كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 1390 - 2005 / 12 / 5 - 11:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
كانت الحكومة العراقية, كما يبد, قد وصلتها معلومات تشير إلى قرب تنفيذ عمليات إرهابية من قبل عصابة الإرهابي الدولي أبو مصعب الزرقاوي في بعض مناطق العراق وبالتعاون والتنسيق مع العصابات الصدّامية المسلحة. وكانت وزارة الدفاع العراقية قد وضعت خطة خاصة مع القوات الأمريكية للقيام بحركة استباقية تهدف إلى إحباط العملية الإرهابية التي ينظمها الإرهابيون في مناطق مختلفة من العراق. وقد أعلنت الحكومة عن قرب ذلك التحرك دون أن تشير إلى الأماكن التي ستجري فيها عملياتها. وسرعان ما ارتفع صوت المعارضين لهذه العمليات ليطالب بإيقافها.
تدخل الدكتور عدنان الدليمي, ممثلاً عن جماعة أهل العراق, وهيئة علماء المسلمين السنة لدى السيد رئيس الجمهورية جلال الطالباني, كما وجه الدليمي نداءً إلى "جمهورية الولايات المتحدة", كما جاء ف كلمته, لوقف تلك العملية الاستباقية. تدخل السيد رئيس الجمهورية وطالب الحكومة العراقية والقوات الأمريكية بوقف تلك العملية العسكرية حفاظاً على الوفاق الذي بدأ في القاهرة. وافقت القوات الأمريكية على ذلك, كما وافقت الحكومة العراقية بدورها على هذا الطلب.
ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟ لم تمض غير ليلة واحدة حتى بدأت عصابات القاعدة المشؤومة وقوات البعث الصدامية وزمر الإجرام الدخول إلى مدينة الرمادي أو الخروج من مخابئها لتسيطر على بعض شوارعها وترمي معسكرات القوات العراقية والقوات الأمريكية بالصواريخ والقذائف وترتهن المدينة وسكانها وتعربد في شوارعها مستخدمة السلاح, ثم أقامت المتاريس في المدينة وعادت إلى مخابئها. وليس معروفاً ما إذا اختطف بعض الناس أو زرعت ألغاماً وأعدت بعض الإجراءات لعمليات لاحقة.
من تابع مشهد دخول هؤلاء الأوباش حملة سلاح الجريمة المنظمة عبر قنوات التلفزة, تأكد له بما لا يقبل الشك بأن هؤلاء المجرمين ليسوا سوى قتلة وحثالة المجتمع العراقي والمجتمعات العربية والإسلامية. وهم لا يمتون بصلة إلى الإسلام والمسلمين أو إلى أي فكر سليم. فقد مارسوا العربدة بالشوارع وإطلاق نيرانهم في الفضاء أو باتجاه المحلات والبيوت أو باتجاه معسكرات القوات العراقية والأمريكية, ثم قاموا بتوزيع بياناتهم الصفراء وأجبروا السكان على التزام بيوتهم. لقد أراد هؤلاء المجرمون تحقيق أربعة أهداف:
• الإعلان عن وجودهم واستمرار نشاطهم الإجرامي وبث الرعب في نفوس الناس.
• إيصال رسالة على الناس بأن الحكومة العراقية عاجزة عن حمايتهم.
• واعتبار العملية بمثابة تمهيد لمنع السكان من ممارسة حقهم في الذهاب إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في الانتخابات التشريعية التي ستجري يوم 15/12/2005.
• أنهم ضد اتفاق اجتماع وقرارات الوفاق الوطني في القاهرة.
ورغم تلك العربدة واجتياح شوارع المدينة بهؤلاء المسلحين الملثمين كاللصوص والقتلة, لم يصدر حتى اليوم الثاني أي شجب أو احتجاج من هيئة علماء المسلمين أو من أهل العراق لهذه العملية الإجرامية, عملية اجتياح المدينة والسيطرة عليها وبث الرعب في نفوس الناس, في حين كان الغضب عارماً في صدور الناس لمثل هذا التحدي العدواني الصاخب.
