|
ٱلثقافة وٱلحداثة
سمير إبراهيم خليل حسن
الحوار المتمدن-العدد: 1389 - 2005 / 12 / 4 - 13:37
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ٱلثقافة وٱلحداثة ٱستمرار لانقلاب سقيفة بنى ساعدة وتثبيت لسلطة ٱلقوم قريش ودينهم
"ٱلحداثة" كلمة يستعملها ٱليوم أولئك ٱلذين يتسمُّون بٱسمٍ حُرِفَ دليلُه عن دليل ٱلفعل "ثَقَفَ". وأولئك هم ٱلقوميُّون ٱلقريشيون ٱلذين يريدون من ٱلكلمة ٱللَّغو أن تُبرِزَ لَمَعَانًا علىۤ أفكارهم (ٱلموروثة وٱلموقوفة عن ٱلتطور) وتنفض ٱلغبار عن أسسهم ٱلفكرية ٱلميِّتة وٱلمتسنِّهة ٱلتى لم يتبدَّل منها شىء منذ ولادتها فى قريش. وهم ٱلملأ ٱلذى يزعم ٱلعلم من ٱلذين جآء فى ٱلبلاغ ٱلعربىّ بيان عنهم: "يسۤ(1) وَﭐلقرءَانِ ﭐلحَكِيمِ(2) إِنَّكَ لَمِنَ ﭐلمُرسَلِينَ(3) علىٰ صِرَٰطٍٍ مُّستَقِيمٍ(4) تَنزِيلَ ﭐلعَزِيزِ ﭐلرَّحِيمِ(5) لِتُنذِرَ قَومًا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُم فَهُم غَـٰفِلُونَ(6) لَقَد حََقَّ ﭐلقَولُ عَلَىٰۤ أَكثَرِهِم فَهُم لا يُؤمِنُونَ(7) إِنَّا جَعَلنَا فِىۤ أَعنَـٰقِهِم أَغلَـٰلا فَهِىَ إلى ﭐلأذقانِ فهم مُقمَحُونَ(8) وجعلنا مِن بَينِ أيدِيهِم سَدًّا ومِن خلفِهِم سَدًّا فأغشَينَـٰٰهم فَهُم لا يُبصِرُونَ(9) وَسَوَآء عَليهِم ءََأَنذَرتَهُم أَم لَم تُنذِرهُم لا يُؤمِنُونَ(10)" يسۤ. ويبيِّن لنا ٱلبلاغ أنّ حال هؤلآء سيبقىۤ من دون تبديل إلى يوم ٱلحساب: "وقال ٱلرّسولُ يَـٰرَبِّ إنّ قومى ٱتَّخَذُواْ هٰذا ٱلقرءانَ مَهجُورًا" 30 ٱلفرقان. ٱلصّفات ٱلمعدّدة فى سورة "يسۤ" هى صفات قوم ٱلرّسول قريش بدليل قوله لربّه (30 ٱلفرقان). وهٰذه ٱلصّفات تُظهر منهاج هؤلآء ٱلمؤسس على ٱلظّنّ وٱللّغو وٱلرّجم بٱلغيب وٱلزّعم بشرحٍ أو تفسيرٍ أو علمٍ. وتُظهر ٱختيالهم وفخرهم وغشاوة بصرهم وٱمتناعهم وصدّهم عن ٱلسّير فى ٱلأرض وٱلنّظر كيف بدأ ٱلخلق. وقد جآء فى مقالى "لغو ٱلمتسلطين وٱلمثقفين" مثل قَصُرَ على بعض مفاهيم هؤلآء من دون إشارة بٱلاسم إلىۤ أشخاص منهم. وبسبب ٱلزيادة فى عدد هؤلآء ٱلمثقفين ٱلقريشيين وزيادة فى تسلطهم على مواقع ٱلعمل ٱلسياسىّ وٱلفكرىّ وٱلتعليمىّ وفى تأثيرهم على بنية تفكير أكثرية قريشيّة لا تنظر ولا تبحث ولا تعقل (وقد بيَّنت دليل ٱلاسم قريش فى مقال يحمل هذا ٱلاسم عنانًا له). وهى تكتفى بما يلمع ويتحرك مثل حركة أغانى ٱلفيديو كليب. فقد رأيت أن أتناول مثلا عن أشخاص تلك ٱلحداثة ٱلذين يزعمون أنهم عرب ومسلمون وأنهم يتبعون ٱلعلم فيما يقولون. ومن هؤلآء ٱلأشخاص مَن هم مؤسسة تزعم ٱلحداثة وٱلتجديد فى ٱلفكر وتُلبس زعمها ثوب ٱلحرية. وهى فى هذا ٱلعام كانت قد أعلنت عن ٱلفآئز بجآئزتها ٱلسَّنويَّة لمن هاجم وجهد على دفع عملٍ فكرىّ علمىّ فى كتاب ٱللَّه. وهى تقول فىۤ إعلانها مبيّنة أسبابهآ أنها: "تأخذ على عاتقها دعم حرية التعبير والديمقراطية في العالم العربي". وأنها من أجل ذلك منحت "جائزتها هذا العام للمفكر والباحث المصري في علوم القرآن والتفسير الدكتور نصر حامد أبو زيد". لأنه (كما قالت فىۤ إعلانهاۤ): "ينقد القراءة التقليدية للقرآن ويدعو إلى تفسير علمي مدعم بالحجج، ينطلق من النص ليصنفه في سياقه التاريخي فيفرّق بين المعاني العقائدية والمعاني التي فرضها السياق التاريخي". وهى ترىۤ أنّ "الباحث يؤكد أن القراءة المعاصرة للقرآن يجب أن تستعين بمناهج علوم اللغة والتاريخ، خاصة وان النص القرآني يحتمل قراءات وتفسيرات مختلفة". وتتابع ٱلمؤسسة قولها عنه فىۤ إعلانها: "يريد المسلم المؤمن نصر حامد أبو زيد إنقاذ القرآن من التقليدية، التي تؤدي إلى تشويه جوهر الدين. يريد إعادة تفسيره وتأويله من منظور همومنا الراهنة". وهى كانت قد ذكرت أنَّه: "كان في شبابه قريباً من الأخوان المسلمين". وورد فىۤ إعلانها قوله ٱلذى يوصف خطابه: "خطابي يهدد خطاب الإسلامويين لأني أحلله وأكشف النقاب عن الخطأ والتلاعب في خطابهم السياسي. إنهم يعلمون أني لست مرتداً ويعرفون أنه لا يوجد في كتبي وأبحاثي أي دليل يدل على ذلك". وتتابع ٱلمؤسسة إعلانها فتقول: "أثارت كتابات الباحث المصري ضجة إعلامية في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. فقد أتُهم بسبب أبحاثه العلمية بالارتداد والهرطقة (الإلحاد). ونظراً لعدم توفر وسائل قانونية في مصر للمقاضاة بتهمة الإرتداد عمل خصوم نصر حامد أبو زيد على الإستفادة من أوضاع "محكمة الأحوال الشخصية"، التي يطبق فيها فقه الإمام "أبو حنيفة"، والذي وجدوا فيه مبدأ يسمى "الحسبة" طالبوا على أساسه من المحكمة التفريق بين "أبو زيد" وزوجته. كان الهدف هو إسكات المثقف عن طريق القضاء. وللأسف الشديد استجابت المحكمة وحكمت بالتفريق بين نصر حامد أبو زيد وزوجته قصراً، على أساس أنه لا يجوز للمرأة المسلمة الزواج من غير المسلم. حياة الزوجين باتت في خطر، وفي نهاية المطاف غادر نصر حامد أبو زيد وزوجته ابتهال يونس الأستاذة في الأدب الفرنسي القاهرة نحو المنفى الى هولندا حيث يعمل نصر حامد أبو زيد الآن أستاذا للدراسات الإسلامية بجامعة لايدن ويشغل كرسي "ابن رشد" بجامعة الإنسانيات بمدينة أوتريخت. تُعتبر قضية نصر حامد أبو زيد أكبر دليلٍ على ضرورة استمرار البحث العلمي في القرآن: إن تعاليم الشريعة التي سنت في العصور الوسطى، والقوانين الإسلامية التي نادراً ما تم تطويرها، ترى أنّ الموت هو عقاب المرتدين، وهو الاتهام الموجه إلى أبو زيد - بلا وجه حق- من قبل الإسلامويين. حجتهم في ذلك أحاديث للرسول مختلف عليها في العالم الإسلامي والتي تبيح قتل من يرتد عن دينه. لا يوجد نص بهذا المعنى في القرآن، ولهذا السبب لم تتضمنه التشريعات القانونية في العديد من الدول العربية. أبو زيد يريد منع استغلال السياسة للدين كما هو الحال في العديد من الدول العربية والإسلامية، ويرفض ما يمارسة دعاة التعصب الديني في إدعائهم لمرجعية الإسلام لتبرير أعمالهم، تماماً كما حدث في العصور الوسطى؛ حيث تم تبرير محاكم التفتيش في أوروبا بالمرجعية الدينية المسيحية. ويبدو أنّ المؤسسة الدينية في مصر لا تشعر بالقدر الكافي بخطورة هؤلاء المتشددين في استغلالهم للدين لأهداف سياسية، بل ترى الخطر في تحليل وتفسير الإسلام من قِبل عالم مثل أبو زيد. هذا وضع شاذ ومقلق وخطر. تساند مؤسسة إبن رشد للفكر الحر الطاقات التنويرية والمنفتحة على العالم وذلك عن طريق منحها جائزة هذا العام للمفكر العربي المسلم نصر حامد أبو زيد. ستمنح الجائزة لنصر حامد أبو زيد في 25 تشرين الثاني في الساعة الخامسة مساءً في معهد غوته". وقد منحت المؤسسة جائزتها هذا العام للمفكر العربي الإسلامي المتميّزً والمجتهد في أصول الدين نصر حامد أبو زيد وذلك لكفاحه المتواصل من أجل إعادة قراءة معاني القرآن قراءة مستقلة عن التفسير التقليدي، دافعاً حريته الشخصية ثمناً لذلك". لقد رأت مؤسسة ٱبن رشد فى ٱللّغة وٱلتاريخ علومًا ورأت أنّ ٱلدكتور أبو زيد هو ذلك ٱلمجدد ٱلدينىّ ٱلذى "ينقد القراءة التقليدية للقرآن ويدعو