|
الانسان الطقسي .. ضمور لقيم المعاصرة
محمد حسين يونس
الحوار المتمدن-العدد: 5134 - 2016 / 4 / 16 - 10:56
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما يحرص شخص ما علي أن يستيقظ فجرا يتوضأ وهو يدعو بأدعيته (أشْهَدُ أنْ لا إله إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيك لَهُ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ التَوَّابِينَ، واجْعَلْني مِنَ المُتَطَهِّرِينَ، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إِلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إِلَيْكَ) ويلحق بصلاة الفجر السّنة منها والفرض في المسجد لينال ثواب الجماعة ويطيل في السجود و الركوع وتلاوة سور القرآن والاوردة والادعية (اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد) ويحفظ العشرات من الادعية والاوردة التي عليه أن يتلوها خلال نشاطه اليومي فهو بذلك يسير علي خطي السلف الصالح ويؤمن لنفسه مكانا بينهم بعد نهاية العمر. المسلم يحرص طول اليوم علي أن يؤدى الصلاة في مواقيتها جماعة.. ويصوم رمضان والاثنين والخميس وايام وسط الشهور العربية والاعياد والمواسم كما كان يفعل الصحابة المقتدى بهم، ويضحي في العيد و يخرج الزكاة في أزمنتها ويزيد و يحج لبيت الله حجة كبري وأخرى صغرى، يسبح بإسم الله علي المسبحة ويشكره ويبكي عند ذكره رهبة ومحبة، يصلي علي المصطفي في كل لحظة و بين كل خطاب، يبدأ حديثة باسم الله الرحمن الرحيم و ينهيه بالحمد له سبحانه، يطلق لحيته ويزيل الشارب يلبس الجلباب لا يشرب الخمر ولا يحملها ولا يسقيها ويفحص اللحم والدهن كي لا يكون من جسد الخنزير ويتقي الله في زوجاته الاربع يعدل بينهن ويؤدبهن بهجر فراش التي تخطيء لنقص عقلها و دينها، يتبرع للمجاهدين ويحض علي الجهاد يوقر رجل الدين المرشد ويقبل يده. هذا الرجل - في رأى السلفيين والاخوان المسلمين -هو المسلم النموذجي المرتجي والذى ضمن لنفسه قصرا في جنة الخلد - هكذا- يعب من الخمر واللبن الرباني ويعبث مع حورياتها كلما فض بكارة إحداهن تعود لها بعد نهاية الجماع !! يقول (أخر)، المسلم الذى يؤدى كل هذه الطقوس بإتقان، ذمة ونية صافية يتوقع أن يكافئه الرحمن بسعة الرزق ويحسن له دنياه وآخرته .. حتي لو كان لا يتقن عمله، لا يتفوق في منافسة، يعتمد علي الكذب والخداع في التعامل مع الغير علي اساس انهم كفرة. حتي لو كان مشهورا عنه عدم الوفاء بوعوده، أو أنه يحنث في قسمه، يغدر بحلفاءه، يزاول افعال يكون من نتائجها الإضرار بالآخرين علي خلفية أن الانسان خطـّاء والله غفور رحيم وصوم ثلاثة أيام تكفر عن الكذب والحنث والخداع وزيارة بيت الله الحرام تمحو السيئات وتعيد الحاج نظيفا كما ولدته أمه. ولكنه(اى المسلم النموذج ) يفاجأ بأن للحياة قوانين أخرى لا تتصل بطقوسه التي يؤديها بحرفية وإصرار وأن الناس تنفض من حوله، تدينه، تلعنه، تتجاهل تقواه الساترة لعجزه و عدم توافقه مع المعاصرة وتصيح في كل جنازة تشييع ضحايا الارهاب ضده ((يسقط يسقط الاخوان القتلة)) فيعجب.! هذا الاسلام النمطي الطقسى الذى أصبح دينا للعديد من المسلمين المغيبين - من الذين لا يتورعون عن تدمير ابراج الكهرباء والمحولات و قتل الابرياء و تفخيخ الكنائس والمنشأ وإغتيال الجنود والضباط - يجعل من الطبيعي زواج البالغ بطفلة في سن التاسعة من العمر حتي لو ماتت أثناء الجماع . خطف المسيحيات وإجبارهن علي تغيير دينهن أو بيعهن في اسواق النخاسة وإلحاقهن بحريم من يهديهن لنعمة الاسلام. ويبرر كل أنواع الشذوذ الاخلاقي بدءً بالقاء المخلفات علي الجيران أو عدم الاهتمام بنظافة شوارع وجمال مدينته، الي السرقة، الرشوة، الخداع، التحالف مع الاعداء والجاسوسية لصالحهم وجهاد النكاح .. ومعاشرة ..(ربنا أمر بالستر ). ودولة الافتاء جاهزة بفتاوى تتجاهل ما توصلت إليه الانسانية من علم فيلحقون طفل بنسب رجل غاب عن زوجته لفترة في حدود السنوات الاربعة، يطلقون سراح مذنب علي أساس انه إرتكب جريمته وهو تحت تأثير الجان المسيطر علي أعداد لا بأس بها منهم ،يبررون عدم إكتمال الجنين بأن والده لم يتلو أدعية الفراش أثناء التقاءه بزوجته فلبسه الشيطان وواقعها بدلا منه. يكفرون ويهدرون دم من ينتقد الخليفة المرشد -عن حق- مادام سيادته يؤدى الطقوس علنا في موعدها وبأسلوب معتمد من المشايخ والدعاة فهو خارج دوائر النقد.!! هناك فصام .. تراه بوضوح بين إستخدامه للمحمول .. وركوبه للهامر .. وبين سلوكه عندما يقرفص حول صينية الفته حيث تجد يدة طريقها بسهولة لهوبر اللحم ..