احمد البهائي
الحوار المتمدن-العدد: 5142 - 2016 / 4 / 24 - 18:06
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
الغربان لا يختلف نهارها عن ليلها ، تمتاز بسواد لونها ، وقوة منقارها ، والعبث بساقيها ، فهى تحوم وتحوم ، شكلها قبيح ، صوتها نشاز ، كئيبة المظر ، أكلها جيفة ، تسرق الطعام متلصصة، انتهازية ، شرسة ، ضربوا بالغربان المثل في ظهورها ، بالنحس وخراب الديار، فعندما تراها تحوم وتنعق بصوتها الكريه ، إعلم ان حدث شؤم قريب ، من فينا لا يتذكر مثل " غراب البين " ، وقال عنه العرب " وقع في أرض لا يطير غرابها " ’ و" وجد ثمره الغراب " ’ و" ليس بنعيق الغراب يجئ المطر " ، وايضا قيل ، اذا كان الغراب دليل قوم فما علي القوم الا الرحيل ، كذلك قيل ،
إذا كان الغراب دليل قوم فلا وصلوا ولا وصل الغراب ، ومن العجب إن اليهود يتفاءلون بالغراب ولا يضيقون بنعيق الغراب.. بل إنهم إذا أرادوا أن يعرفوا المستقبل ، فالمستقبل المقصود به هنا شؤم وشاق على الاخرين ، نظروا إلى جماعة الغربان وهى تطير معا ذهابا وإيابا ومن تشكيلها يعرفون الأحداث..
فعند كل حدث ، كالعادة جماعة الاخوان تذكرنا بالغربان ، فموقف جماعة الاخوان المسلمين من الثورات المصرية لا يختلف ، ويعد لغزا محيرا ويشوبه الكثير من الغموض، فعندما قامت ثورة 1952 امتنع الكثير من قادة الجماعة وعلى رأسهم المرشد العام للجماعة حسن الهضيبي عن تأييدهم الثورة في ايامها الاولى ، ولكنهم ظهروا بعد مرور أربع ايام فى يوم 27-7-1952 ، أى بعد ان أطمئنوا بان الملك قد خروج وتنازل عن العرش ،وايقنوا أن رجال الثورة قد سيطروا بالفعل على مقاليد الحكم ، وقتها خرجوا مؤيدين للثورة شأنهم في ذلك شأن جميع الأحزاب والمنظمات السياسية الاخرى ، فهناك من رجح هذا الامتناع لتشكك الجماعة في نجاح الثورة وعدم قدرت الضباط الاحرار على الصمود وحدهم ، بالاضافة الى ذلك والاهم ، فالجماعة كانت تريد ان تحافظ على ما اكتسبته من حكومة الوفد قبل ثورة 52 ، فهى للتو قد عادت لوضعها القانوني باستأنف نشاطهم علنا ، حيث في 2 يوليو1951 صدر حكم مجلس الدولة ببطلان الأمر العسكري رقم 63 بتاريخ 9 ديسمبر 1948 بشأن حل الجماعة،مما يجعل من حق الجماعة رفع دعاوي تعويض ضد الحكومة ويؤدي إلى دعم مركزها ، وفي 15 ديسمبر 1951 أعادت الحكومة للجماعة أملاكها وأموالها المصادرة عام 1948 ، فخلال هذه الفترة وما بعدها، تحسن موقف الإخوان باطراد، فهذا كله تم من خلال صفقة ابرمها حسن الهضيبي مع مصطفى النحاس رئيس الحكومة وقتها ، مفادها عندما تبنى الوفد سياسة النضال الوطني (إلغاء معاهدة 1936 وملحقاتها )ان تبتعد الإخوان بقيادة الهضيبي تماما عن هذا الموضوع ، حتى يظهر الفضل الاول والاخير في ذلك لحكومة الوفد ،وهذا ما قام به بالفعل الهضيبي حيث صرح في19 أكتوبر 1951 أي بعد ثلاثة أيام فقط من إلغاء المعاهدة أن الإخوان لا يؤيدون الحركات غير المنظمة في محاربة الاستعمار وطالب الجماهير بانتظار ما ستقوم به الحكومة لتنظيم المقاومة،وان الاخوان ليسوا في وضع يسمح لهم بلعب دور نشط في الأزمة ، هؤلاء هم الاخوان .
وكأن التاريخ يعيد نفسه، فثورة 25يناير التي افاقوا عليها يوم 28 يناير، فمع شرارة الثورة يوم 25 يناير وخروج الالاف من الشباب على مستوى جميع محافظات مصر.. اتخذت جماعة الاخوان قرار بعدم المشاركة تحت حجة انها حركة او موقف لمجموعة من الشباب بعيدون عن الواقع الذي يراه هم بأعينهم فقط ، ويعيشون اي الشباب في العالم الافتراضي الذي صنعوه بأنفسهم على الصفحات الالكترونية ، وعندما احست الجماعة بلهيبها افاقوا عليها يوم28 يناير وارادوا ركوبها والانقضاض عليها، والثورة وقتها وهى في طريقها الصحيح بفعل ثوارها الحقيقيين ، كانت الجماعة تكرر اخطاءها وتمارس اللعب تحت الطاولة ،حينما ظنوا ان الثورة موقعة فقط وليست واقعه ، فرحبوا بالانضمام الى جلسات الحوار الوطني الذي دعا اليه نظام مبارك وقتها ، وارادوا جميعاً ان يركبوا الثورة ويُسيروها كما يريدون وبفضلهم كاد النظام ان يقضي على الثورة ويحولها الى شكل من اشكال الانتفاضة فلولا صمود الشباب وتمسكهم .
