|
اليسار الفلسطيني وعقوبات «منظمة التحرير»
هاني المصري
الحوار المتمدن-العدد: 5138 - 2016 / 4 / 20 - 07:40
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
شهد الأسبوع المنصرم تطوّرًا لافتًا، تمثّل بالكشف عن وقف مخصصات الجبهتين «الشعبية» و«الديموقراطية» اللتين تتقاضاهما من الصندوق القومي لـ «منظمة التحرير»، بوصفهما فصيلين مؤسسين للمنظمة. وحتى كتابة هذه السطور، لم يُدْلِ ناطق باسم الرئاسة أو المنظمة أو الصندوق القومي بتصريح يؤكد أو ينفي هذا الخبر، مع إعلان الجبهتين أن رئيس الصندوق القومي أبلغهما بأن تعليمات شفوية صدرت عن الرئيس بوقف المخصصات من دون توضيح الأسباب. برغم ذلك، انبرى صحافي كبير، مدير مؤسسة إعلامية كبرى، لنفي الخبر، بقوله: «لا يوجد شيء رسمي مكتوب من اللجنة التنفيذية، وما جرى مجرد «التهابات» إعلامية»، وهو بذلك يكون «ملكيًا أكثر من الملك»، متجاهلًا أن مثل هذه المسائل لا تُعرض أصلًا على اللجنة التنفيذية ولا تُصدر بقرارات رسمية. وبدلًا من التوقف أمام هذا الإجراء الذي يعكّر صفو العلاقات الوطنية، انشغلت الأوساط السياسية الفلسطينية إما بالوساطة لحل هذا الموضوع بعيدًا عن المؤسسة والإعلام وبانتظار عودة الرئيس من جولته الخارجية، أو بما أقدم عليه بعض الأشخاص من المحسوبين على «الجبهة الشعبية» في قطاع غزة بحرق صور الرئيس احتجاجًا على قطع مخصصات الشعبية، برغم أنّ قياديًا في الجبهة قال إنّ حرق الصور مرفوض، ولا يعكس سياسة وثقافة الجبهة في إدارة الخلافات. حرق الصور مرفوض (مع أن مثل هذه الأحداث تحصل في الدول الديموقراطية من دون تحميل الأشياء أكثر مما تحتمل)، ولكنه لا يبرر طمس الحدث الأصلي (قطع المخصصات) والانشغال بردود الأفعال عليه. لقد قامت الدنيا ولم تقعد احتجاجًا على ما اعتُبر خروجًا عن القيم والتقاليد الوطنية الفلسطينية، ولم يتوقف غالبية المنتقدين لإحراق صور الرئيس أمام الفعل الذي أدى لردة الفعل هذه، وكأن وقف مخصصات فصائل وطنية ترتبط بشراكة تاريخية مع حركة «فتح» في إطار «منظمة التحرير» عمل ينسجم مع القيم والتقاليد الوطنية الفلسطينية، خصوصًا أنه اتُخذ من دون تفسير ولا تبرير ولا إقرار أو حتى توضيح من اللجنة التنفيذية، التي يفترض أنها قيادة الشعب الفلسطيني، والمؤتمنة على تطبيق قرار المجلس الوطني الفلسطيني الذي قرر منذ زمن بعيد تخصيص مبلغ من المال لدعم الفصائل المنضوية تحت لوائها، وبرغم أن الرئيس منتخب من اللجنة التنفيذية، وبالتالي من المفترض أن يكون خاضعًا لها، وليس من حقه اتخاذ مثل هذه القرارات من دون الرجوع إليها. هذا إذا كانت حقًا تقوم بدورها بوصفها المرجعية العليا وقيادة الشعب الفلسطيني، ولكنها أصيبت وبقية مؤسسات منظمة التحرير بالشلل منذ توقيع «اتفاق أوسلو» وحتى إشعار آخر. وبدلًا من رفض هذا القرار الفردي والمطالبة بالتراجع عنه؛ يتم حرف الأنظار نحو حرق صور الرئيس وضرورة اعتذار الجبهة عن هذا السلوك وعدم الاكتفاء بالنأي بنفسها عنه. وفي ضوء ما سبق، لا بد من التأكيد على ما يأتي: أولًا: لا بد من التذكير بأن وقف المخصصات تم قبل حرق صور الرئيس وشمل الجبهتين، وهو استمرار لممارسة شهدناها سابقًا، وكان يتم اللجوء