|
الشيوعيون.... اتخذوها وفق حساب الحقل أم وفق حساب البيدر
فرات المحسن
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 11:34
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ميزة المشهد السياسي العراقي اليوم هي رغبة قواه السياسية في بناء تكتلات وأتلافات وتحالفات جبهوية تمثل لملمة لمصالح فئوية حزبية وطائفية وعرقية آنية غايتها الوصول لمبنى البرلمان القادم. على مستوى الأهداف فالملاحظ أن جميع تلك التكتلات قدمت تقريبا ذات البرنامج الانتخابي الذي تتقدم واجهته مشكلتي الأمن والخدمات. وهما المعلمان البارزان لعراق اليوم، أما باقي الأهداف فقد تقدمتها أو تخطتها مهمة الصراع الحزبي لكسب شوط الغلبة في مواجهة الأخريين. ارتهانا باستمرار تدني الوعي الثقافي والسياسي فأن جبهتي الائتلاف الكردستاني والائتلاف الشيعي يبدوان الأكثر تماسكا وقوة بالرغم مما طال الأخيرة من انقسام وتشرذم ولكن ذلك النقص عوض بدخول مجموعة السيد مقتدى الصدر بالرغم من محاولات المراوغة والخداع.أما ائتلاف السيد أياد علاوي المسمى بـ(القائمة العراقية الوطنية) فهي البكر الذي يحلم بالتماسك وينشد القوة.فهل يستطيع الإمساك بهما ..؟ ذلك ما سوف تفصح عنه الانتخابات القادمة. تحليل مصادر قوة القائمة العراقية الوطنية أو لنسميها قائمة السيد علاوي كونه من سعى أليها وحشد لها وترأسها.وفي هذا لا أجزم بقدر ما أعني وفق اجتهادي الشخصي الخوض في مشكلة عويصة تتطلب البحث والتحليل في حسابات أحد أهم أطراف تلك القائمة وهو الحزب الشيوعي العراقي ، والأسس التي وفقها قيض له الدخول تحت مظلة القائمة العراقية الوطنية وامتناعه عن تكرار تجربة قائمة اتحاد الشعب التي عمل بموجبها في انتخابات 30 كانون الثاني 2005. الأسباب الموجبة للتطرق لمثل هذه المسألة بالرغم من خصوصيتها وحساسيتها، يأتي من شدة التباسها وسعة الخلاف حولها بين أوساط الشيوعيين واليساريين العراقيين وأصدقائهم وكذلك عند أوساط أعدائهم من المتصيدين والباحثين عن الإثارة. وأيضا فأن الحزب الشيوعي كمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني يمثل الثقل الأكبر والأوسع والأقدم في هذا الائتلاف، يضاف لذلك ذخيرة الأسئلة عن طبيعة التحالف ذاته والتباس الموقف ومسالكه بين قوى تلك القائمة وتأريخ شخصياتها وأحزابها ومن ثم رؤاهم وتصوراتهم عن مستقبل العملية السياسية ومجرياتها في العراق. قبل الخوض في ذلك علينا أن نبدأ باستعراض مجموعة من الوقائع المهمة والحساسة التي ممكن بواسطتها الاقتراب من حل بعض الإشكاليات أو الحكم على صحة أداء المؤسسة الشيوعية العريقة سياسيا من عدمه. وفي هذا المنحى أسعى لملامسة رأي الشارع العراقي العادي في تفسير الحدث بعيدا عن الأدلجة السياسية. حصلت قائمة السيد علاوي في الانتخابات الماضية على أربعين مقعدا في الجمعية الوطنية وكان السيد علاوي في حينها رئيسا للوزراء وفي يده الكثير من مفاتيح إدارة الدولة وأيضا خيوط اللعبة السياسية بإسناد من قبل إدارة قوات الاحتلال الأمريكية. وكانت تحت تصرفه أموال الدولة ، وقد عمل جاهدا على توظيف كل تلك العوامل لصالح قائمته ولصالحه شخصيا، وضمن تلك الحسابات شهد عهده توقيع عقد بمبلغ يقارب 450 مليون دولار مع قناة الفضائية العربية لتطوير ( قناة العراقية) ولكن أغلب المبلغ جير لإعداد لقاءات دعائية مع السيد علاوي وأيضا إعلانات متكررة لقائمته ولقاءات تمجد إنجازات وزارته في برنامج ( من العراق ).