فالجماعة دائما تقود الثورة المضادة ، بل هي الثورة المضادة بعينها ، لتنفرد وحدها بالحكم اغتصابا، وهذا ما كانوا يحاولون فعله اثناء ثورة 1952، فصفحات التاريخ مليئة بتلك الاحداث والمواقف ، فقد صرح مرشد الأخوان المسلمين لأدوارد بولاك محرر الأسوشتبريس فى 5 يوليو 1953 م قائلا " أعتقد ان العالم العربى سيربح كثيراً , إذا حاول أن يحسن فهم مبادئنا , بدراستها بروح العدل البعيدة عن التعصب , وإننا على ثقة أن الغرب سيقتنع بمبادئ الأخوان المسلمين , وسيكف عن أعتبارهم شبحاً مفزعاً , كما حاول البعض أن يصورهم , وأنا أثق فى أن الغرب سيجد أن الأخوان المسلمين عامل كفئ , فى سبيل تقدم الأنسانية , والرخاء والسلام بين مختلف الشعوب " ، فعلى الرغم مما قدم لارضائهم ، عندما تم إشراكهم في الحكومة التى اعلن عن تشكيلها في 8 سبتمبر 1952 ،وتنفيذ برنامج حكومي هو شبيه بالفعل لبرنامج الاخوان الذي اعلن عنه في أول أغسطس 1952، إلا انهم إستقبلوا قوانين الأصلاح الزراعى التى أقرتها الثورة بفتور شديد حيث كانت في سلم الاولوية في برنامجهم الاخواني ، وضربوا بذلك كله عرض الحائط ، فهم لايريدون المشاركة في الحكم ، بل يريدون ان يكونوا هم القرار، وان تكون مفاصل الدولة في ايديهم وحدهم دون شريك ، كذلك عندما حلت جميع الأحزاب السياسية في 17 يناير 1953، إلا أن جماعة الإخوان ظلت قائمة إلى جانب (هيئة التحرير) التي أقامتها الحكومة ، ومع ذلك ففي صبيحة يوم صدور قانون حل الأحزاب ، حضر إلى مكتب جمال عبدالناصر وفد من الاخوان المسلمين طالبين بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها، وقد رفض جمال عبدالناصر هذا بكل حزم ،كان هذا الموقف الحازم لجمال عبدالناصر من مطالب الإخوان المسلمين نقطة التحول في موقفهم من الثورة وحكومة الثورة ، إذ دأب المرشد بعد هذا التحول على إعطاء تصريحات صحفية مهاجما فيها الثورة وحكومتها في الصحافة الخارجية والداخلية، كما صدرت الأوامر والتعليمات إلى هيئات الإخوان بأن يظهروا دائماً في المهرجانات والمناسبات التي يحضرها وينظمها رجال الثورة بمظهر الخصم المتحدي!! .
فثورة 25يناير وما فعلوه من حيل والاعيب ، فالجميع يعرفها جيدا ،فهم اخر من دخل الميدان ، واول من خرجوا منه ، وكانوا أول المروجين لحيلة التعديلات الدستورية ، وما اتبعها من اعلانات دستورية مكبلة ،كذلك اعلانهم بأنهم سوف ينافسون على 50% فقط من مقاعد البرلمان ، وفوجئ الجميع بالعكس تماما بمنافستهم الشرسة على كل المقاعد قوائم ومستقلين، ايضا اعلانهم عدم الرغبة للترشح لمنصب رئيس الجمهورية ، وهو لا يعنيهم من قريب او بعيد ، ثم خالفوا ما صرحوا به ، وخوضهم انتخابات الرئاسة ،ثم خروج محمد مرسي الرئيس الاخواني بالاعلان الدستوري الذي دمر به مؤسسات الدولة بهدف تمرير الدستور الغير توافقي المعيب وتحديهم الواضح للسلطة القضائية ،ومحاصرت المحكمة الدستورية .
أما حدث اليوم فهو حدث كباقي الأحداث ، فهناك من أختلف مع صانع القرار ونحن منهم فيما اتخذ من قرار، ويريد الخروج للتعبير عن رأيه ، تلك هي الديموقراطية ، وما نص عليه الدستور بالطرق السلميه ، البعيدة كل البعد عن العنف والإضراربأرواح وبمقدرات الشعب ، ولكن أبت تلك الجماعة أن يكون التجمع في إطار القانون والدستور ومبادئ التعبير ، يريدون ان يتحول الاختلاف الى خلاف ، يكون العنف سيده ويسيل دماء ، وأن يتعدى الحدث على مسرح الحياة السياسية ، ليصل الى حالة الانقسام والاستقطاب السياسي ، لتتحول مصر الى وضعية استعراض للقوى والتخندق والاستنفار بكل ادواته مرة اخرى ، ويتحول المسرح لعرض اقتتالى دموي بلون الدم .. ، هل سيسمح رئيس المصريين المنتخب ديمقراطيا بحدوث ذلك ؟ ،واخيرا أقول حسب قناعتى فهذا لن يحدث ، كما يريدونه الاخوان كعادتهم كالغربان .
#احمد_البهائي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