وبعد يوم واحد تحركت القوات العراقية, ومعها القوات الأمريكية, لمواجهة الموقف وإفشال مخطط هؤلاء الأوباش الذين احتلوا المدينة وعاثوا فيها فساداً. ولم يكن هناك من بديل لهذا الإجراء لقطع دابر هؤلاء القتلة ومنعهم من تخريب الانتخابات القادمة.
وعلينا أن نتساءل: ما هو الموقف الذي اتخذته هيئة علماء المسلمين بعد أن بدأت عملية تطهير المدينة من القتلة؟ إنها لم تتأخر لحظة واحدة, فقد أصدرت موقفاً يقضي بمقاطعة الانتخابات إن لم تتوقف القوات الحكومة والقوات الأمريكية عن هجومها على الإرهابيين في الرمادي وعلى أعوانهم في الفلوجة. أي أنها وبدلاً من تشجب الإرهابيين, هددت بالتخلي عن اتفاق اجتماع الوفاق الوطني في القاهرة.
بدا لكل المتتبعين المنصفين بأن هيئة علماء المسلمين اعتبرت, وكأن الحملة العسكرية لتطهير المنطقة من هؤلاء الأوباش, موجهة ضد هيئة علماء المسلمين وأتباعها في المنطقة, أي ضد سكان المنطقة من أتباع المذهب السني. وهو أمر سيء وبعيد عن الحقيقة ومليء بالكذب والتحامل بالنسبة إلى هذه الحملة بالذات. وعلينا أن نتساءل بصوت مرتفع: ما هي العلاقة التي تربط بين هذه القوى المخربة وبين هيئة علماء المسلمين؟
لا أستطيع أن أدعي بأن جميع أعضاء الهيئة القيادية لهيئة علماء المسلمين والمرتبطين بهذه الهيئة يقبلون بما جرى في الرمادي في يوم 2/12/2005, ولكن الناطقين باسم الهيئة لم يتركوا مجالاً للتفكير بغير ذكر الحقيقة التالية:
إن أعضاءً في قيادة الهيئة, وليس كل الهيئة كما أعتقد, لا بد وأن لها روابط وتمارس التعاون والتنسيق مع عدة تنظيمات إرهابية تمارس الإرهاب الدموي والتخريب في العراق, إنها ترى في هذه الأفعال القذرة عامل ضغط على بقية القوى السياسية العراقية لانتزاع مكاسب لها. وهي تبرهن على أنها لا تدرك بأي حال أو لا تريد أن تدرك أو أنها متواطئة حقاً, بأنها إن لم تكن جزءاً من تلك القوى, فأن نيران الإرهابيين ستتوجه إلى صدور الهيئة ذاتها وإلى صدور جميع أتباع المذهب السني, كما هي موجهة إلى صدور جميع أتباع المذهب الشيعي وكل العراقيين الذين يختلفون مع قوى الإرهاب المنظم في العراق وكما هي موجهة الآن إلى صدور بعض قياديي وأعضاء الحزب الإسلامي لأنهم يختلفون معهم في عدد غير قليل من الأمور. إن المطالبة بوقف الحملات التي بدأت يوم 3/12/2005 ضد الإرهابيين الذين احتلوا مدينة الرمادي يوم 2/12/2005 يقدم أكثر من دليل على العلاقة الفعلية القائمة بين قوى الإرهاب المنظم وهيئة علماء المسلمين, أي أن هناك, كما يبدو لي, علاقة يفترض فضحها بين هيئة علماء المسلمين والتنظيمات التالية في العراق, كما أن لديها تنسيق في الخارج مع ذات القوى المناهضة, وهي:
1. قوى البعث الصدامية التي تحمل السلاح وتريد العودة بالعراق إلى فترة الدكتاتورية الغاشمة, وهي التي لطخت أيديها بدماء العرقيات والعراقيين قبل وبعد سقوط النظام, وما تزال مستمرة حتى الوقت الحاضر, وهي تخشى العملية السلمية لأنها متهمة بالجرائم المرتكبة في العراق.
2. كما إنها قوى القاعدة والظواهري متمثلة بجماعة الزرقاوي وأنصار الإسلام الكرد التي تمارس أبشع الجرائم بحق العراقيات والعراقيين منذ ما يزيد عن سنتين.
