|
منهج الحوار الحضاري العلمي في ادارة الصراع في العراق*
مصطفى محمد غريب
شاعر وكاتب
(Moustafa M. Gharib)
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 10:56
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خلال اقل من ثلاث سنوات ظهرت العديد من التناقضات والتناحرات والصراعات بين قوى المعارضة العراقية التي كانت تقف ضد النظام الشمولي وممارساته الارهابية وتسعى من اجل نظام ديمقراطي تحترم فيه حقوق الانسان، ومنذ ان اصبح واقع العراق كبلد محتل وفق قرار مجلس الامن 1483 ثم صدور القرار الثاني 1546 حول نهاية الاحتلال تبلورت اتجاهات كثيرة في برامج واهداف تلك القوى التي كانت تجتمع على القاسم المشترك الرئيسي اسقاط النظام وقيام نظام وطني ديمقرطي تعددي فيدرالي وهذه مسألة طبيعية جداً حيث يعزز رأينا بان المجتمع العراقي لا يختلف عن اي مجتمع آخر من حيث وضع الطبقات والفئات الاجتماعية والقوى السياسية التي تمثله وهو ليس كما يدعيه البعض ان هذه الطبقات والفئات الاجتماعية تذوب في الدولة الاسلامية ولنا مثال واضح وحيّ في الجمهورية الاسلامية الايرانية والمملكة السعودية فلم يجر الغاء الطبقات والفئات الاجتماهية لا بل تجذرت فيهما الفوارق والاتجاهات لكل فئة او طبقة موجودة، وقد نظيف قضية اخرى لهذه الاختلافات والصراعات حيث تتمثل في بقايا النظام وحلفائه الذين تضرروا بفقدانهم السلطة السياسية وهؤلاء يقفون في الضفة الاخرى المضادة للعملية السياسية وينطبق عليهم قانون الاختلاف الفكري والعملي حيث هم عجزوا من فهم المستجدات الجديدة وفقدوا حججهم التي كانت تقف كبنيان تصوره مرصوص وبالتالي اختاروا العنف المسلح الذي نتج عنه اضراراً لا تحصى اصابت العراق والشعب العراقي بالدرجة الاولى وعززت بقاء القوات الاجنبية لامد غير محدود حسبما وما ورد في تصريحات الرئيس الامريكي دبليو بوش الاخيرة، واشار اليه مجلس الامن القومي الامريكي عن الجهود التي تبذل على ثلاثة اصعدة تحتاج الى مدد طويلة، ثم تصريحات وزير الدفاع البريطاني جون ريد " لا حديث عن انسحاب القوات البريطانية " واخيراً وليس آخراً تصريحات رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو بيرسكوني الذي أكد على بقاء القوات الايطالية والانسحاب يؤدي الى الحرب الاهلية، دليل ساطع وقد اكدنا ذلك قبل اكثر من سنتين ان الذي يريد ان يتعافى العراق وان يكون بلداً مستقلاً عليه اختيار الطريق الآخر الذي يعبأ فيه قوى الشعب جميعها من اجل المهمات الوطنية الكبرى ويعاد تأسيس الدولة ومؤسساتها وتحقيق مفهوم المجتمع المدني. ان الحديث عن التناحرات والتناقضات بين القوى الوطنية المتفقة على نجاح العملية السياسية مسألة طبيعية ومنطقية اذا لم يلجأ البعض الى حسم خلافاته عن طريق العنف والعنف المسلح او استخدام سلطة الدولة في الغاء الآخرين او استخدام التشهير الشخصي واسفافاته اللااخلاقية، علينا عدم التطير منها بل العكس تفهمها والقبول بها لأنها واقع موضوعي يثبت اختلاف تمثيل الطبقات والفئات الاجتماعية وبخاصة الاختلاف في الانتماءات الفكرية والحزبية ووجهات النظر، وقد نجد البعض مع الشديد الاسف لديه عقدة نقص من الحوار وفي قضية الاختلاف ويضعه بواقع عقله المريض في خانة العداء والاعداء مثلما كان النظام الشمولي يفلسف بمزاجيته الاستعلائية هذه القضية. اذن الاختلاف في وجهات النظر وقضايا فكرية عديدة من الامور البديهية التي تتعلق بالطبيعة البشرية، فمثلما هناك فروقات في الاجناس البشرية، والمعتقدات الدينية والطبائع والعادات والتقاليد والافكار والايديولوجيات.. الخ نجدها في التصورات والاستنتاجات والاهداف والقضايا الفكرية والمعرفية باعتبارها ناتج طبيعي في مجتمع طبقي، وقد نختلف عن بعضنا فيما تطرحه الحياة