إلى تفسير علمي مدعم بالحجج". وبيّنت أنّ وسآئله ٱلعلمية هى "مناهج علوم اللغة والتاريخ". وهو كان قد كتب عام 1995 كتابًا عنانه "ٱلنص, ٱلسلطة, ٱلحقيقة" بيّن فيه أفعال هذه ٱلمناهج ٱلتى تزعم علمًا. وقد دفع فيه عملا علميًّا فى فهم بلاغ ٱلقرءان للدكتور محمد شحرور. وقال فى وصفه لذلك ٱلعمل أنه "قراءة أيديولوجية تلوينية مغرضة". وكشف فى ذلك ٱلعمل عن موقف مَن يرفض ٱلتجديد فى فهم ٱلقرءان عمَّا فهمه ٱلناس فى ٱلقرن ٱلسابع. وقد وفَّر بعمله على مؤسسات ٱلكهنوت ٱلكثير من صعوبات ٱلردّ على ذلك ٱلعمل ٱلعلمىّ ٱلذى يستوجبه ويستحقُّه كتاب ٱللَّه. لقد كان هذا ٱلجهد وٱلدفع فى قسم "ٱلنص ومشكلات ٱلسياق" من كتابه. وقد بيّن ٱلمؤلف رأيه فى ٱلتأويل قبل أن يبدأ عمله وجهده ٱلدافع لذلك ٱلعمل ٱلعلمىّ. فقال نظريةً تتعلق بما يُظنُّ به أن ٱلكلام وٱلدليل فى كتاب ٱللَّه لا يخرج عمَّا ظنَّ ٱلأولون به من علم ومعرفة لغويَّة وشعريّة. وهذا ما رأت فيه مؤسسة ٱبن رشد ما تظنُّه بحثًا علميًّا. لقد جهد ٱلدكتور أبو زيد نفسه بما زعم به من علم فى عمله لإسقاط أىَّ محاولة تحدث لفهم كلام كتاب ٱللَّه بوسآئل ٱلعلم فى ٱلحقِّ. وهو يقول فيما يظنُّه علمًا أنَّ: "التأويل الحقيقي, المنتج لدلالة النصوص, يتطلب اكتشاف الدلالة من خلال تحليل مستويات السياق. لكن الخطاب الديني غالبا ما يتجاهل بعض هذه المستويات, إن لم يتجاهلها جميعا في حمى البحث عن دلالة محددة مسبقا. ويرتد هذا التجاهل في جانب منه إلى عدم الوعي بقوانين تشكل النصوص اللغوية, كما يرتد في جانب آخر إلى اعتبار النصوص الدينية نصوصا مفارقة لسواها من النصوص اللغوية مفارقة تامة أو شبه تامة". لكنه لم يبيِّن تلك ٱلقوانين ٱلتى تشكل ٱلنصوص. وهو يظنّ أنّ دفع ٱلقول من دون دليل عليه يكفى لوسمه بسمة ٱلعلم. كماۤ أنَّه يرى فى قوله "الخطاب الدينى" كلّ مَن يتناول ٱلدين سوآء لاستغلال موقف سياسىّ أم لوجهة بحث علمىّ. وقد بيّن فى تقسيم كتابه إلىۤ أقسام يكشف فيها عن أسباب تجاهل ٱلخطاب ٱلدينى بلونيه لتلك ٱلمستويات. وبين أنّ وجهته فى ذلك ٱلتقسيم تقوم على: "التركيز على موضوعين أساسيين من موضوعات الخطاب الديني: الأول منهما هو التفسير العلمي للنصوص الدينية, وهو الموضوع الكاشف عن إهدار السياق الثقافي. أما الموضوع الثاني فهو موضوع "الحاكمية", وهو الموضوع الكاشف عن إهدار السياق التاريخي - سياق أسباب النزول - إلى جانب إهدار للسياق السردي اللغوي للنصوص موضوع التأويل". وهو بذلك وضع ٱلتفسير ٱلعلمى مع ٱلحاكمية ٱلعميآء فى سلَّة واحدة. وهو يرىٰۤ أنَّ "إهدار السياق" سوآء ءَكان لوجهة ٱلتفسير ٱلعلمىّ أم لوجهة ٱلحاكميّة "له تأثير ضار على مجمل الحقيقة". ويتابع مبينًا رَّأيه فى ٱلمسألة أنَّه: "لا يمكننا انتاج خطاب علمي" حول ٱلمصدر ٱلإلٰهىّ لتلك ٱلنصوص. "وأي حديث عن الكلام الإلهي خارج اللغة من شأنه أن يجذبنا شئنا أم أبينا إلى دائرة الخرافة والأسطورة". وبقوله هذا يُسقط ٱلزعم بٱلتجديد ٱلدينىّ بأسلوب ٱلبحث ٱلعلمىّ فى ٱلقرءان وعلومه ٱلذى جآء فى تعريف مؤسسة ٱبن رشد بأعماله. أمّا هو فلم يخرج رأيُه عن رأى سلفه عبد ٱلقاهر ٱلجرجانىّ وهو يقول أنّ: "دراسة النصوص الأدبية عامة, واكتشاف تشكيلها وكيفية إنتاجها للدلالة, مدخل ضروري لا غنى عنه لدراسة النصوص الدينية. والذين يهونون من قدر الشعر إنما يغلقون الباب في الواقع عن دراسة القرآن ذاته وفهمه" (ص 94). ويتبع قوله هذا بشاهد من كتاب "دلائل الإعجاز" لاۤ أرى حاجة لتوريده هنا منعًا للإطالة. لقد بين ٱلدكتور أبو زيد أن ٱلقرءان نصوص دينية لا تفارق: "بنية الثقافة التي تشكلت في إطارها بأي حال من الأحوال". وأفهم من هذا ٱلرأى أنّ صاحبه يرىٰۤ أنّ "بنية الثقافة" و"بنية اللغة" محصورتان فى ٱلشعر وٱلأدب. وأنّهما بعيدتان عن "خطاب العلم". كماۤ أنَّ كتاب ٱللَّه مثلهما يخضع لتلك ٱلأشراط. وإذا كان فهمى لرأيه صوابًا يجعلنىۤ أرىٰۤ أنّه يريد ٱلقول أنّ ٱلقرءان كتاب يختص به ٱللّغويون وٱلشعرآء ولا علاقة لهذا ٱلكتاب بٱلعلم ووسآئله ٱلإدراكيّة. وهو يقطع ٱلرأىَ بقوله فى ٱلمسألة أنّ "أي حديث عن الكلام الإلهي خارج اللغة من شأنه أن يجذبنا شئنا ذلك أم أبينا إلى دائرة الخرافة والأسطورة". ورأىُ ٱلدكتور أبو زيد فى ٱلمسألة يُخرج ٱللغة وٱلشعر من دآئرة ٱلعلم. وبهذا ٱلأمر لاۤ أختلف معه فى ٱلرأى. وهو ما لم تكن تظنّه مؤسسة ٱبن رشد فىۤ إعلانها عن علميّة بحوثه. لقد بيَّن كتاب ٱللَّه ٱلقرءان ٱلموقف من ٱلشعر: "وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون" 41 ٱلحاقة . "وما علَّمنٰه ٱلشعر وما ينبغى له إن هو إلا ذكر وقرءان مُّبين" 69 يس. وبيّن حال ٱلذين يتبعون ٱلشعرآء: "وٱلشّعرآء يتبعهم ٱلغاوون" 224 الشعرآء. وأرىٰۤ أنَّهم ٱلَّذين يَلغُون ويصنعون ٱللُّغة ولغوها: "وقال ﭐلّذين كفروا لا تَسمَعُوا لِهـٰذَا ﭐلقُرءَانِِ وﭐلغَوا فيه لَعلَّّكم تَغلِبُونَ" 26 فصّلت. ويظهر لىۤ أنَّ ٱلدكتور أبو زيد لا يختلف مع كتاب ٱللَّه فىۤ إخراج ٱلشعر من دآئرة ٱلعلم على ٱلرُّغم من أنَّه لا يسعى للتوافق معه. وقد بيَّن كتاب ٱللَّه (لى وله) أنّ ٱلشعر ليس وسيلة لإدراك وفهم كلامه ٱلعربىّ. أمَّا ما رأـٰه من تاريخية ٱلإسلام ٱلسلطوىّ فهو تاريخ صنعه ٱلناس وأنا معه فى بعض ما قاله عنه ومعه فى طلبه بٱلمفارقة عنه وٱلخروج على خط سيره فى حاضرنا. لكنى لست معه فيما يقوله عن تاريخية كتاب ٱللَّه. أمّا إدراك ما فى ٱلكتاب من قبل ٱلناس فهو من عملهم ومن تاريخهم دون ريب. أمّا كتاب ٱللَّه فهو بيان مِّن عليم لا يُدرك إلا بوسآئل ٱلعلم فى ٱلحقِّ. ووسآئل ٱلعلم تتطور وبتطورها يتطور ٱلإدراك. وأنّ ٱلذى يقوم بصناعة هذه ٱلوسآئل هم ٱلسَّآئرون فى ٱلأرض ٱلذين ينظرون كيف خلق ٱللَّه كلَّ شىء. وهم بسيرهم وبنظرهم يوصلون إلى ٱلعلم بسنَّة هذا ٱلخلق. وعمل هؤلآء يدخل فى تاريخٍ هو تاريخ ٱلعلم فى ٱلحقِّ. وهو تاريخ يوصل أهله إلى ٱلعلم أنّ ما ٱكتشفوه فى كتاب ٱلتكوين كان بيانه منشورًا لَّهم بلسانٍ عربىٍّ مُّبينٍ. وهذا ٱلأمر ٱلمتعلق بٱلبيان وٱلتِّبيان ليس من عمل ٱلناس. وهو ليس من علمٍ صُنِعَ فى ماضٍ يحكم ٱلحاضر. إنَّه بيان لِّلنَّاس ٱلذين يعلمون ويفقهون. وهم ٱلذين يسيرون فى ٱلأرض ينظرون كيف بدأ ٱلخلق. وهم وحدهم ٱلذين يستيطيعون عقل أعمالهم مع بيان ٱلخالق ٱلعربىّ. وإذاۤ أردت ٱلأخذ على ٱلدكتور أبو زيد فيما يتعلق بفقه دليل ٱلكلمة (وهو لديه ٱلأساس فى فهم ٱلنص ٱلدينىّ كما يقول: "التأويل الحقيقي, المنتج لدلالة النصوص, يتطلب اكتشاف الدلالة من خلال تحليل مستويات السياق") فإن ما رأـٰه فى كلمة "سَنَنَ" علىٰۤ أنها تدلّ على: "القدم والتصلب الشكلي, فيقال: سُنَّ الشىء - بالبناء للمجهول -, والمعنى: تغيرت رائحته, أو صب في قالب" (ص 16). فيبين لىۤ أنَّه يأخذ بما وقع فيه أصحاب معاجم ٱللّغة من تحريف فأدخلوا ٱلفعل "سَنِهَ" ودليله فى باب ٱلفعل "سَنَّ" ودليله. وهو عمل يُنسب إلى تحريف ٱلكلم عن مواضعه ويبين فعل ٱللُّغة