3. وهي الجماعات القومية اليمينية المتطرفة التي تمثلها بعض القوى القومية العراقية والعربية في بيروت والتي تريد خلط الأوراق وإشاعة الفوضى من أجل فرض انسحاب سريع للقوات الأمريكية من العراق ليتسنى لها فرض القوى الظلامية على المجتمع العراقي, وهذا ما نجده في خلفيات تفكير وكتابات وتصريحات واجتماعات الدكتور خير الدين حسيب وجماعته منذ سقوط النظام الدموي, كما بدأ يشاركه في ذلك السيد أديب الجادر أيضاً في بعض المقالات التي بدأ يكتبها أخيراً وتخلى, كما يبدو, عن نشاطه السابق في مجال حقوق الإنسان, وهؤلاء جميعاً يؤيدون الإرهاب الجاري في العراق بحجة المقاومة ويمارسون مختلف الأساليب لدعم للإرهابيين. إنهم يعرفون طبيعة القوى الإرهابية في العراق وسعيها لتأجيج الطائفية السياسية, ولكن يشكل هذا النهج الطائفي, كما يبدو, أحد أهدافهم أيضاً.
إن هيئة علماء المسلمين قد ساهمت بهذا الموقف الجديد وأكثر من أي وقت مضى في فضح طبيعتها وعلاقاتها بالقوى الإرهابية في العراق. فبدلاً من أن تهاجم قوى الإرهاب, التي سيطرت على مدينة الرمادي وتمارس التفجيرات في الفلوجة التي عبرت الحدود السورية ثانية وتشجب عدوانيتها وإرهابها للسكان, بدأت تهاجم القوات العراقية وتطالبها بالتوقف عن عملياتها العسكرية لتطهير المنطقة من الأعداء وتهدد بمقاطعة العملية الانتخابية.
لقد كان أحد شروط اتفاق الوفاق الوطني في القاهرة رفض الإرهاب وشجبه, وليس السكوت عنه أو دعمه, إذ أن في ذلك أكثر من تجاوز على الإنسان العراقي وعلى حريته وكرامته وحياته.
وبادر السيد عمرو موسى إلى مطالبة ألولايات المتحدة الأمريكية بالتوقف عن الحملة العسكرية, ولكنه لم يطلب من هيئة علماء المسلمين أن تشجب احتلال مدينة الرمادي وما فعله الإرهابيون المجرمون طيلة يوم كامل في المدينة, كما أنه لم يبادر إلى شجب احتلال المدينة من قبل الإرهابيين.
إن على الشعب العراقي أن يضع الخطوط الحمراء واضحة ليمنع القوى السياسية المختلفة من السقوط في مثل هذه التصرفات التي تلحق أفدح الأضرار بالشعب العراقي, وأن يرفض تلك القوى التي تسكت أو تؤيد وتدعم أو تساهم في العمليات الإرهابية, وليس هناك أي بديل آخر لتأمين الأمن والاستقرار في العراق.
4/12/2005 كاظم حبيب
************************************************
Prof. Dr. sc. K. A. Habib, PSF: 400291, 12685 Berlin, Germany
Tel. & Fax: (004930) 54 14 150, [email protected]
3/12/2005
رسالة مفتوحة
السيدة الفاضلة الأستاذة الدكتورة أزهار الشيخلي المحترمة/ وزيرة شؤون المرأة في الحكومة العراقية المؤقتة
تحية طيبة وبعد,
شكراً جزيلاً على رسالتك الكريمة ومشاعرك الطيبة وتقديرك الذي أعتز به. فعلاً أنا, وكثيرون غيري, محظوظون حقاً أن بقينا على قيد الحياة لنشهد سقوط الطاغية ونهاية الدكتاتورية الصدّامية في العراق. ولكني لست سعيداً, وغيري أيضاً, بأي حال من الأحول حول ما يجري حالياً في العراق, رغم الجوانب الإيجابية الموجودة في اللوحة والساحة السياسية العراقية. ولا ارغب هنا أن أثقل على هذه الرسالة لكي أبين الجوانب المختلفة, الإيجابية والسلبية في اللوحة, إذ أنكم تعيشونها يومياً وفي كل لحظة, كما أن مقالاتي المتواصلة وكتبي المنشورة, أو التي على وشك الصدور, كفيلة بتوضيح رؤيتي للأمور ومواقفي من الأحداث الجارية في العراق.
