|
حالة فوضى وليس مجرد انقسام سياسي
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 5139 - 2016 / 4 / 21 - 10:20
المحور:
القضية الفلسطينية
بالرغم من أن مصطلح الانقسام بات ممجوجا ومكروها عند الشعب الفلسطيني كونه يعبر عن أسوء مرحلة في التاريخ الفلسطيني الحديث ، وبالرغم مما يكتنفه من التباس ليس فقط من حيث موضوعه أو الشيء الذي انقسم بل وأيضا من حيث أطرافه ، إلا أنه يبقى قاصرا عن التوصيف الحقيقي لما يجري . ما يجري انقسامات متعددة وحالة تفكك للنظام السياسي وغياب المرجعية الناظمة وحالة من الفوضى التي تضرب في كل مناطق السلطة وداخل الأحزاب نفسها ، الأمر الذي يؤثر سلبا على الحراك الدولي الداعم لقضيتنا الوطنية كما يؤثر على فرص قيام انتفاضة فلسطينية شاملة ضد الاحتلال ، كما أنه سببا فيما يجرى من محاصرة الانتفاضة أو الهبة الحالية وعدم التفاعل معها شعبيا. الانقسام مركب وأكثر تعقيدا مما يتصور البعض : انقسام جغرافي بين الضفة وغزة وبقية مناطق الشتات ، انقسام بين فتح وحماس ، انقسام داخل منظمة التحرير ، انقسام داخل حركة فتح ، انقسام داخل حركة حماس ، وانقسام بين مشروع تسوية ومشروع مقاومة بينما لا توجد تسوية ولا مقاومة ، بالإضافة إلى التداعيات الاجتماعية والنفسية والاقتصادية . حركة فتح تتهم حركة حماس بالمسؤولية عن الانقسام وفشل المصالحة ، وحركة حماس تتهم منظمة التحرير وعلى رأسها حركة فتح بالمسؤولية ، فيما تتهم قوى اليسار المنتمية لمنظمة التحرير حركتي فتح وحماس بالمسؤولية عن الانقسام ، والشعب يتهم الجميع بالتقصير والتواطؤ . وحتى عندما حاول البعض تشكيل حالة أو تجمُّع تحت عنوان (وطنيون لإنهاء الانقسام) تم منعهم من عقد مؤتمر تأسيسي وتشويه أهدافهم واستدعاء بعضهم لأمن حماس . لقد كتبنا وكتب غيرنا حول التباس مفهوم الانقسام ، إلا أن هذا الالتباس ما زال قائما ويزداد تعمقا وتشعبا ويترك مفاعيل ارتدادية خطيرة . يفسر البعض الانقسام ويحدد أطرافه بطريقة انتقائية تسمح له بموقِعة نفسه إما خارج دائرة الانقسام منتقدا طرفي الانقسام ، أو منحازا لأحد الطرفين ، ليس من منطلق مبدأي و ليس دفاعا عن النهج السياسي للطرف الذي يزعم أنه يدعمه بل دفاعا عن مصالحه الخاصة وحماية لها ، وفي جميع الحالات يتم توظيف خطابا يؤدي لتأجيج المشاعر وتكريس حالة الانقسام وليس المساعدة على إنهائه . كثيرون استفادوا من الانقسامات وما كانوا ليصلوا للمواقع التي يتبوؤها والثروات التي راكموها لولا فوضى الانقسامات ، وبالتالي معنيون باستدامتها لأنه في ظل الانقسامات لا أحد يستطيع محاسبتهم أو متفرغ لذلك ، حيث الرئيس منشغل بالعمل الدبلوماسي ، والسلطة منشغلة بكيفية توفير متطلبات الحياة اليومية للمواطنين واستمرار وجودها بأي شكل كان ، وحركة حماس منشغلة بكيفية الحفاظ على سلطتها في قطاع غزة ومواجهة الحصار وحل مشاكلها المادية . إذن من التبسيط اختزال الانقسام بأنه بين فتح وحماس ، فالانقسام أعمق وأخطر من ذلك ، وجاءت أزمة قطع المخصصات عن الجبهتين الشعبية والديمقراطية لتثير المسكوت عنه وهو الانقسام داخل منظمة التحرير والتيار الوطني ذاته . تجميد المخصصات التي تتلقاها الجبهتين الشعبية والديمقراطية من منظمة التحرير وردود الفعل الحادة للجبهة الشعبية على القرار والتي وصلت لحرق صور الرئيس أبو مازن في شوارع قطاع غزة وإطلاق هتافات مهينة بحقه . هذه الواقعة تؤكد أن الانقسام ليس فقط بين فتح وحماس بل داخل منظمة التحرير نفسها ، مما يطرح قضية تتجاوز الجانب المالي وتتجاوز حتى الجبهتين الشعبية والديمقراطية ، وهي قضية النظام السياسي برمته وموقع الجبهتين وفصائل أخرى منتمية شكليا لمنظمة التحرير من النظام السياسي وسياساته وتوجهاته السياسية . من المعروف أن الجبهتين كغيرهما من الفصائل الوطنية جزء من منظمة التحرير الفلسطينية التي يتعامل معها العالم كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني ، وهي المنظمة التي اعترفت بإسرائيل ووقعت اتفاقية تسوية معها وهي المنظمة التي شكلت السلطة والحكومة ، وقد شاركت كل فصائل منظمة التحرير بالسلطة سواء كوزراء أو نواب تشريعي أو موظفين سامين أو عاديين ، وإن كان بنسب متفاوتة . ومنذ توقيع اتفاقية أوسلو وبعد أن تم محاصرة منظمة التحرير وتجفيف منابعها المالية على إثر حرب الخليج الثانية فإن منظمة التحرير تتلقى التمويل من ميزانية السلطة الوطنية . كان من المُفترض ، وقد طالبنا بذلك مبكرا ، أن تستنهض منظمة التحرير نفسها وتُحِدد رؤيتها وإستراتيجيتها باعتبارها عنوان المشروع الوطني ، قبل أن تعمل على إدماج واستيعاب التيار الديني – حماس والجهاد الإسلامي - . عدم القيام بذلك واستمرار الترهل داخل المنظمة وتهميشها أدى لتراخي بل وتوتير العلاقات بين فصائل المنظمة من جانب والرئيس وحركة فتح والسلطة من جانب آخر ، حتى إن العلاقة بين بعض فصائل المنظمة والتيار الديني ، وخصوصا حركة حماس ، وجماعة محمد دحلان أصبحت أقوى مما بين بعضها البعض ، أو بينها وبين حركة فتح والرئاسة . لا ندري هل أن الذين أشاروا على الرئيس بقطع وتجميد المخصصات وهل الذين طلبوا من شباب الجبهة حرق صور رئيس الشعب الفلسطيني علنا ، هل يدرك كل هؤلاء خطورة ما أقدموا عليه وتأثيره على مستقبل ووحدة منظمة التحرير بل واستمرار وجودها ؟ . وماذا بعد ذلك ؟ هل ستستمر بعض الفصائل منتمية شكليا لمنظمة التحرير حتى تستفيد من مخصصاتها المالية ، ومنتمية سياسيا لتيار معارض للمنظمة ومشكِك بنهجها ؟ وهل ستستمر سياسة قطع الرواتب والمخصصات عن كل من يخرج عن نهج السلطة أو ينتقد سلوكها وسلوك القيادة ؟ وهل المطلوب عودة الجبهتين وكل من تم قطع رواتبهم صاغرين للشرعية تحت ضغط الحاجة المادية !؟ ألا توجد خشية من ظهور تحالف أو تيار (وطني) جديد يجمع الجبهتين وجماعة محمد دحلان وحركة حماس والجهاد الإسلامي وفصائل أخرى ؟. وفي نفس الوقت إلى متى ستستمر الوضع دقيق وخطير والمطلوب سرعة أن يتدارك الرئيس الأمر ويستنهض حركة فتح ومنظمة التحرير ويُنجز مصالحة ولملمة للأوضاع داخل حركة فتح و داخل منظمة التحرير ، وخصوصا أن الدولة الفلسطينية ليست على الأبواب والمرحلة القادمة احوج ما تكون للوحدة الوطنية ولتيار وطني متماسك وصلب ليواجه التحديات الداخلية ويملأ فراغ تراجع جماعات الإسلام السياسي ، ولمواجه السياسة الاستيطانية الإسرائيلية . فيما تستمر الاتهامات والمناكفات منذ تسع سنوات متوالية تواصل إسرائيل الاستيطان والتهويد بشكل متسارع ، وقطاع غزة قلعة الصمود والمقاومة يتحول لسجن كبير لعاطلين عن العمل وفقراء ومرضى ومحبَطين . وسط فوضى الانقسامات تجري تحولات كبيرة على النخبة السياسية ، وتجري عملية تفكيك النظام السياسي . [email protected]
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ماذا بعد انهيار السلطة وفشل خيار حل الدولتين ؟
-
حركة فتح أمام منعطف مصيري
-
الإرهاب : من تفجيرات الملك داوود إلى تفجيرات بروكسل
-
شبهات حول تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة حول قضية الصحرا
...
-
مراجعات حركة حماس بين التكتيك والإستراتيجية
-
البديل الوطني لاتفاقية أوسلو وتوابعها
-
التضليل في خطاب (الحرب على غزة)
-
الخوف على السلطة من السلطة
-
المصالحة وعلاقتها بالانقسام والتسوية السياسية
-
السياسة ما بين (فن الممكن) وفن (مراكمة الإنجازات)
-
الحاجة لمصالحة تاريخية بين المثقفين والسلطة
-
استشكالات الهوية والانتماء في الخطاب السياسي العربي الراهن
-
الفلسطينيون بين جلد الذات وتضخيمها
-
حق الدفاع عن النفس ليس حكرا على إسرائيل
-
الشروط الذاتية والموضوعية للمصالحة الفلسطينية
-
الأزمة في سوريا تكشف بعض خفايا (الربيع العربي)
-
سر حركة فتح الذي لم يدركه الآخرون
-
غزة ليست للبيع وليست حديقة خلفية لأحد
-
الفلسطينيون وتراجيديا الغربة والسفر
-
تفكيك الأوطان وتشويه الأيديولوجيات الجامعة
المزيد.....
-
صدق أو لا تصدق.. العثور على زعيم -كارتيل- مكسيكي وكيف يعيش ب
...
-
لفهم خطورة الأمر.. إليكم عدد الرؤوس النووية الروسية الممكن ح
...
-
الشرطة تنفذ تفجيراً متحكما به خارج السفارة الأمريكية في لندن
...
-
المليارديريان إيلون ماسك وجيف بيزوس يتنازعان علنًا بشأن ترام
...
-
كرملين روستوف.. تحفة معمارية روسية من قصص الخيال! (صور)
-
إيران تنوي تشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة رداً على انتقادات لوك
...
-
العراق.. توجيه عاجل بإخلاء بناية حكومية في البصرة بعد العثور
...
-
الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا استعدادا لضرب منطقة جديدة في ضا
...
-
-أحسن رد من بوتين على تعنّت الغرب-.. صدى صاروخ -أوريشنيك- يص
...
-
درونات -تشيرنيكا-2- الروسية تثبت جدارتها في المعارك
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|