وعملت الهبات التي منحت لبعض رؤساء العشائر والصحفيين وغيرهم فعلها المؤثر فخرج السيد علاوي بحصيلة من المقاعد ليست بالهينة.وجزء من هذا الفعل مارسه أيضا حليف السيد علاوي اليوم السيد غازي عجيل الياور الذي استطاع خلال ترأسه لمجلس الحكم أن يوظف مركزه وقوة عشيرته وسيطرتها على صناديق الاقتراع في المناطق التي فضلت المفوضية المستقلة للانتخابات إيداعها وفي الكثير من المناطق الشمالية والغربية بذمة أبناء تلك العشيرة.كذلك فقد استعان السيد أياد علاوي بأفراد الجيش والشرطة لكسب الأصوات حاله في ذلك حال السيد فلح النقيب عضو القائمة العراقية الوطنية الآن. اليوم وبعد أن اختفت تلك الظروف والإمكانيات، فهل يستطيع السيد أياد علاوي الحصول على ذات النسب من المقاعد ؟. من الجائز القول أن البعثيين ممن أعيد ترتيب أوراقهم باتوا اليوم يحسبون على حزب الوفاق الوطني بقيادة السيد علاوي وهم عدته وقوته التصويتية في الانتخابات القادمة مثلما كانوا في الانتخابات المنصرمة، وقد جهد السيد علاوي لإعادة الكثير منهم وفرض سيطرتهم على بعض مفاصل الدولة، ويعد السيد علاوي وطاقم وزارته أصحاب الفضل الأول في تهيئة الأجواء وتشجيع البعثيين على الخروج من حالة الرعب الذي تملكهم بعد سقوط حكمهم، واستطاعوا بواسطته العودة للحديث والابتزاز والمساومات بصوت مرتفع . ومع هذا فأن هؤلاء يحصون اليوم على دوائر محددة تقع ضمن جغرافية بغداد وديالى وتكريت والموصل أما في باقي الدوائر فوضع حزب البعث بات معروفا حيث أصبح أغلب منتسبيه في جعبة الأحزاب الدينية والكردية. بالرغم مما أبداه السيد علاوي من جفوة مع الأفكار الفاشية لحزب البعث وبالرغم من تصريحاته العلنية ولأكثر من مرة حول انتهاء دور حزب البعث، فأن أمر ماضيه السياسي كبعثي، وحسب الأعراف العراقية، لازال عالقا بأردانه شاء أم أبى. وأيضا فأن سياساته ومنهجه أثناء ترأسه الوزارة ما كانت لتشي كثيرا بابتعاده عن علاقاته مع شخوص ذلك الحزب وبقاياه.أذن السؤال الحقيقي والحارق الذي يواجه السيد أياد علاوي. ـ هل باستطاعته الحصول على ذات العدد من المقاعد لو دخل الانتخابات بقائمته السابقة. الجواب سوف يكون بـ( كلا) جزما ودون لبس. وهذا الجواب أدركه جيدا السيد علاوي وأفصحت عنه الكثير من الوقائع على الأرض، وبموجبه أقدم السيد علاوي على تشكيل هذا التكتل للوصول الى قوة مؤثرة في البرلمان القادم.وهذا الهدف يتقدم كثيرا على باقي خياراته. ولكن على المرء أن لا يجافي الحقيقة بشكل كامل ويتنكر لواقع ظهر بحدة خلال فترة الستة أشهر الماضية والذي يؤكد تنامي القوة التصويتية للسيد علاوي واكتسابه قاعدة جماهيرية ظاهرة بين أوساط المتنورين والمثقفين وقطاعات شعبية أخرى مستفيدا من تخبط ومساويء سياسات حكومة الجعفري.