حسين عجيب
الحوار المتمدن-العدد: 5141 - 2016 / 4 / 23 - 11:29
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
العصا السحرية_
سلوك استيهامي, اجتماعي عام, وسائد. تتلخص بالرغبة في الوصول إلى نتيجة وخلاصة (عميقة او بعيدة) بدون المرور عبر الطرق والخبرات الضرورية_ هي شرطية ولازمة.
نرغب- نريد النجاح والسعادة والحب والسلطة وراحة البال,...بمعزل عن المسؤولية والمخاطر والجهد!
بعبارة ثانية, تتحقق خبرة الثقة والايمان, بعد الشك والمعاناة والتجربة وليس قبل! لا يمكن أن يكون الايمان بداية, الايمان خلاصة.
الراحة, خصوصا راحة العقل والضمير والوعي, تتحقق بعد تنفيذ وأداء المهام الانسانية والواجب.
لا يكفي المعيار الذاتي والأناني, ولا الاجتماعي للوصول إلى راحة البال.
هذه الخبرة يعرفها بسهولة (المعلمون والمربون والقادة) بعد فترة قصيرة. النتيجة لا تبرر الوسيلة. النتيجة الصحيحة بمعزل عن الأدوات الصحيحة والمشروعة أو بدون برهان هي تهمة حقيقية.
هذه الفكرة الأساسية في عملية إطفاء الادمان كما خبرتها.
* * *
انتقال من مستوى معرفي_ اخلاقي (معلوم) إلى مستوى جديد (مجهول) وأكثر خبرة وإثارة.
عدا ذلك_ سوف تحدث الانتكاسة بعد عشر سنين؟ بعد خمسين_ تحدث إن لم تتغير الشخصية (معرفيا وأخلاقيا), بعد تغير البيئة والمناخ.
_ التغيير من الخارج إلى الداخل شبهة
_ التغيير من الداخل إلى الخارج معرفة
* * *
في سهرة _الصيف الماضي_ مع بعض أعيان اللاذقية...هيثم سليمان, عادل دواي, ياسر فرحات, جهاد أبو شامي, كرم فرحات....
سألني الأستاذ عادل, صديقي القديم, عن علاقتي العاطفية بالسيجارة_ خصوصا مع الكأس؟
_بعدما اخبرته عن تجربتي مع الادمان. تحدث عن تجربته الحديثة مع (وقف التدخين)...
بعد مرور أشهر من الامتناع التام عن التدخين, تذكر السيجارة؟
ذهب في مشوار, رياضة, حمام ساخن وبطيئ, فطور شهي....
بعدها أشعل السيجارة وما يزال.
_ لو أنني تجاوزت تلك اللحظة (الحاسمة) لكنت نجحت في الاقلاع النهائي عن التدخين.
تحدث بنبرة مؤثرة
* * *
تلك التجربة: وقف التدخين ثم العودة (الطوعية)...تكررت معي عشرات المرات.
وأنا الآن في وضع يشبه (مرحلة ما قبل التدخين).
الاختلاف الجذري في الجهة والمستوى.
التدخين يماثل الاستدانة بالفائدة (المضاعفة).
التضحية بالمستقبل لأجل الحاضر _الشعوري والسطحي_ والنتيجة الحتمية الندم.
(الاستثناء الوحيد في لحظة الكارثة)
أنت تستلف_ين_ من المستقبل لأن الوقت والظرف الحالي لا يطاق بالفعل؟
مع ذلك هذه مغالطة بمجملها.
تشبه مغالطة المقامر وتختصر مغالطة الادمان في الجوهر: الافتراض أن المستقبل الوردي أو الذهبي أو الملكي_ في طريقه إلى المدمن.... والمسألة مسألة وقت لا غير, والمستقبل منفصل عن سلوكه وحياته في الآن_هنا.
_ انت تدمر مستقبلك, وتقطع طريق وصوله الناضج.... وتنتظر العكس؟
أستطيع القول مع بعض المبالغة, هذه التجربة التي حاولت, عبر مئات النصوص التعبير عنها: خبرة وإدارك وفهم_ ما بعد الشعور (الآني), او ماوراء الشعور...(الايمان الواقعي بالمستقبل).
