فاضل الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 1389 - 2005 / 12 / 4 - 13:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
رياض الترك الذي قضى في سجون النظام السوري حوالي عقدين من الزمن بدون محاكمة ولا تهمة سوى معارضته لسياسة القمع والكبت, معارضته لسياسة الحزب الشمولي والديكتاتورية سواء في الحكم أو في التنظيمات المتحالفة مع النظام والدائرة في فلكه!
رياض الترك والذي أثبت وطنيته الصادقة من خلال سياسته ومواقفه الصادقة سواء داخل السجن أو خارجه, وأثبت ديمقراطيته الصادقة من خلال تخليه عن قيادة الحزب الذي أسسه ليعطي الفرصة لغيره في القيادة الحزبية! وهذه نادرة في أحزاب وتنظيمات الدول العربية!!
رياض الترك هذا مثال يحتذى به في الصلابة والحكمة والشعور العالي بالمسؤولية الوطنية!
ليس من الضروري أن تكون مع رياض الترك أو في حزبه وأن تتفق معه في كل شيئ, لكن الروح العالية بالمسؤؤلية التي يتحلى بها والحكمة والبعد عن ردة الفعل, كل هذه تفرض على الكثير احترام رأيه والانتباه إلى كل ما يصدر عنه و يقوله!
المبادرة الأخيرة التي طرحها رياض الترك للخروج من الأزمة- المأزق التي أوصلت بها سلطة البعث البلاد هي مبادرة تحتاج إلى التقدير والدراسة, فهي لم تأتي كرد فعل وحقد على ما لاقاه من النظام, ولم تكن بعيدة عن فهم الواقع الموضوعي سواء الداخلي أو الإقليمي أو العالمي, إنها أخذت بعين الاعتبار كل العوامل المؤثرة داخلياً وخارجياً, هذه العوامل موجودة ولا يمكن التغاضي عنها وتجاهلها!
واستعراض سريع لبعض أفكار مبادرته الأخيرة هذه يبين ويؤكد المسؤولية الوطنية التي اتصف ويتصف بها رياض الترك وأفكاره!.
+ تقديم الرئيس بشار الأسد وحكومته استقالتهم: تعطي الدكتور الأسد احتراماً داخلياً وخارجياً, وتعطي
" تأكيداً" على عدم رغبته التمسك بالحكم كوسيلة وهدف شخصي على حساب الوطن ومصلحة الوطن, وأن الرئيس يحمل جزءً من المسؤولية لإنقاذ البلد! وقد تكون استقالته وحكومته سبباً ليس فقط لحل الأزمة وإنما سبباً لعودته يوماً ما للعمل السياسي على أساس العملية الديمقراطية وتخفف الكثير مما قد تواجهه الطائفة العلوية من قبل المتطرفين!!
هذا الموقف والاقتراح من رياض الترك إن دلّ على شيئ فإنما يدل على نضج وحكمة وبعيداً عن الحقد المشروع من قبل الرجل الذي قضى ظلماً في سجون نظام الأسد ولاقى ما لاقاه!
+ اعتبار مجلس الشعب ورئيسه- بالرغم من عدم شرعيته الديمقراطية- اعتباره هيئة يمكن ويجب أن تقوم بهذا الدور التحضيري الانتقالي للسلطة وتحضير لانتخابات ديمقراطية, استبعاداً للفوضى والمشاكل في غياب الحكومة الحالية,
( اعتبار الكحل أهون من العمى كمرحلة مؤقتة !!).
+ وقف عمل أجهزة الأمن الكثيرة في سوريا-ويقال أن عددها ستة عشر- وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين, وهذا يعطي الفرصة للشعب أن يكسر حلقة الخوف والرعب التي يعيشها منذ عشرات السنين وقد يدفعه للمبادرة والمشاركة في العملية الديمقراطية!
+ إجراء مشاورات من قبل رئيس مجلس الشعب مع كل التنظيمات السياسية والفئات الدينية والقومية المتواجدة على الساحة السورية- أي إشراك أكبر عدد ممكن من ممثلي الشعب السوري- بما فيهم حزب البعث والإخوان المسلمين.
