|
بين البدر المكتمل والهلال المنتظر. ليل مظلم
احمد عبدالكريم القحطاني
الحوار المتمدن-العدد: 5136 - 2016 / 4 / 18 - 21:43
المحور:
الصحافة والاعلام
بين البدر المكتمل والهلال المنتظر. ليل مظلم (1) (الاعلام الطائفي)
قالو قديما (كل امرئ يعرف بقوله ويوصف بفعله، فقل سديدا، وافعل حميدا).
وللأسف في عصرنا هذا لا تجد قولا سديد ولا فعل حميد، فقد انتقلت حمي البغضاء والكراهية بين الأنظمة العربية الي النخبة من أصحاب الراي والفكر، وسرعان ما تم تصديرها الي العامة من الناس، فمن يتابع الواقع المؤلم بمنطقة الشرق العربي، وتصاعد النزعة الطائفية والعرقية، يعي بيقين تام اننا امام فصل جديد من "الفوضى الخلاقة" هذا المصطلح الذي لم اقتنع يوما بمصداقيته.
ففي الوقت الذي يحذر فيه نخبة اهل الراي من فصيل ما، من ظهور وبزوغ الهلال الشيعي من إيران للعراق فسوريا ولبنان فاليمن، نجد نخبة أصحاب الراي بالطرف الاخر، يتسألون عن موعد كسوف القمر او البدر السني المكتمل بجزيرة العرب والأردن ومصر والسودان...! وللأسف فبين هلال وقمر تتجه المنطقة العربية ومصير الانسان العربي الي ليل معتم ومستقبل مظلم.
فصل جديد مؤلم يشارك فيه الجميع، واسوء من يشارك في هذه الملحمة هو الوجه الجديد للإعلام المرئي بتلك الفضائيات المسمومة، التي تسهل نقل الصراع الي المجتمع والمواطن العربي البسيط، ووسائل التواصل الاجتماعي التي نقلت الصور والتصريحات والمقالات والفيديوهات المتطرفة صوت وصورة حقيقية ومفبركة من كلا الطرفين، مما ساعد على تبلور النزعة الطائفية بين الكثير من عامه النــاس. وأصبح المتابع لهذه الوسائل الإعلامية، يجد بكل وضوح ان اغلبها في سباق تجاري طائفي لحشد الأنصار وتحقيق المكاسب، فمع كل معركة يظهر تجار الحروب، وتجار هذه الحرب هو الاعلام الطائفي! فلا عجب أن يطل علينا نخب الفكر والسياسية وتجار الدين من وسائل الاعلام بين حين واخر، بعشرات البرامج واللقاءات لدس السم بالعسل وتشويش فكر المشاهد والمتابع، بأقوال وأحاديث عن القيم والمبادئ والاخلاقيات وتبرير الجرائم تارة وتغليفها بغطاء ديني تارة اخري، ليجد الانسان العربي نفسه محاط بسحرة فرعون ومؤيد لفكرهم ومناصر لجرائمهم، الا ان سحرة فرعون عرفوا الحق فاتبعوه وتركو الضلالة، اما هؤلاء فلا عرفوا الحق ولا تركوا الضلالة. مئات بلا الألاف من الذين يحملون لقب خبراء ونشطاء هم من العاطلين عن العمل بالوراثة، وجدو طريقهم الي تلك القنوات الفضائية المسمومة، او للأعلام المدون عبر وسائل التواصل الاجتماعي ليكونوا مادة إعلامية طائفية تنشر الحقد والاكاذيب وتستحضر التاريخ وتمزجه بالحاضر فيكون واقعة كالسحر على المشاهد، مغالطات تاريخية وتفسيرات دينية باطلة وأكاذيب وتدني أخلاقي هو ما تحتويه هذه البرامج والمقالات والتقارير، التي تطل علينا يوميا من تلك الفضائيات او المواقع الالكترونية، ويتلقاها المشاهد فتستحضر لديها الغيرة والحميه بالباطل، ولا أجد تسمية لهذا الظاهرة الا ما تم تسميته مؤخرا بـــ (شيطنة المجتمع والشعوب).
