صائب خليل
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 11:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
مقدمة
المفاجأة المؤذية لحكومة الجعفري وهي على ابواب انتخابات هامة وصعبة هزت الوضع السياسي العراقي برمته. فبين غاضبٍ ومشتفٍ ومندهش, يتحدث العراقيون اليوم في كل مكان عن فضيحة سجن الجادرية السري.
والحقيقة ان لدى حكومة الجعفري الكثير من الردود التي يمكن ان تنتقم بها من اصدقاءها الامريكان الذين فضحوها, وتبين ان تلك الحركة لم تكن لها علاقة بالدوافع الانسانية المدّعاة. لكن المشكلة ان الحكومة تجد نفسها كمن سقط في بركة من الرمال المتحركة, فأية حركة وأي رد يسرع في هبوطه الى الأسفل. لذا تجنبت الحكومة كثرة الجدل لأن في الكسب هنا خسارة اكبر, وخير ما تفعل الحكومة ان تترك الموضوع يموت بأسرع ما يمكن قبل الانتخابات.
هذا بالنسبة لموقف حكومة الجعفري, لكننا لحسن الحظ لانجد انفسنا في مثل هذا الموقف ولا شيء يمنعنا من دراسة الأمر ببعض التفصيل, لذلك سنلقي نظرة على التغطية الاعلامية للحدث, ثم موقف الحكومة الامريكية وارباحه وخسائره, وأخيراً نناقش باختصار موقف الحكومة العراقية لنختتم المقال بإقتراح للحكومة العراقية.
التغطية الاعلامية
أعلام مضاد للحكومة..
كانت التغطية الاعلامية للحدث بشكل عام سيئة للغاية. فأصبحت وسائل الاعلام كأنها بوتقة يلقي بها من يشاء بما يشاء وهي تقبل دون تحسب. وبشكل عام كانت الحملة متحيزة بشدة ضد الحكومة التي عجزت عن الحصول على من يستمع لدفاعها.
والحقيقة ان الاعلام تجاهل دفاعات محددة وربما تكون حقيقيه للحكومة اهمها ان السجن لم يكن سرياً, على الاقل بالنسبة للامريكان الذين كانوا" يروحون ويجيئون" حسب احد المسؤولين.
والنقطة الثانية كانت وجود قاضي تحقيق رسمي في السجن, وهو الامر الذي تجاهله الكثير من الصحفيين وكتبوا ببساطة ان المساجين لم يكونوا يحصلوا على اية اجراءات رسمية أو توجيه تهم.
النقطة الاخرى التي كان يفترض التحقق منها, هو ادعاء الحكومة ان التعذيب شمل 7 أشخاص فقط, من اخطر الأرهابيين, في حين كان معظم الاعلام يركز على الرقم 176 ويوحي بأنهم جميعاً تحت التعذيب, ووصفتهم احدى المقالات بأنهم 176 سجين يتضورون جوعاً.
ورغم ان تعذيب شخص واحد يعتبر جريمة, لكننا نلاحظ ان غضب الاعلام (ومستمعيه) كان اكبر كثيراً من غضبه على الجرائم الامريكية في القصف الذي كان يقتل بلا تمييز, ثم الإدعاء بأن من قتل كان من "مساعدي الزرقاوي". كذلك لم يكن هناك ذلك الغضب الإعلامي من موقف الحكومة المتميع من تلك العمليات العسكرية.
جرى التركيز فوراً على ان "جميع" السجناء هم من العرب السنة في محاولة لإثارة الطائفية, ثم عدلت "جميع" فيما بعد لتصبح "معظم", دون اعطاء ارقام.
كذلك سارع البعض لإتهام منظمة "بدر" وذهب الاخر الى ان السجن كان يدار من قبل ضباط ايرانيين!
