|
-القصة الخفية للثورة التونسية-
هيثم بن محمد شطورو
الحوار المتمدن-العدد: 5137 - 2016 / 4 / 19 - 03:50
المحور:
المجتمع المدني
سمها ما شئت. انتـفاضة، انقلاب، ثورة.. الحقيقة انها شيء من كل ذلك و لا شيء باعتبار كونها فاقـدة الى اليوم لثورة فكرية تؤسس فعلا لمنتج حضاري. انها لحظة حرجة جدا. اما ان تـنصهر فيها الشعوب العربية في مخطط تـقـسيمها و تجزئـتها و اضمحلالها او ان تعيد بناء نفـسها بالفعل. هذا البناء الذي لا يمكن ابدا ان تـقوم به الوجوه الحالية في الساحة السياسية. هذا تـقريـبا ملخص كتاب "القصة الخفية للثورة التونسية" للكاتب التونسي "سالم بن حسين". انه من تلك الكتب التي تجبرك على اعادة التـفكير في عدة مسائل. كتاب يشدك كثيرا. يوغل في تدفئـتك و صب الماء البارد على رأسك في نفـس الوقت. كتاب تفجيري ساخط على الكل. روعته انه ساخط على الكل. لماذا نقول روعته لان الحقيقة البادية للعيان ان الكل في عميهم يسيرون. من بداية الكتاب الى نهايته في سرد شيق موثـق و متراقص بين الادب و الفكر و السياسة و التأريخ. انك تجد نفسك امام شظايا المعلومات التي كانت لديك و لكن تجميعها و اثرائها بمعلومات اضافية و تدقيق المسائل و ربط الاجزاء بعضها ببعض تجد نفـسك مباشرة امام واقعك و ثورتك و بلدك الذي تـشهد يوما بعد يوم هروبه عنك الى المجهول. أقـل ما يمكن وصف الكتاب به .. انه رائع. بل اكثر من ذلك. المفروض ان يقرئه كل تونسي و خاصة الفاعلين السياسيـين و النقابـيـين و الاعلاميـين و اساتـذة الثانوي و الجامعات. هذا كتاب من الضروري ان يكون ايقونة تونسية. انه من تلك الكتب التي من شانها فعلا ان توقض الضمائر و تـتجه بها الى الاهتداء بكل جدية الى المسالة الوطنية التونسية في هذه المرحلة التاريخية الحرجة.. يبدأ الكتاب بالجنرال الذي هاتفه الوزير الاول ساعتها قائلا:"هل تكفيك نصف ساعة لتغيـير بزتك العسكرية بأخرى مدنية..و اذا كان ذلك ممكنا، فنحن بانـتـظارك بمقر وزارة الداخلية". انه الجنرال "بن علي" في اول خطوة له نحو قصر قرطاج. و يسافر بك الكتاب في متاهات سرد جميل مفحم بالأحداث و الوقائع و الكشف.. فعلا فالثورة ابتدأت منذ ذاك الهاتف.. هل هو هاتف الوزير ام التاريخ؟ الكتاب يغضب الكثيرين و خاصة النقابيـين و الناعتين انفسهم بالثوريـين اضافة الى الترويكا و النهضة و جميع الاصناف من الاشكال السياسوية التي لم تكن إلا الوجه الآخر لبن علي حسب وصف الكاتب. مما سمي النخبة و جحافل الابواق المختلفة الى الشعب او بعض الفئات منه التي انخرطت في عملية التدمير و الفوضى يخلص الكتاب في نهايته الى توصيف كل تلك المشاهد ببروز الثـقافة القبلية البدوية من جديد بعد ضعف الدولة. البداوة بما هي التعصب للقبيلة ظالما كان ام مظلوما. القبيلة بما هي حزب و بما هي كتلة نقابية او عمالية او جهوية او فئوية. و انك امام عقـلية الغنيمة و الاغتـنام عند الجميع. انك امام ظاهرة الكسل في العمل و الدفع بالدولة الى الاقـتراض لأجل ترضية الافواه الصارخة بدل الاتجاه نحو ثورة انتاجية تـنموية. و يحمل الكتاب عدة تساؤلات حارقة. اي ثورة يكون عنوانها التشغيل للبطالين؟ هذا ليس بمطلب ثوري و انما احتجاجي لأجل الضغط. اي ثورة لتطالب بالزيادة في الأجور و اي ثورة في التـقاعـس عن العمل؟ اي ثورة في جعل ايقونتها الماضويات المختلفة؟ اي ثورة في جعل مشهدياتها مناظر البؤس و التـشكي و التـذلل؟ اي ثورة خرقاء تسحق الشباب و اي ثورة هذه بلا فكر جديد و لا قوة جديدة فعليا؟ و اليسار مثل اليمين عند الكاتب محافظون.. و القيمة الجوهرية للكتاب بخلاف المعلومات الدقيقة، هي عـدم انكاره للتوصيف الثوري الشعبي برغم ان المسالة كذلك كانت تخطيطا امريكيا. ذكر القـناصة و ذكر الصراع بين امريكا و فرنسا و بين امريكا و بن علي اضافة الى تغير التكتيك الامريكي بفضل المقاومة العراقية الشرسة. إلا ان الكتاب يحمل بين ثـناياه ما يفيد ان الامور لم تسر وفق ما خطط له. ذاك ان الشعب انصهر فعليا في العمل الثوري بل الانتحاري لبعض الشباب من اجل تواصل الحركة الاحتجاجية. نعم. هناك شباب احرقوا انفـسهم بعد البوعزيزي لغاية اذكاء نار الثورة حين كانت تخبو بين الحين و الآخر. قيمة الكتاب انه لا يغيب المعطيات الداخلية التي تطلب بالفعل الديمقراطية و الحرية. لكن هذه المطالب تم تـشويهها بالفوضى المطلبـية و الاجنـدات الحزبية البعيدة تماما عن مطمح الحرية. جميع الاجندات الحزبـية.. " الغريب انه بعد اتمام عملية الانقلاب على بن علي و ترحيله الى السعودية من قبل المكلف بأمنه، تعرض جهاز الامن الرئاسي الى حملة مسعورة و هوجاء تهدف الى شيطنـته و الاساءة اليه و بث الاكاذيب و الاشاعات المغرضة.." و يمضي الكاتب في وصف الاحداث مع التحليل ليترك عندك فكرة مفادها ان الصراع الفعلي بين القوى الدولية قد بدأ فعلا يوم 14 جانفي 2011، و ان السيناريو الآخر الذي كان معدا هو قـتل بن علي مثلما حصل لدكتاتور رومانيا "تشاوسيسكو" و مثلما حدث لمعمر القذافي. السيناريو الاخير لأجل بث اكبر قـدر من الفوضى الخلاقة. و لكنه كذلك من اجل جر الشعب الى الاحساس بالذنب تجاه قـتل رئيسه. هذا الاحساس الذي بدوره يكون عامل فرقة اكثر بما انه يتجه بجميع الفاعلين الى الهروب الى الامام في العنف و التجزئة للوطن لتكون البلاد لقمة سائغة. اريد استعاضة الامر بالقناصة إلا ان دفاع التونسيـين عن احيائهم قطع الطريق امام الارهاب الكبير الذي كان معدا لتونس.. فالشعب ثار و لكن ثورته منـقوصة لأنه يريد الحرية و لكنه لا يمتلك مفهوما للحرية. اما بقية الكليشيهات السياسوية التي افسدوا بها الذائـقة السمعية فكلها و برمتها هي من ينخر البلد. هذا ما يمكن استخلاصه من الكتاب الجدير بالقراءة لجديته و صرامته و عـلميته و وقوفه موقف المسئولية التاريخية الكبرى امام مصير شعب..
#هيثم_بن_محمد_شطورو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف نكون الله؟
-
البعث العراقي الى اين؟
-
يسارية الاحرف الاربع
-
رد على مقال يتهافت على الرسول محمد
-
هل مازالت فلسطين القضية المركزية؟
-
للأرض أنثى الأنوار
-
النفاق الاوربي في التعاطي مع الارهاب
-
الشعور الديني بين الإغتراب و الإنسجام
-
عبثية إرادة قتل الله
-
سقوط البعث
-
سوريا الى اين ؟
-
المرأة التونسية تقدم الجديد لليوم العالمي للمرأة
-
قتل -الاسلام او القتل- في تونس
-
بين الإهانة للمقاومة و مقاومة الإهانة
-
-ميشيل عفلق- و الثورة العربية
-
الله و الإيروس
-
فقدان المناعة السياسية في تونس
-
أي نار لأدخنة تونس
-
مجتمع الاصنام
-
بين أبي و إبني
المزيد.....
-
تقنية التعرف على الوجه سلاح الجيش الإسرائيلي للإعدامات والاع
...
-
نائبة مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة تشير إلى ازدواجية معايير
...
-
أول رد فعل من نتنياهو بعد اعتقال اثنين من مكتبه في قضية التس
...
-
حماس: اتفاق يوليو الماضي هو المفتاح لوقف الحرب وعودة الأسرى
...
-
ممثل الأمم المتحدة يؤكد للسيستاني عدم التدخل في شؤون العراق
...
-
فيديو: ما وراء قرار الاحتلال وقف عمل وكالة الأونروا؟
-
السيسي يؤكد لعباس دعم مصر للسلطة الفلسطينية وحماية حق تقرير
...
-
بعد توقيف 4 أشخاص بمكتب نتنياهو.. اعتقال ضابط إسرائيلي في قض
...
-
أسامة حمدان: حظر الاونروا يؤكد اصرار الكيان على التمرد والاس
...
-
موسكو تطلق سراح بعض العسكريين الأوكرانيين الأسرى
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|