مصطفى اسماعيل
(Mustafa Ismail)
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 10:39
المحور:
القضية الكردية
تستهويني الكتابةُ عن هذا الإعلان ( إعلان دمشق ) المُقلق , والذي وضع خطاً أحمرَ تحت الوجود القومي للشعب الكردي وتاريخيته في الشمال السوري التي هي أرضه التاريخية والذي والحقيقة يجب أن تقال ألفى نفسه فيه عقب سايكس – بيكو ذلك الاتفاق المرفوض من العرب أجمعهم إذا تعلق الأمر بمواضيع وشؤون عربية والمحبّذ والمقدّس حينة يتعلق الأمر بالوجود الكردي وهكذا داخ الرجلان _ سايكس وبيكو – في قبريهما من حالة الهرع بين الرفض والقبول العربي ومن الدوران الدائم بين ثنائية الشيطنة / القداسة في العرف القومجي العروبوي .
وبعد أن وقع الفأس الدمشقي في الرأس الكردي, عبر تجريده من وجوده القومي, وتمثله على الخارطة السورية السياسية المعارضة والتي تعتبر نسخة فوتوكوبي من مقاربات السلطة للمسائل بهشاشة منقطعة النظير اعتدنا عليها في بضع السنوات الأخيرة لم يجد الأبناء البررة للقضية الكردية أحزاباً وأفراداً ومثقفين مستقلين سوى أن ينتقدوا هذا الانجرار الكردي إلى ذلك المزاد السيئ الصيت , فموقعوا هذا الإعلان وخلال الأيام القليلة الماضية أثبتوا أنهم تلامذةٌ بارعون لخطاب البعث وإعلامه الفانتازي في القفز فوق الحقائق وليِّ عنق الواقع ليكون على مستوى هواجسهم .
ففي بيان اللجنة المؤقتة المنشور في بعض المواقع يجري الحديث عن " الارتياح الشعبي " والذي عبر عنه " السوريون في جميع أماكن تواجدهم " والإعلان بحسب اللجنة المذكورة معبرٌ عن " الإرادة الوطنية للسواد الأعظم من الشعب السوري وقواه المعارضة في التغيير الوطني الديمقراطي " .
من العبارات أعلاه نلحظ دونما شك نفس منطوق الخطاب التعبوي للسلطة القائم على التصورات الكلّوية واختصار السوريين إلى جوقة من المهللين والمصفقين والمداحين, فأين هي تلكم الديمقراطية والحقُّ في الاختلاف المطروح على صفحة الإعلان حينما صدر , أنا شخصياً لم ألقَ ارتياحاً شعبياً لا في كوباني ولا في عفرين ولا في حلب ولا في منبج ولا في جرابلس ( وهي مناطق كردية وعربية في الشمال ) لساسة إعلان دمشق وأستطيع الجزم أيضاً أن الموقف في الشارع الكردي تحديداً هو نفورٌ شعبي وامتعاضٌ شعبي ورفضٌ شعبي ويرى هذا الشارع المُكابرُ على الجراحات والخسارات والمعاناة المزمنة أنه إعلان متسرع ومتخبط وشوفيني وإقصائي يدخل في مصلحة القوى العربية وحدها , بينما يتوجس الإعلان في منطوقه المعلن من القضية الكردية عبر ضبابية الطرح الذي يحتاج إلى أبطال رواية دان براون " شيفرة دافنشي " لفكِّ طلاسمه وألغازه وتورياته الجمة .
ما يُلفت الانتباه في مرحلة ما بعد إعلان دمشق هو عملية اللجوء كردياً إلى الخطاب العنفي الثقافي المخفور بالولاء الحزبي من قبل بعض الدخلاء على عالم الصحافة والكتابة للترويج والتسويق للإعلان وتكفير الكرد – أحزاباً ومستقلين- المتمسكين بلاءاتهم تجاه الإعلان والواقفين على الضفة الأخرى الوطنية بامتياز والذين يرفضون مقايضة جوهر القضية بنثارٍ من الغبار .
أحد هؤلاء الأدعياء الذين يكتبون بلغة عربية ركيكة بعيدة عن القواعد اللغوية والنحو – الله يعين مدير تحرير تلك الجريدة العربية التي تنشر له- ولا يجيد لغته الأم الكردية لا قراءة ولا كتابة والمُستل من قمقم حزبه ليشنَّ غارة فاشلة على الوطنيين الكرد أحزاباً ومثقفين ويخوّنهم ويكفّرهم في خطاب مُقززٍ لم تعتد عليه الثقافة الكردية في نصوصها العربية والكردية باسم أولي أمره يدعونا إلى التبرك والتمسح بإعلان دمشق كما فعل هو والذين معه , وهذا مثال بالغ الدلالة على العقل الكارثي الفصامي النامي كالطحلب في العتمة برعاية أرباب النعمة من سدنة الانهيار السياسي الكردي , وهذا العقل الأسير , والأجير ما أن ينهي مقولاته التسويقية التطبيلية التزميرية حتى يملأ نفس القارىء بالقيء والاشمئزاز والقرف وأطنان من النفايات .