كذلك أعتبر الموقف مبرراً لإتهام الحكومة بكل الاعمال الارهابية التي جرت في الماضي القريب. وساهم في هذا ألإتهام قائد الجيش الامريكي في بغداد الميجور جنرال ويبستر فتحدث في مقابلة عن حادثة لاعلاقة لها بالامر قائلاً: " وقد سبق أن تلقينا مكالمة من شخص يبلغنا فيها بأن أشخاصا جاءوا في منتصف الليلة وأخذوا معهم خمسة وعشرين من الرجال وجدوا قتلى بالرصاص في قارعة الطريق في صباح اليوم التالي"
لص رفيع المستوى"
تحدث احدهم عن "سلطة سرية" في وزارة الداخلية, لها ان "تداهم فوجا من الجيش" وان صولاغ يشرف على "جهاز أمن سري" يتولى تعذيب وتصفية المعارضين. ناشري هذا التصريح وصفوا مصدره بأنه من "مسؤول أمني عراقي سابق رفيع المستوى", و"نسوا" ان يخبروا قراءهم بأنه (منتظر السامرائي) ضابط عراقي هارب من القضاء الى الاردن, متهم من قبل الوزارة السابقة بتزوير اوراق سيارة وسرقتها.
تبريرات التعذيب: ضغط نفسي وفعالية الحرب على الارهاب
اللواء حسين كمال وكيل وزارة الداخلية لشؤون الاستخبارات الجنائية: الذين قاموا بعمليات التعذيب في الجادرية كانوا تحت ضغط نفسي. هذا تبرير مرفوض بالطبع حتى ان كان صحيحاً, فلسلامة المعتقلين وسلامة وفعالية التحقيق يفترض استبعاد المحققين الذين يعانون من ذلك الضغط أو لايسيطرون عليه, قدر الأمكان.
لكن ملاحظة ماكليلان (البيت الابيض), والتي تمثل رأي الأدارة الامريكية بموضوع الارهاب حين قال "ان قرار الكونكرس بتحريم التعذيب يحد من قدرة القائد العام لأدارة الحرب على الارهاب بفعالية", ليست مقبولة هي الأخرى, وهي ليست بأي حال افضل من التبرير الجزئي الذي قدمه اللواء حسين كمال.
http://www.cnn.com/2005/POLITICS/10/06/senate.detainees/
موقف الحكومة الامريكية
لنأتي على موقف الجيش الامريكي او الحكومة الامريكية ونبحث عن الأسباب التي دعتها الى كشف السجن, وهل هي نتيجة موقف مبدئي ام مراوغة سياسية و للتأثير على الإنتخابات.
أميركا لا تكره التعذيب
السفارة الأميركية أعلنت أنها اتصلت بالحكومة العراقية لإبلاغها رفضها الإساءة للمعتقلين باعتباره أمرا غير مقبول. يبدوا مثل هذا القول نشازاً ان خرج ممن له تأريخ اميركا في الموضوع, ولكن لننظر بهدوء.
بوش: نحن لا نمارسل التعذيب!
حينما كان الرئيس بوش في بنما قال: "هناك عدو يريد ويخطط لإيذاء اميركا, ولذا فإننا سوف نهاجمه ونلاحقه, لكننا سنفعل ذلك ضمن ما يسمح به القانون" ثم اضاف: "اننا لا نعذب"
http://www.cnn.com/2005/POLITICS/11/07/bush.torture.ap/index.html
جيد, ولكن لنقرأ بعض التأريخ اولاً.
التأريخ
قصة علاقة اميركا بالتعذيب قصة طويلة وكثيرة التفاصيل. فمثلاً كان سفير العراق السابق نيكروبونتي مسؤولاً عن انشاء مركز عسكري سيء الصيت في هندوراس لمهاجمة حكومات امريكا الوسطى الديمقراطية وقد وثقت الكثير من عمليات الاغتيال والتعذيب ضده. كما ان الغالبية الساحقة من دكتاتوريي اميركا الوسطى والجنوبية كانوا من خريجي "مدرسة الامريكان" في الولايات المتحدة.
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=20653
ويذكر جومسكي ان القانون الأميريكي يمنع تقديم المساعدات الى دولة تمارس التعذيب بشكل منظم, لكنه لم يطبق على اسرائيل او كولومبيا. وفي مكان اخر يبين ان الدعم العسكري كان ينتقل بين تركيا وبنما وكولومبيا بحسب ممارسة حكومات تلك الدول من الإضطهاد لشعوبها.
أما استاذ الاقتصاد ادوارد هرمان (Edward Herman ) فاشار في دراسة مهمة له الى ان كمية المساعدات الأمريكية لأية دولة كان يتناسب ايجابياً مع ممارسة تلك الدولة للتعذيب! واشار الى انه لم يكن ذلك بسبب حب الامريكان للتعذيب, لكنه كان غالباً الشرط الاساسي لبناء مناخ مناسب للإستثمار في تلك البلاد.
http://www.peacemagazine.org/archive/v11n1p16.htm
كذلك معروف لدى العراقيين على الاقل ان صدام كان يتلقى معظم المساعدات التي حصل عليها, خلال الفترة التي كان يمارس فيها التعذيب على شعبه اكثر من غيرها, أي في الثمانينات, حيث صار العراق الدولة الثانية المتلقية للمساعدات الامريكية بعد اسرائيل.