هذه الخطوة مهمة جداً كبادرة طيبة لتجاوز ردود الفعل والأحقاد التي زرعها النظام وتفرخت من خلال سياسته القمعية العنصرية!, فأكثر أعضاء حزب البعث والتي تقدر بحوالي مليونين شخص يعيشون ظروفاً شبيهة بما يعيشه المجتمع ككل, وقسم كبير منهم اضطر للدخول للحزب الحاكم كي يجد عملاً أو ليستطيع إتمام دراسته أو فتح دكان يعتاش منها .....!
أما موضوع الإخوان المسلمين وأعتقد أنه أكثرها مجالاً للنقاش, خصوصاً أنه يوجد بين المعارضة الكثير الذي لا يكون مسروراً لإدخال الإخوان بالعملية السياسية الجديدة. وأما أنا أقول أنني من أكثر الناس معارضة وبعداً عن سياسة الإخوان وفكرهم! لكن هل محاولة إبعادهم هي فقط رغبة ذاتية, أم أن وجود الإخوان المسلمين حقيقة- مع الأسف- لا يمكن تجاهلها وتجاهل تأثيرها في الشارع السوري!
إن إشراك الإخوان المسلمين يبعد برأيي- أو يقلل- سياسة الزرقاوي من التأثير في نفوس المسلمين السنة, ويعطي فرصة لمنع تجاوزات ردود فعل ضد الطوائف الأخرى- على أساس التكفير!!!- وخاصة العلويين والذين سيكونون المتضررين الأكثر طائفياً!" الحديث عن الوضع الديني- الطائفي هو حقيقة يجب عدم تجاهلها رغم أنني لا أؤمن بالتعصب الطائفي!"
إشراك الإخوان في العملية السياسية يساعد على التقليل مما يمكن أن يحدث ضد أناس أكثرهم كانوا ضحية النظام وسياسته مثل باقي فئات الشعب!
إن إيجابيات وجود الإخوان وإشراكهم أكثر من سلبياتها! وأعتقد أن إبعادهم عن المشاركة وأخذهم قسط من المسؤولية في العملية الديمقراطية- والتي لن تكون كما نطمح- سيجر البلد إلى مشاكل ويهدد المرحلة الأولية لعملية السير الديمقراطي السلمي ومستقبلها! واقعاً ليس حلواً لكنه حقيقة مع الأسف ولا يمكن إغماض العين عنه وتجاهله وتجاهل دوره. " إشراك الإخوان يحجّم دورهم السلبي الفكري والتكفيري! "
وإن أهم شيئ يجب أن يدركه ويلتزم به الإخوان المسلمون هو العملية الديمقراطية وعلاقات القرن الواحد والعشرين وعقليته وأسلوب التعامل فيه, هذه الديمقراطية لا يمكن أن تكون ديمقراطية " إسلامية " لأنها ستكون الطرف الآخر لديمقراطية البعث وسياسة الهيمنة,
ستكون سياسة التكفير الديني بدل التكفير الحزبي!!
إننا نعيش في القرن الواحد والعشرين وعلاقات وعقلية العصر هي القاسم المشترك للجميع, هذه العقلية تتطلب من الإخوان استخدام شيئ من العلمانية في إدارة شؤون الدولة والابتعاد نهائياً عن احتكار الله والجنة- الابتعاد عن اعتبار من ليس معنا فهو ضدنا, على الإخوان أن لا يجبروا كل الناس على أن يكونوا مؤمنين ويعيشون على طريقة المؤمنين,
على الإخوان أن يدركوا أنه في هذا العصر لا يمكن بناء دولة على أساس الدين- أي دين كان- والأمثلة كثيرة على ذلك, على الإخوان المسلمين في سوريا أن يستوعبوا قضية وهي أن الشعب السوري بطوائفه الدينية والعرقية والسياسية هو الذي يمثل سوريا بكل ما تحمله من إرث حضاري وقيم وعلاقات!
هذا التنوع هو غنى لسورية وتوظيفه في خدمة الوطن هو قوة للجميع!