خبرة الصبر بالمعنى التقليدي, ولكنها أكثر سعة وكثافة من الصبر السلبي فقط (تحمل الألم).
* * *
المشكلة المركبة مع (فن إطفاء الادمان) أن التجربة مزدوجة: نصفها فكري وعقلي_ ونصفها الثاني تدريب وتكرار آليين, مثل السباحة أو قيادة السيارة.
وفي مراحل متقدمة, يلزم تعميم التجربة الجديدة على بقية جوانب السلوك_ بالتزامن مع رفع المستوى المعرفي_ الأخلاقي إلى مدار ومستوى جديد (اعلى).. أو خطر النكوص الدائم (استعادة وضع سابق).
وهذا يفسر ,جزئيا, الجانب الايجابي للتدخين؟...عدد المدخنين يقارب المليار!
ميزة التدخين_ الانتقال من حالة السلبية والانقياد, وحالة اللاوعي والضياع في القطيع, إلى الفردية ولو بالخطوات الأولى....عمل شجاع بالفعل. ولا يدركه الجميع. (عمل خطير وطائش غالبا).
لكن, ذلك وحده لا يكفي. بسرعة تتحول التجربة الجديدة الشعورية ( والارادية) إلى عادة لا شعورية (إدمان) أو التكرار القهري لسلوك_ ابتدأ بتحقيق المتعة والاثارة والشغف, ومع التكرار المتزايد يدخل عنصر الندم....بدوره يتحول إلى تبكيت ضمير لا شعوري. وضمير مذنب في النهاية. وهو الخطر والأذى الأساسي في الادمان_ تسمم الطاقة الارادية (الإيجابية) وتحولها إلى طاقة سلبية, تشوه الوعي والادراك...
وإن كانت تفاصيل وخطوات ذلك التحول, ما تزال غير معروفة بالكامل علميا_ وتجريبيا, مع أننا جميعا ندرك وبسهولة حالة التناقض والانخفاض في فعالية المدمن, وبقية جوانب حياته.
كل إدمان تبديد للطاقة النفسية الموجبة, ذلك يمكن ملاحظته بسهولة من الخارج وبشكل مباشر.
* * *
السؤال الثاني: ما سبب الانتكاسة (النكوص المتكرر)؟
وهل يمكن تفسير ذلك بشكل منطقي وفكري واضح؟
أيمكن إعتبار (مغالطة المدمن) التضحية بالمستقبل لأجل اللحظة , مع الاعتقاد بأن الزمن يحمل المعجزات وبمعزل عن السلوك الشخصي.....سبب ثانوي للنكوص؟
بالفعل, يوجد عامل قوي للغاية, هو المسبب الأساسي للتعلق بمختلف أنواعه: تعلق الانسان بالأدوات والأشياء والعادات_سببه ومصدره الشعور بالفراغ والانفصال عن الواقع الموضوعي, وعن الوجود (الاغتراب).
عبر قوة (التكرار) تتحول تجربة التوقف عن الادمان, إلى تجربة وخبرة لا شعورية بسرعة. شبيهة بما كانت عليه خبرة الادمان اللاشعورية سابقا.
والمشكلة الجديدة, أنها تبقى منفصلة عن الشخصية المتكاملة_ بمستوياتها وأبعادها المختلفة.
....من الضروري دمج الخبرة الجديدة مع الوعي والانتباه.
المحافظة على حالة الوعي (الجديد)؟
عملية الادمان في جوهرها, تضحية بالمستقبل لأجل نزوة ورغبات لحظية_ وإطفاء الادمان يقوم على العكس: اكتساب مهارة التضحية بالنزوة والرغبة (المؤقتة) لأجل المستقبل_ ومن أجل خبرة " ما بعد الشعور اللحظي".
ذلك _حسب خبرتي الشخصية_ الفارق النوعي بين التوقف عن التدخين مع بقاء خطر الانتكاسة, وبين الانتقال الفعلي إلى مدار جديد من الطاقة النفسية....حيث الحرية الداخلية (الوعي والارادة) تتحقق في الحياة اليومية.