أبو غريب لم يكن عمل انفار
لكننا لسنا بحاجة للعودة بعيداً الى الماضي للحصول على تفنيد لإدعاءات بوش, فما زالت اصداء فضيحة التعذيب في سجن ابو غريب مدوية. فرغم ان تلك الجرائم القيت على عاتق انفار قلة من ذوي الرتب العسكرية الواطئة (من ضمنها فتاة تعاني ذهنياً), فمن الصعب تصديق ادعاء الادارة الامريكية انها كانت احداث متفرقة قام بها أفراد, وأنها لا تمثل السياسة الامريكية, كما قال الامريكان ورئيس الجمهورية الطالباني.
الصحفية أنا ابلبوم(Anne Applebaum) أشارت الى ان صور ابو غريب تبين ان العملية لم تكن من فعل اشخاص قليلين بسبب وجود العديد من المتفرجين في الصور, اضافة الى شهادات شركتين للكلاب العسكرية المستعملة في أبو غريب, والتي اكدت ان استعمال الكلاب لتخويف السجناء يحتاج الى موافقة القائد العسكري العام في العراق.
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/articles/A44874-2004Jun15.html
الحاضر: زوروا كوانتانامو ولاتتحدثوا مع السجناء
موضوع كوانتانامو مازال موضوعاً حياً متجدداً مسبباً الاحراج الشديد المستمر للساسة الامريكان. اليوم, وبعد الحاح استمر اربعة سنوات وافق الامريكان على زيارة ثلاثة (من خمسة مرشحين) من الامم المتحدة الى سجن كوانتانامو مؤخراً, لكنهم (الامريكان) اشترطوا ان لايتحدث الزائرون مع السجناء!
من جانبهم أكد المحققون الأمميون الثلاثة وهم الجزائرية ليلي زروقي الخبيرة الدولية بشأن الاعتقال التعسفي، والنمساوي مانفريد نواك المحقق بشأن التعذيب، والباكستانية أسماء جهانغير التي تركز على الحرية الدينية، بأنهم سيرفضون تلك الدعوة التي قدمها البنتاغون لزيارة سجن غوانتانامو ما لم يسمح لهم بالالتقاء بالمعتقلين.
وفي هذا الوقت يكتب الكثير عن اضراب عن الطعام في السجن من قبل 27 سجين حسب الرقم الامريكي (200 حسب المحامين), وان 24 منهم يجبرون على التغذية الاجبارية الممنوعة دولياً.
كذلك تتردد اخبار عن مصور الجزيرة سامي محي الدين السجين منذ ثلاث سنوات حيث ذكرت صحيفة ذي غارديان مؤخراً نقلا عن وثائق حصلت عليها من المحامي كليف ستافورد سميث، أن الجيش الأميركي أبلغ مصور الجزيرة المعتقل في غوانتانامو أن الإفراج عنه مرهون بموافقته على التجسس على الصحفيين وقناة الجزيرة.
وتشير الوثائق إلى أن سامي خضع لأكثر من 100 جلسة تحقيق دون أن يسأل عن الأعمال الإرهابية المزعومة،
عن هذا الوضع علق وزير الدفاع رمسفيلد على المعتقلين بأنهم يلجؤون إلى" الحيلة" ويحاولون لفت الأنظار إليهم وجذب اهتمام وسائل الإعلام من خلال الإضراب الذي ينفذونه عن الطعام.
اختطاف دولي واستعمال مطارات دون اذن دولها
كذلك تردد وسائل الاعلام هذه الايام اتهامات للادارة الامريكية وحكومات دول اوربية باستخدام مطاراتها لرحلات طائرات غير قانونية لنقل مختطفين الى كوانتانامو. وشملت القائمة النرويج والسويد والمغرب وإسبانيا, وكانت قد سبقتها المجر وإيطاليا ورومانيا وبولندا وألمانيا.