لا مجال للاستغراب في مجال تبادل وجهات النظر وتباين زوايا الرؤية أو الاختلاف حول القضايا, شريطة أن تتم بالطريقة الطيبة التي مارست بها إبداء الملاحظات حول مقالتي الموسومة " هل من عقدة نسوية لدى رئيس الوزراء العراقي الراهن؟". كما لا أحمل وهماً في أن من يعمل لا يخطأ, وليس هناك من هو معصوم عن الخطأ. ولهذا أرحب كثيراً بمناقشتك وأحترم رأيك. ومع ذلك أجد ضرورة إبداء جملة من الملاحظات التي أرجو أن تكون مفيدة وموضحة لوجهة نظري وموقفي.
1. رغم أني لم أكن إلى جانب الحرب التي أسقطت الدكتاتورية بسبب وعي لطبيعة الحروب والمشكلات التي تنشأ عنها ورغبتي في أن يمارس المجتمع العراقي دوره في التخلص الطبيعي من ذلك النظام الجائر, فقد ساندت الوضع الجديد, رغم رفضي لقرار احتلال العراق, ورفضت السياسات التي مارستها بعض القوى القومية والبعثية الصدامية والإسلامية المتشددة, سنية كانت أم شيعية, ورفضت الإرهاب الذي يمارس منذ سنتين ضد الشعب العراقي بحجة المقاومة لقوى الاحتلال. كما لم أكف عن تأييد الوضع الجديد مع تسجيلي جملة من الملاحظات النقدية على سياسات الحاكم المدني في فترة مجلس الحكم المؤقت وقرارات مجلس الحكم ذاته ووزارة السيد الدكتور أياد علاوي والسيد الدكتور إبراهيم الجعفري. وكانت مقالاتي تحمل ما يؤكد وجود جوانب إيجابية في العملية المعقدة الجارية في العراق من جهة, ووجود جوانب سلبية التي كانت أو ما تزال ترافق العملية السياسية ونشاط قوات الاحتلال ومن ثم القوات الأجنبية في العراق وتؤثر سلبياً على حياة الناس من جهة ثانية. ولم أكن بأي حال من المصابين بعمي الألوان أو عدم التمييز بين الإيجابي والسلبي في الممارسات الحكومية أو كنت أنظر للأمور وكأنها لا يمكن أن تكون إلا "سوداء أو بيضاء". إن الطبيعة الجدلية للحياة ذاتها لا تسمح بذلك, وأنت على حق في هذا الصدد, كما أن الأمور نسبية أيضاً وليس في ذلك أي خلاف أو اختلاف, على أن لا تستخدم هذه النسبية حجة من البعض لمواصلة السلبيات أو طلب السكوت عنها بسبب نسبيتها. فالنقد البناء والصارم هو الطريق الذي ينير طريق الحاكمين. لقد نشرت العديد من المقالات على امتداد السنة المنصرمة والفترة السابقة التي تطرقت فيها إلى تقويمي الإيجابي لشخص السيد الدكتور إبراهيم الجعفري, حتى ظن البعض إني أساومه, مقارنة بزميله في الائتلاف الوطني السيد عبد العزيز الحكيم ورئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية, كما قارنت بين الحزبين الإسلاميين السياسيين الشيعيين لصالح حزب الدعوة الذين حاورتهم قبل سقوط النظام الدكتاتوري طويلاً, كسياسي عراقي, رغم أني عموماً ضد تشكيل أحزاب سياسية دينية التي لا يمكن أن تكون إلا مذهبية تمارس سياسة التمييز المذهبي السياسي. ولكني فوجئت بمواقف لم أكن أتوقعها منه في مسائل كثيرة, وبشكل خاص مواقفه الطائفية الحادة والموقف إزاء المرأة في العراق, ولا أقصد هنا موقفه الشخصي الخاص, بل الموقف العام والممارسة العامة من المرأة في المجتمع, وكذلك الموقف إزاء الفردية في العمل والوعود غير المنفذة في السياسة الداخلية, رغم إدراكي العميق للواقع العراقي الصعب والمعقد والمتشابك, وما حصل في أقبية وزارة الداخلية وما يحصل يومياً من تجاوزات في الحملة الانتخابية الجارية دون أن تتخذ الإجراءات الكفيلة بوضع حدٍ لها. ولهذا لم أكن من الأشخاص الذين لا يرون في الحياة, وليس في السياسة فقط, غير الأبيض والأسود, فالأطياف بين اللونين كثيرة جداً. ولو كنت في موقعه لربما ارتكبت أخطاء مماثلة ولكن من طبيعة أخرى, وكنت ربما أستحق النقد عليها من أي إنسان كان, وكان عليّ أن أكون متواضعاً بما يكفي لكي أخذ النقد بنظر الاعتبار.