فالسيد علاوي استطاع بهدوئه واتزان طروحاته ونأيه بعيدا عن أساليب المحاصصة العرقية والطائفية، يضاف لذلك الإسناد الإقليمي العربي الكبير والواضح لتوجهاته وسياساته. كل ذلك جعله وبرنامجه معادل علماني عقلاني في مواجهة مشاريع الأحزاب الدينية. حين ندقق في وضع الباقين من شخوص (القائمة العراقية الوطنية) وفعالياتها نجد أن حظوظ بعضهم لن تبلغ شأوا يذكر، وبالذات منهم ممن خسر في الانتخابات السابقة أو ممن لم يشارك فيها. وبالحسابات الواقعية وليس وفق النفخ (التهويل) العراقي،فأن أغلب هؤلاء مع احترامي لهم أحزابا وشخصيات لا يملكون قواعد جماهيرية أو وزن سياسي.وكانت أغلب قوتهم التصويتية في انتخابات 30 كانون الثاني 2005 قد جاءت على أسس العلاقات الشخصية والوجاهة العائلية والمناطقية أو العشائرية.واليوم وبعد التحولات في المعادلات السياسية فأن أغلب هؤلاء لن يقدم للقائمة العراقية الوطنية وفي أكثر الاحتمالات تفاؤلا، ما يعتد به من الأصوات. وهذه الأصوات لن تغني أو تشبع في عز هذا الهوس الطائفي والعرقي. واقع القائمة العراقية الوطنية يشي بأنها تسعى لخوض الصراع والوصول الى قاعة البرلمان وفق حلم كسب أصوات العلمانيين من يساريين ولبراليين وممن لهم مصلحة حقيقية بعراق بعيد عن المحاصصات، بالرغم من أن الواقع اليوم وسمات هذا التيار تفصح عن تشتت ووضع غير صحي.ولذا نتساءل: هل يتحقق هذا الحلم ويكسب السيد أياد علاوي الرهان لتكون قائمته المعادل الحاسم لكسر شوكة السلفيين دعاة الطائفية والدولة الدينية الذين أظهروا بعض نواياهم غير المطمئنة منذ بداية دخولهم العملية السياسية.ومع التفاؤل الذي يطغي على خطاب الأحزاب والشخصيات المشاركة في القائمة العراقية الوطنية حول نجاحها في الحصول على نسب مرتفعة من المقاعد.فأني أشك في تلك القدرة وأرى أن القائمة لن تحصل على ما يوازي هذا التفاؤل. في مجمل الحسابات فان علاوي استطاع لملمة شتات وكسب أصوات فعاليات وشرائح وشخصيات كان من الموجب لها أن تتدارك الأمر منذ البداية وتأتلف في انتخابات كانون الثاني الماضي.وفي هذا الجانب يجب أن لا ينكر جهد الحزب الشيوعي وقتذاك، فقد عمل ما بوسعه على أن يظهر للعلن مثل ذلك التحالف على أسس الابتعاد عن المحاصصة والطائفية وانتهاج الوطنية والديمقراطية والعلمانية كخيارات تنضوي تحت لافتتها أحزاب وشخصيات تلتقي في البعض من رؤاها وتطلعاته، ولكن ذلك المسعى واجه الفشل لأسباب معروفة جاءت في أغلبها بناءا على تقديرات غير صائبة للقوة والمراكز وتوجهات الشارع التصويتية. بجردة سريعة لواقع القوى المؤتلفة في القائمة العراقية الوطنية فأن الرابح الأكبر من الصفقة هو السيد علاوي وحزبه حيث استطاع كسب ليس فقط أصوات فعاليات وشخصيات لبرالية وضمها لقائمته وإنما حصل على أصوات كتلة مؤسساتية لا يستهان بها وهي الحزب الشيوعي العراقي الذي كان حال التصويت له في انتخابات مجالس المحافظات السابقة يشي بقوة تصويتية كبيرة تختلف كليا عما حصل عليه في انتخابات الجمعية الوطنية. وفق ما تقدم من الأمر تثار الأسئلة الأكثر التباسا وقلقا وتضاربا وهي تعني بالدرجة الأولى مسألة مشاركة الشيوعيين في القائمة العراقية الوطنية. فإذا كان السيد علاوي قد كسب أصوات الشيوعيين.