وفي المغرب, أكدت مجلة "لوجورنال" الأسبوعية نقلا عن عنصر سابق في الاستخبارات المغربية أن المغرب "ساهم مباشرة في برنامج سري للتعذيب وضعته الاستخبارات الأميركية, وأن طائرات استأجرتها "سي آي إي" قامت على الأقل بعشر رحلات داخل البلاد من ديسمبر/كانون الأول 2002 إلى فبراير/شباط 2005.
وفي ألمانيا, فتح تحقيق حول قيام عناصر الاستخبارات الأميركية في فبراير/شباط 2003 بخطف المدعو أبو عمر في إيطاليا, وهو إمام سابق نقل إلى قاعدة رامشتاين الأميركية جنوب غرب ألمانيا قبل أن يتم اقتياده إلى مصر. في إيطاليا, طلبت النيابة في ميلانو تسليم 22 من عناصر الاستخبارات الأميركية يشتبه في مشاركتهم في خطف أبو عمر الذي كان يخضع لتحقيق إيطالي في إطار مكافحة ما يسمى الإرهاب.
لكن مفوض حقوق الإنسان في مجلس أوروبا ألفارو خيل روبلس قال إن المجلس لن يتمكن من فرض عقوبات معينة ضد الولايات المتحدة إذا تبين أنها قامت بنشاطات غير شرعية بنقلها معتقلين عبر الأراضي الأوروبية
وكل ما يمكن أن يفعله هو إنهاء وضع الولايات المتحدة كمراقب في المجلس لأن الولايات المتحدة ليست عضوا في المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان وأنها "بالتالي لا تخضع لسلطة المجلس", ولكنه أشار إلى أن سلسلة إجراءات يمكن أن تتخذ بحق الدول الأوروبية التي ترتكب مخالفات.
النقاط السوداء: سجون وكالة المخابرات السرية في العالم
لكن الجديد والمثير في قصة اميركا مع التعذيب هو فضيحتان متميزتان : الاولى ما سميت بسجون "النقاط السوداء" التابعة للـ سي آي أي في العديد من دول أوروبا الشرقية وتايلاند وافغانستان, والتي كشفت عنها مجلة واشنطن بوست. جمهورية تشيكيا هي الوحيدة التي أقرت بأنها رفضت طلبا أميركيا لإنشاء سجن ينقل إليه معتقلون من قاعدة غوانتانامو.
رفضت وزارة الخارجية الامريكية التعليق على هذا الموضوع، ولم تؤكد ولم تنف ما اوردته وسائل الاعلام
إلا ان مجلس الشيوخ الأميركي اصر على أن يقدم رئيس الاستخبارات معلومات دقيقة عن السجون السرية التي أنشأتها "سي آي أي" وأماكن وجودها.
من جهة اخرى ادانت منظمة هيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية ما وصفته بأنه "غولاغ العصر الحديث" تشبيها بمعسكرات الاعتقال السياسي بالاتحاد السوفياتي السابق
فيتو وجهود وصراعات وتضحيات من اجل شرعنة التعذيب
أما الفضيحة الثانية فالمعركة الغريبة من نوعها بين أدارة بوش والكونغرس: ألكونغرس يشترط الموافقة على تحريم التعذيب في السجون تحت المسؤولية الامريكية لقبوله لميزانية 440 مليار دولار للدفاع, بينما يصر البيت الابيض على السماح بالتعذيب في استجواب السجناء! ويبدوا ان البيت الأبيض مستعد للمخاطرة برفض الميزانية الضخمة من اجل ذلك, بأن يستعمل بوش الفيتو لإلغاء قرار مجلس الشيوخ وحماية "حق التعذيب".
المشكلة التي تعيق بوش هي ان القرار اتخذ في الكونغرس بأغلبية ساحقة (90 مقابل 9) تزيد عن اغلبية الثلثين اللازمة لتجاوز الفيتو الرئاسي. هذه الاغلبية جاءت بالرغم من ان المجلس تسيطر عليه غالبية جمهورية, اضف الى ذلك ان صاحب المشروع المضاد للتعذيب من الجمهوريين وان رئيس المجموعة الجمهورية موافق عليه!
ألادارة علقت ان الكونغرس يريد ربط يدها في حربها ضد الارهاب!
http://www.telegraph.co.uk/news/main.jhtml?xml=/news/2005/10/07/wus207.xml
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/content/article/2005/11/15/AR2005111500489.html
والحقيقة ان معركة الرئيس بوش من اجل اعطاء الشرعية للتعذيب تعود الى سنوات عديدة الى الوراء.
