|
تضخم الدين
حسين سميسم
الحوار المتمدن-العدد: 5137 - 2016 / 4 / 19 - 02:30
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بدأ الدين الاسلامي بالنص ولم يسبقه شئ نستطيع ان نقول عنه دينا ولا ممارسة دينية اسلامية ، كان وليدا بسيطا متجردا من التكليفات الدينية والشعائر ، كانت مهمته الاولى هو التوحيد واتمام مكارم الاخلاق ، .لم يطلب من المسلمين الاوائل غير البر والاحسان والعدل والرحمة ، وكلها تعابير اخلاقية تمثل جوهر الدين وهي كذلك قيم خالدة غير مخصصة لمجموعة بشرية بذاتها ولا زمن محدد ، قيم مطلقة صالحة لكل زمان ومكان ، وما زاد عنها لم يدخل ضمن الدين بل ضمن الممارسة البشرية للدين ، فقد ولد الاسلام في مكة خاليا من اية شعيرة عبادية او اية تكليفات دينية وتقاطرت السور والايات القرانية خالية من اي تكليف ، وكان المسلمون الاوائل في مكة يمارسون الدين دون صلاة او صوم او زكاة او خمس او حج ولم يأمرهم الاسلام بالجهاد ولا بأخذ الجزية ولا اعداد العدة لا ارهاب عدو الله وعدوهم ، فقد سنت الصلاة قبل الهجرة بعام ونصف تقريبا بعيد الاسراء والمعراج ودون قبلةٍ محددة متفق عليها ، وهي اول عبادة اسلامية ظهرت في الفترة القصيرة الاخيرة من وجود الاسلام في مكة ثم شرعت الزكاة وهاجر بعدها النبي محمد الى يثرب ، وامام ذلك نقف دقيقة ... نفكر ونتحرى ونسأل كيف كان شكل الاسلامي وكيف كانت عبادات المسلمين وشعائرهم وطقوسهم خلال الفترة الاولى من ظهور الاسلام وهي تشكل أكثر من نصف الاسلام نصا ونصف فترة النبوة ؟ اين مكان الموسوعات الفقهية وملايين الكتب الدينية في الاسلام المبكر؟ . كان الاسلام خلال تلك الفترة عبارة عن دعوة اخلاقية لعمل الخير ونشر الاعمال الصالحة ، دعوة للصدق في التعامل والعدل والمساواة والبر والاحسان والرحمة واستنكار الكذب والظلم والتعدي ، دعوة هدى خالصة ، وفي هذا الحيز يجد المسلمون المؤمنون العاديون دينهم ومرجعيتهم الحقيقية خلال كل الحقبات التي مر بها الدين . وبتأثير خارجي ( تديني فيم بعد) بدأت العبادات الاخرى بالظهور منها ما ابتكره الصحابة ثم نزل به قران ، ومنه ما كان تقليدا عند الشعوب والديانات السابقة ، ومنه ما كان جوابا على اسئلة واحداث تراكمت خلال فترات مختلفة واعتبرت من النص الاصلي ، فقد ابتكر البراء بن معرور التوجه في الصلاة الى قبلة مكة بعد ان قلد المهاجرون الجدد اليهود في التوجه للقدس ، وقد صلى قبل ذلك زيد بن عمر بن نفيل ركعتين الى كعبة مكة ، وابتكر اسعد بن زرارة ومصعب بن عمير صلاة الجمعة قبل وصول الرسول الى المدينة بقليل وقبل ان يعرف المسلمون صلاة الجمعة ( انظر طبقات ابن سعد ج3 ص 542 ) ، وابتكر عبد الله الخزرجي الاذان واضاف اليه عمر بن الخطاب شهادة ان محمدا رسول الله بعد ذلك بقليل ، وابتكر عبد الله بن جحش الخمس في اوائل السرايا (انظر مغازي الواقدي ) ، وشرعت بعض العبادات كانت مشرعة عند ديانات وشعوب اخرى فكتبت كما كتب على الذين من قبلهم ، وابتكر البراء بن معرور مبدأ الوصية بثلث المال ( انظر الطبري وابن كثير فقرة الثلث) ، وابتكر ذو المجاسد عامر بن جشم بن غنيم اليشكري مبدأ للذكر مثل حظ الانثيين ، وقد اشار كتاب السيوطي ( الاتقان في علوم القران ) الى ما انزل من القران على لسان الصحابة ( ص 82) ، كما وردت كلمة وقالوا ومشتقاتها 332 في القران الكريم ، ووردت كلمة ويسألونك 24 مرة ، وهي دلائل على ان الذين قالوا او سألوا هم بشر خلدت اقوالهم في النص ، وقالوا اقوالهم ليس بدافع من وحي بل كانت اقوالا بشرية ثبتت في النص القراني ونقرأها الان وكأنها كلام الله ، وسيلاحظ القارئ بأن القران اقر ما توصل اليه الصحابة من احكام وانعكست اراءهم في نصوصه ولو سألنا هل يمكن اعتبار تلك الامثلة والاقوال دينا ؟ انها من القران فقط وهي شريعة لكنها ليست الدين نفسه ، بل يمكن تسميتها بالجزء البشري من الاسلام او الدين الاجتماعي الذي دخل الجسم الاجتماعي وتجاوب معه الجسم بالطقوس والشريعة والفقه . كما ظهرت القصص القرانية من المحيط المكي فلم يكن مصدر سورة الكهف مصدرا ربانيا بل كانت قصة يعقوب السروجي ، كذلك قصة اصحاب الفيل وهي قصص مازالت موجودة بنسخها الاصلية في متاحف العالم . لقد كبر هذا الجزء وازداد مع مرور الزمن واضيفت اليه - فيما بعد - السنة القولية والعملية للنبي وسنة الصحابة واهل المدينة واهل الكوفة والاجماع والعقل والمصالح المرسلة والاستحسان والقياس والاجتهاد واحاديث الائمة وملايين الاراء والفتيا لتكون جسم التدين الاسلامي الحالي ، ان المشكلة التي تواجه المسلمين هو تعطيل الجزء البشري من الدين للدين نفسه ، فقد حبس الدين داخل تراكمات تاريخية يصعب على المريدين الوصول اليه ، وحصن باسوارتمنع ( المتطفلين) من اجتياز المناطق المحرمة للحفر في تلك التراكمات التاريخية المحروسة بجيش مسلح بكامل العدة والعدد ، وهاهم يسوقون لنا التراكمات التاريخية على انها الدين نفسه ، انها النسخة التجارية التراكمية من الدين وليس الدين ، فالدين ايمان بشري غير خاضع للتعدد ولا للشرح والقولبة ، انه احساس بشري يرتقي بالنفس البشرية الى السمو والرفعة ويبعث فيها التفاؤل والانسجام ، هو قيم خالدة مطلقة ثابتة لا تتغير في الزمان ولا في المكان ، يتناقض مع المتغير الفقهي والتاريخي ، لا يمكن ان يحتويه المتغير القانوني ولا التشريعي الناتج من فعل حادث في الزمان والمكان ،فالتشريع متغير والشرائع الرومانية والفارسية والبابلية القديمة اندثرت وبادت وظهرت في كل حقبة تاريخية شرائع جديدة تغيرها الظروف الحادثة وهذا شأن الشريعة الاسلامية ايضا ، ولابد من خضوع الجزء البشري لسنة التاريخ وابعاد القدسية المفروضة عنه ومناقشته ونقده واستبداله بما توفر لدينا من علم . فلا الشافعي ولا ابن حنبل ولا الزمخشري وغيرهم تمتعوا بعصمة او قدسية تمنعنا من النظر في كل تراثهم وتخطأته وابعاده عن مجريات الحياة ، لذلك لابد من التفرقة بين ما هو ازلي خالد وبين ماهو حادث آني ، لقد قام الفقهاء بدعم من مسبوقاتهم وظرفهم بمزج ما هو ازلي بماهو حادث وجعلوا الغلبة في غالب الاحيان للمتغير باعتباره الدين نفسه ، ومن ذلك السبب نشأ التعارض غير القابل للحل حيث قدم للناس باعتباره الدين المنزل ، فارتكبوا في ظله ابشع الجرائم والفساد وقدموا لنا صورة الله الاخر المتجبر الماكر القاهر المذل وتشكلوا شكلا ومضمونا بهذه الصورة ونسخوا صورة الله الديني البسيط المتسامح الخير العطوف الرؤوف الرحيم ، ان مشكلة المزج بين الدين البشري المتضخم خلال حقبة تاريخية طويلة وبين الدين البسيط لم تقتصر على السلفيين وملحقاتهم من الاحزاب السياسية الاسلاموية بل تعدت الى اللادينيين والعلمانيين ممن احصوا على الدين معايبه وحصروه داخل اخطائه باعتباره الدين كله فعمموا واطلقوا ولم يلاحظوا الفرق بين الدين والتدين الاجتماعي ، بين اسلام الفقهاء واسلام الفقراء بين الاسلام الموظف لتأدية خدمة سياسية وبين دينٍ نابعٍ من ضمير الانسان وخالصا له ولله وحده ، وهم بذلك يعيبون على العامة دينهم البسيط ويساووه بتدين السلفيين والاسلامويين ، فظل العامة بين مطرقة الموظفين الدينيين وسندان الناقد الذي يعمم المعايب ويطلق الاحكام دون تفريق ويوصم الكل بتهم التطرف في الخلط المستشري بين التدين البشري والدين .
#حسين_سميسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دين الرحمة
-
تنقيط القرآن تنزيل أم اجتهاد
-
فضائيات الفقراء
-
حرائر تونس يحملن مشاعل التنوير
-
من يتذكر ابكار السقاف
-
جذور التطرف الديني
-
رشيد الخيون والتطرف المسالم
-
الشخصية المحمدية بين العقل والنقل
المزيد.....
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
-
بن كيران: دور الإسلاميين ليس طلب السلطة وطوفان الأقصى هدية م
...
-
مواقفه من الإسلام تثير الجدل.. من هو مسؤول مكافحة الإرهاب بإ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|