فأية مكاسب يجنيها الحزب الشيوعي من دخوله في قائمة السيد علاوي ؟؟؟. بعد أن أجريت التعديلات على نظام الانتخابات وصوت في الجمعية الوطنية لصالح الاستغناء عن نظام الدائرة الواحدة فأن حظوظ الفعاليات والشخصيات المكونة للقائمة العراقية الوطنية ومنها الحزب الشيوعي وفي ظل الصراع الطائفي والعرقي المستشري اليوم، باتت في وضع صعب بعض الشيء في أغلب محافظات العراق .وفي هذا الأمر يمكننا التدقيق في أسئلة جديدة تخص الحزب الشيوعي بالذات وتحتاج لتوصيف وإجابة علمية دقيقة تشخص الواقع الحالي وتنظر الى الأمر بتجرد ودون عواطف وصبيانية فكرية. ـ مع من يمكن للحزب الشيوعي الائتلاف في قائمة لخوض الانتخابات ؟. حسم الحزب الشيوعي أمره وقرر المشاركة في العملية السياسية عبر ائتلاف أعدت له الإدارة الأمريكية ممثلة بشخص مندوبها السيد بريمر وشاركته في ذلك الائتلاف أحزاب عراقية أخرى مثل حزب الدعوة بشقيه والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية والحزب الإسلامي العراقي وأيضا الحزبين الكرديين وحزب الوفاق بقيادة أياد علاوي وبعض الشخصيات المستقلة وسمي ذلك الائتلاف بمجلس الحكم المؤقت. واجه ذلك الائتلاف الواسع بعض الإشكاليات على مستوى التقديرات السياسية ولم ينظر له كتحالف بخيارات مستقلة وإنما جاء بناء على طلب أمريكي. ولكن لا ينكر فانه كان متوافقا مع حقيقة خارطة القوى السياسية العراقية الفاعلة والمهمة التي كان من الموجب أن تقود العملية السياسية المخطط لها نحو بر الأمان لبناء الدولة العراقية الجديدة. ولذا فقد اقتنعت أغلبية من سياسيي العراق بأن للضرورات السياسية وللوقائع على الأرض أحكام تجبر الخصوم وأيضا الأصدقاء على نزع عدتهم الحربية والجلوس حول الطاولة المستديرة كمحاورين يملكون القرار والتصور العقلاني للمسيرة الجديدة.ومع تدرج العملية السياسية قام السيد الأخضر الإبراهيمي وإدارة الاحتلال بصناعة توافق ائتلافي جديد ممثلا بوزارة شارك فيها أعضاء من مجموعة ائتلاف مجلس الحكم وكان الوزراء ووكلائهم من الشيوعيين يقفون بجانب وزراء السيد علاوي حالهم حال الباقين من وزراء الأحزاب الأخرى ولم توجه لذلك التكتل اتهامات بالشكل الذي توجه اليوم للشيوعيين بسبب تحالفهم مع السيد علاوي
في منطقة كردستان العراق حسم الشيوعيون الأكراد أمرهم وأعلنوا ائتلافهم مع القوميين الأكراد حزبي السيدين مسعود البرزاني وجلال الطلباني.ولو تفحصنا أمر هذا التحالف فلن نجد ثغرة تتعلق بخلاف حول أهداف ذات خصوصية بعينها تسعى لها بعض أطرافه، فالجميع يأتلفون حول الهم القومي الكردي وفدرالية كردستان قبل أية أهداف أخرى، وهذا يكفي للملمة الشمل في الوقت الراهن ولترحل باقي الأهداف الى المراحل المقبلة. لكن الحزب الشيوعي العراقي يواجه في أمر الائتلافات وضعا مختلفا، ففي وسط وجنوب العراق وفرة من أحزاب وكتل أغلبها تبدوا متقاربة الأهداف ولكنها تنحو للتفرد والجفوة. وفي خضم هذا الوضع تبدوا الخيارات ضيقة جدا عند الشيوعيين، وأن أرادوا الدخول في تحالفات انتخابية، عليهم البحث عن مقاربة في الراهن من الأمر قبل النظر في ما يخبئه المستقبل.