ٱلتحريفىّ. كما يبين أنّ جميع ٱلقول ٱلمستند إلى ٱللّغة فى كتاب ٱللَّه (سوآء ءَكان قول للسَّلف أم للخلف) هو قول تخريص ولغو لا علم فيه. وأقول هناۤ أنَّ علم ٱلِّسان هو علم صوتٍ وخطٍّ هذاۤ أولا. ثمّ علم فى ٱلدليل لا يكمل ٱلاطمئنان إليه إلا بعلم مقارن (عقل) بين ٱلكلمة ٱلمخطوطة وصوتها وجريانه وأثره وبين حقٍّ فى ٱلتكوين يطابقه. وهذا يتطلب ٱلعلم بدليل ٱلأبجديَّة وقوى ٱلفعل عليها (ٱلحركات). فٱلكلمة وضعت لتدلُّ على شىء فى ٱلحقِّ وتشير إليه وتوصفه وتبيّنه. وعلم ٱلِّسان لا يستطيع فعل هذا ٱلأمر من دون عون علم ٱلمقدار (ٱلرياضيَّات) وعلم ٱلفيزيآء وعلم ٱلفيزيولوجيا وعلم ٱلبيولوجيا (مقال "ٱلأبجدية وقوى ٱلفعل" فيه بسط للمسألة). وعالم ٱلِّسان لا يقطع مع ٱلعلم فى ٱلحقِّ بل يستمدّ منه وسيلة ٱلعقل وبه يُدرك ويفهم ويجعل (يترجم) ويبيّن ٱلدليل. وبه يوصل إلىٰۤ إدراك ٱلقول فى كتاب ٱللَّه. وإنَّ عالم ٱلِّسان بعد هذا كلّه عليه أن يعلم بدليل ٱلكلمة كما وضعت. وأن يعيد لها دليلها ٱلمحروف بفعل ٱللغو وٱلشعر. كما هو فى كلمة "أسطورة" ٱلتى حرفها ٱللّغو لتدلّ علىۤ أكاذيب. وهو ٱلدليل ٱلذى ٱستعمله ٱلدكتور أبو زيد من دون أن يسعى للعلم بدليلها ٱلذى يعود إلى كلمة "سَطَرَ". وقد جآء ٱللّغو فى هذه ٱلكلمة فى ٱلمعجم ٱلوسيط ٱلذى ٱختصر لغو معاجم ٱللُّغة: ]سَطَر الكتاب: كتبه. وسطر فلاناً: صرعه. وسطر الشيء بالسيف: قطعه. أَسْطَرَ الشيء: أخطأ في قراءته. وسطَّر الكتاب: سَطَره. وسطَّر الورقة: رسم فيها خطوطاً بالمسطرة. وسطَّر العبارة: أَلفَّها. ويقال سطَّر الأكاذيب وسطَّر علينا: قصَّ علينا الأساطير. الأساطير: الأباطيل والأحاديث العجيبة. وفي التنـزيل: (إنْ هذا إلا أساطير الأوّلين)، واحدُها إسطارٌ، وإسطيرٌ، وأُسطورٌ، وبالهاء في الثلاثة. السَّاطر: القصّاب. والسَّاطور: سيف القصّاب. وسكين عريض ثقيل ذو حدٍّ واحد يكسر به العظم. السَّطر: الصَّف من كل شيء. يقال سطرٌ من الكتابة وسطر من الشجر (ج) سطرٌ وسطورٌ وأسطارٌ (جمع أساطير). وفيه من دليلها ٱلحقّ (سَطَر الكتاب: كتبه. وسطَّر الكتاب: سَطَره. وسطَّر الورقة: رسم فيها خطوطاً بالمسطرة. وسطَّر العبارة: أَلفَّها). أمّا بقيَّة ما فيه فهو لغو وتحريف فى دليل ٱلكلمة عن موضعه. ومنه أخذ ٱلدكتور أبو زيد ٱلدليل ٱلمحروف فى قوله "وأي حديث عن الكلام الإلهي خارج اللغة من شأنه أن يجذبنا شئنا أم أبينا إلى دائرة الخرافة والأسطورة". وأضرب مثلا بترتل ٱلبلاغات ٱلعربيَّة ٱلتى وردت فيها ٱلكلمة وكيف نعيد دليلها إلى موضعه: "نۤ وٱلقلمِ وما يسطرون"1 ٱلقلم. "وكتٰبٍ مَّسطورٍ/2/ فى رَقٍّ مَّنشورٍ/3/" ٱلطور. "وإن مِّن قريةٍ إلَّا نحن مُهلِكوها قبل يومِ ٱلقيٰـمة أو معذِّبوها عذابًا شديدًا كان ذٰلك فى ٱلكتـٰب مسطورًا" 58 ٱلإسرآء. "حتّىٰۤ إذا جآءُوكَ يجٰدلونك يقول ٱلّذين كفروۤا إِن هٰذاۤ إلَّآ أسٰطيرُ ٱلأَوَّلين" 25 ٱلأنعام. "وإذا قيل لهم ماذآ أنزل رَبَّكُم قالوۤا أسـٰطيرُ ٱلأولين" 24 ٱلنحل. "وإذا تُتلى عليهم ءَايٰتنا قالوا قد سمعنا لو نشآء لقلنا مثل هٰذاۤ إن هٰذآ إلَّآ أسٰطيرُ ٱلأولين" 31 ٱلأنفال. "وقال ٱلَّذين كفروۤا أَءِذا كُنَّا تُرٰبًا وَءَابآؤُنآ أَئِنَّا لمُخرَجون/67/ لقد وُعِدنا هٰذا نحن وءَابآؤُنا من قبلُ إِن هٰذآ إلَّآ أسٰطيرُ ٱلأولين/68/" ٱلنمل. "وٱلَّذى قال لوٰلديه أُفٍّ لَّكمآ أَتَعِدَانِنِىۤ أَن أُخرَجَ وقد خَلَتِ ٱلقُرونُ من قبلِى وهما يستغيثانِ ٱللَّهَ وَيلَكَ ءَامِن إِنَّ وَعدَ ٱللَّهِ حَقّ فيقول ما هٰذاۤ إلَّآ أسٰطيرُ ٱلأَوَّلين" 17 ٱلأحقاف. "وقال ٱلَّذين كفروۤا إِن هٰذآ إِلَّآ إِفْك ٱفترـٰهُ وأعانهُ عليه قوم ءَاخرونَ فقد جآءُو ظُلمًا وزورًا/4/ وقالوۤاْ أسٰطيرُ ٱلأوَّلين ٱكتَتَبَها فهى تُملَى عليه بُكرةً وأصيلاً/5/" ٱلفرقان. "وإذا تُتلَىٰ عليه ءَايٰتُنا قال أسٰطيرُ ٱلأوَّلين" 13 ٱلمطففين. "وكلُّ صغيرٍ وكبيرٍ مُّستَطَر" 53 ٱلقمر. ويظهر فى ٱلبلاغ 58 ٱلإسراۤء و 53 ٱلقمر دليل ٱلتسجيل ٱلمصفوف وٱلمخزون فى كتاب. وتدلنا كلمة "مسطورٍ" فى ٱلبلاغ 2 ٱلطور على صفوف كلمات ٱلكتاب. وفى ٱلبلاغات ٱلأخرى تدلنا "أسـٰطير ٱلأولين" على ما سّطره ٱلأوَّلون وسجلوه فى مخطوطات تتعلق بما جآء فى ٱلرسالات ٱلسابقة وعلى ٱلأخص ٱلوعد ٱلمتعلق بٱلخروج بعد ٱلموت. ويظهر فى جميع ٱلبلاغات أن قآئل "إِن هٰذاۤ إلَّآ أسٰطير ٱلأوَّلين" هم "ٱلَّذين كفروا". فى جدالهم مع ٱلرسول وعند تلاوة ٱلأيات عليهم وفى جوابهم على سؤال "ماذآ أنزل ربَّكم" وفى ٱستنكارهم للخروج من بعد ٱلموت. وهم فى وصفهم لما ينشره ٱلرسول من بلاغ وقولهم "إن هٰذآ إلَّآ أسـٰطير ٱلأولين" يدل علىۤ أنهم يعلمون بوجود مثل هٰذه ٱلبلاغات وٱلإنذارات ٱلمسطورة فى مخطوطات رسالات سابقة كٱلتورـٰة وٱلإنجيل. ولأنهم كافرون فهم لا يصدقون ٱلبلاغ وحجتهم فى تكذيبهم أن ٱلوعد بٱلخروج لم يحدث مع أبآئهم فكيف يصدِّقون ذات ٱلبلاغ وٱلإنذار. وهؤلآء يستعجلون ٱلوعد وأحكامهم وأقوالهم يحكمها ٱلتأوّه ونقص ٱلصبر. إن كلمة "أَسٰطير" تدل عند ٱلكافرين على ٱلكذب. وتكذيبهم لأساطير ٱلأوَّلين يدفعهم لتكذيب ما يُتلى عليهم من ءايات. وما تدل عليه عندهم هو نقيض ٱلدليل ٱلحقّ للكلمة. وما جآء فى ٱلمعجم ٱلوسيط يوافق ما قاله ٱلكافرون بل هو قولهم ذاته (الأساطير: الأباطيل والأحاديث العجيبة، وسطّر الأكاذيب، وسطّر علينا: قصَّ علينا الأساطير). لقد عَلَقَ ٱلكذب بكلمة أسٰطير وسار جميع ٱلمفكرين على طريق ٱلكافرين ولم يتكّلف أحدهم ٱلنظر فى بلاغ ٱلقرءان. وما فعله لغو ٱلكافرين ومن سار على طريقهم أبعد ٱلنَّاس عن ٱلبلاغ ٱلمسطور "فى رَقٍّ مَّنشور". وٱستخفوا به بزعم أن ما فيه (أباطيل وأحاديث عجيبة). وإن ٱلبحث عن ٱلدليل ٱلحقّ لكلمة "أسـٰطير" يرجعه إلى موضعه. ويعود ٱلبلاغ إلى بيانه عن ٱلعلم فى ٱلخلق وٱلتكوين. كما يفتح ٱلسبيل أمام إصلاح ٱلأحكام ٱلمستعجلة ناقصة ٱلدراية ٱلتى تمتد إلى ٱلحكم على ٱلرسالات ٱلإلٰٰهية. لقد هاجرت كلمة "سطر" ٱلشامية ٱلأصل (ٱلمنسوخة فى ٱلِّسان ٱلعربى ٱلمبين) إلى ٱلِّسان ٱلانكليزى. ونورد ما جآء فى ٱلمورد من ٱلِّسان ٱلانكليزى وتحويله إلى لِسان ٱللغة ٱلفصحى: [Store: مخزن.