|
الإعتداء على مثليي مدينة بني ملال المغربية : محاولة للفهم
بورشاشن وائل
الحوار المتمدن-العدد: 5131 - 2016 / 4 / 12 - 15:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عرفت مدينة بني ملال في شهر مارس الماضي اعتداء مصورا على مثليين بعد اقتحام منزلهم، و صدرت أحكام قضائية في حق المثليين و الزيادة في مدة العقوبات في حق أربعة معتدين مع تأجيل محاكمة قاصر. أولا هذا الاعتداء لم يكن موجها ضد مثليين بل ضد ثلاث مؤسسات على الأقل :
1-سلطة الدولة
الاعتداء على مواطنين داخل مسكنهما دون مبرر قانوني هو اعتداء على سلطة الدولة التي تخول لها احتكار العنف. فهؤلاء الأفراد أعطوا أنفسهم الحق في تجاوز سلطة القانون، و محاكمة الأفعال و تنفيذ ما يرونه عقابا مناسبا لها. و في هذا تجاوز للسلطات الثلاث للدولة، أي السلطات التشريعيةو التنفيذية و القضائية.
2-الدين و تشريعاته
فعدم معرفة التشريع الديني كتقنين و تصريف عملي للأخلاق و القيم الأخلاقية و بمقاصد الدين في معانيها و غاياتها و آثارها و نتائجها، يعطينا نموذج تدين بعيد عن أصل الدين. فمؤسسة الفرد في علاقتها بالجماعة، و علاقة الفرد و الجماعة بالسلطة، و علاقة هذه السلطة بهم، مضبوطة في هذا التشريع. و تفريق هذا التشريع بين الفضاء العام و الخاص ليست اعتباطية، فتعزيز الأخلاق و الوجود الأخلاقي المنظم في الفضاء العام مرتبط بتعزيز الحرية في الفضاء الخاص، و إذا ما تم التضييق على الحرية في الفضاء الخاص للأفراد يختل هذا التكامل بين الفضائين.
3-الفرد و حقوقه
من حق الفرد احترام اختياراته الخاصة، و ظروفه النفسية و الاجتماعية و التربوية. و لا يمكن تصور الفرد بمعزل عن حريته التي تجعله فردا ، هذه الحرية التي حصرها أ.أحمد الخمليشي في [حرية العقيدة و الفكر و حرية الرأي و العبير و حرية اختيار نمط العيش و السلوك]. فلا يمكن تبرير الاعتداء على الفرد في فضائه الخاص و معاقبته على اختياراته و متابعته قضائيا بعد ذلك !
ثانيا لهذه المحاكمة مبرراتها القانونية فالفصل 489 من القانون الجنائي المغربي ينص على [من ارتكب فعلا من أفعال الشذوذ الجنسي مع شخص من جنسه يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من مئتين إلى ألف درهم ما لم يكون فعله جريمة أشد]. لكن إذا كان الفصل الأول من الدستور الأولي نص على [..تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح..]، و إذا كان تصدير الدستور في فقرته الثانية ذكر أن [المملكة المغربية دولة إسلامية..] فكيف يكون الحكم على مثليي بني ملال ممكنا إذا كان التشريع الإسلامي التاريخي الذي تستند عليه الدولة مقرا بحرية الفرد في الفضاء الخاص بينما لا يقر القانون المغربي بذلك؟ إذا كانت المملكة المغربية متشبثة بالتشريع الإسلامي في قوانين المعاملات و الآداب، فلا يمكن أن يتم إغفال هذا التشريع في تكامل مقتضياته.فكما سبقت الإشارة لا وجود لفضاء عام سليم دون احترام حقوق الأفراد و اختياراتهم في فضائهم الخاص، و إلا اختل التقنين و التصريف العملي للأخلاق و القيم الأخلاقية.
لكن بعض المواطنين المغاربة يرون أن فتح نقاش في مثل هذه المواضيع يعد تمكينا ل قيم غير مغربية أو للتحرر الفاسد و هنا يجب التذكير بتعريف الفيلسوف المغربي محمد عزيز الحبابي للتحرر، في كتابه [من الحريات إلى التحرر] : إنه تعدد يسود فيه العقل على الأهواء و الغرائز، و الفهم على الصدفة و العفوية و العرضية، و الإرادة على العوائد و الشهوات، و الجهد الشخصي و الصراع على السلبية و الاستسلام لظاهرات الطبيعة. في بداية التحرر يوجد الفعل و الإرادة فإذا انعدما انعدم التحرر . فالتسليم بحرية الأفراد و تعزيز حرية الاختيار و ضمانهما محرك لضمان إنسانية الإنسان، و هما مقتضى التكليف.
و رجوعا لموضوع المقال، إن هدف القانون الرذعي و التربوي يجب أن يظهر في هذه القضية لضرب المثال و التنبيه لكل من يعطي نفسه حق انتهاك حقوق الأفراد و الجماعات أيا كانت هذه الحقوق. و حتى لو قال البعض أن هذا قد يجعل الانسان المغربي بعيدا عن ما يظنه صوابا، فيجب التذكير بأن هدف القانون الارتقاء بالناس و تصويب سلوكاتهم لا تبريرها، وهذا لا يعني أبدا خلق انفصام بين القيم و السلوك أو سكيزوفرينيا المغاربة كما يحلو للبعض تسميتها، فكما بين السوسيولوجي المغربي محمد الطوزي [القيم ليست هي الممارسات، و رغم تأثيرها في السلوك قد تتعارض معه، و التناقضات بين القيم والسلوك ليست سكيزوفرينيا أو نفاقا اجتماعيا] فهذه الأحداث فرصة لتقويم التشريع لتصويب مجموعة من مجالات العنف الاجتماعي المتواطىء عليه أو المسكوت عنه.
#بورشاشن_وائل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمريكا تكشف معلومات جديدة عن الضربة الصاروخية الروسية على دن
...
-
-سقوط مباشر-..-حزب الله- يعرض مشاهد استهدافه مقرا لقيادة لوا
...
-
-الغارديان-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي ل
...
-
صاروخ أوريشنيك.. رد روسي على التصعيد
-
هكذا تبدو غزة.. إما دمارٌ ودماء.. وإما طوابير من أجل ربطة خ
...
-
بيب غوارديولا يُجدّد عقده مع مانشستر سيتي لعامين حتى 2027
-
مصدر طبي: الغارات الإسرائيلية على غزة أودت بحياة 90 شخصا منذ
...
-
الولايات المتحدة.. السيناتور غايتز ينسحب من الترشح لمنصب الم
...
-
البنتاغون: لا نسعى إلى صراع واسع مع روسيا
-
قديروف: بعد استخدام -أوريشنيك- سيبدأ الغرب في التلميح إلى ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|