الا ان ما يحزن هو اننا نشاهد الكثير من أصحاب الراي والفكر والدين الذين يمارسون هذه المادة الإعلامية الطائفية من خلال برامج الاعلام الطائفي، موجهين تحليلات واتهامات وتشويه ممنهج للطرف الاخر مساهمين في تصعيد متوالية العنف والحقن الطائفي. مما جعلنا نتساءل، إذا كان الجهل والمكاسب التجارية وتحشيد الراي العام هو الجسر الذي ربط بين جهلاء وتجار الاعلام الطائفي وبين المشاهد من عامة الناس، فما هو المبــرر الذي جعل رجال دين وفكر وسياسة ومن المثقفين العرب، ينزلقون الي هذا المنحى الخطير فلا يمكن تخيل رجل دين له مكانة الا ان يخشى الله، ولا رجل فكر له تاريخ يخون مبادئه الفكرية الإنسانية، ولا مثقف مميز ينزلق بأخلاقياته الي الاسفاف ونشر الطائفية! لقد فشل الاعلام العربي الهزيل بالمحتوي والمتضخم بمليارات الدولارات من تشكيل وعي اجتماعي وذاكرة جماعية تقوم على القيم والأخلاق والمبادئ المتعارف عليها، بل ان الاعلام العربي تحول من اعلام ينقل الحدث ويعرض الراي والراي الاخر الي اعلام يصنع الحدث ويوجه المجتمع الي مناصره راي ضد راي اخر!
اننا لا نبحث ولن نبحث عن أي الأطراف علي حق، فكلا منا على مبادئه ومعتقداته وقناعات خاصة وربما اعادي أيدلوجية طرف اخر او ارفضه وأدينه لكن يجب ان يظل هذا الاختلاف والرفض فكري وليس اجتماعي، وهذا بحث عقيم وجدال سخيف فالاختلافات بالراي والانتماء موجود بكل المجتمعات بالعالم وعلي مر التاريخ، وشعوب ومجتمعات كثير استطاعت ان تستقر بسلام وتوافق، فخير الحلول هو التعايش والبحث على ما الأطراف المتعادية وترك مخلفات الاختلاف، ومعلوم ان ما يجمع أكثر مما يفرق، ولكن جرت العادة ان اجتماعنا يكون على اننا فرقاء. ! يجب علينا كأفراد بالمجتمعات العربية التخلص من تبعية الاعتماد على الاعلام الطائفي، عند بناء المواقف وتكوين الراي نحو ما يحدث من صراعات وعداءات بالمنطقة العربية والشرق الأوسط، كمحاولة للانفصال عما يحدث من تحشيد طائفي اجتماعي، تتحول لاحقا الي خطوة عكسية إيجابية لمقاومة هذا الاعلام ومقاطعته حتى يفقد مصداقيته ويتلاشى من تلقاء نفسه.
ليس امامنا حاليا كمشاهدين ومتابعين الا الاستمرار بتنقية مشاهدة هذه الفضائيات و برامجها واستبعاد التجاري والطائفي منها ، مع محاولة فصل وعينا الشخصي كأفراد عن المادة الإعلامية المرئية والمنشورة وعدم تصديق كل ما نراه او نسمعه إعلاميا. وبكل الأحوال فأن عمق الصراع والتعقيدات الاجتماعية بالشرق الأوسط من شانها ان تغذي استمرار هذا الاعلام الطائفي لفترة طويلة مع ازدياد مستمر للشحن والحشد الطائفي بالمجتمع.
د. احمد عبد الكريم القحطاني [email protected] 1 نيسان / ابريل 2016
#احمد_عبدالكريم_القحطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اقتصاديات الفقر وعولمته عربيا ...
-
حقبة جديدة من الجهل تنتظرنا ...!
-
حصاد أداء الاقتصاديات العربية في 2015؟
-
منطق اقتصادي يحدث حاليًا في أوروبا الفائدة السالبة !
المزيد.....
-
سقط من الطابق الخامس في روسيا ومصدر يقول -وفاة طبيعية-.. الع
...
-
مصر.. النيابة العامة تقرر رفع أسماء 716 شخصا من قوائم الإرها
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى يستخدمها -حزب الله- لنقل الأ
...
-
كيف يؤثر اسمك على شخصيتك؟
-
بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل حاخام في الإمارات
-
حائزون على نوبل للآداب يطالبون بالإفراج الفوري عن الكاتب بوع
...
-
البرهان يزور سنار ومنظمات دولية تحذر من خطورة الأزمة الإنسان
...
-
أكسيوس: ترامب يوشك أن يصبح المفاوض الرئيسي لحرب غزة
-
مقتل طفلة وإصابة 6 مدنيين بقصف قوات النظام لريف إدلب
-
أصوات من غزة.. الشتاء ينذر بفصل أشد قسوة في المأساة الإنساني
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|