2. لم ادع شيئاً غير موجود. لم أشخص وزارتكم تحديدا, فلو حدث في وزارتكم ما قلته عن بعض الآخرين لكانت المصيبة كبيرة باعتباركم وزيرة حقوق المرأة والمسؤولة الأولى عن الدفاع عن حقوقها ومساواتها بالرجل. ولهذا كتبت في مقالتي اعتذاراً لبعض السادة والسيدات الوزراء والوزيرات, إذ لا أقصدهم في مقالتي, رغم المسؤولية الجماعية عما يحصل في العراق بالنسبة إلى مجلس الوزراء. استمعت بعناية كبيرة إلى العديد من تصريحاتك العلمية القيمة أثناء الحوار ومناقشة الدستور, وليس حول حقوق المرأة فقط, وتابعت بعض مواقفكم التي أثمنها. وأتمنى لك مواصلة النضال والمزيد من الحيوية والفاعلية من أجل ضمان حقوق المرأة في العراق. ولكن مقالتي لم تكن شخصية, بل كانت تهدف إلى إبراز الظاهرة الموجودة في العراق في النظرة السلبية إلى المرأة وفي الموقف منها, وخاصة المرأة المسلمة غير المحجبة. ولم اشر إلى السيدات الوزيرات, إذ لو كان الأمر قد وصل إلى السيدات الوزيرات لكانت المصيبة أكبر. ولا أعترض على الحجاب الاعتيادي الذي تختاره المرأة في حياتها بمحض إرادتها ورغبتها الخاصة وليس تحت ضغوط متنوعة, فهو حقها المشروع, كما أني لم أقل بأن هناك تعليمات وقرارات مكتوبة صادرة عن مكتب السيد رئيس الوزراء بهذا الشأن, بل أشرت بوضوح إلى توجيهات شفوية تعادل القرارات المكتوبة والتعليمات عندما تصدر عن رئيس وزراء. كم يهمني أن تزوري الوزارات التي يقودها وزراء من الأحزاب الإسلامية السياسية الشيعية, وربما حتى غيرها, إذ ستجدين بصورة ملموسة العجب العجاب, وبأن ما ذكرته في مقالتي لا يبتعد عن الصواب, بل خففت منه كثيراً.