والواقع والظروف المحيطة الداخلية والخارجية من مهمات آنية ومستقبلية وهذا الاختلاف يتآتى من خلال نظرتنا التي تخص المجتمع وغير المجتمع اي القضايا الفلسفية الاخرى وكالعادة فنحن نختلف في طريقة ايجاد وطرح الحلول المناسبة التي يرها كل انسان او فريق من وجهة نظره انها صحيحة وافضل من غيرها للمعالجة وهو حق من الحقوق الانسانية التي يجب ان نتعايش معها في الظروف الحالية والمستقبل، اما من يُزكي وجهات النظر هذه او تلك فهي الحياة والتطبيقات العملية والبرامج الواقعية التي تراعي مصالح المجتمع وهنا تكمن قيمة الحق القانوني الديمقراطي لكل فريق من الفرقاء الذي يجب عليه ان يمارس الديمقراطية ويعترف بالرأي والرأي الآخر لكي تضفي عليه قضية في غاية الاهمية وهي التخلص من سياسة الاستئثار والهيمنة والتسلط وبخاصة اذا كان الفرقاء يعتمدون معياراً حضارياً للوصول الى قواسم مشتركة جديدة فيما بينهم، فضلاً اذا كان الفرقاء يعتبرون الاختلاف في الفكرة والنظرة التحليلية قضية طبيعية وضرورية في الوقت نفسه ويجب ان تسود فيها روحية المنافسة النزيهة والحوار العلمي الهادف الذي يوخي التوصل الى الحقيقة او بعضها وقضايا المعرفة ويصب في نهاية المطاف في الصالح العام وليس المصالح الحزبية او القومية او الطائفية الضيقة كما يؤسس طريقة جديدة للتعامل في المستقبل من قبل الجميع وبالتالي كسب القوى التي لم تستوعب التطورات الجديدة وهذه العملية تحتاج الى جهود جماعية وليست فردية فقط لكي يتحرر الجميع من هاجس الماضي الدكتاتوري والالغاء و يتم الاستبشار بمستقبل التوافق والحوار الحضاري وبخاصة بوجود الجمعية الوطنية التي تمثل اكثرية الطيف العراقي. ان الخلافات او الاختلاف كمقولة ليست مطلقة في العلاقات البشرية، فمهما كان الخلاف بين الفرقاء فهناك حتمية لوجود آليات جديدة لقواسم مشتركة ولا بد ان تسود قيم القواسم المشتركة، كالانسانية والشعب والوطن والعدالة والقانون واحترام الرأي الآخر والتنافس الحر النزيه، اما اسباب الاختلاف الذي يكمن في تقسيم المجتمع ويكمن في طريقة التفكير والمعالجة، في النظرة الى العالم وعدداً من القضايا الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، وهي فكرية وعملية بالمعنى الاوضح " المنهج ــ والتطبيق " ومن هنا ينطلق مبدأ غاية في الاهمية الا وهو ضرورة وجود منهج حضاري للحوار وباسلوب عصري يقود الى اكتشافات مهمة في عالم المعرفة وللتعامل بين المجموعات، وقد تستغل الخلافات من طرف او اطراف عدة لتكون بالضد من الحوار والنقاش معتمدة على العنف بكل انواعه واشكاله، عنف الدولة الارهابية وعنف القوى التي تعجزعن فهم المستجدات التي تحيط بها وتبقى اسيرة للجمود ولا تستطيع الاقناع وترى البديل هو العنف وتنطلق من مصالحها الانانية الضيقة لكي يسود قانون شبيه بقانون الغاب لتتحرر من اسقاطاتها بحجج مختلفة غير معقولة. اما ما يجري في بلدنا العراق وبخاصة محاولات البعض الذين يعملون من اجل انجاح العملية السياسية وبخاصة بعض القوى الاسلاميةالابتعاد عن طريق الحوار والنقاش العلمي الحضاري فهو طريق محفوف بالمخاطر سوف لن يتضرر الفرقاء فحسب وانما اكثرية المجتمع بل قد يكون مصدراً خطراً على الدول العربية والمجاورة للعراق. اذا كان الابتغاء هو البناء والتقدم وخلق ممارسة نقدية سليمة ومفيدة للحيلولة دون وقوع كوارث اجتماعية وسياسية بما فيها الحرب الاهلية فعلينا ايجاد منهج علمي انساني يقوم على اسس صحيحة هدفها مصلحة البلاد والشعب وقواسم مشتركة للتفاهم تكتشف اثناء ادارة دفة النقاش والحوار العصري السلمي والتطبيقات العملية، ان نلجأ للنقد البناء الهادف لتصحيح الاخطاء والنواقص وعدم التطير منه واعتباره عدواً يريد الانتقام او الازاحة وقد لاحظنا هذه الحساسية خلال حكومة