طبعاً يقع صاحبنا الملتاث في عقله أسير مواقفه الارتجالية وآرائه المقهوية عبر إطلاقه الكلام الذي لا يصمد أمام الواقع على عواهنه ليحقق لربيب نعمته الذي أطلقه حصاناً خاسراً في المضمار الخاسر ( الطريقُ ليستْ من هناك يا عزيزي ) بعض إعادة الاعتبار في الشارع الكردي الذي تخلى منذ 2004 عن مسكنته وكفَّ عن إغداق النياشين على جُثث باعة قضيته .
ما كان ينقصنا ككرد هذه المحاولة غير المسؤولة والقاصرة في جرّ المثقفين والكتاب الكرد إلى الاحتراب وتدشين زمن الصراعات في الميدان الثقافي بدلاً عن فرملة الصراع السياسي وعدم اتفاق الأحزاب الكردية على برنامج الحد الأدنى الضروري في هذه الفترة الإشكالية والعصيبة . المنطق يستدعي مناشدة الأحزاب الكردية للاجتماع تحت سقفٍ واحد ومجانبة الاختلافات والتفارق والبينونة لا استدعاء العمق الثقافي والسياسي الكردي إلى خيمة التناحر والمهازل التي تعيق تبلور خطاب كردي ثقافي وسياسي يأخذ بعين الاعتبار مصلحة هذه القومية لا جرّها إلى سرير بروكوست إعلان دمشق أو غيره من الإعلانات أو التوافقات التي لا تقدم للكردي المؤرق بالخيبات ثمة ولو أملٍ واهٍ بل تطرحه في غرفة انتظار المعارضة السورية أجندة ليست من الأولويات الحالية .
حملة الرسالة الكردية في هذا الزمن العصيب . في زمن تهافت غالبية الأحزاب الكردية على الحضن المعارض لأحزاب عربية سورية لم يسمع بها أحد ولا تمثيل لها على أرض الواقع اللهم إلا على صفحات الانترنت هم المثقفون الكرد الذين يدركون أكثر من غيرهم حقائق الأشياء ومآلاتها , أما الموجهون بريموت كونترول الأحزاب المنقادة من العروبيين العرب ومتأسلميهم فهم أبواقُ دعايةٍ تدّعي المطلق من منطلق إقناع الذات قبل إقناع الآخر . لم يعد الشارع الكردي قاصراً . لم يعد الشارع الكردي يعير أدنى أهمية لباعة الإرادة الكردية وقضيتها التي لا يختلف عليها إثنان ( من العقلاء طبعاً وليس من المصابين بأنفلونزا التواقيع ) . من أين تستمد هذه الأحزاب القروية الكردية شرعيتها . أليس من الشارع الكردي ومن الشعب الكردي الذي خانه حبر إعلان دمشق لا بل قصّه ورماه خارج كل مدارات الإعلان وملفاته الأكثر أوالية . لماذا خطبُ ودّ الأحزاب العربية بينما النافذة الوحيدة المفتوحة على الشارع الكردي السياسي هي المزيد من التحصن بالعداوات وحملات التضليل المفبركة فقط ليقطّعوا القضية مزقاً ويضعوها رهينة في مزاد أولي أمرهم الذين لا يفقهون وإلى الآن المُعْضِلَ الكردي ولا يستطيعون مقاربته موضوعياً لأنهم يدركون مدى عمق هذه القضية ووضوحها الفاضح الذي لا يقف على تخوم عدد من الهويّات . ماذا يفعل هذا الكردي الممتحن من كل الويلات بهذه الهوية التي لا تطعم , ومن ذا الذي سيعيد إليه كل أيامه المهجورة , من سيعوضه ويعيد له اعتباره . طبعاً ليس حسن عبد العظيم ولا الآخرون من المعارضين البلاغويين .
ولا أحد يخوّل هذه الأحزاب التحدث باسمه في أيّما محفلٍ كان . نبض الشارع الكردي وحده الفيصل في هذا . ومن لا يتمثل لنبض هذا الشارع فليذهب إلى الجحيم والجحيم أشرف من إعلان غير شريف كهذا .