3. دعيني سيدتي الفاضلة أن أقول كلمة بسيطة جداً تتلخص في الآتي: أن الأجواء الفكرية والسياسية التي يروجها الائتلاف الوطني العراقي الشيعي وأحزابه السياسية الإسلامية, ومنها حزب الدعوة ورئيس حزب الدعوة الدكتور الجعفري, ذات وجهة دينية مذهبية محددة وذات موقف محدد من المرأة, هي بحد ذاتها تشكل القاعدة الفعلية لنشوء هذه الأجواء السلبية والضاغطة على المرأة وتفرض عليها إلزاماً اجتماعياً بارتداء الحجاب وابتعادها عن الوظيفة والعمل الاجتماعي العام وعن السياسة والثقافة. عندما أقول هذا لا أنسى بأي حال تلك الجمهرة الكبيرة والباسلة من النسوة من مختلف القوى السياسية الديمقراطية أو غيرهن, التي تناضل بصلابة واستمرارية هائلة في سبيل حقوق المرأة ومساواتها بالرجل في جميع المجالات والمستويات. إن عملية التحدي للسياسات المناهضة لحقوق المرأة في العراق ليست سهلة ومحفوفة بمخاطر كبيرة, وما نزال نتذكر الشهيدة الراحلة السيدة المعملجي, التي أتذكرها طفلة تلعب قرب دارها في العباسية الشرقية في مدينة كربلاء ويلاعبها عمها وصديقي العزيز الموسيقي عبد اللطيف المعملجي. إن الأجواء السياسية السائدة في العراق لا تنشأ من دون فعل الإنسان ذاته, والرجل العراقي بشكل خاص, والمرأة أيضاً, هما المسؤولان عن ذلك, ولكن ليس كل الرجال وليس كل النساء, بل أولئك الذين يحملون أفكاراً وأيديولوجيات ويمارسون سياسات تناهض حقوق المرأة ويتعكزون على الدين والشريعة في ذلك. لقد بدأت عملية الهجوم على حقوق المرأة منذ سنوات طويلة وفي ظل الحكم السياسي الفاشي في العراق, في ظل حكم صدام حسين وتفاقمت في ظل حملته الإيمانية الخادعة والكاذبة, ولكنها تفاقمت في ظل وجود قوى إسلامية سياسية متشددة في الحكم من جهة, وفي ظل وجود قوى إسلامية سياسية متشددة جداً خارج الحكم وتحاول السيطرة على الشارع وتهديد الناس وخلق أجواء مناهضة للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العراق. ولم يكن السيد رئيس الوزراء الراهن مساعداً في مواجهة تلك الحملة المناهضة لحقوق المرأة, بل كان عوناً لها. هذا هو المقصود من مقالي في جوهره الأساسي. وأتمنى أن أكون مخطئاً!
4. أدرك جيداً الظروف الصعبة التي تواجهها المرأة في نضالها الراهن وفي ظل الأجواء السائدة حالياً. كم كان بودي أن تستمعي إلى أحاديث أئمة المساجد والجوامع في الكثير من مدن الوسط والجنوب والغرب – عدا كردستان العراق – حول المرأة وحقوقها والحجاب, لكي يمكننا أن نتفق على حجم التهميش والتشويش على حقوق المرأة. أملي أن أقرأ يوماً المزيد الكتابات من السيدة وزيرة شؤون المرأة, بغض النظر عن وجودك أو عدم وجودك في الوزارة القادمة, ضد مثل تلك الخطب المسيئة للمرأة, من قبل قوى حليفة مباشرة للسيد الجعفري في قائمة الائتلاف الوطني الموحد.
5. إن ظاهرة ذهاب المرأة إلى الانتخابات وإعطاء صوتها لا يعود إلى تحرر المرأة من وصاية الرجل ولا إلى وعيها بأهمية ذهابها إلى صناديق الاقتراع وشعورها بالمسؤولية إزاء الواقع العراقي وضرورة تغييره, وعلينا أن نكون واضحين في ذلك لكي لا ينشأ أي وهم بصدده, بل استند بالنسبة إلى نسبة عالية من نساء الجنوب والوسط, وهو ما يفترض تأكيده هنا, إلى الفتوى التي أصدرتها المرجعية الدينية الشيعية التي يمثلها آية الله العظمى السيد علي السيستاني بإلزام المرأة شرعاً بضرورة المشاركة في الانتخابات, وهو موقف إيجابي لولا ارتباطه بموقف خاطئ اتخذته المرجعية الدينية الشيعية بتأييدها ودعمها لقائمة الائتلاف الوطني الموحد في الانتخابات السابقة. إنها بذلك قد ارتكبت خطأً فادحاً سجلته في رسالة مفتوحة وجهتها إلى المرجعية ذاتها ونشرت في مواقع وصحف عديدة. وفي هذه الانتخابات أتخذ السيد السيستاني موقفاً صائباً يختلف عن الفترة السابقة, إذ رفض تقديم أي تأييد ودعم لتلك القائمة أو لغيرها من القوائم الانتخابية, ولكن مكاتبه المنتشرة في أنحاء العراق تنشر الدعاية بأن السيد يؤيد قلباً وقالباً القائمة الشيعية الموحدة. وهو خطأ فادح يفترض في مكتب السيستاني الرئيسي في النجف رفضه وإعلان ذلك علناً.