وفي المنظور العملي فأن الدستور الذي حوى الكثير من النواقص، يتطلب أيضا وعبر قوة تصويت برلمانية،إعداد ما يقارب أكثر من خمسين قانونا تستكمل بها ملامح مؤسسات الدولة القادمة.وهذا لن تضمنه عملية جرد مشوبة بالتفاؤل المفرط تغمض العين عن سقطات الانتخابات الماضية. أذن مع من يأتلف الحزب الشيوعي بعد أن درس وخبر وضع قائمته في الانتخابات الماضية، وكذلك بعد أن سنت الجمعية الوطنية قانون الدوائر الانتخابية المتعددة. وما هي حظوظه في المحافظات الجنوبية والغربية وهل يستطيع أن يعزز قوته التصويتية في مواجهة الحملات المنظمة التي تحاول خنق أصوات مؤيديه وخير دليل على ذلك استعمال بعض القوى السياسية للتهديد والتصفيات الجسدية ضد رفاقه.ولذا فالسؤال الحارق هو: هل يستطيع الحزب الشيوعي الدخول منفردا بقائمته السابقة ( اتحاد الشعب) وخوض الانتخابات في دوائر المحافظات ؟.
مثلما كنت ومنذ البداية أوجه النقد لمسألة مشاركة الحزب الشيوعي في مجلس الحكم المؤقت ولي في ذلك وجهة نظر وأيضا حول موافقته على بنود الدستور، فأني ميال وكانت أمنيتي أن يدخل الحزب الشيوعي الانتخابات بقائمته السابقة ( اتحاد الشعب ).وتلك الرغبة تصبوا أساسا لقياس مقدار قدراته الذاتية وجماهيريته التي لا شك فيها،وكذلك تجنبا لردود فعل تحمل قناعات قاصرة عن واقع العمل السياسي برمته، لا زالت تتعامل بهامش العواطف المغلقة والمبتورة. ولكن السياسة اليوم أو بالآحرى العملية السياسية في العراق ما عادت تحتمل العمل والممارسة بأمنيات وعواطف سائبة.ولذا فأني أدرك جيدا أن وقائع على الأرض ومنها مجريات العملية الانتخابية يمكن لها أن تقف حائل أمام هذا المسعى ويخرج الشيوعيون بإحباط جديد. ليس فقط لقصور ذاتي وإنما يأتي أغلبها أيضا من أسباب خارجة عن إرادة الشيوعيين أنفسهم، ويمكن تشخيصها وتوصيفها بدقة وأنصاف عند المحايدين. تنحسر الخيارات الواقعية للتحالفات عند الشيوعيين هذه المرة في مقاربة تنظيمين في ذات القائمة هما تجمع الديمقراطيين المستقلين أي مجموعة السيد عدنان الباجه جي وكذلك الحركة الاشتراكية العربية الممثلة بمجموعة السيد عبد أله النصراوي.هذان التجمعان يمكن أن يقال عنهما أنهما الأقرب للحزب الشيوعي من باقي شخصيات وأحزاب القائمة العراقية الوطنية،ولكنهما وفي جميع الاحتمالات لو خيروا بين الائتلاف مع الحزب الشيوعي أو السيد علاوي لما ترددوا في اختيار الأخير لأسباب معروفة في أغلبها.ولذا فأن الوضع العام لمحاور التحالفات دفع الحزب الشيوعي لتفضيل الخيار البرغماتي والسير مع الأخريين وفق برنامج علماني ديمقراطي وخوض تجربة الانتخابات ضمن قائمة تستطيع المنافسة بقوة وجاء ذلك التوجه بعد أن أستنفذ الشيوعيون أخر محاولاتهم.وفي التقدير النهائي فأن تكلفة تلك الجبهة لن تكون أكثر سوءا مما لو خاضوا الانتخابات بقائمة منفردة.