يخزن، يزوّد بـ Storey: طابق (من مبنى)، دور، حكاية، قصة Storied: مزيَّـن برسوم تمثل موضوعات تاريخية أو أسطورية، ذو طوابق أو أدوار Storiette: الأقصوصة. قصة قصيرة جداً History: قصة، حكاية، سجل كرونولوجي للأحداث الهامة مؤلف في التاريخ. بيان بالماضي الطبي لمريض. التاريخ: الأحداث الماضية. Historicity: التاريخية: كون الشيء تاريخياً "غيرأسطوري" ]. وبٱلمقارنة بين كلمة "سطر" وكلمة Store ٱلانكليزية يظهر تماثل ٱلنطق ٱلصوتى للكلمتين وقرابة فى ٱلدليل بينهما على ٱلخزن. وٱلقصة ٱلقصيرة جدًا Storiette هى مخزن كلمات ومفاهيم. كما يوافق نطقها لنطق كلمة "أسطورة" ٱلتى لا تدل إلا على معلومات مسطورة فى سجل صغير مثل ٱلزبر وٱلأمثال. ونطقها يتبع سنَّة ٱلتصغير فى ٱلألسن ٱلشامية Storiette تصغير لـStorey . ٱلكلمتان (ٱلشَّاميّة وٱلإنكليزيّة) تدل كلّ مِّنهما على ٱلخزن وفـق صفوف على ٱلتسلسل. وهٰذا ما تدل عليه ٱلكلمة فى ٱلألسن ٱلشامية بما فى ذٰلك ٱلِّسان ٱلعربى ٱلمبين. إلآ أن ما ورد فى ٱلمورد من تحويل لكلمة Storied إلى ٱلقول (مزين برسوم تمثل موضوعات تاريخية أو أسطورية) وكذٰلك تحويل لكلمة Historicity إلى ٱلقول (التاريخية: كون الشيء تاريخياً "غير أسطوري"). فإن ما جآء فى ٱلتحويل يتبع ما ٱستقر عند ٱلمحول من أن ٱلأسطورة (أباطيل وأحاديث عجيبة، أو أنها قصة مفتراة غير حقيقية، وتزيينها بحيث تكون قابلة للتصديق أو إكساء ألوان من البطولة الخارقة لشخصية محددة) (ٱلمورد/ منير ٱلبعلبكي/ دار ٱلعلم للملايين 1978). وفى تحويل ٱلكلمتين تناقض. فقد ٱعتمد مؤلفو ٱلمعجم ٱلوسيط ومن سبقهم فى وضع ٱلمعاجم وكذٰلك مؤلف ٱلمورد على موقف "ٱلذين كفروا" وهم ٱلذين قالوا عن ٱلرسالات ٱلإلٰٰهية جميعها (بما فى ذٰلك ٱلقرءان) "إن هٰذآ إلَّآ أسٰطير ٱلأولين". قالوا هٰذا كذب. وجآء مؤلفو ٱلمعاجم من بعد ذٰلك ليقولوا مثل قولهم. وهو ٱلدليل ٱلمحروف ٱلذى ٱستعمله ٱلدكتور أبو زيد فى قوله: "وأي حديث عن الكلام الإلهي خارج اللغة من شأنه أن يجذبنا شئنا أم أبينا إلى دائرة الخرافة والأسطورة". وأقول للدكتور أبو زيد إنَّ فهمى للدليل لا يستند إلى لغو معاجم ٱللُّغة ولا يقيم وزنًا لِّلشعر ولمفهوم ٱلتاريخية فيما يتعلق بكتاب ٱللَّه. وٱلتاريخ لدىَّ هو حركة ٱلناس وسجل إدراكهم للوجود. وهو بيان للناظر فيه بقدر ٱلعلم وٱلمعرفة ٱلذى وصل إليهما. وأىّ عمل فى ٱلتاريخ هو عمل على ما عمله ٱلناس سوآء ءَكان ٱلعمل يتعلق بإدراك كتاب ٱللَّه أم بغيره من ٱلأعمال. وإنّ أعمال ٱلذين شرَّعوا بٱسم ٱلدين من ٱلسَّلف وٱلذين تبعوهم من ٱلخلف يبين شرعُهم إدراكَهم وفهمَهم لكلام كتاب ٱللَّه. كما يببِّن وسآئلهم ٱلإدراكية ٱلتى بيَّنها ٱلجرجانى فى زمانه ووسآئله ورأىۤ أنها "اللغة والشعر والأدب". وقد وافقه ٱلدكتور أبو زيد على ما رأى وعلى وسآئله. ولقد سبق قولىۤ أنّ كتاب ٱللّه يبيَّن للناس جميعهم (سلف وخلف) أنّ هذه ٱلوسآئل ليست من وسآئل إدراكه "وما علَّمنٰه ٱلشعر وما ينبغى له إن هو إلا ذكر وقرءان مُّبين". وبيَّن مثله عن ٱللّغة: "وقال ﭐلّذين كفروا لا تَسمَعُوا لِهـٰذَا ﭐلقُرءَانِِ وﭐلغَوا فيه لَعلَّّكم تَغلِبُونَ" 26 فصّلت. إنَّ ٱللّغة من فعل هؤلآء ٱلكافرين. وهم بلغوهم يكفرون ما يبيِّنه كتاب ٱللَّه ويكفرون على ٱلناس وسآئل ٱلبيان. أمّا ٱلذين يسيرون فى ٱلأرض ينظرون كيف بدأ ٱلخلق فهم ٱلذين يبحثون عن وسآئل للبيان فى كتاب ٱلحق وفى كتاب ٱلبلاغ ٱلمبين. وهم ٱلذين يُعرضون عن ٱللَّغو وكفره وكذبه: "وٱلَّذين هُم عَنِ ٱللَّغوِ مُعرِضُونَ" 3 ٱلمؤمنون . "وٱلَّذينَ لا يَشهَدونَ ٱلزُّورَ وإذا مَرُّوا بٱللَّغوِ مَرُّوا كِرَامًا" 72 ٱلفرقان "وإذا سَمعوا ٱللَّغوَ أَعرَضُوا عنه" 55 ٱلقصص. وكلمة "لغة" تدل على ما نجم وينجم عن ٱلفعل "لَغَوَ" ٱلذى جآء فى طلب ٱلذين كفروا "وٱلغوا فيه". وهو فعل ضلال فى دليل ٱلكلام وعَجم فى ٱلِّسان بسبب ٱلظَّن أنّ لسان ٱلوحى ولسان ٱلبشر واحد. وأصحاب ٱللُّغة لا يقبلون بما جآء فى كتاب ٱللَّه من ٱسم يدل على ٱلكلام فى كلمة "لسان": "هُوَ أَفصَحُ مِنِّى لِسَانًا" 34 ٱلقصص. وبه وصف لسان ٱلوحى: "وهٰـذا لِسَان عَرَبىّ مُّبين" 103 ٱلنحل. وهو لسان يتلَّون بتلون ألسنة ٱلناس: "ومآ أَرسَلنا مِن رسُولٍ إلاَّ بلسانِ قومهِ ليُبَيِّنَ لهم" 4 إبراهيم. فٱلّسانُ ٱلعربىّ ٱلمبين هو كلام ونطق وخطّ وصوت بلسانِ قومٍ وليس لغة ولغوًا. وهو يفرق عن لسان ٱلقوم فى بلاغه ٱلمبين لكلِّ شىءٍ مِّن دون عَجمٍ فى بيانه ولا خطإٍ. وهٰذا يجعله صاحب ٱلوصف عربىّ (حقّ شفاف ويسير وسهل وبيِّن وفصيح). ولسان ٱلوحى عربىّ بلسانِ أىِّ قومٍ لِّأنه لسان يُعرب ويُبيِّن ٱلحقّ ولا يعجم فيه. ولسان ٱلقرءان هو لسان ٱلشَّام ٱلذى بدأ مع شام ٱبن نوح وتطور بفعل ٱلرُّسل وٱلأنبيآء إلىۤ أن وصل إلى كماله فى لسانٍ عربىٍّ مُّبين "ٱليوم أكملت لكم دينكم". وهو يدلّ على تاريخٍ خاصّ بأطوار ٱلوحى ٱلذىۤ أراد مرسله من ٱلناس أن يعلموۤا أنّ ٱللَّه يعلم ما فى ٱلسَّمٰوٰت وما فى ٱلأرض وأنّ ٱللَّه بكلِّ شىء عليم. وهم إن علموا بذلك أدركوا وتيقنوۤا أنّ ٱلكتاب من مُّرسلٍ عليم وهو ٱلذى خلقهم وخلق علمهم وعملهم: "وﭐللّهُ خَلَقَكُم وما تَعمَلُونَ" 96 ﭐلصّافات. "إنَّا خَلَقنَٰهُم مِّمَّا يَعلَمُونَ" 39 ﭐلمعارج. إدراك وفهم هذا لا يحدث من دون وسآئل علميّة تبيِّن مسألة ٱلوحى ومسألة ٱلتَّنزيل ومسألة ٱلتَّثبيت. ثمّ مسألة قرءان ما جرى وحيه وتنزيله وتثبيته. وهو ما ضربت عليه ٱلمثل فى ٱلكومبيوتر وتنزيل ٱلمناهج وتثبيتها فيه وإخراجها منه (كتاب "أنبآء ٱلقرءان" ومقال "تحديثُ ٱلنَّفس يوصلهاۤ إلى حقوقها" ومقال "ٱلرُّوح وحقوق ٱلإنسان"). أمَّا ٱلدكتور أبو زيد فيرى ما كان يرـٰه عبد ٱلقاهر ٱلجرجانىّ بوسآئله: "وليس الشعر وعلوم اللغة مجرد علوم مساعدة لفهم القرآن فحسب, بل هي علوم ضرورية لا غنى عنها". وهو بهذا ٱلقول يرفض بيان ٱللَّه عن ٱلشعر وٱللّغة ويرفض ٱلمثل ٱلمضروب فى ٱلكومبيوتر كما يرفض ٱسم لسان. وقد عمل على ردّ ودفع ما جآء من جهد علمىّ كبير يعتمد فلسفة ٱلعلم فىۤ إدراك كتاب ٱللَّه فى عمل للدكتور محمد شحرور يحمل عنانًا هو "الكتاب والقرآن". وقال عمَّا سُمّىَ "قراءة عصرية" أنها: "ترسخ مفهوم "شمولية النص", وذلك عن طريق قراءة كل تطورات الوعي الإنساني – العلمي والفكري _ فيها. ولأنها ثانيا تولد لدى القارئ القناعة بامتلاك كتابه المقدس لكل ما وصل - أو يمكن أن يصل – إليه الإنسان ماضيا وحاضرا ومستقبلا. ولأنها ثالثا قراءة تصادر إنجازات العقل البشري في جميع مجالات المعرفة وتختزلها في نص تمت صياغته منذ خمسة عشر قرنا هجريا. وهذا من شأنه أن يرسخ في الوعي, أو في اللاوعي, الجمعي سلطة الماضي وهيمنته على الحاضر. وبعبارة أخرى, لا تدرك القراءة التي ترفع شعار العصرية على مستوى المنطوق, إنها ترسخ بالمسكوت عنه في بنيتها شعار الماضوية. ولأنها أخيرا ترسخ نمط التفكير الغيبي الأسطوري في اللحظة التي ترفع فيها شعار العلمية, وذلك لما تؤكده من وجود أزلي مبرمج بشكل رياضي للنص الديني - أو لجزء منه – في اللوح المحفوظ" (ص 141-142). فٱلدكتور أبو زيد يبيِّن فى هذا ٱلرَّدِّ مفهومه عن ٱلنَّص بقوله: "نص تمت صياغته منذ خمسة عشر قرنا هجريا". وأنه عمل من ٱلماضى ٱلإنسانىّ. وهذا ٱلفهم لا يترك للدكتور أبو زيد أىّ فرصة للقول بأنَّه من ٱلعاملين على تجديد وتطوير إدراك ٱلدِّين. فإذا كان يرى أنَّ ٱلدِّين من صنع ٱلبشر فكان عليه أن يرىۤ أنَّ لا حاجة لهم به ولا بنصوصه ٱلماضية. أمّاۤ إذا كان يرىۤ أنّ ٱلدِّين من فعل ٱللَّه فكان عليه أن يرىۤ أنّهم فى حاجة إلى تجديد إدراكهم لما فيه عند كلِّ تقدمٍ لَّهم فى ٱلعلم. وهو ما بيَّنه لهم كتاب ٱللّه بكلمة "متشابه" ٱلتى تبيِّن نسبيَّة مفاهيم ٱلنَّاس فى ٱلمسآئل ٱلعلميّة