تنتقي أكبرها و أدسمها .. أو عندما يصفق في البرلمان لامراء البترو دولار منتظرا العطية و كيس الدنانير . ارتباط تدين المصرى بالطقوس أمر معروف منذ زمن موغل في القدم حينما كانت المنازل المجاورة للمعابد متميزة ومطلوبة لأنها تتيح لساكينها العيش قرب الآله تحوتاو (بتاح ) والاستمتاع بترانيم الكهنة. هذا الأمر مستمر حتى الآن بالنسبة للمسلمين والمسيحيين سواء فى مصر أو فى المهجر. الانفصام الحادث بين عدم الالتزام بالقيم الاخلاقية التى تحتويها الديانات من جهه مع الحرص علي تنفيذ طقوسها علي أساس أنها عصب و قلب الدين هو ما يفسر لنا هذا الانحلال الخلقى لدى شريحة من المتدينين شكليا الذين يقبلون الرشاوى ويتحرشون بالنساء ويكرهون من يخالفهم فى العقيدة الدينية أو بالأحرى من لا يشاركونهم ممارسة طقوس هذه العقيدة. طبعا هذا مرتبط بضحالة الثقافة الدينية وباهتمام رجال الدين بتعظيم أهمية الطقوس حتى يتيسر لهم السيطرة على من يؤمنون بمعتقداتهم. حتي أصبحنا فى حاجة لرفع شعارات قديمة تلاشت خلال النصف قرن الماضى مثل الدين معاملة أو الدين أخلاق أو الدين محبة، و التي أعتقد أن تجار الدين سيقاومونها بشراسة اﻻ-;-ديان التي تبني علي فلسفات حتي لو كانت ميتافيزيقية ﻻ-;- تقع في خمول وسكون اﻻ-;-ديان المبنيه علي طقوس .. فالثانية ﻻ-;- يسمح فيها بالتطور في حين ان اﻻ-;-ولي متجدده ومواكبة لتطورات الزمن للاسف ان الديانات المصرية منذ اوزيريس و رع حتي اﻻ-;-خوان والسلفيين هي سلسلة متصلة من الطقوس المتكرره تراها بوضوح في المقابر المصرية سواء اليهودية او المسيحية او الاسلامية .. او عندما يدفن المصريون موتاهم بنفس اﻻ-;-ساليب التي اتبعوها فيما قبل التاريخ .. ايضا في الموالد سواء ابو حصيرة او مار جرجس او الحسين ..ايضا في اﻻ-;-طعمة المقدمة علي روح الميت ..الشوريك ..هو عين حورس .. والفطير ..هو اسم رع .. والزهور ورش المياة ..لذلك كان التواصل والديمومة الملحوظة.. فلنسعي للفلسفة الدينية بدﻻ-;- من الطقوس إذا كنا عازمين علي تعديل علاقتنا بالدين السير والاس بدج في كتاب آلهة المصريين كتب عام 1903 ((المصريون كانوا الاكثر إهتماما بأمور الدين حتي أنهم حملوا دائما سمات الامة فائقة التدين ..فقد خصصوا للاحتفالات الدينية وتنفيذ الفروض العقائدية المتصلة بعبادة الارباب قدرا عظيما من الوقت الذى إمتص طاقة الامة ،فإذا أضفنا الي ذلك الاحتفالات الجنائزية وطقوس تخليد الموتي التي يؤدونها في المدافن فإننا لابد أن نعذر الزائر العابر لمصر- والذى لا يستطيع أن يغوص في الاعماق- عندما يعلن أن المصريين أمة من الرجال المستنزفين كلية في أداء طقوس العبادة والموت )) ، ما أشبه اليوم بالبارحة
#محمد_حسين_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
12 ديسمبرذكرى تعاسة المصرى
-
هل عدنا لزمن حكم المماليك!!
-
غير متفائل،بل شديد التشاؤم.
-
عندما أثبتُ أنني مش حمار .
-
فلننظر خلفنا بغضب و نبصق
-
هذه الخرابة التي نعيش فيها
-
هل هي البداية .. أم سقطه مؤقته
-
كريم هذا البلد ..فاسد .
-
تقولشي أمين شرطة إسم الله !!
-
عندما حلمنا بالفجر،جاء الكابوس!!
-
الجمهورية الثالثة لحكم الضباط الاحرار
-
(وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَاَ فأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَا
...
-
أحب هذا الرجل المثير للجدل.
-
بعد إستكمال خارطة المستقبل، أين مصر؟
-
ليلة رأس السنة في كلونيا .
-
مصرفي إستقبال عام جديد .
-
مأدبه سوشي من لحم تارك للصلاة.
-
عندما تغرق القاهرة في مياة المجارى
-
من الذى يحكم مصر الان !!
-
السماء تهب و تعطي والارض تدمروتحطم
المزيد.....
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
-
“ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في
...
-
“ماما جابت بيبي” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 بجودة عالي
...
-
طقوس بسيطة لأسقف بسيط.. البابا فرانسيس يراجع تفاصيل جنازته ع
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|