى من كتب، وكان عظيما، وحدد لبيعها يومين من كل أسبوع، واستمر البيع لمدة 10 سنوات تولى فيها تجار الكتب والدلالون مهمة البيع". وقد انتهت إلينا رسالة خطية صغيرة منسوبة للأسعد بن مماتي ناظر الديوان و عنوانها " الفاشوش في أحكام قراقوش" ، و يقول فيها: "إنني لما رأيت عقل بهاء الدين قراقوش "مخرمة وفاشوش" وأوشكت على أتلاف الأمة، وبدأ يزيف الشرع فى أحكامه صُغت هذا الكتاب، عسى أن يريح منه المسلمين وتضمنت الرسالة بعض من نوادر قراقوش منها : "انه جاءه فلاح يشكو جنديا ، حيث كان يركب سفينة ومعه زوجته الحامل فوكزها الجندي فأجهضها ، فحكم قراقوش بأن يأخذ الجندي زوجة الفلاح عنده وكما أجهضها عليه أن يحبلها! ـ وشكا رجل إلى قراقوش تاجرا أكل عليه أمواله ، فقال التاجر كلما وفرت له الأموال بحثت عنه فلم أجده ، فحكم بأن يسجن الرجل صاحب الدين حتى يعرف المدين مكانه حين يريد التسديد ـ عندما هرب طائره الباز من القفص وطار، أمر بغلق كل أبواب القاهرة حتى لا يستطيع الفرار..." لقد أدت أفعال قراقوش الشاذة فى قسوتها وحمقها بين الناس ان لصقت به منذ عصره، ثم تناقلتها الأجيال، وصار يحتل في الضمير الشعبي المصرى شخصية الحاكم الظالم الأحمق ، الطاغية الغشوم، سفاك الدماء ". فشاع بين الناس حتى اليوم، القول فى وجه كل ظالم غشوم "ولا حكم قراقوش" ، "آخر خدمة الغز علقة". نأمل أن نكون قد ساهمنا فى القاء الضوء على شخصية صلاح الدين الحقيقية منذ أن جاء مصرعام 1165، كقائد لجماعة من الجند الغز، وكيف انها شخصية تاريخية متفردة, ليس من كونه قائد عسكرى بارع فقط، ولكن من قدرته الخارقة على الإنقلاب على أولياء نعمته، وتوحده مع قاعدة أن الغاية تبرر الوسيلة. والمهارة فى توسيع وتوطيد ملكة موظفا المشاعر الدينية تارة ضد الشيعة واخرى ضد الصليبيين. مقدما نموذجا تاريخيا عن كيفية تزييف وعى الشعوب بإسخدام الدين.
#محفوظ_أبو_كيلة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأزهر
-
الآثار المترتبة على القواعد الاستيرادية الأخيرة
-
مصر التى فى خاطرى
-
نوبار باشا: شخصية من مصر
-
التقلص السياسى ، والتمدد الثقافى للتيارات الإسلامية
-
عمر لطفى: شخصية من مصر
-
محمود مختار: شخصية من مصر
-
دكتور نجيب محفوظ: شخصية من مصر
-
الشيخ الباقورى: شخصية من مصر
-
على باشا مبارك: شخصبة من مصر
-
العارف بالله، السيد ابراهيم الدسوقى
-
سلامة موسى: شخصية من مصر
-
الأب أثناسيوس: شخصية من مصر
-
بديع خير: شخصية من مصر
-
دكتور ثروت عكاشة: شخصية من مصر
-
مينا دانيال: شخصية من مصر
-
محمود باشا الفلكى: شخصية من مصر
-
شهدى عطية الشافعى: شخصية من مصر
-
السيد درويش: شخصية من مصر
-
القديسة فيرينا
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|