هل تحالف اليوم بين علاوي والحزب الشيوعي له علاقة أو تشابه بتحالف عام 1973 والذي سمي في حينه بالجبهة الوطنية.؟؟. خلال فترة استيزار السيد علاوي وعبر مقابلاته التلفزيونية وتصريحاته تكون انطباع لدى البعض من العراقيين عن شخصية توحي بالنموذج الدكتاتوري أو مثلما قال لي أحدهم أن السيد علاوي مشروع دكتاتور قادم في كل ما يوحي جسده وحركة يديه وتعبير وجهه وطريقة حديثه.هذه الصورة النمطية لها جذورها المغروسة عميقا في الذاكرة العراقية وربما نحتاج الى فترة زمنية طويلة لأبعادها عن المخيلة وبعد أن يطمئن العراقي بأن لا عودة لمثل تلك الشخصيات الى حكم العراق. إذا كانت شخصية السيد أياد علاوي توحي بذلك النموذج فأن المشهد السياسي العراقي المفتوح والمتنوع ما عاد يسمح أن يتكرر النموذج التقليدي للدكتاتورية.ومع هذا لا يمكن الاطمئنان بأن يخلوا المستقبل من عناصر المفاجئات، وأهم تلك المفاجئات ربما تكون وفي ظرف تأريخي بعينه منسجمة مع الرغبة والحاجة الأمريكية لصناعة الدكتاتور، وهذا لا يتوفر في الوقت الراهن أو في السنوات القريبة القادمة. والمشروع الأمريكي للشرق الأوسط الكبير لا يحبذ مثل هذا النمط من الحكومات.لذلك فأن السيد علاوي خاضع لتلك الاشتراطات حاله حال الأخرين ولن يكون أستثناءا في ذلك.وأن افترضنا أن قائمته حصلت على المقاعد الترجيحية وأستلم السيد علاوي رئاسة الوزراء مع وجود الظن بكونه قائدا لحزب بعثي جديد.ففي جميع الأحوال لن تكون حكومته شبيهة بوضع حكومة حزب البعث المنحل ولا سلطته شبيهة بسلطة وقيادة صدام حسين الذي عرض على الشيوعيين التحالف في الجبهة الوطنية عام 1973.فليس التأريخ وحده الذي تغير وإنما هناك الكثير مما لا يمكن مقارنته أو مطابقته بين التحالفين ووضع الحزبين في الظرف الحالي.