فقد قال لورانس ويلكرسون مدير مكتب وزير الخارجية السابق كولن باول في تصريحات لمحطة إذاعية، إنه عثر على أوامر مكتوبة تسمح بممارسات بحق المعتقلين, صدرت عن مكتب تشيني وعبر مكتب وزير الدفاع دونالد رمسفيلد.
تحريم التعذيب مخالف للدستور الامريكي!
وتشير الصحفية (Anne Applebaum ) في مقالة لها الى انه تم في آب 2002, وبطلب من وكالة الاستخبارات المركزية والبيت الابيض كتابة وثيقة من قبل مكتب دائرة العدل في المجلس التشريعي تناقش ان تعذيب المشتبه بانتمائهم للقاعدة "قد يكون قانونياً" وأن القانون الدولي الذي يحرم التعذيب "قد يكون مخالفاً للدستور"
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/articles/A44874-2004Jun15.html
المحققين مع السجناء الاجانب محصنين من العقاب
ولعلكم تذكرون مذكرة رمسفيلد التي كتبت في اذار 2003 من قبل فريق في البنتاغون و كشفتها وول ستريت جورنال, تقول ان ألرئيس غير ملزم بالقوانين الامريكية والدولية بشأن تعذيب السجناء الأجانب. وفوق ذلك فأن المحققين وفق قرار الرئيس يعتبرون محصنين من العقاب.
http://www.washingtonpost.com/wp-dyn/articles/A26602-2004Jun8.html
رغم كل ذلك, مازال بوش مصراً: "نحن لانسمح بالتعذيب, انا لم آمر بالتعذيب ابداً ولن افعل ذلك"
http://www.sfgate.com/cgi-bin/article.cgi?file=/chronicle/archive/2004/06/23/MNGI27AJ9Q1.DTL
نصف الشعب الامريكي يقبل التعذيب
أخيراً نقول ان احصاء جرى مؤخراً بين ان نصف الشعب الأمريكي تقريباً (46%), يعتبر تعذيب السجناء للحصول على المعلومات امراً مقبولاً.
الخسائر والارباح الامريكية
ما الذي تخسره الحكومة الامريكية
خسارة اميركا موقعها كرهان بديل لدى الشيعة جزئياً, يخفف منه ان اميركا لاتمتلك شعبية تذكر لتخسرها وأن الحكومة في موقف لاتستطيع الرد وانها في نهاية فترة سلطتها
انتباه مختلف الاطراف وتعرفهم على اساليب اميركا وعدم الاطمئنان اليها والتحسب الاضافي منها مستقبلاً. وهذا يخفف منه ايضاً انها تتوقع فوز حكومة علاوي في الانتخابات القادمة حيث لن يكون لديها تلك المشكلة.
ما الذي تقدمه هذه الحركة للحكومة الامريكية
دعم قائمة علاوي
لايشك احد من العراقيين ان الهدف الاول من الحركة الامريكية كان دعم علاوي في الانتخابات القريبة بتوجيه ضربة الى اقوى منافسيه للوزارة القادمة. وفعلاً جاءت اخبار عن "تظاهر عشرات العراقيين المؤيدين لحركة الوفاق الوطني العراقي التي يتزعمها رئيس الوزراء السابق إياد علاوي وسط بغداد اليوم استنكارا لهذه القضية، ورفعوا شعارات تستنكر التعذيب وتهتف لعلاوي." نلاحظ بالطبع ان "عشرات" لايمكن ان تعتبر نجاحاً.
تخفيف ضغوط شديدة في الداخل
الضعط المتزايد على الإدارة الأمريكية بشأن الحرب في العراق وضرورة الإنسحاب منه بإعتبار ان الجيش لايقوم بأي عمل مفيد وأنه اصبح جزأً من المشكلة وليس جزأً من الحل. وقد وصل الضغط في هذا المجال الى حد افقد بوش ورمسفيلد وشيني هدوءهم, كما يلاحظ من الطريقة التي يتحدثون بها عن الموضوع وألانشقاقات الشديدة داخل الحزب الجمهوري والانخفاض المستمر لشعبية بوش.
في هذا الموقف يبدوا أن للجيش لأول مرة منذ زمن دور انساني يقف حائلاً دون تعذيب العراقيين لبعضهم.