ٱلتكوينيَّة ٱلتى تتبعها مفاهيمهم فى ٱلتشريع. وهى تلك ٱلمفاهيم ٱلتى يبيِّنها ٱلقول ٱلعربىّ "حنيفًا وماۤ أنا من ٱلمشركين". ٱلذى يدلّ على حركة فى ٱلمفاهيم وٱمتناع عن ٱلوثنية فيها لدى قآئلهاۤ إبرٰهيم. أمّا ٱلدكتور أبو زيد فيطلب فى قوله هذا تثبيت قول ٱلأولين عن ٱلدِّين وٱلوثنُ عليه على ٱلرّغم من كونه "نص تمت صياغته منذ خمسة عشر قرنا هجريا". وحتى لا يكون قولى هنا فى ٱلرّد على ٱلدكتور أبو زيد دفاعًا عمَّا جآء فى "القراءة المعاصرة" أقول ما يبيّن موقفى منها. فهى كمآ أرى عمل يبيِّن أنّ صاحبه فكَّر فى كتاب ٱللَّه بوسآئل علم يمتلكها وقد فعل صوابًا. إلاۤ أنَّه بقىَ أسيرًا لِّلُّغة ٱلفصحى ومفاهيمها ٱللاغية فى ٱلبلاغ ٱلعربىّ. وهذا جعل عمله صيدًا سهلا علىۤ أهلها من ٱلخلف ومنهم ٱلدكتور أبو زيد. لقد ٱستعمل ٱلدكتور شحرور قدرة علمية كبيرة فى بيان دليل ٱلكثير من بلاغات ٱلقرءان بوسآئل علميَّة تزيد من ٱهتمام ٱلنَّاس بكتاب ٱللَّه. ولوۤ أنّه أدرك ٱلفرق بين لسان ٱلقرءان ولسان ٱللُّغة لكان أغلق ٱلباب على ٱبن ٱللُّغة ٱلفصحى أبو زيد ومنعه من متابعة ٱللَّغو فى كتاب ٱلعليم وبيانه ٱلعربىّ. فٱلذى يرىٰۤ أنّ ٱلفعل "سَنِهَ" هو ٱلفعل "سنَّ" هو ٱلذى يقول فى كتاب ٱللَّه أنّه كتاب من ٱلتاريخ "نص تمت صياغته منذ خمسة عشر قرنا هجريا" وأنّ ٱلشعر وٱللغة يتقدمان فىۤ إدراكه على ٱلعلوم فى ٱلحقِّ. وهو ٱلذى زعم من ٱلبداية أنّ "التأويل الحقيقي, المنتج لدلالة النصوص, يتطلب اكتشاف الدلالة من خلال تحليل مستويات السياق". فكيف سيكشف دليل كلمة يحرفها عن موضعها؟ إنَّ شأن ٱلدكتور أبو زيد هو شأن جميع أبنآء ٱللُّغة من لغويين وكهنوت. وهو (وإن ظلمه أخوته ٱلكهنوت فىۤ أزهر مصر وكفَّروه بدينهم ٱلمشترك وهجّروه من دياره) لا يجعل من عمله على فهم دين ٱللَّه مجدِّدًا لإدراك مفاهيمه ٱلعلميَّة ٱلمنشورة بلسان عربىٍّ مُّبين. وهو ٱلذى قال مفصحًا عن نفسه: "خطابي يهدد خطاب الإسلامويين لأني أحلله وأكشف النقاب عن الخطأ والتلاعب في خطابهم السياسي. إنهم يعلمون أني لست مرتداً ويعرفون أنه لا يوجد في كتبي وأبحاثي أي دليل يدل على ذلك". فهو باقٍ على دينهم "إنهم يعلمون أني لست مرتداً" مع ٱختلاف معهم فىۤ أسلوب ٱلخطاب. وما قاله عن كتاب ٱلدكتور شحرور يبيِّن ردّ فعل مَن شعر بخطر ٱلنظر ٱلعلمىّ فى كتاب ٱللَّه وخوفه من نسف كلّ ما تراكم من قول فيه بوسآئل ٱللَّغو وٱلشعر. وما قاله عن عمل ٱلدكتور شحرور لا يُنقصه من حقِّه فى ٱلنظر فى كتاب ٱللَّه بأسلوب فلسفة ٱلعلم ووسآئلها ٱلإدراكية. وفى كتاب ٱللَّه أمر لِّعباده ٱلَّذين يعلمون يحرضهم على ٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر كيف بدأ ٱلخلق وعقل ما خرج به نظرهم مع بلاغ ٱللّه ٱلعربىّ ليتبيّن لهم أنّ كتاب ٱللَّه بيان مِّن عليمٍ. وٱللَّهُ يعلم أنّ سيرهم ونظرهم وعقلهم سيجعلهم فى موقف يتعارض مع موقف أهل ٱللُّغة وكهنوتها ٱلمجنون. ويعلم أنَّ ٱلعلم فى ٱلحقِّ يدحض باطل ٱللّغو وتخريص كهنوته. إنّ كتاب ٱللَّه موصوف من قبل كاتبه. فهو "بيان وتبيان لِّكلِّ شىءٍ". وهذا لا يمكن قبوله وٱلتسليم به إلا من بعد إخضاعه لأسس ٱلبحث ٱلعلمىّ وٱلعقل بينه وبين بيانات ٱلعلم فى كلِّ مسألة يستقرُّ ٱلنظر فيها. وقد بيّن كتاب ٱللَّه أسس قبول هذه ٱلمسألة: "ولا تَقفُ ما ليس لَكَ بهِ عِلم إنَّ ﭐلسَّمعَ وﭐلبَصَرَ َوﭐلفُؤَادَ كلُّ أُولَٰۤئك كان عنه مَسئُولاً" 36 ﭐلإسرآء. كما بيّن مسألة ٱلعقل بين ٱلبيانين: "إنَّا جعلنٰه قُرءَٰنًا عربيًّا لَّعلَّكُم تَعقِلُونَ" 3 ٱلزخرف. وعندما يتوافق بيان علم ٱلناظرين مع بيان ٱلخالق تجرى عملية تصديق متبادلة بين ٱلبيانين (كتاب "أنبآء ٱلقرءان تستقرّ فى محراب ٱلفيزيآء"). وهذا ٱلأمر يجعل من كتاب ٱللَّه خارج ٱلتاريخ ٱلذى يطلب ٱلدكتور أبو زيد وضعه مع ٱلشعر وٱلأدب فى تاريخ ٱلناس. كما يجعل ٱلمشرِّعَ ٱلمُردف بتبادل ٱلتصديق قادرًا على وضع تشريع يناسب إدراكه وزمانه ٱلتاريخيين. عربيَّة ٱلقرءان فى كشفه وبيانه ويسره وسهولته وفصحه. وٱلعقل ٱلمطلوب هو عقل بين بيان نظر ٱلناس فى كيف بدأ ٱلخلق وبيان ٱلخالق ٱلمنشور فى كتابه عن خلقه. وفى فعل ذلك يظهر ٱلتصديق وينتهى ٱلرّيب. أمَّاۤ أفعال ٱللُّغة ٱلفصحى وكهنوتها وشعرها فهىٰۤ أفعال كافرين كما يبين كتاب ٱللَّه: "وقال ﭐلّذين كفروا لا تَسمَعُوا لِهـٰذَا ﭐلقُرءَانِِ وﭐلغَوا فيه لَعلَّّكم تَغلِبُونَ" 26 فصّلت. لقد خلط ٱلدكتور أبو زيد بين كتاب ٱللَّه وعمل ٱلناس فى ٱلتاريخ. وهو عنده ماضٍ يعيق ٱلحاضر "نص تمت صياغته منذ خمسة عشر قرنا هجريا". وقد ضرب مثلا عن خلطه هذا فى "أزمة الخليج التي بدأت وقائعها في أغسطس 1990 م". وجآء فى قوله عنها ما يلى: "لقد خاض العرب من الجانبين حربهم على مستوى النصوص الدينية, في حين كان العدو الأساسي يمارس ألوهيته الطاغية بإطلاق العواصف المدمرة في أنحاء الصحراء العربية. كما يمارس ألوهيته, بينما استراح المحاربون في الجانب الآخر بتصنيفه في خانة "الشيطان", وتصوروا أنهم يخوضون حربا مقدسة إلى جانب اللّه الذي يصارع الشيطان. من البديهي ألا تفلح أطنان الأسلحة المتقدمة, والصواريخ المعدلة, في أداء وظيفتها على الوجه المرتجى, لأن البشر الذين يقفون خلفها حول رقابهم قبضة "الحاكمية" بكل دلالاتها الاجتماعية والسياسية, فضلا عن الدينية". (ص 140-141). وهو لم يفعل بهذا ٱلقول ٱلساخر أكثر من ٱلسخرية من دينه ودين كهنوته ٱلذى تمرَّد عليه فى أسلوب ٱلخطاب ودفع عنه فى ذات ٱلوقت خطر عمل علمىّ فى كتاب ٱللَّه. وهو يبيِّن أنّه لم يرَ أنّ ما يسمِّيه "نصًّا دينيًّا" كان قد بيّن له ولنا: "إن ينصركُمُ ٱللَّهُ فلا غالبَ لكُم وإن يخذُلكُم فَمَن ذا ٱلَّذِى ينصُرُكُم مِّن بعده وعلى ٱللَّهِ فَلِيَتَوَكَّلِ ٱلمُؤمِنُونَ" 160 ءَال عمرٰن. وٱلمؤمنون هم ٱلذين يطيعون أمره: "ٱقرأ بٱسمِ ربِّكَ ٱلَّذِى خلق" 1 ٱلعلق. وأمره: "قُل سيروا فى ﭐلأرض فٱنظروا كيف بَدَأَ ﭐلخَلقَ" 20 ٱلعنكبوت. وأمره وبيانه: "ولا تَقفُ ما ليس لَكَ بهِ عِلم إنَّ ﭐلسَّمعَ وﭐلبَصَرَ َوﭐلفُؤَادَ كلُّ أُولَٰۤئك كان عنه مَسئُولاً" 36 ﭐلإسرآء. ولم يبيِّن كتاب ٱللَّه أنّ ٱلمؤمنين هم ٱلذين يزعمون أنهم أصحاب ٱلكتاب. كما يزعمون أن ٱسم عربىّ أو ٱسم مسلم يخصُّهم ويشير إليهم. وهو ما بيَّنه فهم ٱلدكتور أبو زيد بقوله: "ولأنها تولد لدى القارئ القناعة بامتلاك كتابه المقدس لكل ما وصل - أو يمكن أن يصل – إليه الإنسان ماضيا وحاضرا ومستقبلا" (ص 142). وهو يظن كما يظن جميع ٱلذين يزعمون ٱلعربية وٱلإسلام أنّ كتاب ٱللَّه لهم من دون ٱلناس. وهو زعم مَن لا يدرى ببيان ٱلكتاب ٱلعربىّ أنّه رسالة لِّلنَّاس جميعًا: "قل يـٰۤأيّها ٱلنَّاسُ إنِّى رسولُ ٱللَّهِ إليكم جميعًا" 158 ٱلأعراف. ولوۤ أنّ ٱلدكتور أبو زيد فهم ٱلنَّصّ ٱلدينىّ بعيدًا عن لغو ٱللُّغة وكهنوتها ٱلمجنون من ٱلسَّلف وٱلخلف لكان وجد أنّ "ٱلمؤمنين" هم ٱلذين نصرهم ٱلرَّبُّ فىۤ أزمة ٱلخليج. وأنّ نصر ٱللَّه لأىِّ ناسٍ يُظهر أنَّهم مؤمنون. فإدراك ٱلدكتور أبو زيد يبيِّن أنّ ٱللَّه هو إلٰه لِّمَن يزعمون ٱلعربية وٱلإسلام. وأن ٱلمؤمنين ٱسم لا يصلح إلا علىۤ أولئك ٱلذين يزعمون ٱلاسم عربىّ. وهذا هو ما وقع فيه ٱلدكتور شحرور (على ٱلرُّغم من علمية تفكيره وعظمة جهده وحسن بيانه) بفعل ٱتباعه لغو ٱللُّغة. فقد أظهر ٱنتفاخًا فى ٱلنَّفس أنقص من علميتها ٱلمنشورة فى كتابه "الكتاب والقرآن" عندما قال ما فهمه من وصفِ لسان ٱلقرءان بٱلاسم عربىّ أنَّه "أكبر عزّ للعرب والقومية العربية". لقد فهم ٱلدكتور أبو زيد أنّ "القراءة العصرية" تُفقد نفسها مشروعيتها. وقد عرض رأيه فيما يلى: "فثم دائما قراءة - أو قراءات- أخرى للنصوص تطرح حلولا أخرى. هكذا تتالى الحلول طرحا على مستوى الأيديولوجيا, وتبقى المشكلات ماثلة لأنها لم تحلل على أرضيتها الخاصة, ولم تحل وفق قوانين إنتاجها الداخلية. والأخطر من ذلك كله أن تلك القراءة العصرية تحول رجل الدين – كما حولت نصوصه- من مجال اختصاصه ليكون الخبير الشامل في كل فروع المعرفة" (ص 142). وهو لم يفهم أنّ ما عرضه من أسباب لفقد ٱلمشروعيّة هو ٱلأمر ٱلذى يبين ٱلحنف وٱلامتناع بعلمٍ عن ٱلشرك وفق ملَّة إبرٰهيم. وهو لم يفهم أنّ كتاب ٱللَّه يجب أن يضمّ علمًا يتحرك صاعدًا مع تحرك علم ٱلناس ٱلناظرين فى كيف بدأ ٱلخلق. وإلا فلن يكون ٱلكتاب من خالق عليم. وهو لا يستيطع أن يفهم أنَّ ٱللَّه يعلم أكثر منه ومنِّى ومن شحرور. وهو على ٱلرّغم من مطالبه ٱلمتكررة فىۤ أعماله للحركة عن إدراك ٱلتاريخيين فى ٱلتشريع يخشى أن تكون تلك ٱلحركة سببًا لتحول رجال ٱلدين (كما يعرفهم ويعلمهم) خبرآء فى كلِّ علمٍ. ولذلك رأى فى عمل ٱلدكتور شحرور خطرًا فعمل على دفعه بما تعلَّمه فى بيوت ٱلكهنوت ولغوه. وهو لن يستطيع ٱلعلم أنّ ٱلقول "دين ٱلحقِّ" فى لسان ٱلقرءان ٱلعربىّ يدلّ على ما يدلّ عليه ٱلقول الإنكليزىّ substantive law وأنّ ٱلدين هو أشراط ٱلتكوين (قوانينه الموضوعية) وهى ٱلتى يعمل عليها رجال دين ٱلحقِّ (مقدار وفيزيآء وكيميآء وبيولوجيا وميكانيك وغيرها من ٱلعلوم فى ٱلحقِّ). وهو لا يعلم أن هؤلآء يعملون فى فروع ٱلدين ٱلكثيرة ٱلتى لا يمكن لواحد مِّنهم أن يعمل فيها جميعها. وأنّ بعض رجال دين ٱلحقِّ يعملون على عقل بيان دين ٱلحقِّ مع بيان ٱلناظرين فى ٱلخلق. وهؤلآء هم ٱلذين يكتشفون توافق أو تنافر ٱلبيانين. وٱلدكتور شحرور (بعمله ٱلذى دفعه ٱلدكتور أبو زيد) هو من هؤلآء ٱلذين يعقلون. فى بلاغ ٱللَّه ٱلعربىّ بيان لهذه ٱلحركة فى ٱلإدراك (ٱلتى يرفضها ٱلدكتور أبو زيد) على لسان إمامهاۤ إبرٰهيم: "إنِّى وجَّهتُ وجهِىَ لِلَّذِِى فَطَرَ ٱلسَّٰمٰوٰتِ وٱلأرضَ حنيفًا ومآ أناْ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ" 79 ٱلأنعام. لقد ٱتبع إبرٰهيم ما وجده بنظره فى ٱلنُّجوم. لكنَّه بيَّن أنّ ما وجده ليس كلَّ شىءٍ وأنّه سيتابع ٱلنظر وسيتابع ٱلبيان. وهذا ما يدلّ عليه ٱلقول "حنيفًا ومآ أناْ مِنَ ٱلمُشرِكِينَ". وبيّن ٱلبلاغ ٱلعربىّ أنّ وصف إبرٰهيم لنفسه بكلمة حنيف هو مسألة مُّسلّّم بها وبما ينجم عن ٱلحنف بفعل ٱلنظر ٱلمستمرِّ: "ما كان إبرٰهيمُ يَهُوديًّا ولا نَصرَانيًّا ولكن كان حَنيفًا مُّسلمًا وما كان مِنَ ٱلمُشرِكينَ" 67 ءَال عمرٰن. إبرٰهيم لم يكن يهوديًّا ("سلفيًّا" كما يبيّن ٱلاسم فى ٱلقرءان) ولم يكن نصرانيًّا (عَلمانيًّا أمميًّا) (ٱنظر مقال "ٱلموقف" وكتاب "ما هو سبيل ٱللَّه؟"). لكنَّه كان يتبع ما يتوصل إليه بعلمه ونظره ويُسلم لما يوصل إليه نظره. وهذا ما يدلّ عليه ٱلقول "كان حَنيفًا مٌّسلمًا وما كان مِنَ ٱلمُشرِكينَ". وإبرٰهيم يرفض قبول فكرة لا تتبدَّل لأنه قبول ببقآء هالكٍ. وهذا يبين مفهوم ٱلشّرك ٱلذى يفعل فى نفس صاحبه ويجعله يُشرك ٱلهالك مع ٱلباقى. وهو ما يظهره موقف ٱلدكتور أبو زيد من "ٱلقراءة المعاصرة" فيما عرضه من رفض لحركة ٱلإدراك عن إدراك ٱلسَّلف فى كتاب ٱللَّه. وهو يريد أن يبقى كتاب ٱللَّه فى حدود إدراك ٱلسَّلف فلا يتجاوزه. وبذلك يكون هو أعلم من ٱلسَّلف ويعمل على تطوير مفاهيمهم ٱلشّرعية فيكون مجددًا. وقد رأى فيماۤ أظهرته "ٱلقراءة المعاصرة" من علم فى كتاب ٱللَّه يقطع عليه ما يريده من زعم تجديدٍ. وهذا جعله يقول عنهاۤ أنَّها تلوين للفكر ٱلسلفىّ ويطلب من ٱلناس ٱلابتعاد عنها. ولم ينسى ٱلدكتور أبو زيد أن ينعطف على مسألة تتعلق بحقوق ٱلإنسان ليظهر أنّ ما عمله من دفعٍ لِّما سمّٰه (سمَّاه) "خطاب العلم" لا يُخرجه من دآئرة ٱلعلم ومفهوم ٱلحداثة ٱلدَّارج عند مَن يتسمُّون بٱلمثقفين ٱلعلمانيين فيقول: "أن اعتماد حل المشكلات على مرجعية النصوص الإسلامية من شأنه أن يؤدي إلى إهدار حق المواطنة بالنسبة لغير المسلمين" (ص 143). وهو لم يبيّن ماذا يريد بـ "مرجعية النصوص الإسلامية". هل يريد كتاب ٱللَّه؟ أم كتب فقهآء ٱلكهنوت وٱلسلطة؟ أم أنّه يخلط بينهما؟ لقد تبيّن لىۤ أنّ ٱلدكتور أبو زيد يرى فى كلمة "مسلم" ما تمثله دمغة مأمور ٱلنفوس على شهادة ميلاد طفل من أطفالنا. وأن مَن لم يحمل هذه ٱلدمغة فهو غير مسلم. وهذا ٱلرّأى مرفوض فى كتاب ٱللَّه. وفيه أنَّ ٱلمسلم هو ٱلذى يوجّه وجهه للَّذى فطر ٱلسَّمٰوٰت وٱلأرض حنيفًا. وهو ٱلذى يسير فى ٱلأرض ينظر كيف بدأ ٱلخلق كما فعل عبد ٱللَّه تشالرز دارون فرضىَ ٱللَّه عنه وأعلا ذكره فى علم ٱللَّه ودينه ٱلمنشور فى ٱلحقِّ. ومَن كان مثله لا يحتاج لتلك ٱلدّمغة. لقد قيَّد ٱلدكتور أبو زيد كتاب ٱللَّه بٱلشعر وٱللُّغة وقطع إدراكه عن ٱلسير فى ٱلأرض وٱلنظر فى كيف بدأ ٱلخلق. وسخر من أولئك ٱلذين يستعملون بيانات ٱلعلم للعقل مع كتاب ٱللَّه. على ٱلرّغم من كونه على حقٍّ فيما رأـٰه من قعودهم عن ٱلسير وٱلنظر وٱنتظارهم لمن يسير وينظر حتى ينشر بيانه. ومع ذلك فهم إن لم يتمكنوا من ٱلعمل فى كتاب ٱلحقِّ (ٱلكون) فهم يشدُّون ٱلنظر إلى كتاب ٱلبيان ٱلمتعلق بكتاب ٱلحقِّ. وعملهم هذا لا يستحقّ سخرية. وطالب بهيمنة للتاريخية على فهم كتاب ٱلدِّين. وهى هيمنة يهوديَّة (سَّلفيَّة) لا تقبل بحنف عن إدراك أصحاب ٱللُّغة وٱلشّعر. وهو على ٱلرُّغم من تمرده على بيت كهنوت ٱلأزهر ٱلذى ما زال ينتسب إليه رفض ٱلنظر فى كتاب ٱللَّه بوسآئل ٱلعلم. وعمل على دفع وردّ ذلك ٱلجهد ٱلعلمىّ للدكتور شحرور. وهو عمل جعله هذا ٱلعام مفضلا لدى مؤسسة ٱبن رشد للفكر ٱلحرّ. وقد أخذ جآئزتها بما زعمته من سعىٍّ للتجديد فى مفاهيم ٱلدين وٱلحداثة وما يتبعهما من أساليب فى ٱلحكم وٱلتحرر من ٱلاستبداد. وقد جآء ذلك فىۤ أسئلتها ٱلتالية: "هل يتوافق الفكر الإسلامي مع الحداثة؟ هل تسمح أصول الدين أن يعيش العربي المسلم في دولة عربية حديثة تتميز بصفات الحضارة بما فيها محورية الإنسان المواطن في المجتمع، حرية الرأي والمساواة بغض النظر عن الجنس أو اللون أو الدين؟ هل يتعارض الإسلام مع أنظمة الحكم الحديثة القائمة على الديمقراطية وتناوب الحكم والتعددية؟ فما وضعُنا نحن العرب المسلمين من هذه الحضارة وكيف بنا أن نخرج من عمق الأزمة؟ هل للإسلام من دور في إلحاقنا بالحداثة؟ وعندما نقول إسلام أي إسلام نعني؟ الإسلام الرسمي الملحق بالحكومات المضطهِدة؟ الإسلام السياسي؟ الإسلام السلفي؟ أم بذرة التطور الكامن في قلب كل مسلم مشتاق إلى تغير فعلي نحو العدالة الاجتماعية؟ نحن بأمس الحاجة إلى انطلاق حركة تنوير حقيقية وجذرية بدأها مفكّرون مثل الأفغاني ومحمد عبده والكواكبي. وبحاجة إلى إعادة النظر في تفسير التراث الديني وتنقيح ما يتعارض مع أهم دعائم الحداثة. وكتابة التاريخ العربي الإسلامي بموضوعية تستبعد كل ما يكبِّل العقل والفكر الرشيد. فأين المصلحون المستقلون اليوم؟". وقد وجدت تلك ٱلمؤسسة فى ٱلدكتور أبو زيد مصلحًا مُّستقلا يرىٰۤ مثلهاۤ أننا عرب مسلمون. ويرىٰۤ أننا نتطلع إلى ٱلتغيير وإلى ٱلحداثة وٱلعدالة ٱلاجتماعية بمنظار تاريخىّ لا يفارق قول ولغو أصحاب تاريخ سلطةِ ٱستبدادِ وطاغوتِ مَن زعموۤا أنهم عرب مسلمون. وأقول لمؤسسة ٱبن رشد وللدكتور أبو زيد. أنّ كتابة ٱلتاريخ بتفكير عربىٍّ حنيفٍ مُّسلمٍ وما هو من ٱلمشركين يستبعد "كل ما يكبِّل العقل والفكر الرشيد" هو فى ٱلنظر إلى ٱلبدء لهذا ٱلتاريخ وعقل جريانه مع بيان ٱللَّه ٱلعربىّ. فإن خالفه فهو تاريخ لا يستحقّ ٱسم مسلم ووجب رميه وٱلامتناع من ٱلعودة إليه. لأنه "يكبِّل العقل والفكر الرشيد". وإن وافقه فهو تاريخ علم فى ٱلحقِّ ٱلجارى بواسطة ٱلناس. وهو لم ولن "يكبِّل العقل والفكر الرشيد". وإنّ ٱلتوجّه إلى كتابة ٱلتاريخ "العربي الإسلامي بموضوعية تستبعد كل ما يكبِّل العقل والفكر الرشيد" لا يبدأ مع ٱلفقهآء وٱلمحدّثين وٱلمفسرين وما جآءوا به من تخريص وطوآئف متحاربة بقوى ظنونها فى ٱلحقِّ. بل يبدأ من سقيفة بنى ساعدة وفيها ٱنقلب ٱلمهاجرون من قريش ومعهم قريش على دولة ٱلمدينة ٱلمنورة وميثاقها فى ٱلصحيفة. وصنع ٱلانقلابيون دينًا وزعموۤا أنّه دين ٱلإسلام للَّه ربِّ ٱلعالمين. وبه صنعوا ٱلتاريخ ٱلذى ٱستند إلى ٱلشعر وٱللُّغة وٱلكهنوت وٱستبعد وما زال يستبعد "العقل والفكر الرشيد". لقد أقامت مؤسسة ٱبن رشد على جآئزتها مَن يرى ٱلدكتور أبو زيد فىٰۤ أمثالهم أنهم ٱلقيِّمُون علىۤ إدراك دليل ٱلكلمة وٱلقول فى كتاب ٱللَّه. وهم (بنسالم حميش مفكر وأديب مغربي. فهمي جدعان دكتوراه في الفلسفة. محمد أركون الدراسة الجامعية بكلية الفلسفة في الجزائر ثم دكتوراه الفلسفة. رضوى عاشور ليسانس آداب في اللغة الإنجليزية ثم درجة ماجستير في الأدب المقارن ثم درجة الدكتوراه في الأدب الأفريقي- الأمريكي. فيرنر إندِه Werner Ende درس العلوم الإسلامية والتاريخ وعلم الاجتماع في جامعات هاله وهامبورغ والقاهرة. ثم درجة دكتوراة في الفلسفة). وهؤلآء جميعهم إلى ٱلشعر وإلى ٱللُّغة أقرب. وليس بينهم مَن يعلم فى علوم ٱلحقِّ. وليس فيهم مَن يستطيع ٱلحركة عمًّا جآء به ٱلسَّلف من لغو وتخريص فى ٱلقول حول كتاب ٱللَّه ٱلعربىّ. وجميعهم بٱستثنآء فيرنر إندِه Werner Ende يظنون أنهم عرب مُّتحررون من سلطة ٱلسَّلف. وهم بزعمهم لا يذكرون أنهم لا يعلمون إلا بما خطّه ٱلسَّلف من شعر ولغوٍ. إنّ ٱلأمر ٱلمشترك بين هؤلآء هو فيما بيَّنه ٱلدكتور أبو زيد عن رفضه بنية ٱلسلطة فى بلادنا. وهذا ٱلأمر هو ٱلأخر لا يستقيم لدى مَن يرى فى "القراءة العصرية" أنّ صاحبها تجاهل "دلالة السياق, وسبب النزول, وجهد العلماء السَّابقين". لقد أظهر ٱلدكتور أبو زيد تأثره بٱلديمقراطية ٱلتى يمارسها ٱلغرب. وهو لا يدرىۤ أنّ هذه ٱلديمقراطية كانت وما تزال سبيل ٱلناس إلى مجتمع إنسانىّ (كتاب "ٱلديمقراطية دين ٱلمؤمنين"). وأنّ أعلى طور لهذه ٱلديمقراطية جآء ٱلمثل عنه فى دولة ٱلمدينة ٱلمنوَّرة على يد رسول ٱللَّه. وهى ٱلتى ٱنقلب عليها ٱلمهاجرون من قريش ومعهم قريش ودينها ٱلذى كبَّل وما زال "يكبِّل العقل والفكر الرشيد". وأرى فيما بيّنه من موقف متمسك بما يسميه "جهد العلماء السَّابقين" يهزّ تأثره ويعيده إلى دآئرة ٱلوثنيّة ٱلتى خرج منها. وهو بما قدّمه من فهم عن أثر مزعوم للتأويل ٱلعلمى فى تجميد حركة ٱلبحث وٱلتنقيب يبين مَن هو عدوّ للعلم حتى فى هيئته ٱلنظرية. وهو يرىۤ أنّ ٱلتأويل ٱلعلمى للدين يكرس ويقطع ٱلابداع ٱلذى يحدث بما يرـٰه بكلمة "مصادفات"! ويجعل كتاب ٱلدين مهيمنًا. وهو يريد من ٱلدين أن يبقى لعب بيد شاعر أو كاهن مجنون. ولقد فهم ٱلدكتور أبو زيد أن ٱلإدراك ٱلعلمىّ لكتاب ٱللَّه يشترك مع "الحاكمية" ٱلكهنوتية ٱلمجنونة فى ذلك ٱلتكريس. بل هو يفعل أكثر. فيقول مبينًا ذلك: "مع تكريس الشمولية والحاكمية يأتي التأويل العلمي للنصوص الدينية فيكفي المواطن الذي ما زال يحتفظ برمق إبداعي, نتيجة للمصادفات ليس إلا, شر القتال, أعني يكفيه عناء البحث والتنقيب, والكشف عن الخبيء من قوانين الطبيعة أو في الواقع الاجتماعي الإنساني. إن في كتابنا كل الحقائق الطبيعية والإنسانية, ولبس علينا إلا أن نترك للآخرين عناء الدرس والبحث, ثم نجد ما أنتجوه من معارف وقوانين علمية مستكنا في نصوصنا الدينية. لا يكتشف هذا الخطاب الديني عقمه وتهافته أبدا, لأنه لا يدرك أن تلك المعارف المستكنة في النصوص لم ينتجها هو من تأمل النصوص والعكوف على قراءتها, لقد كان عليه أن ينتظر الآخر الأوروبي غالبا –الضال المنحرف على مستوى العقيدة والسلوك- لكي ينتج له المعرفة, فيساعده على اكتشاف إعجاز النصوص الدينية علميا" (ص 145). هذا ٱلقول ٱلبليغ فى كراهيته للتفكير فى كتاب ٱللَّه بوسآئل ٱلعلم جآء عند ٱلدكتور أبو زيد فى دفعه لكتاب ٱلدكتور ٱلمهندس محمد شحرور "الكتاب والقرآن". وٱلدكتور شحرور يحمل درجة فى ٱلعلم تمكنه من فهم قول ٱللَّه ٱلعربىّ فى بيانه وتبيانه لكلِّ شىء على ٱلرّغم من ٱتباعه فى كتابه لمفاهيم وأسس ٱللّغة ٱلفصحى. أمّا ٱلدكتور أبو زيد فهو أراد ٱلابتعاد عن ٱلتفكير بوسآئل ٱلعلم فى ٱلحق. وهو كان قد مرَّ على فرع منه فىۤ أول حياته (دبلوم المدارس الثانوية الصناعية قسم اللاسلكي). وأعماله لا تُظهر أثرًا لِّهذا ٱلفرع. وهو يرى فى ٱلشعر وٱلأدب وٱللّغة وسيلة ٱلعلم ٱلذى يريد. لقد عمل ٱلشعر وٱلأدب وٱللُّغة على ضياع دليل ٱلكثير من ٱلكلمات وعلى حرف ٱلكلم عن مواضعه. ونضرب ٱلمثل فى كلمة ٱلفعل سجد وٱلاسم منه مسجد. فكلمة ٱلفعل تدل على خضوعٍ وطاعةٍ لِّلأمرِ من دون تمردٍّ ومن دون إرادةٍ فى ٱلطاعة. وكلمة ٱلاسم تدل على مكان جريان هذا ٱلفعل. ومثلنا على ذلك من ٱلبلاغ ٱلعربىّ "ٱلنَّجمُ وٱلشَّجَرُ يسجدان". وهنا فاعل ٱلسُّجود ليس له إرادة فى جريان ٱلفعل. ومكان جريان ٱلنَّجم هو ٱلسَّمآء ومكان جريان ٱلشَّجر هو ٱلأرض. وٱلمكانان مَسجِدان. أمّا مسجد ٱلإنسان فهو مكان طاعة شرعٍ مَّسنون (قانون) صادر عن هيئة تأمر وتشرّع. وٱلسَّاجد لهذا ٱلشرع هو ٱلذى يخضع ويطيع من دون أن يكون له حقّ فى تغيير ٱلشرع أو فى حرفه أو فىۤ إغفاله. ومكان عمل هذا ٱلسَّاجد (ٱلموظّف) هو ٱلمسجد (مبنى يجتمع فيه ٱلعاملون فىۤ إدارة شؤون ٱلدولة). وهو ما تبيِّنه قصص ٱلتاريخ عن ٱلمسجد ٱلذىۤ أقامه ٱلنَّبىّ محمد فى ٱلمدينة. فقد كان