إليها عادة عقابًا على مواقف سياسية تنتقد مواقف للقيادة الفلسطينية. لقد شهدت الفترة الماضية التي سبقت وقف المخصصات العديد من المواقف المتّخذة من الجبهتين ضد سياسات وقرارات اتّخذها الرئيس، بدءًا من رفض الدعوة لعقد مجلس وطني انفرادي وبمن حضر، وعدم تطبيق قرارات المجلس المركزي، والمضي في التنسيق الأمني، وعدم تبني الموجة الانتفاضية، وقمع العديد من التظاهرات المواكبة لها، ومواصلة التطبيع مع الاحتلال لدرجة إرسال وفد للتعزية بوفاة جنرال احتلالي مسؤول عن سياسات الاحتلال، وكيفية التعامل مع إضراب المعلمين، وإقرار قانون الضمان الاجتماعي، وتشكيل المحكمة الدستورية، واغتيال عمر النايف وغيرها. ثانيًا: لا يمكن قبول التبرير الضمني أو المباشر لقرار وقف المخصصات، بذريعة أن الأموال التي يتم قبولها هي أموال أوسلو القذرة التي من المفترض أن تمتنع «الشعبية» و«الديموقراطية» عن قبولها، أو لأن الفصائل قد تقادمت وتكلّست ولم تعد تستحق شيئًا، وكأنّ من أوقف المخصصات أوقفها لكي يقدم الأموال لطلائع ثورة التصحيح والتجديد والتغيير، أو لأن الجبهتين أخطأتا – وهذا صحيح – حين لم ترفعا الصوت عاليًا احتجاجًا على الكوارث التي حلّت بالشعب الفلسطيني وأقامتا كل هذه الضجة عندما تم وقف مخصصاتهما، أو لأنهما أصبحتا رهينتين للأموال التي تحصلان عليها من المنظمة، ما يمس باستقلال قرارهما وقدرتهما على معارضة السياسات والقرارات والممارسات الانفرادية والخاطئة والخطيرة في أحيان عديدة. إن كل الملاحظات الجوهرية التي تساق عن حق على سياسة وأداء الجبهتين، واليسار عمومًا، لا يمكن أن تكون ذريعة تعطي الحق لوقف مخصصاتهما التي تضاءلت باستمرار طوال السنوات الماضية. ثالثًا: إن الأموال التي تحصل عليها المنظمة من موازنة السلطة هي أموال عامة تم الحصول عليها باسم الشعب الفلسطيني، ولا يستطيع أحد، مهما كان، أن يمنحها أو يمنعها خدمة لمصالحه الشخصية، أو لأغراضه السياسية، فهي ليست منّة من أحد وإنما حق، كما أن حق الخلاف وإبداء الرأي والمعارضة مقدّس ولا يمكن جعل الولاء شرطًا للحصول على الأموال العامة المفترض أنها مخصصة لدعم صمود الشعب ومتطلبات استمرار نضاله من خلال فصائله وقواه وأفراده. رابعًا: إن الجبهتين «الشعبية» و «الديموقراطية» وبقية فصائل ما يسمى اليسار الفلسطيني مدعوة لإجراء مراجعة عميقة وجريئة لتجاربها التي أدت إلى تراجع دورها بشكل كبير، وإجراء التجديد والتغيير والإصلاح الضروري لإعادة الاعتبار لدور اليسار، وبما يساعد على قيام تيار ثالث في الساحة الفلسطينية يضم كل الحريصين على القضية والكفاح من أجل إنجاز الحقوق الوطنية والديموقراطية من داخل الفصائل وخارجها، بما فيها عناصر من «فتح» و «حماس». إن بلورة مثل هذا التيار ضرورة حيوية تتزايد أهميتها في ظل الاستقطاب الحاد الثنائي بين قطبين لم يستطيعا إنقاذ القضية، بل أوصلاها إلى ما هي فيه الآن من انقسام مدمر ووضع لا يسر صديقًا ويفرح كل الأعداء. هناك حاجة أكثر من ملحة لإعادة بناء مؤسسات المنظمة على أسس جديدة وطنية وديموقراطية توافقية وشراكة حقيقية، لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي داخل الوطن المحتل وخارجه، ولكن هذه المهمة