في هذا العصر ما يجمع السوريين- وما يجب أن يجمعهم- هو العمل على اللحاق بركب الحضارة, العمل على تأمين حياة كريمة وسعادة لأبناء هذا الشعب سواء كانوا مسلمين أو شيعة أو علويين أو دروز أو إسماعيليين أو يزيديين أو..., سواء كانوا عرباً أو أكراداً أو سريان أو آشوريين أو شركس أو أرمن أو... أو أي انتماء طائفي أوعرقي كان!!
ما يجمع السوريين هو العمل على تعويض أكثر من أربعين عاماً من تركة الحزب القائد سيئ الذكر!!
الصراع يجب أن يكون بين الأحزاب والتنظيمات السياسية والاجتماعية وعلى أساس سلمي واعتبار الشعار الذي أطلقه فخر الدين المعني الثاني قبل مئات السنين " الدين لله والوطن للجميع "! هذا الشعار يجب أن يكون للجميع وفوق الجميع لأنه لا يستثني أحداً ولا يضع أحداً فوق أحد!!
على الإخوان المسلمين أن يعتذروا من الشعب السوري عن الأعمال الإجرامية التي قاموا بها سابقاً وفتح صفحة جديدة نظيفة في حياتهم وحياة سوريا!
وعلى البعثيين أن يعتذروا هم أيضاً من الشعب السوري عن الأعمال الإجرامية التي قام بها حزبهم بحق الشعب والوطن خلال أكثر من أربعين عاماً من سلطتهم!!
سوريا بحاجة لأكبرعدد ممكن من أبنائها, في سوريا الغد لا يجب استبعاد أحد من أخذ دوره وتقديم واجبه إلاّ الذين تلطخت أياديهم بالدم وعصابات المافيا وأمثالهم وهم قلة بالنسبة لمجموع الشعب!!
ما كنت يوماً بعثياً, وما كنت ولا يمكن أن أكون عضواً في حزب الإخوان المسلمين ولا يمكن أن يقبلوني لجذوري الدينية والتي لم أخترها ولا أؤمن بالكثير منها!, وما كنت عضواً في تنظيم المناضل رياض الترك!
كنت بعيداً عن هذه وتلك لقناعات خاصة بي, لكنني أشعر أن مبادرة رياض الترك الشجاعة والتي تحمل مسؤولية وحكمة المناضل الحقيقي تعتبر أساساً لوضع الأساس لبناء سوريا ديمقراطية عصرية على أساس فيه الكثير من العلمانية وتتسع للجميع!!
علينا أولاً أن نتعلم الحوار الديمقراطي وتقبل الرأي الآخر, وإعطاء الحق للآخر ليس فقط في إبداء رأيه بل ربما يكون معه حق وعلى صواب أكثر, وعلى الآخر أن يعطينا الحق نفسه ولربما نحن على صواب أكثر!
صراع سلمي للأفكار هذا هو الدرس الأول الذي يجب علينا تعلمه وممارسته سواء في الحزب من كان حزبياً أو خارج الحزب أي حزب كان, سواء كان مؤمن أم لا.
علينا الآن تعلم أن كل واحد منّا يختلف عن الآخر" ولسنا صورة ونسخة عن القائد" لكنه قادر على البحث وإيجاد المشترك مع الآخر, ويرفض وينبذ إلغاء الآخر- لأن كل واحد منّا يتمم الآخر إلى درجة ما!!
وأخيراً أقول لكل المهتمين بالشأن السوري, ادرسوا رياض الترك بموضوعية وبدون حكم مسبق, فقد كان مصيباً قبل أكثر من خمسة وثلاثين سنة يوم كبرت المصيبة في الحزب الشيوعي السوري! وبقي مصيباً خلال عقدين من الزمن في السجن, وهو الآن أكثر حكمة وصواباً وشعوراً بالمسؤولية,
أعتقد أن مبادرة رياض الترك هي أساس لترك سياسة الحزب الواحد-أي حزب- والانتهاء من تركته السياسية ولدفع فاتورة تركة حزب البعث حتى الآن, هذه المبادرة تصلح أساس للحوار لوضع أساس بناء سورية التي تتسع لرياض الترك وسجّانه- الضحية مثله- وتتسع للمؤمن الذي كفّر رياض الترك يوماً!
حان الوقت لنبدأ بالتفكير بدل التكفير!
بودابست 20/ نوفمبر/ 2005 د. فاضل الخطيب
#فاضل_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