عام 1973 كانت الدعوة التي وجهت للشيوعيين من أجل التحالف قد فرضتها ظروف العراق وعلاقاته الخارجية وأيضا ظروف البعث وسمعته الملوثة بعد انقلاب رمضان الأسود عام 1963 ، تقابلها ظروف الحزب الشيوعي.ولكن العامل الأكثر تأثيرا والذي دفع للتسرع في عقد مثل ذلك التحالف والتغاضي عن جميع الشروط المنطقية والضامنة لحلف يراد له الحياة دون تعديات وتجاوزات،كان مصالح الاتحاد السوفيتي والمنظومة الاشتراكية الاقتصادية والسياسية. كان البعثيون يملكون السلطة أو بالأحرى الدولة العراقية كاملة وكان بإمكانهم الولوج بهدوء وقدرة في المجتمع الدولي الذي لم يضع أية موانع في وجه أنقلابهم وعودتهم الى السلطة عام 1968 .وكان بترول العراق وأمواله وأسواقه تلعب الدور المؤثر والناجز على جميع الأصعدة، وهذا ما أغرى البلدان الاشتراكية وأسال لعابها وجعلها تتعجل في دفع الحزب الشيوعي عام 1973 للوقوع في مصيدة حزب البعث الفاشي دون ضمانات وبشروط لا يقبلها غير المرتعب واليائس. اليوم فأن التحالف بين السيد علاوي ومجموعة الأحزاب والشخصيات ومنهم الحزب الشيوعي يختلف كليا ليس فقط بشروطه التعاقدية وطبيعة علاقته الحزبية ولائحة برنامج قائمته وحتى ظرفه العراقي، وإنما في مقدمة كل ذلك أن لا ضغوط أبوية لرفيق لا يرى في توابعه غير بيادق شطرنج يناقلها فوق الرقعة، وهذا أهم شرط يحرر الحزب الشيوعي العراقي من التزامات تفرضها عليه علاقات كانت دائما توصف بالطفيلية و تعتمد على الأخ الكبير رب الجهات الأربع وصانع المعجزات. من المنطقي القول وبشكل ناجز أن التكتل الحالي للقائمة العراقية الوطنية لا يملك أي توصيف منهجي أو سمات لتحالف اجتماعي طبقي. يضاف لذلك شخصية السيد علاوي ذاتها التي تصر على أن لا علاقة لها بحزب البعث وهو يعيد دائما عبارته في هذا الشأن، بأن حزب البعث قد أندثر أو انتهى وأن حزب الوفاق الوطني في التقييم العام لن يكون وريثا لتراثه.ومهما بالغ البعض في تقيم وضع حزب الوفاق وقائده السيد علاوي فالحقائق تشير الى أن ظروف وإمكانيات حزب الوفاق لن تكون ذات الظروف الإمكانيات التي كان عليها حزب البعث بين أعوام 1973 ـ 1979 وهي أعوام الجبهة الوطنية.ويجب أن لا يغيب عن البال أن سنوات الستينيات والسبعينيات لم تكن تحمل ذات الأنماط والنماذج من المنافسة الحزبية وبهذه الوفرة من الفعاليات السياسية مثلما يظهر اليوم،وإنما كان الشارع السياسي وقتذاك يقف متأرجحا بين الشيوعيين وحركة القوميين العرب والبعثيين، أما اليوم فالوضع السياسي وصل حد التخمة وفاض وما عاد يحتمل. وأن السيد علاوي وحلفاءه أن أرادوا إدارة دفة السلطة فما عليهم غير الأخذ بالحسبان وضع جميع تلك الفعاليات وفي مقدمتهم القوى الكردستانية والشيعية وغيرها وبوجود برلمان متعدد الأطراف، ويمكن أيضا احتساب فعاليات الخارج العراقية ضمن تلك القوى الضاغطة. في نهاية الأمر يمكن القول أن ليس المشهد السياسي هو ذاته في أعوام 1968 1973 أي سنوات ما قبل الجبهة بين الشيوعيين والبعثيين، ولا علاقة للإنسان والشارع العراقي اليوم بتلك الأيام، وكذلك فأن ظروف وشخوص ووضع الحزب الشيوعي بعيدة كل البعد عن خيارات وضغوط أعوام جبهة عام 1973.وذات المواصفات تنطبق على حزب الوفاق الوطني وقادته وعلى رأسهم السيد أياد علاوي.