|
تهافت المانفيستو النمري
موسى راكان موسى
الحوار المتمدن-العدد: 5143 - 2016 / 4 / 25 - 02:26
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
(( أعزائي الشيوعيون ! إسمحوا لي بأن أدعي بأن الموضوع أدناه إنما هو البيان الشيوعي المكمل لبيان ماركس 1848 و لذلك أرى أن يدرس الموضوع بعمق و هو ما من شأنه أن يعزز العزم و الفكر الشيوعيين ، كما لي أن أدعي أن ليس ثمة موقف شيوعي يتجاوز هذا البيان )) ــ و بهذا التقديم يمهد الأستاذ فؤاد النمري لولوج الطرح المعنون بالحوار المتمدن بعنوان (( المانفيستو الشيوعي اليوم )) ، و أوّد قبل الخوض في الطرح نفسه أن أخوض في التقديم بعض الشيء : 1. من حق الشيوعيين و غير الشيوعيين الخوض في الإطروحات الماركسية دون إستثناء و دون أي شروط مُسبقة ؛ و من ذلك أمارس بعض من هذا الحق بنفسي هنا . 2. أتعجب من الأستاذ النمري ، و هو الذي يتبنى الإنقطاع البنيوي الطوري المؤقّت بالسبعينيات [ و على وجه الدقة بإعلان رامبوييه ] ، يصف بيانه بـ(ـالمكمل) لبيان ماركس ! ــ فإما أن يكون النمري استبصر ما لم يستبصره ماركس في حينه ، فلا يزال طور ماركس هو نفسه طور النمري ، أو لا يعدو الأمر كونه مجرد خطئ من النمري في التعبير ؛ لكن أيا يكن الأمر ، فإن البيان عليه أن يكون هو الآخر قطع مع البيان السابق لا تكامل . أوليس النمري نفسه يدعي أننا الآن في طور هو هو قطع مع الطور الرأسمالي ؟! .
و سنتجاوز السرد الإخباري في الطرح كله ، الذي لا يعدو كونه مجرد حشو ــ فنبدأ بالتركيز على نقطتين لها علاقة بستالين في الطرح : 1. التسعير الطبقي ؛ بشكل خاص مع الفلاحين ، و بشكل عام مع الطبقة الوسطى بكل ما تضمه من فئات [ الإنتلجنسيا و العسكرتيريا ] . 2. تصفية الكهول في القيادة و المكتب السياسي للحزب لصالح العنصر الشبابي .
* النقطة الأولى كان قد أتخذ ستالين منها موقفا سلبيا ، لأسباب موضوعية مؤقتة [ و هو ما يرجحه النمري ] ، أما الثانية فقد إتخذ منها ستالين موقفا إيجابيا [ حتى أنه حين رفض طلبه الذي يدعو فيه لمنع إعادة إنتخاب الكهول ، ليحل محلهم الشباب ــ تقدم بطلب إضافة 12 عضو ، يشترط أن يكونوا من شباب ، ضمن عضوية المكتب السياسي ] .
لكن في النقطة الأولى ، حيث لا نتفق مع من يسمي الإتحاد السوفييتي بـ(ـرأسمالية الدولة) ، نقول بكل صراحة و وضوح (( حيث لا رأسمالية ، لا بروليتاريا )) ؛ فليس كل عامل مُنتِج هو هو بروليتاري ، لكن كل بروليتاري هو عامل مُنتِج ، و الأمر ليس مجرد فزلكة لغوية [ و ليس ذنبنا أن البعض يهوى أن يظل سطحيا في نظره ] ــ إذا فالإعراض عن التسعير الطبقي لم يكن لصالح البروليتاريا بقدر ما هي مُستجدات في الكل الإجتماعي في الإتحاد السوفييتي عجز أمامها ستالين و أعضاء الحزب (الكهول) ، فلم يكن هناك أي بروليتاريا في كل الإتحاد السوفييتي و إن كان هناك من يمكن أن نقول عنهم أنهم عمال مُنتِجين ، لذا حاول ستالين أن يعطي الدور لدماء جديدة يمكنها أن تواجه هذه المُستجدات ؛ لكن الأمر كله إنتهى إلى خيبة .
