|
مَن هُم خصومُنا؟
فاطمة ناعوت
الحوار المتمدن-العدد: 5133 - 2016 / 4 / 15 - 15:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مَن هم خصومُنا، نحن المستهدفين بقضايا التكفير والحِسبة المتهمين، كذبًا وزورًا، بتهمة ازدراء الأديان؟ هل خصومُنا هُم القضاة الذين يحكمون علينا بسنوات وراء القضبان وغرامات مالية؟ لا، ليس القُضاةُ خصومَنا؛ فهم مستندون إلى نصوص قانونية بين أيديهم، وحيثيات حكم تعود إلى اجتهاد محامين، وشطارة مدّعين بالحق المدني. هل خصمُنا هو منطوق الحكم بالسجن، الذي نسمعه فتتزلزل قلوبُنا بمرارة الشعور بالظلم؟ لا، ليس منطوقُ الحكم خصمَنا، فما هو إلا كلماتٌ لا حول لها ولا قوّة تخرج من فم قاضٍ عدلٍ، أو ينشد العدلَ وُسعَه، أصابهَ أم أخطأَه. هل خصمُنا هو قضبان السجن التي تحرمنا من أطفالنا ودفء بيوتنا وكتبنا وعالمنا؟ لا، ليس السجنُ وقضبانُه خصماءنا. فما السجنُ إلا أحجارٌ صمّاء لا تعي، وحديدٌ صدئ قاس لا يعلم إن كان يضمّ بين جوانبه مذنبًا أم بريئًا. هل خصماؤنا هم أولئك المزايدون على إيماننا فيدّعون أنهم حُماة الدين وظلال الله على الأرض؛ ثم يُشهرون في وجوهنا سيوفَهم ويرفعون ضدنا دعاواهم القضائية حتى يزجوّا بنا في عتمة السجون ويحرمونا من حريتنا في التعبير وفي الحياة؟ لا، حتى أولئك ليسوا خصومَنا. فلا يجوز أن يُسأل مزايدٌ لماذا تزايد على إيمان سواك بدلا من أن تعكف على تقوية إيمانك؟ ولا يُسألُ فارغٌ لماذا تعطّل المحاكمَ عن النظر في قضايا الوطن الجُلل من تجسس وقتل وسرقة ثروات الأوطان وآثارها وتاريخها، وتشغلها بقضايا تافهة لا معنى لها حين تلاحق مثقفًا قال قولا، أصاب أم أخطأ، أو شاعرًا كتب قصيدة مجازية لا تقتل ولا تسفك دمًا. فالفارغُ لا يُسأل عن مبرر لسرقة وقت الجادين وعرقلتهم. ولا يُسأل طالبُ شهرة، لماذا تودّ أن تحصد الشهرةَ من أرذل أبوابها بدلا من أن تجتهد وتعمل وتبتكر وتنتج لتكون مواطنًا ممتازًا مفيدًا لمجتمعك؛ فيعرفك الناسُ ويحبونك وتصير مشهورًا بالطريق النبيل الذي لا طريق سواه. ومن نافلة القول إن نصوص كتاب الله ليست خصيمتنا، بل هي المظلة التي نحتمي بها من تغوّل الغُلاة الأدعياء، ومن شرور الأشرار ومن شرور أنفسنا. على الهواء هتف الرجل الذي رفع ضدي دعوى قضائية بازدراء الأديان قائلا: “القرآن هايحبسك”!! لا يا عزيزي، القرآنُ لا يسجن، بل يحرّر. كلام الله في رسالاته السماوية نزل لكي يحرّر الإنسانَ من عبودية الأصنام وعبودية البشر. لكنكم تُزايدون على كتاب الله بما لم يُنزل به اللهُ عليكم من سلطان وتجعلون من أنفسكم سلاطينَ بغير سلطان لكي تغنموا مغانم رخيصة لن تجعل منكم أمام الناس إلا أضحوكة ينفر منها ذوو الألباب. يقول الله: “وقُل الحقَّ من ربّكم، فمَن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” فيزايد عليه عبدٌ من عباده ويلغي مشيئة الله بمنحنا مشيئتنا وحريتنا، فمن هنا الذي يزدري القرآن، ومن الذي يوقّره ويتبعه؟ القرآنُ لا يسجننا يا أعزّك الله، بل يحررنا من عبادة البشر أمثالك، ومن عبادتكم شهواتكم. مَن إذن خصومُنا؟ خصمُكم وخصمُنا وخصمُ الإنسان هو “سوءُ استخدام حق التقاضي” المتروك حبلا على غاربٍ في يد الكيد والكائدين. كل عابر سبيل من حقّه أن يقاضي إنسانًا “لا يستظرفه” إن فتح الأخيرُ فمه وقال قولاً لا يرضي الأولَ المدّعي بالحق المدني. من حق كل طالب شهرة أن يقاضي كاتبًا شهيرًا لكي يصعد على كتفيه ويحصد شهرة لم يصنعها ولم يتعب لقاءها. خصمكم وخصمُنا وخصم الإنسانية هو المادة (98و ) من قانون العقوبات، المعروفة باسم “قانون ازدراء الأديان”. تلك المادة الفضفاضة التي يمكن “تقييفها” على المزاج والهوى فيصير أيُّ قول عابر قضية، ويصير سجنٌ! المادة التي في الأصل تم دسّها عام 82 ضمن بنود قانون العقوبات المصري بعد أحداث “الزاوية الحمراء” لحماية أقباط مصر المسيحيين من تغوّل المتطرفين الإسلاميين؛ لكنها أبدًا ما أنصفت مسيحيًّا بل كانت سيفًا على رقابهم، وجميع مَن سُجنوا بموجب تلك المادة كانوا مسيحيين أو مسلمين مستنيرين يدافعون عن حقوق المسيحيين المُهدَرة. وتلك المادة صارت الآن مادة غير دستورية لأنها تتناقض مع مادتين صريحتين من دستور 2014. انظروا ماذا قال الأديب محمد سلماوي، المستشار الخاص لاتحاد الكتاب العرب وعضو لجنة الخمسين التي كتبت دستور بلادنا: “المسألة أكبر من مجرد حكم صدر ضد شاعرة وكاتبة معروفة وشخصية فاعلة في الحياة الثقافية المصرية، وإنما هي في الحقيقة تمثل ازدراءً للدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى. لا يصح أن يكون هذا التجديد بتطبيق القوانين البالية التي تؤسس للدولة الدينية في الوقت الذي ينص الدستور صراحة على عكس ذلك. وأنْ تعاقَب شخصيةٌ ثقافية متميزة بتهمة غير دستورية لمجرد أن هناك قانونًا قديمًا يسمح بذلك، والتعلل بأن القوانين المنظمة للدستور لم تصدر بعد هو تعلل واهم.” ثم تساءل سلماوي: “لماذا التمسك بهذه القوانين سيئة السمعة؟” ومعه نتساءل.
#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اسمُها زَها حديد
-
ثغرة في قانون ازدراء الأديان
-
كنتي سيبيه يمسكها يا فوزية!
-
توب الفرح يا توب
-
لماذا اسمها -آنجيل-؟
-
لماذا هرب الجمل؟
-
دولة الأوبرا تزدري الطبيعة!
-
لابد من الموسيقى
-
أمهاتُ الشهداء وأمهات الدواعش
-
عبقريةُ البسيط وعبطُ الفيلسوف
-
سوطٌ لكل امرأة
-
كُن مرآةً ولا تكن عكازًا
-
البيض الأرجنتيني
-
الست فضة والست ماري
-
لقاء الرئيس الذي لم أحضره
-
هل نلغي الدستور؟
-
الكود الإنساني للأطفال
-
تيمور السبكي... ونحن والدستور
-
اسجنوا بورخيس مع أطفال المنيا
-
أيها الشعراء غنّوا وأُسجنوا!
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|