ويمكن أيجاز ذلك والتفريق بين الواقعتين من خلال مفهومين وفعلين محددين. فجبهة عام 1973 كانت قد بنيت على أساس حلف ستراتيجي له برنامجه واشتراطاته أما ائتلاف اليوم فيستند لشراكة انتخابية تشترط اللحظة التاريخية الراهنة، ممكن لها أن تنفرط بسهولة لو حدث الافتراق في المبررات والأهداف تحت سقف البرلمان ودون وقوع جرائم ضد الإنسانية مثلما فعلها حزب البعث الفاشي ضد حلفائه من الشيوعيين عامي 1978 ـ 1979. من الجائز القول أن هامش الخيارات عند الشيوعيين كان شحيحا ففضلوا الانضواء في التشكيلة القريبة بعد أن غامت ملامح الأقرب. وفضل هذا الأقرب إما أن يكون منافسا في قوائم أخرى أو حليفا في قائمة متنوعة ومتعددة الأهداف والطموحات وهي القائمة الوطنية العراقية.أن رؤية الشيوعيون للجو السياسي العام بجميع مساوئه وخوفهم من الأخطار المحدقة بالعراق جعلتهم يفضلون الشراكة مع من يمتلكون ذات الأهداف والمساعي لإخراج العراق من محنته. في النهاية أقول: أن حصد المقاعد البرلمانية عبر عملية تشكيل التكتلات والقوائم الانتخابية يمثل المدخل الأساس والحاسم للجميع ولكنه لن يكون نهاية المطاف وأن هذا المشهد سوف يواجه الكثير من التغيرات داخل البرلمان القادم.فأمام أعضاء البرلمان حزمة كبيرة من القرارات والقوانين التي تخضع لاشتراطات المصالح الاقتصادية السياسية والاجتماعية وعندها سوف تبرز تحالفات جديدة تنفرط معها الكثير من التحالفات الظاهرة الآن وسوف تتغير الخريطة السياسية بشكل متسارع خلال السنتين الأوليتين من عمر الدولة العراقية الحديثة وربما سوف نشهد انتخابات مبكرة أن استمرت العملية السياسية مثلما أقرها الدستور وقبلتها وتروج لها القوائم المتنافسة.
#فرات_المحسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة الى قتلة الشهيدين الشيوعيين عبد العزيز جاسم حسن و ياس
...
-
على خطى صدام...أنه يدعوهم لاحتلال سوريا
-
هل أن إيران بريئة أم الرس نداس
-
من فنتازيا الخراب ......سماوتومو
-
أن ينصركم الله فلا مانع لدينا
-
طرق قديمة حديثة في العكرف لوي
-
من حاول اغتيال مراسل قناة الفضائية العربية ـ جواد كاظم
-
ليدافع المثقف العراقي عن بيته
-
صدام بين سروالين
-
دمشق إفلاس وتخبط سياسي يسبق الانهيار
-
مسؤولية سوريا عن مصير السيد شاكر الدجيلي
-
المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق واستحقاقات الم
...
-
موكب عزاء السفارة مرة أخرى
-
موكب عزاء السفارة
-
محاربة الإرهاب بين التمنيات والواقع
-
سوف انتخب قائمة الشجعان
-
وثائق غير قابلة للعرض
-
غواية التمرد الى أين...؟؟
-
أيها الوزير الفهلوي أنت القاتل وليس غيرك
-
وداعا صديقي سلمان شمسة
المزيد.....
-
التهمت النيران كل شيء.. شاهد لحظة اشتعال بلدة بأكملها في الف
...
-
جزيرة خاصة في نهر النيل.. ملاذ معزول عن العالم لتجربة أقصى ا
...
-
قلق في لبنان.. قلعة بعلبك الرومانية مهددة بالضربات الإسرائيل
...
-
مصر.. غرق لانش سياحي على متنه 45 شخصًا ومحافظ البحر الأحمر ي
...
-
مصدر يعلن موافقة نتنياهو -مبدئيًا- على اتفاق وقف إطلاق النار
...
-
السيسي يعين رئيسا جديدا للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام
-
ثلاثة متهمين من أوزبكستان.. الإمارات تكشف عن قتلة الحاخام ال
...
-
واشنطن تخطط لإنشاء قواعد عسكرية ونشر وحدات صاروخية في الفلبي
...
-
هايتي: الأطفال في قبضة العصابات مع زيادة 70% في تجنيدهم
-
تحطّم طائرة شحن في ليتوانيا ومقتل شخص واحد على الأقل
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|