السيد الجعفري من قبل بعض المسؤولين او الكتاب الذين يتصورون النقد البناء آفة تبتلعهم فيصبون جام غضبهم وتسفيهاتهم وتجريحاتهم الشخصية بلغة غريبة وبعيدة عن الخلق والعمل السياسي المثمر. من هنا ممكن ادارة دفة الصراع والاختلاف اذا لم يكن جميعها فعلى الاقل نسبة غير قليلة منها، ان المنهج الوحيد المطلوب هو قبول الرأي والرأي الآخر الذي نختلف معه والتعامل بكل شفافية على قاعدة الديمقراطية والحرية الفكرية، ونحتاج الفهم العميق للمهات الوطنية التي تقع على عاتق كل فرد او مجموعة بدون التعصب والغلواء او اعتبار الحقيقة ملك طرف دون الاطراف الاخرى، منهج يحترم فيه حقوق الانسان وارادته وتفكيره وانتمائه. ان تأسيس منظومة لمثل هكذا منهج سوف يؤدي على الغالب الى استمرار نجاح العملية السياسية وصولاً الى التخلض من الفوضى وتثبيت الامن والاستقرار في البلاد على الرغم من التعقيدات الحالية، كما يؤدي الى بناء الدولة الديمقراطية التعددية البرلمانية المستقلة تماماً وليس بالقول فقط، لأن هكذا منظومة لمثل هذا المنهج سيوحد اكثرية العراقيين خلف الدولة وليس خلف الاشخاص باعتبارها اي الدولة ستكون ممثلة لأكثرية ابناء الشعب وهنا نستطيع الجزم ان اية قوة مهما كانت لا تستطيع الوقوف امام ارادة الجماهير اذا كانت مؤمنة بقيادتها وبدولتها ومؤسساتها العادلة النزيهة. ** القسم الاكبر اذيع في مقابلة مع الكاتب على قناة الفيحاء الفضائية
#مصطفى_محمد_غريب (هاشتاغ)
Moustafa_M._Gharib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الثقافة الجديدة للراي والراي الآخر الاعتداء على فعالية الشيو
...
-
وصرنا.. لا قسمة ضيزى تفرقنا
-
مسلخ يضاهي مسلخ قصر النهاية وابو غريب
-
الارهاب الدموي لا حدود لهُ بسبب الفقر والقهر الاجتماعي والسي
...
-
التحالفات وفق البرامج الانتخابية ومصالح الطبقات والفئات الاج
...
-
أهمية الأجهزة الاعلامية في الدعاية الانتخابية أو غيرها
-
الجامعة العربية ما بين رؤيا الحوار الوطني والمصالحة الوطنية
...
-
المليشيات المسلحة والمؤسسات الأمنية ومشكلة الولاءات الحزبية
...
-
سوسة معاداة القوى الوطنية الديمقراطية وقوى اليسار العراقي
-
الدستور والعراق وطن للجميع.. يتنافى مع عقلية الهيمنة بأي شكل
...
-
البعثصدامي العراقي والنفخ في اوردته المنخوبة
-
حقوق المرأة والطبقات والعلاقة مع المادية التاريخية - التلقائ
...
-
القوى الوطنية الديمقراطية والاستفتاء الشعبي في القبول او رفض
...
-
مسؤولية القوى الوطنية الديمقراطية - اليسار العراقي - في الظر
...
-
ثورة السيد بيان باقر صولاغ والدفاع عن ايران بحجة العراق
-
هل الحرب الأهلية على الأبواب؟
-
الانفراد بالحكم والقرارات الفردية سياسة غير صائبة.. مثال مذك
...
-
قانون الخدمة المدنية لسنة 1939 وتقرير لجنة النزاهة عن التجاو
...
-
ماذا يريد حكام ايران من العراق؟
-
آه.. يا أموال العراق أواه يا أموال الشعب العراقي
المزيد.....
-
الكرملين يكشف السبب وراء إطلاق الصاروخ الباليستي الجديد على
...
-
روسيا تقصف أوكرانيا بصاروخ MIRV لأول مرة.. تحذير -نووي- لأمر
...
-
هل تجاوز بوعلام صنصال الخطوط الحمر للجزائر؟
-
الشرطة البرازيلية توجه اتهاما من -العيار الثقيل- ضد جايير بو
...
-
دوار الحركة: ما هي أسبابه؟ وكيف يمكن علاجه؟
-
الناتو يبحث قصف روسيا لأوكرانيا بصاروخ فرط صوتي قادر على حمل
...
-
عرض جوي مذهل أثناء حفل افتتاح معرض للأسلحة في كوريا الشمالية
...
-
إخلاء مطار بريطاني بعد ساعات من العثور على -طرد مشبوه- خارج
...
-
ما مواصفات الأسلاف السوفيتية لصاروخ -أوريشنيك- الباليستي الر
...
-
خطأ شائع في محلات الحلاقة قد يصيب الرجال بعدوى فطرية
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|