لا يمكن أن يقوم بها المستفيدون من الوضع الراهن، وإنما مفترض أن تقوم بها عناصر ومجموعات من الفصائل القائمة وأفراد ومجموعات وفصائل جديدة تعبّر عن مصلحة الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. لقد اعتقدت إثر عودتي إلى الوطن بعد أوسلو التي هي حق طبيعي وليست منّة من أحد، ولا تفترض من العائدين أن يسبّحوا بحمد الاتفاق الذي دفع الشعب الفلسطيني ثمنه غاليًا جدًا ولا يزال يدفع حتى الآن، أنه حان الأوان لتغيير وتجديد الفصائل. ودعوت لتشكيل فصائل وأحزاب جديدة لأكتشف أن الفصائل القائمة تتقادم ويتراجع دورها، ولكن ما يحلّ محلّها ليس فصائل جديدة أكثر حيوية وتقدمًا، وإنما أدوار لأفراد وجماعات تحيي المصالح الفردية والعائلية والعشائرية والجهوية، ما أوجد مراكز قوى داخل السلطة وخارجها تعمل لمصلحة أفراد على حساب القضية والمصلحة العامة. فراجعت نفسي وقلت إن الفصائل على علّاتها هي الجدار الأخير الذي يعرقل استكمال السقوط في الهاوية، وعلينا المحافظة عليها في الوقت نفسه الذي نعمل ونأمل فيه تجديد وتغيير الفصائل القائمة وميلاد حركات وفصائل وأحزاب جديدة. وأيقنت أنه من الخطأ الفادح الذي يمكن أن نقع فيه المساعدة على موت القديم قبل أن يأتي أوان ميلاد الجديد، واننا إذا فعلنا ذلك سنندم ساعة لا ينفع الندم ... فالجديد يولد من رحم القديم.
#هاني_المصري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضية الفلسطينية ... المأزق الراهن وآفاق المعركة التحررية
-
الهدنة وخارطة الطريق والحكومة الفلسطينية
المزيد.....
-
تحليل لـCNN: كيف غيرت الأيام الـ7 الماضية حرب أوكرانيا؟
-
هل الدفاعات الجوية الغربية قادرة على مواجهة صاروخ أوريشنيك ا
...
-
كيف زادت ثروة إيلون ماسك -أغنى شخص في العالم- بفضل الانتخابا
...
-
غارة عنيفة تهز العاصمة بيروت
-
مراسلة RT: دوي انفجارت عنيفة تهز العاصمة بيروت جراء غارة إسر
...
-
عاجل .. صافرات الانذار تدوي في حيفا الآن وأنباء عن انفجارات
...
-
أوستن: القوات الكورية الشمالية في روسيا ستحارب -قريبا- ضد أو
...
-
ترامب يكشف أسماء جديدة رشحها لمناصب قيادية في إدارته المقبلة
...
-
البيت الأبيض يبحث مع شركات الاتصال الاختراق الصيني المشتبه ب
...
-
قمة كوب29: الدول الغنية ستساهم ب 250 مليار دولار لمساعدة الد
...
المزيد.....
-
المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية
/ ياسين الحاج صالح
-
قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي
/ رائد قاسم
-
اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية
/ ياسين الحاج صالح
-
جدل ألوطنية والشيوعية في العراق
/ لبيب سلطان
-
حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة
/ لبيب سلطان
-
موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي
/ لبيب سلطان
-
الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق
...
/ علي أسعد وطفة
-
في نقد العقلية العربية
/ علي أسعد وطفة
-
نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار
/ ياسين الحاج صالح
-
في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد
/ ياسين الحاج صالح
المزيد.....
|