أنا كردي مستقل ومن موقعي كمستقل أرفضُ إقصاء بعض الكرد من قبل بعض الكرد تمثلاً لمطالب الآخر . لماذا إقصاء حزب الاتحاد الديمقراطي وعدم دعوته لا إلى إعلان دمشق ولا إلى جلسات حلب ألا يشكل ذلك نيلاً في الصميم من البيت الكردي الذي يفصلونه على مقاسات أحزابهم . فالاتحاد الديمقراطي يمثل قسماً كبيراً من الشارع الكردي ويستطيع تعبئة هذا الشارع إذا شاء أكثر من أيّ حزب آخر . قد نتفق مع الأحزاب الكردية والعربية ( العربية لا يهمني رأيها في قضيتي الكردية بتاتاً وجملة وتفصيلاً .. قامة قضيتي أكبر منها مجتمعة ) في أن الاتحاد الديمقراطي مرتبط بالخارج , بمعنى أنه مرتبط بجزيرة أيمرالي وجبال قنديل في جنوبي كردستان , ولكن هذا الحزب يحظى بقبول غريب وسط الشعب الكردي ولا يمكن حذفه هكذا بجرة قلم .
لماذا استبعاد الاتحاد الديمقراطي والاحتفاء الهادر بانضمام الإخوان المسلمين , فكل قيادات الإخوان في الخارج وغالبيتها العظمى في لندن . ولماذا عدم الأخذ بتحفظات بعض الأحزاب الكردية على محمل الجد والالتفاف على نقاطها التحفظية ألا يشكل ذلك لعبة خبيثة في تقسيم البيت الكردي وشقِّه رأسياً .
يقدم فشل اجتماعات حلب للقوى غير المنضوية تحت راية أبواق دمشق كل الأجوبة على كل الأسئلة فيما يتعلق بفهم الآخر العربي للقضية الكردية , فكل الأحزاب العربية السورية ليس لديها أدنى استعداد في تفهم القلق الكردي وهواجس الشعب الكردي وجوهر القضية الكردية ولكي لا أظلمهم وحدهم أرى أن الأحزاب الكردية الموقعة على عقد بيع القضية الكردية في دمشق لم تفهم بدورها جوهر هذه القضية وإلا لكان سقف القضية إياها في دمشق شاهقاً أكثر بكثير . وعلى الأقل لكان مطابقاً لبرامجهم السياسية التي دوّخوا بها بريدي الالكتروني الذي ما عاد يتحمل هذا الانحطاط السياسي وهذا التخثر الملفت للقضايا العظمى .
إنه إذن العقل الكارثي الكردي المتخم بالاضطرابات والمحكوم بالقلق وحيرة القرار السياسي الذي تكمن مرجعيته ولا شك خارج الدائرة الكردية , فركوب الباص إلى دمشق ورؤية الشام الشريف يغير العقل الكردي 360 درجة والجلوس إلى الطرف العربي السوري يعتبر نصرا من الله وفتحا قريبا يستدعي فتح الشامبانيا والتهليل والزعيق وإشادة أقواس نصر على مداخل المدن الكردية , هذا العقل الشريك في إعلان دمشق لا يهمه الشارع الكردي , فلقد سبق له وأن أتهمه بالغوغائية وأنه مدرسة مشاغبين وسيبقى الكرد المناهضون للإعلان ( بحسب الموقعين) ملعونين في الدنيا والآخرة إلا أن تثوب الأحزاب الموقعة على أم العرائض إلى رشدها وهذا سيتأخر كثيراً . إنها لصورة عبثية بامتياز , وتهويم وتحليق في الفراغ بامتياز .
لا يمكن للكردي أن يستبدل خطاب البعث الدعوي عن أمة لا تغيب عنها الشمس من المحيط إلى الخليج بخطاب إخواني متأسلم يقوم على ميتافيزيق ( الشريعة هي الحل ) من فتى الأدغال أبوسياف إلى القرصان أبو حمزة المصري بهلبته المخيفة القادرة على فرملة اسطول حربي .
التوقيع كردياً على إعلان دمشق وما يشابهه من إعلانات أخرى في المنطوق انتحار سياسي وإفلاس , فما خطب هذه الأحزاب الكردية البلاوي إذ تعتبر التوقيع على إعلانٍ هشٍ وميت نصراً ومجداً يستحق التهليل والأهازيج وأقواس النصر ألا تفهم أنّها يليق بها فقط قبر من الطين ويكتب على الشاهد :
هذا قبرُ الأحزاب الكردية الموقّعة على إعلان دمشق .. تاريخ الوفاة 16/ 10/ 2005 ... الفاتحة .
#مصطفى_اسماعيل (هاشتاغ)
Mustafa_Ismail#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