تأجيل نقل مسؤولية الامن الى العراقيين وتأجيل مشاريع الانسحاب
تتصاعد الضغوط على إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش بشأن غزو العراق واستمرار بقاء القوات الأميركية هناك. مؤخراً صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح قرار يطالب بتسريع نقل مسؤولية الأمن للعراقيين، مما يسمح ببدء تخفيض حجم الجيش الأميركي.
وأيد 79 عضوا بالمجلس مقابل رفض 19 القرار الذي ينص على أن العام القادم "ينبغي أن يكون فترة انتقال ملموس نحو السيادة العراقية الكاملة مع تولي قوات الأمن العراقية زمام القيادة"، مما يوفر الشروط لإعادة الانتشار المرحلي لقوات الولايات المتحدة في العراق.
من ناحية اخرى تمر حالياً موجة انسحابات للجيوش الاجنبية غير الامريكية من العراق شملت اليابان وبولونيا وايطاليا وليتوانيا.
طبيعي أن مثل هذا التطور امر لايروق للإدارة الأمريكية ولذلك فأن مثل هذه الفضائح تقدم لها حجة اضافية للبقاء بإعتبار ان العراقيين لم يصبحوا بعد جديرين بأستلام مسؤولية الأمن.
تخفيف اللوم الدولي على اميركا: مادام العراقيون يعذبون بعضهم...
كذلك فأن فكرة "ان العراقيين يعذبون بعضهم" تخفف من الأثر النفسي لللوم الشديد الموجه حالياً الى الإدارة الأمريكية لقسوتها التي تتكشف يوماً بعد يوم, فمن ابو غريب الى التعذيب الى استعمال الفوسفور في الفلوجة.
ضجة تلهي عن ذكر الفضائح الامريكية: السفينة الغارقة
اضافة الى ذلك فأن الإدارة الأمريكية بحاجة الى ان تأخذ نفساً من الاخبار السيئة المتتالية, خاصة استقالة ليبي بعد ان تبين كذبه تحت القسم, وينتظر محاكمة صعبة قد تسقط فيها رؤوس كبيرة اخرى. لذا فمن المفيد أن يلتهي الناس بموضوع اخر, ولو لحين.
اليوم, وقبل ارسال هذه المقالة للنشر, فوجئت ببرنامج تلفزيوني هولندي يعرض اعتراضات حزب الـ VVD المهم والمعروف بأنه أمريكي اكثر مما هو هولندي, ولم يعترض يوماً على السياسة الامريكية, يقدم من خلال احد اكثر اعضائه شهرة, اعتراضات حادة على السياسة الامريكية مبيناً ان تأييد الحزب لإرسال القوات الهولندية لمساعدة الامريكان في افغانستان أو العراق لم يعد امراً مفروغاً منه كما كان دائماً.
أن تحول مثل هذا الحزب في دولة مثل هولندا على السياسة الأمريكية يعكس أكثر من تحول رأي أقرب الناس اليها تدريجياً ضدها, وإنما يعكس علامة انهيار تام وشيك لسياسة الرئيس بوش وإدارته ذلك ان حزباً منافقاً مثل الـ VVD لايتأثر بالمأسي والمغالطات ومخالفة القوانين الدولية, حسب تقديري, وإنما يعكس محاولة هرب من السفينة الغارقة لبوش.
تليين الحكومة لتتعامل مع البعثيين بتساهل في المؤتمر
موقف الحكومة الحالية الذي اضعفته اخبار السجن يحد من قدرتها على المناورة في المفاوضات مع البعثيين ويجبرها الى حد ما على تخفيف شروطها, اضافة الى ان قدرتها على تحميل البعث مسؤولية التعذيب في العراق ستأخذ شكلاً ذو مصداقية اقل. من المعروف في تأريخ الدول التي حررتها او ساهمت في تحريرها قوات امريكية, ان اميركا كانت تحاول دائماً اعادة النظام السابق بشروط انسب بالنسبة لها, مثل ما حدث في اليابان وايطاليا وكاد في فرنسا, الخ. لذا لايثير العجب ان تدعم اميركا التفاوض مع من تبقى من اعمدة النظام السابق في العراق وأن يكون مرشحها المفضل اقرب المرشحين اليهم.