6. تطلبين مني الإشارة إلى ما ذ كرته عن معاهد إعداد المعلمات والمعلمين وموقف السيد وزير التربية من ذلك. كان من الأجدر به بعد أن اتصلت به أن يوضح لك المقصود من ذلك. كانت معاهد إعداد المعلمين غير مختلطة بل منفصلة, وبدلاً من أن يتخذ قرار بالدمج والموافقة على التعليم المختلط, قرر تنفيذ الفصل بين الموظفات والموظفين العاملات والعاملين, بمن فيهم الفراشات والفراشين, في معاهد إعداد المعلمات والمعلمين, بحيث لا توجد أي امرأة تعمل معاهد إعداد المعلمين ولا يوجد أي رجل في معاهد إعداد المعلمات.
7. والآن دعيني سيدتي الفاضلة أن أذكرك بما صدر عن مدير التربية في البصرة بشأن الحجاب وصيغة لباس وحجاب الطالبة والموظفة والتعليمات الأخرى التي صدرت عنه والتي لم يرد عليها أي وزير من الوزراء ولا أي مسؤول في ما عدا كتابات الكتاب الديمقراطيين العراقيين. دعيني أذكرك بما فعلته جماعة مليشيا الصدر ضد طالبات وطلاب كلية الهندسة في البصرة وسكوت مجلس الوزراء عن ذلك وعدم تقديم المتسببين به إلى المحاسبة والمحاكمة, بل أهملت القضية مما فسح في المجال لتلك المليشيات التخريبية بمواصلة أفعالها الكريهة.
8. لا أجد مناسباً الخوض في حوار مع سيدة مثقفة وزميلة لي وأستاذة جامعية ووزيرة لشؤون المرأة التي أثق بأنها تدرك بعمق وتميز بدقة بين مفهومي التقدمي والرجعي وحول كيفية التمييز بين ما هو تقدمي وما هو رجعي, ولا حول الفجوة بين الوعي النظري لهذين المفهومين وبين التطبيق العملي لهما أو في التعامل معهما. ولا أشك بأن مثل هذا التمييز معقد وغير سهل إذ تتداخل لدى الفرد الواحد في ظروفنا العراقية وفي أحيان كثيرة مواقف متباينة إزاء قضايا عديدة كان المفروض أن تكون ذات رؤية واحدة, إذ ما تزال تسود في مجتمعنا ضبابية شديدة إزاء الكثير من القيم والمعايير لأسباب كثيرة بما فيها غياب عملية التنوير الديني والاجتماعي, وسيادة الاستبداد لما يزيد عن أربعة عقود في العراق, إضافة على الجزء السلبي في تراثنا العربي والإسلامي في هذا الصدد . زميلتي الفاضلة, أعيش التجربة العراقية بكل أبعادها وأدرك تعقيدات المسألة العراقية وأعاني منها, وخاصة في الموقف من المرأة وأدرك مخاطر البحث والحديث الصريح والعميق فيها, ولكن هكذا كانت الأمور في كل الأوقات, وهكذا ستبقى لفترة طويلة قادمة, ولا أعيش وهم التغيير السريع للواقع العراقي وإزاء المرأة بشكل خاص, ولكن مع ذلك فالحياة تتطلب منا مواجهة الحقائق ووضع النقاط على الحروف دون تسرع أو مجازفة غير مبررة ودون وهم. إن المرأة العراقية, سيدتي الكريمة, مضطهدة ومستغلة في البيت وفي الشارع وفي العمل وعلى مستوى الدولة, إنها الضحية الأولى في المجتمع العراقي التي تواجه الرجل في البيت والرجل في الشارع والرجل في العمل والرجل في الدولة, في مجتمع ودولة ذكورية, منفردة بشكل عام. ومما يزيد في الطين بلة أنها تساهم في ذلك عند خضوعها له أو حتى ترويجها للأفكار التي يروجها مناهضو حقوق المرأة وحريتها, لأن الغالبية العظمى ما تزال تعاني من العلل الاجتماعية المعروفة. وجزء مهم من التلفزة العراقية والصحف الصفراء مليئة بذلك, لو تسنى لك الوقت لمشاهدة بعض قنوات التلفزة كالفرات, وقراءة بعض الصحف, كالحوزة, مثلاً لاقتنعت بما أقول.