# (( ماهية البروليتاريا )) ركن حاسم لا يتناوله النمري كما يجب ، أو بالأحرى يتناوله كما لا يجب ؛ أي كطبقة إجتماعية (مستقلة) في تحديدها عن الطور الإجتماعي الذي هو من خلقها و هو شرط إستمرارها كطبقة ــ لذا نجد الأستاذ النمري يؤمن بوجود أشباه و أشباح البروليتاريا في الإتحاد السوفييتي سابقا و العالم حاليا .
يعدد الأستاذ فؤاد النمري مظاهر ما يسميه (( الهروب من الإستحقاق الإشتراكي )) ــ فهي في المعسكر الإشتراكي كانت في : * إلغاء ديكتاتورية البروليتاريا . * لجم الصراع الطبقي . * الفصل بين الثورة الإشتراكية و الثورة الوطنية . * الإستقلال المالي لمؤسسات الإنتاج . * الإلتقاء مع الإمبريالية في منتصف الطريق من أجل السلم . * إنتاج الأسلحة . * تصدير المواد الخام ؛ النفط و الغاز .
# ما يهمنا بشكل رئيسي من هذه النقاط ، هو الذي ما يزال منها حيّا مُرتبط بالواقع المعاصر (( لجم الصراع الطبقي )) و (( إنتاج الأسلحة )) و (( تصدير المواد الخام )) ــ و لكن دون تحديد الطبقات بمنهجية جدّية تقترب من الواقع الإجتماعي بقدر إقترابها من الصرامة العلمية ، لا تعدو مجرد ثرثرة يسارية ؛ قلنا أنه (( حيث لا رأسمالية ، لا بروليتاريا )) ، بالتالي فإلغاء (ديكتاتورية البروليتاريا) أو الإبقاء عليها دون وجود إجتماعي لبروليتاريا ، هو هو سواء .
أما فيما يتعلق بـ(( إنتاج الأسلحة )) و (( تصدير المواد الخام )) ، فهو و إن بدا في الظاهر مُرتبط بالثروة النقدية ، إلا أنه مُرتبط بـ(ـقوة العمل) ؛ في الأولى تشتيت و تبديد لـ(ـقوة العمل) ، و في الثانية تتدخل الأتمتة ، أي تغليب المكننة على العناصر البشرية [ بمعنى آخر أوضح : هو الإستغناء عن (قوة العمل) ، أو الإكتفاء بالحد الأدنى من (قوة العمل) ] .
أما في المعسكر الرأسمالي فكانت في : * مقاومة الشيوعية ؛ الغزو العسكري و التخطيط مخابراتي و القمع الفكري . * التخلي عن إنتاج السلع ، و التوجه إلى إنتاج الخدمات . * نقل القيمة من البضاعة إلى النقود ؛ بمعنى أكثر وضوح تم الإستغناء عن مُقيّمات القيمة لـ(ـقوة العمل ؛ المُتجسّدة في الإنتاج المادي/السلعي) ، لتحل مكانها مُقيّمات القيمة لـ(ـقوة العمل ؛ المُتجسّدة في الإنتاج المعنوي/الخدماتي) ــ و هو ما يمكن التعبير عنه ببساطة بـ(ـالتخلي عن الذهب ؛ كغطاء للنقود) لتحل محله (الثقة ؛ كغطاء للنقود) . * التخلي عن النظام الرأسمالي .
# ما يهمنا في هذه النقاط بشكل رئيسي هو (( التخلي عن إنتاج السلع ، و التوجه إلى إنتاج الخدمات )) و (( نقل القيمة من البضاعة إلى النقود ... إلخ )) ــ و في كِلا النقطتين تلعب (قوة العمل) دورا يستوجب تحليله ؛ لكن للأسف لا يتجاوز الأستاذ النمري الموقف السلبي من (الخدمات) و (النقود ؛ التي غطاؤها الثقة) إلى تحليل كنه كليهما ، من حيث ما يمثلانه بالنسبة لـ(ـقوة العمل) [ أو للدقة ما يمثلانه من حيث نزعة القوة ] .