إستراتيجية تحطيم القوانين بعمل انساني
بحركتها هذه ثبتت اميركا "حقها" في الاشراف على الحكومة العراقية (والحكومات التالية) ومحاسبتها وتفتيشها, الخ. اي ان وضع اميركا فوق الحكومة العراقية اصبح امراً اقرب الى القبول والتعود, ما دام العراقيين لايؤتمنون على امور بعضهم. ان عدم الاعتراض عليه هذه المرة يعتبر نصف اقرار به.
والواقع فأن هذه ظاهرة متكررة في السياسة الامريكية خاصة في قتل القوانين الدولية, حيث تقوم بعملية تنتهك فيها القانون, لكن يكون لها أثر انساني ايجابي بشكل ما: هكذا احتلت بنما وأزالت عميلها السابق وتاجر المخدرات نورييغا, واحتلت العراق وأزالت الدكتاتور صدام والان خرقت سيادة الدولة وأنقذت مساجين يعذبون.
والملاحظة الأخرى هي انها عادة ما تقوم بأنقاذ الانسانية من جرائم وحالات اشتركت في تأسيسها. فنورييغا كان عميلها, وصدام ربيبها الذي ساندته طويلاً والسجن كان بإطلاع ألامريكان وتعاونهم حسب قول الحكومة, وينطبق هذا السيناريو بالطبع على بن لادن واحتلال افغانستان.
موقف الحكومة
درس متأخر
كان درساً بليغاً للحكومة في تعاملها مع الامريكان, لكنه للأسف درس متأخر بسبب قرب موعد الانتخابات. والحقيقة ان ما حدث دروس متعددة. احد هذه الدروس ان اميركا يمكن ان تنقلب فجأة وفي اللحظة المناسبة التي يكون فيها المقابل غير قادر على الرد, والدرس الثاني ان التقرب من الأمريكان لاقيمة له, ما لم تأخذ تلك القيمة مقدما ً وأن لاضمان مستقبلي لها. لقد سبق الى ذلك كل من نورييغا وصدام وغيرهم.
وهنا نذكر الجعفري حين قال في اميركا: " لقد اختلطت دماؤنا بدمائكم!". وهنا كانت ذاكرة الجعفري ضعيفة فلم يتذكر حين كانت سمتيات صدام تقصف اقرباؤه من المنتفضين بإذن من والد هذا الرئيس باستعمال الطائرات "متحركة الاجنحة" والطائرات الامريكية تطير فوقها تتفرج على الدماء العراقية التي كانت تختلط, ولكن ليس مع الدم الامريكي بل فيما بينها.
هنا اود ان اقول كلمة عن الجعفري حين تذكر بدلاً من ذلك أحداث الموصل بل وحاول "تذكير" الاخرين بها. الحقيقة اني لم افهم لحد الان تلك الحركة الغريبة التي ليس فيها إلا الخسائر والفرقة ولا تدل الا على الجهل السياسي, واسوأ من كل ذلك انها مليئة بالمغالطة ولم يكن لها اي معنىً وانه لم يكن هو ولا فريقه طرفاً فيها.
رغم كل ذلك اضاف الجعفري الى تمزق العراقيين واختلافهم واضاف خصوماً الى قائمة خصومه مجاناً, وربما كانت تلك الحركة هي القشة التي ساعدت ان ينظم الحزب الشيوعي الى قائمة علاوي المنافسة والمهددة لها!
نعود الى الموضوع, والحق يقال ان الحكومة تحملت تلك الصدمة بشكل سياسي جيد. فلم تفقد اعصابها ولم يصرح اي من مسؤوليها بما يزيد الطين بلة, كما هو متوقع في مثل هذه الحالات.
كما قلنا في المقدمة, كانت الحركة الامريكية مدروسة الموضوع والتوقيت بحيث يصعب الرد عليها. فمن ناحية سيفسر اي رد بأنه غضب على كشف الفضيحة وسيزيد الامريكان شعبية على حساب الجعفري, كما ان قرب موعد الانتخابات يجعل الحكومة راغبة بان ينسى الناس الموضوع باسرع وقت ممكن.