9. إن رسالتي ليست استفزازية للسيد رئيس الوزراء ولا أفكر باستفزاز أحد, بل أسعى للحث على التفكير واتخاذ الموقف المناسب. قمت بطرح بعض الأمور التي وجدت ضرورة طرحها وعليه تفنيدها من خلال الإعلان عن موقفه من المرأة بصراحة ووضوح, بصدد جميع القضايا والمخالفات التي تحصل إزاء المرأة بغض النظر عن الجهة التي تمارسها, وإن يسند المرأة في نضالها ضد فرض الحجاب عليها. وستجدين عندها أني سأقدم له الشكر والتقدير أولاً, الاعتذار للسيد رئيس الوزراء ثانياً, فلست ممن لا يعترف بالخطأ إن ارتكبه, ونقدي لنفسي في نشاطي السياسي والاجتماعي في فترات سابقة موجود في أغلب الكتب والمقالات التي نشرتها في السنوات الأخيرة.
10. لا يجوز قبول التصرفات الفردية في أجهزة الدولة, رغم أني أوافق على حقيقة وجود تصرفات فردية, ولكنها ليست فردية فقط, بل توجد توجيهات حزبية من قوى إسلامية سياسية في السلطة, ومنها حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية, أو خارج الحكومة وضمن الائتلاف الوطني العراقي, ومنها جماعة مقتدى الصدر وميليشيا جيش المهدي. لقد استمعت إلى المناقشات التي جرت حول الدستور في موضوع المرأة واستمعت إلى شكوى الطالبات والسيدات اللواتي تحدثن عن الضغوط اليومية التي تمارس ضدهن في الجامعات العراقية أو في مواقع العمل – عدا كردستان العراق – لكي يرتدين الحجاب. أفلا يشكل هذا موقفاً كان على مجلس الوزراء اتخاذ موقف مناسب بشأنه لإيقاف تلك التجاوزات؟
أملي أن تزوديني بما يقنعني بصواب ما ذهبت إليه, إذ أن ما جاء في رسالتك غير مقنع, إلا بحدود شخصك الكريم, ومستعد لتغيير الموقف والاعتذار في حالة البرهنة على عكس ما قلت.
أرجو لك أخيراً موفور الصحة والسلامة وتقبلي فائق تقديري واحترامي.
3/12/2005 كاظم حبيب
يتعرض الأطباء في البصرة، ثاني اكبر مدن العراق بعد العاصمة بغداد، للضرب بسبب معالجتهم للنساء، ويُقتل باعة المشروبات الروحية، بل حتى الحلاقون يواجهون التهديدات بالقتل بسبب قصات شعر يحكم عليها البعض بأنها قصيرة جدا أو هي على الموضة.
وتحكم القواعد الشرعية الشيعية شوارع هذه المدينة التي كانت ذات يوم مدينة عالمية، فلم تعد النساء يجرأن على الخروج إلى الشوارع من دون ارتداء الحجاب.
قال حسين نعمة المغني الشعبي الشهير من الجنوب «ما عدنا نستطيع أن نغني علنا. إنها مفارقة كبيرة. ظننا أنه مع تغيير نظام صدام حسين سيكون الناس أكثر انفتاحا على الغناء والفن والشعر».
وتتجول في الشوارع سيارات بلا أرقام تحمل رجالا مسلحين يرتدون الملابس المدنية وهؤلاء يقومون بفرض الشريعة. وهوية هؤلاء الأفراد غير واضحة تماما لكن السكان مقتنعون بأنهم جزء من معركة تهدف إلى الاستيلاء على روح البصرة.
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