في معالجة الأستاذ النمري للوضع العالمي المعاصر في بيانه ، إكتفى بالإشارة إلى كل من روسيا و أمريكا دون غيرهما ؛ و إن بدت الإشارة مُبتذلة و سطحية للغاية ، إذ قد تم إختزال ما يُفترض به أن يكون دراسات و أبحاث في الوضع الإجتماعي لكل من روسيا و أمريكا ، و ما يرتبطان به عالميا ، إلا أن الإشارة ليس خاطئة تماما ــ يشير النمري إلى ما يسميه بـ(ـتأجيل الإنهيار الشامل) المُتأتي من (الهروب من الإستحقاق الإشتراكي) ، ففي روسيا يتم عن طريق (( تصدير النفط و الغاز )) ، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فعن طريق (( الإستدانة )) ، و هذا (التأجيل) مؤقت ليس إلا ؛ و كِلا الطريقتين غير مُحتكرة لروسيا و أمريكا فقط ، بل إن دول أخرى تعتمد هذه الطرق [ بغض النظر عن التفاوت في الإعتماد ] .
إن المسألة أعقد و التي تبدو في طرح الأستاذ النمري بسيطة ، إن النزعة الإقتصادية قد أوقعت النمري في ضلال الحركة الآلية للمجتمع ككل [ و يعبر مذهب النمري القائل بأن التحوّل إلى الإشتراكية من الوضع الحالي سيتم سلميا بلا ثورة ! ، عن ضلال هذه النزعة الإقتصادية ] ، بل و ألهته عن التناول البحثي للوضع الإجتماعي الكلي من حيث هو راهني و معاصر ؛ فلا نجد تحليل إجتماعي و فهم للوضع الطبقي فيه ، إلا إن إعتبرنا أن البحث الإجتماعي العلمي و الجاد هو الإكتفاء بذكر مصطلحات التسميات الطبقية : بروليتاريا و برجوزاية و برجوازية وضيعة ــ إن (المانفيستو النمري) يبلغ درجة من السطحية و النزعة الإقتصادية لا تخوله أن يكون بيان مشابه لبيان ماركس [ لا من حيث هو قطع ، و لا من حيث هو تكامل ] ، إلا أنه يؤدي بطريقة أو بأخرى إلى أن يكوّن بيان مشابه لبيان ماركس ، فهو بشكل عام يدفع في هذا الإتجاه ؛ إلا أنه من الواجب في هكذا أطروحات الإلتزام بالحذر و جدّية البحث ، و شيء من سعة الصدر .
#موسى_راكان_موسى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حين تبكي الهوامير .. خالد الرويحي كنموذج
-
شيء عن اللغة العربية سيسيولوجيا
-
شيء عن اللغة العربية سيكولوجيا
-
شيء عن اللغة العربية أبستمولوجيا
-
شيء عن اللغة العربية مقدمة
-
الدجل الطبقي - الصراع الطبقي
-
الدجل الطبقي - مجتمع لا طبقي
-
الدجل الطبقي - الطبقة بين الواقع و التجريد
-
الدجل الطبقي - مقدمة
-
شيء عن الفرق و التناقض و الإعتراض
-
شيء عن التعددية
-
شيء عن التفريط و الإعتدال و التطرّف
-
ورقتي المشاركة في الملتقى الفكري السنوي (( خصائص تطوّر الرأس
...
-
شعوذة التاريخ - حتمية التاريخ
-
شعوذة التاريخ - محكمة التاريخ
-
شعوذة التاريخ - التطوّر في التاريخ
-
شعوذة التاريخ - علمية التاريخ
-
شعوذة التاريخ - مقدمة
-
شيء عن برنارد هنري ليفي
-
شعوذة إقتصادية (4)
المزيد.....
-
اكتشاف ثالث حالة إصابة بجدري القردة في بريطانيا خلال أقل من
...
-
حضور روسي مميز بمعرض ليبيا للأغذية
-
ترامب يتحدث عن -مشاورات جادة- لإنهاء الحرب بأوكرانيا
-
حسان دياب يكشف خفايا مهمة عن انفجار مرفأ بيروت
-
تحالف دجلة والفرات.. أفكار كاراكوتش تعود للواجهة
-
الشركات الأهلية حلقة من حلقات البناء القاعدي الشعبوي
-
بوعز.. تفاصيل جديدة عن الإيراني الذي اصطاد جنديين إسرائيليين
...
-
تبادل إطلاق نار في المنطقة العازلة بين إسرائيل وسوريا
-
-حماس- تصدر بيانا بشأن فلسطينيين تتوقع الإفراج عنهم مقابل 3
...
-
عمدة مدينة اسطنبول أمام القضاء وسط هتافات المؤيدين ودعوات لا
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|