خاتمة
يبدو مما سبق انه اولاً : لاعلاقة للتدخل الامريكي بكشف السجن بمشاعر إنسانية او التزامات مضادة للتعذيب, وثانيا يبدو من توقيت الضربة ونوعها انها "ضربة معلم" مكاسبها اكثر من خسائرها بكثير, وان اميركا حسبت حساباتها جيداً (إلا إذا حسبها الناس كحيلة انتخابية, وكان رد فعلهم مضاداً, وهذا قليل الاحتمال وان كان غير مستحيل). ومما لاشك فيه ان الادارة الامريكية قد خبرت المقابل وتوقعت ردود فعله الى درجة بعيدة. وربما شجع موقف الحكومة السابق الضعيف من الجيش البريطاني في البصرة, شجع ألامريكان على هذا التدخل دون ان تخشى ردة فعل الحكومة.
رفض اميركا التحقيق الدولي
إحدى النقاط المثيرة للإهتمام, هي مسارعة الامريكان برفض فكرة التحقيق الدولي في الموضوع كما طالب بعض "ممثلي السنّة" وحجتهم ان ألتدابير التي اتخذتها الحكومة العراقية فعالة وكافية. والحقيقة ان الحكومة لم تتخذ بعد اية "تدابير" سوى قرار بإجراء تحقيق!
ويمكن التكهن بالاسباب التي دعت الأمريكان الى رفض التحقيق الدولي, , هذا الرفض يمكن تفسيره بنقطتين. الأولى ان "التدخل" الدولي في العراق يكون على حساب الامريكان, واميركا تريد من العراقيين والحكومات العراقية ان يشعروا انهم معزولين عن العالم وان مصيرهم وقرارهم بيد اميركا وحدها ويعتمد على رضاها أو غضبها منهم.
والسبب الثاني أن اميركا تستطيع الضغط على التحقيق العراقي لتجاهل بعض الامور المحرجة بالنسبة لها اكثر كثيراً من ضغطها على التحقيق الدولي.
تبقى هذه مجرد تكهنات غير مؤكدة, ولكن ماهو واضح ومؤكد ان موقف ألإدارة الأمريكية من التحقيق الدولي وإدعائها ثقتها بحكومة الجعفري, مناقض لموقفها من كشف الحقيقة في عملية السجن. ولكن هناك سؤال في غاية الاهمية وهو :أي حق للأمريكان برفض او قبول التحقيق الدولي نيابة عن الحكومة؟
لم يسأل احد مثل هذا السؤال بل أن جون بيرنز من نيويورك تايمز يسأل القائد الامريكي: لماذا لم تتم عملية المداهمة في وقت قبل ذلك؟
وكذلك نتساءل ما حق وليم وبستر, قائد الجيش الأمريكي ببغداد, بأن يصرح بأنه جيشه "سيقوم بتفتيش كل السجون العراقية" (بالتعاون مع القوات العراقية)؟
اقتراح لرد فعل: الغاء قانون الارهاب
كما قلت ليس هناك الكثير من الردود المناسبة للحكومة على الضربة الأميريكة, لكن ربما كان هناك رد واحد مناسب, وهو الغاء قانون محاربة الارهاب!
أما لماذا يكون هذا الرد مناسباً فلعدة اسباب, اولها ان الحكومة يجب ان تكون قد ادركت انها يمكن ان تعامل بقسوة مستقبلاً, ويمكن ان تستخدم اللغة الفضفاضة الواسعة الضعيفة في القانون لضرب احزابها وميليشياتها.
والسبب الثاني ان مثل هذا الاجراء يمكن ان يسوق على ان لغة القانون يمكن ان تكون قد تسببت في زيادة قسوة المحققين في السجن, واعطائهم احساس بقانونية تلك القسوة, وهذا امر صحيح بدرجة ما. لذا سيبدو هذا ألإجراء تصحيحاً للخطأ الذي حدث, سيقيم عاليا لدى الناس والخارج.
والسبب الثالث انه يعتبر فعلاً ضربة للسياسة العامة الامريكية التي تحاول بجهد شديد اقرار مثل تلك القوانين في مختلف انحاء العالم حالياً. لكن الإدارة لن تكون قادرة على الرد ايضاً لأنها ستظهر عندذاك بمظهر المنافق المدافع عن التعذيب.
والسبب الاساسي للتنفيذ الاقتراح الان هو ان الحكومة تستطيع ذلك الان بما تمتلك من اصوات في الجمعية الوطنية, قد لاتمتلكها مستقبلاً.
لكني لدهشتي سمعت الجعفري اول امس يتحدث عن القانون بحماس ويدعو الى "تفعيله"!
#صائب_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