ويبقى الشخص صاحيا ومدركا لمسؤوليته الكاملة عن مشاعره وعواطفه وأفكاره أيضا.
* * *
الادمان تعويض عن حاجة وجودية ( روحية) غير مشبعة؟
_ الادمان العضوي_ الكيميائي, معروف علميا وتجريبيا...
_ الادمان النفسي_ السلوكي, ما يزال بمعظمه في مجال البحث والاختبارات المتجددة.
أعتقد أن (سلسلة) أسباب الادمان بمختلف حالاته, تكمن في المستويات غير الناضجة_ في الشخصية الفردية والاجتماعية.
النرجسية تفسر مغالطة المقامر مثلا.
لكن مغالطة الادمان وبالأخص النفسي (العقلي)_ اعتقد أن تفسيرها في الفراغ الوجودي....وعدم الوصول إلى موقف الحب (حب النفس ,ثم حب الآخر).
خبرة التدخين لها خصوصية (مسموحة اجتماعيا). يشعر الفرد بالخصوصية مع السيجارة, والاسقلال عن الأبوين. وهذا الشعور جديد ويرتبط بمرحلة المراهقة وعواطفها.
أيضا ترتبط تجربة التدخين, عبر الشعور المباشر_ كذلك مع الاستيهامات المتلازمة, بخبرة الفردية الجديدة والنوعية.
وهي _التجربة الفردية والشعور بها, قيمة إيجابية وبالفعل وجدير بتكلفتها المادية والنفسية والاجتماعية....أقصد خبرة وتجبرة الفردية والخروج من (الحشد) إلى مرحلة التحقق الشخصي.
هذا المستوى أو الحيز الجديد بالفعل. هو المشترك بين الاضطرابات النفسية والابداع بصيغه المتنوعة الثقافية والاجتماعية.
يوجد شبيه لهذه المرحلة (المشتركة) بين الابداع والعشق والاضطراب النفسي؟
شارة المرور على اللون الأصفر....هي اللحظة التي تدمج بين الاثارة والأمان
الأحمر: إثارة, مع الخوف والخطر
الأخضر: أمان, مع التكرار والسأم
لا يستطيع الانسان التخلي والانفصال عن أحدها (الأمان والاثارة) وهما نقيضان؟
الحلول التي تخطر على بال فرد....كلها مجربة ولها أنماط اجتماعية واضحة (تقليدية) في مختلف المجتمعات والثقافات.
اللون الأصفر هو الاعتدال والتوسط_ هو الانتهازية والعدمية أيضا؟
لا أحد يستطيع الجمع بين موقعين منفصلين ومختلفين هنا وهناك!
أو بين الحيادية والمبادرة والتشجيع. هذا مستحيل, وليس سوى أوهام وتخيلات ذهانية.
في هذا المستوى والحيز, ينشأ( ويتمايز) المأزق الأخلاقي_ الانساني (المزمن).
فقط للتذكير:
الوصية الأولى, ومبدأ الأخلاق الانسانية: لا تقتل.
أيضا_ النقيض تماما وفي مختلف المجتمعات : البطولة هي عملية القتل (التضحية بالنفس أو بالآخر).
الكلمات والأفكار والشعارات.... مزيج واحد_ عنصر مفرد.
أتوقف عند هذا الحد من التحليل والوصف, هذه حدود تجربتي بالفعل.
* * *
ذاكرة التوقف عن التدخين صارت عندي_ اقوى وأمتع من ذاكرة المدخن.
أعتقد_ ليست القضية غرادة أو وعي أو قرار....بل نمط عيش
معظم أصدقائي وأهلي, يتميزون بالصبر والتسامح والقدرة على المبادرة والعطاء أكثر مني....
وهذا ليس مجرد شعور عابر أو إدعاء أو تواضع كاذب
هي خبرة وتقنيات, أعتقد انها قابلة للشرح, ولتعميم التجربة....بشكل أفضل وأكثر سهولة مما عرضته إلى الآن
#حسين_عجيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