ومن معه من رجال دولة ٱلمدينة يُسيِّرون شؤون ٱلدولة فيه. أمَّا ٱلجامع فإنَّ دليله من دليل ٱلفعل جمع وهو مبنى تجرى فيه أعمال تُكسِبُ مَن يجتمع فيه ٱلعلمَ نظرًا وبحثًا. وهو ما يُعرف ٱليوم بٱسم جامعة. وقد حرف ٱللَّغو دليله عن موضعه ليدلّ على مكان للنُّسك وٱلابتهال. وهو بيت بيَّنه ٱلبلاغ ٱلعربىّ: "ولكُلِّ أمَّةٍ جعلنا منسكًا لِّيذكُرُوا ٱسم ٱللَّهِ على ما رَزَقَهُم من بهيمةِ ٱلأنعٰمِ فَإلٰهُكُم إِلَٰه وٰحِد فلهُ أسلِمُوا وبشِّرِ ٱلمُخبِتِينَ" 34 ٱلحج. "ولكلِّ أمَّةٍ جعلنا منسكًا هُم ناسِكُوهُ" 67 ٱلحج. لقد حرف لَغو ٱلذين كفروا دليل ٱسم هٰذا ٱلمكان إلى دليل ٱسم جامعٍ. وبه حرفوۤا إدراك ٱلناس عن ٱلاسمين معًا. فٱلجامع هو مكان تعليم حسىٍّ وتجريبىٍّ. يدلنا على ذٰلك ٱلقسم من ٱلجامع ٱلذى يحمل ٱسم محراب. ولما ٱحتاج ٱلأمر إلى تسمية بيوت ٱلتعليم ٱلجامعى جِيئ بٱلاسم جامعة وبٱلاسم مخبرٍ. ليتركوا ٱسم ٱلجامع فى دآئرة ٱللَّغو وٱلتحريف. ولينسى ٱلناس دليل وحاجة ذٰلك ٱلقسم من ٱلجامع ٱلذى يحمل ٱسم محراب. ولناۤ أمثلة كثيرة عن فعل ٱللَّغو وضياع ٱلدليل منها كلمات من ٱلبلاغ ٱلتالى: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا ٱستَطَعتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّباطِ ٱلخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ ٱللَّهِ وعَدُوَّكُم وَءَأخَرِينَ مِن دُونِهِم لا تَعلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ يَعلَمُهُم ومَا تُنفِقُوا مِن شَىءٍ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمُونَ" 60 ٱلأنفال. "ٱلخَيلُ" هو ٱسم وضع ليدلّ على صفةٍ لِّلونٍ مِّنَ ٱلدّوَآبِّ هو ٱلحصان ٱلذى يمثل قوَّة حصنٍ ومساندة مأمونة لصاحبه تُرهب ٱلعدوِّ فى ٱلقتال. وهو فى كلِّ وقت ٱسم لأىِّ قوَّة مأمونة تُرهب ٱلأخرين. وهى قوَّة عندما يسمع عنهاۤ ٱلأعدآء تبدأ تحرك فى نفوسهم ٱلخيال عن قوَّة بطشهاۤ. وهم عندما يبصرونها تفعل خيالاتهم بهم وتسوقهم إلى ٱلاستسلام من دون قتال ومن دون أن يكون لهم علم بأسسها وأساليب قتالها. وٱسم خيل هو ٱسم كلِّ قوَّة تثير خيال ٱلعدوِّ وترهبه. كذلك هو ٱلاسم "رباط" من ٱلأصل ربط ٱلموضوع ليدلَّ على ٱلمَسك وٱلشَّدِّ وٱلسَّند. وكلمة رباط ٱسم جمع من هذا ٱلأصل. وهى تدل فى ٱلقول ٱلعربىّ "رِباطِ ٱلخَيلِ" على علاقات تماسك وتَسَاند وتشادد هذه ٱلقوى ٱلمرهبة مع بعضها لتكون صدمتها للعدو كبيرة فتجعله يتوقف عن ٱلقتال ويستسلم من دون عنآء فى قتاله وقتله. ومثل هذه ٱلقُوَّة تحتاج إلى نفقة تُوجَّهُ إلى بنآئها. وهذا ماۤ أشار إليه ٱلبلاغ 60 ٱلأنفال "ومَا تُنفِقُوا مِن شَىءٍ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمُونَ" وهى نفقة فى سبيل ٱللَّه ٱلمأرب منها بثُّ ٱلرُّهب فى نفوس أعدآء ٱللَّه ٱلجاهلينَ من دون حاجة إلى قتلهم. فٱلذى ينفق على تطور ٱلقوَّة ينفق على تطور ٱلعلم بكلِّ فروعه ولا يبخل فىۤ أمرٍ مِّنه. وهؤلآء هم ٱلمؤمنون ٱلذين بيَّنهم ٱلبلاغ ٱلثالث من سورة ٱلبقرة "ٱلَّذين يُؤمِنُونَ بٱلغيب ويُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ ومِمَّا رَزَقنَٰهُم يُنفِقُونَ". وهؤلآء عددهم قليل. أمَّا ٱلجاهلون فعددهم كبير وهم غافلون عن ٱلغيب وهم لا ينفقون للبحث عنه. وهم يميلون إلى ٱلعدوان بفعل ظنِّهم بقوَّة كثرة عددهم. وهم حطب جهنَّم كما يبين ٱلبلاغ ٱلعربىّ: "ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا مِّنَ ٱلجنّ وٱلإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم أذان لا يسمعون بهاۤ أولٰئك كٱلأنعٰم بل هم أضلُّ أولٰئك هم ٱلغـٰفلون" 179 ٱلأعراف. وسبب ذلك فىۤ إلغآء أفعال ٱلعين وٱلأذن وٱلقلب وهى وساۤئل ٱلحس وٱلفقه لدى ٱلإنسان. وهؤلآء يؤمنون بٱللَّه ويكون إيمانهم ظنيًّا يوقعهم فى ٱلشرك: "وما يؤمن أكثرهم بٱللَّه إلاّ وهم مشركون" 106 يوسف. فهم أكثرية مؤمنة بٱللَّه وهى مشركة فىۤ إيمانها. وقد بين ٱلبلاغ أنّ طاعة هذه ٱلأكثرية تُضلّ عن سبيل ٱللَّه: "وإن تطع أكثر مَن فى ٱلأرض يضلّوك عن سبيل ٱللَّه إن يتبعون إلاّ ٱلظنَّ وإن هم إلاّ يخرصون" 116 ٱلأنعام. لقد جآء فى ٱلبلاغ ٱلعربى ٱلأمر ٱلتالى: "قل سيروا فى ٱلأرض فٱنظروا كيف بدأ ٱلخلق" 20 ٱلعنكبوت. وٱلنظر فى ٱلشىء هو ٱلبحث فيه ودرسه وٱستخراج ما فيه من علم. وٱلذى يتبع هذا ٱلأمر هو ٱلذى ينظر فى ٱلوجود ظاهره وباطنه ٱلغآئب عن بصر ٱلعين. يسكتشف ويستقرأ سنَّة (قوانين) ٱلأشيآء ويبينها. وهو ٱلذى يتخذ فى نظره من ٱلأمر ٱلعربى ٱلتالى منهاجًا لَّه: "ولا تقفُ ما ليس لك به علم إنّ ٱلسّمع وٱلبصر وٱلفؤاد كلُّ أولٰئك كان عنه مسئولاً" 36 ٱلإسرآء. ومن ٱلأكثرية (ٱلجاهلون ٱلمشركون) مَن يزعم ٱلتحالف مع ٱلمؤمنين حقًّا. وهم مخادعون كاذبون. وقد بين ٱلبلاغ ٱلعربىّ أنهم خآئنون ولا يُركن إليهم فى مسألة كمسألة رصد ٱلأعدآء: "وما كانَ صَلاتُهُم عِندَ ٱلبَيتِ إِلَّا مُكَآءً وتَصدِيَةً فذُوقُوا ٱلعَذَابَ بِما كُنتُم تَكفُرُونَ" 35 ٱلأنفال. "صَلاتُهُم عِندَ ٱلبَيتِ" تدلّ على قيامهم بفعل ٱلرَّصد عند ٱلبيت (كتابنا "ٱلحكم ٱلرّسولىّ" وكتابنا "ما هو سبيل ٱللَّه؟" ومقالنا "ٱلصَّلوٰة منهاج وقاية فى ٱلتكوين"). فقد كان رصدهم لصالح ٱلعدوّ ولم يكن رصدهم "إلا مُكآء وتَصدِيَةً". فٱلمُكآء هو ٱلجرح وٱلنَّدب فى ٱلشىء. وهو هنا جرح فى عمل ٱلرَّصد. وٱلتَّصدية هى ٱلميل وٱلصَّدُّ. وهو هنا ميل إلى جانب ٱلعدوّ فى ٱلرَّصد عند ٱلبيت وصدّ لِّلمؤمنين حقًّا. وهم كانوا يكفرون ما فىۤ أنفسهم عن ٱلمؤمنين حقًّا ٱلذين أسندوۤا إليهم هذا ٱلعمل ٱلرَّاصد. مثل هذا ٱلتحريف هو من فعل ٱللُّغة بأفعال شعرآئها وأدبآئها وكهنوتها. وهى ٱلتى يرى ٱلدكتور أبو زيد أنها وسيلته لفهم نصوص ٱلدين: "وليس الشعر وعلوم اللغة مجرد علوم مساعدة لفهم القرآن فحسب, بل هي علوم ضرورية لا غنى عنها". وأعود إلى ٱلبلاغ ٱلعربىّ مذكِّرًا: "وما هو بقول شاعرٍ قليلا ما تؤمنون" 41 ٱلحاقة . "وما علَّمنٰه ٱلشعر وما ينبغى له إن هو إلا ذكر وقرءان مُّبين" 69 يس. "وٱلشّعرآء يتبعهم ٱلغاوون" 224 الشعرآء.
#سمير_إبراهيم_خليل_حسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أفكار للحوار
-
ٱلدِّين ٱلقَيِّم
-
من أجل دولة ديمقراطية مدينية فى سوريَّا
-
إلى ٱلذين دمغ مأمور ٱلنفوس شهادة ميلادهم بٱ
...
-
أنشودة مجاهد!
-
ٱلتهديد بٱلقتل وهدر ٱلدَّم شرع شيطان
-
متابعة ٱلقول فى ٱلاعتراض علىۤ إعلان دمشق
-
مثل عن ٱلذين فى قلوبهم زيغ
-
بلاد ٱلشام أنا
-
ما هو ٱلفرق بين ٱلطريق وٱلسبيل؟
-
لَبسُ ٱلدليل
-
قول فى ٱلاعتراض على توقيعات إعلان دمشق
-
مسلمون للَّه أم للشيطان؟
-
أيُّها الموقعون علىۤ إعلان دمشق
-
حرية ٱلفرد ركن ٱلديمقراطية ٱلأساس
-
مشاركتى فى دعوة ٱلحوار ٱلمتمدن
-
زواج ٱلمؤمنين
-
نظرية ٱلمؤامرة
-
هيئة ٱلرَّسول
-
ٱلدليل فى ٱلِّسان ٱلعربى ٱلمبين
المزيد.....
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|