أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - حفلات التوبة في مدارس غزة















المزيد.....

حفلات التوبة في مدارس غزة


عبد الغني سلامه
كاتب وباحث فلسطيني

(Abdel Ghani Salameh)


الحوار المتمدن-العدد: 5131 - 2016 / 4 / 12 - 10:49
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


شهدت الثمانينات بداية صعود حركات الإسلام السياسي التقليدية، بيْد أن التسعينات شكلت بداية صعود الحركات الجهادية الميّالة للعنف، والتي كانت قبل عام 1980 لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ثم أخذت تتضاعف، حتى صارت خلال التسعينات بحدود (26) حركة جهادية تؤمن بالعنف وتمارسه فعليا، اليوم تضاعف عددها عشرات المرات.

في بداية التسعينات، كنتُ مدعوا لحفل زفاف أحد الأصدقاء في مدينة السلط الأردنية، وفي منزله كان هناك حفلتين؛ الأولى فوق السطوح، وفيها أعداد غفيرة من الشباب والأهالي الذين كانوا يغنون الأغاني السلطية التراثية، ويدبكون ويمرحون بالأسلوب الشعبي المحبب، فيما الثانية كانت في صالة واسعة داخل المنزل يحضرها عدد أقل، أكثرهم من الفتية وأصدقاء للعريس من خارج المدينة، ومن خارج الأردن، ومن جنسيات عربية متعددة، وهؤلاء كانوا يقيمون "عرس إسلامي". وكان أحدهم يبرر للحضور لماذا هو عرس إسلامي، بكلمات تبدو بظاهرها بريئة، أذكر مما قاله "إن العرس الإسلامي هو بديل حفلات الرقص والخلاعة والمجون والفسق وووو".. المهم أن العريس كان حتى تلك اللحظة منقسما بين الحفلتين، وموزعا بين انتمائين: انتمائه لمجتمعه وبيئته الثقافية الشعبية، وبين الثقافة (الأيديولوجية) الجديدة التي يبشر بها أصدقائه الجدد من خلال "العرس الإسلامي"، لكن حيرته لم تدم طويلا؛ فقد انتهى به المطاف خلال سنوات قليلة ليصبح منظِّر الجماعات السلفية المتشددة، ثم من قيادات تنظيم القاعدة، وهو على الأرجح يشغل حاليا منصبا ما في ولاية الرقة.

في الفيلم المثير الذي انتشر مؤخرا، يظهر مجموعة من رجال الدين، منهم بزي عصري، ومنهم بالزي الأفغاني، يحتلون مدرسة ابتدائية بتواطؤ من مديرها وهيئتها التدريسية، ومن مديرات التربية في القطاع، التي تخضع لسلطة حماس، ويبدأ أحدهم بإلقاء خطبة حماسية ملتهبة تنتهي بسقوط عدد من الطلبة مغشيا عليهم، فيما يلقى آخرون بأجسادهم الطرية على صدر الشيخ والدموع تنهمر من عيونهم، والخشوع بادٍ على محياهم.. وسط صيحات التكبير والتهليل يعلن هؤلاء الأطفال "توبتهم" و"رجوعهم" للحق، مع فرحة عارمة لأصحاب الحفل ب"هداية" مدرسة كاملة، وضمها إلى حظيرة الإسلام..

بدا المشهد بالنسبة للبعض مثيرا للرعب والإشمئزاز، وبالنسبة لآخرين كان مشهدا بريئا، بل يدعو للفرح، بتوبة أطفال، وابتعادهم عن الرذيلة والفسق.. وإلى هؤلاء نطرح بعض التساؤلات البريئة أيضا:
من هؤلاء أولاً؟ ومن أين جاؤوا؟ ومن أتى بهم؟ ولأي غرض؟ ومن أعطاهم الحق باقتحام مدرسة، وسرقة ساعات من وقت الطلبة المخصص للدراسة وللأنشطة المدرسية المفيدة؟ ومن فوضهم بقبول توبة الناس؟ وبيع صكوك الغفران؟ ومن أقنعهم أنهم مندوبين عن الله سبحانه، وناطقين باسمه تعالى!!

والسؤال الأهم: عن أي ذنب سيتوب أطفال في عمر الزهور؟! ما الذي اقترفه طالب بالإبتدائي حتى يستوجب كل هذه الدموع والصيحات والبكائيات؟!

طلب التوبة من الآخرين هو الوجه الثاني لعملة التكفير، وينطلقان من نفس الآلية: بأن يأتي أحدهم وينصّب نفسه وصيا على الناس، وعلى ضمائرهم وأفكارهم، فيكفِّر من شاء، ويطلب التوبة ممن يشاء، أما هو فمنزل من السماء!!

في الواقع؛ من عليه التوبة، هم هؤلاء المدّعين، ومن أرسلهم، الذين خطفوا قطاع غزة وأخذوا أهله رهينة لصالح مغامراتهم السياسية ومشاريعهم الأيديولوجية، من حولوا القطاع إلى مكان غير صالح للسكن..

في الخطبة العصماء التي ألقاها الشيخ على مسامع الطلبة، يعترف أن فريقه زار من قبل 40 مدرسة، وأقام حفلات توبة شبيهة. ما يؤكد أن الموضوع خطة منهجية لها أهدافها وغاياتها.. لكن تلك الحفلات لم تصور، أو أنها صُورت ولكن لم يتم عرضها، ربما لأن تلك المدارس ظلت على غيّها وضلالها، ولم تلتحق بالركب المؤمن!!

بعد أن وصل مشروع "إمارة غزة" لطريق مسدود، وظهرت كل عوارض فشله، التي باتت تنذر بانفجارات مجتمعية عنيفة، وبعد أن أفلس قادة المشروع ولم تعد خطبهم تقنع أحدا، وأصبحت لا تثير في الجماهير سوى حنقها وغضبها، أراد هؤلاء التوجه لجماهير المستقبل؛ الأطفال، الذين سيطرحون على قادتهم أسئلة مصيرية لا تقبل الإنشاء، ولا تعنيها فصاحة اللغة وكاريزما الخطيب؛ سيطرحون أسئلة عن مستقبلهم، ولن يقبلوا بأقل من أجابات حقيقية..

هؤلاء الأطفال، سيكبرون خلال سنوات قليلة جدا، سيخرجون من عوالمهم البريئة، ليجدوا عالما آخر.. سيبحثون كثيرا جامعات محترمة تليق بذكائهم، وعن مؤسسة تلبي طموحهم، سيحاولون السفر للدراسة في الخارج، سيحتاجون فرصة عمل، وسيبحثون عن مسكن لائق، وسيرغبون بالزواج، والسفر، وتلقّي خدمة مجتمعية تليق بكرامة الإنسان، سيبحثون كثيرا عن الفرح.. ولن يجدوا سوى الكلام الإنشائي، وخطباء مفوهين يدعونهم للصمود ودعم المقاومة (المتوقفة).. ومثل هذه الدعوات لا تجد آذاناً صاغية إلا ممن تعرضوا لغسيل دماغ في وقت مبكر. وهذا بالضبط هو غاية ومضمون حفلات التوبة.

الترهيب الذي اتبعه رجال الدين تاريخيا، في ظاهره البريء، هو ترهيب من عقاب الله لمن يخرج عن طاعته، وفي جوهره الحقيقي هو ترهيب من رجال الدين أنفسهم، الذي يمثلون الله على الأرض، أي ترهيب من المؤسسة الدينية الحاكمة، التي ستستخدم "سوط الله" لجلد من يخرج عن سلطتهم، من يفكر بالاعتراض، من يطرح الأسئلة، ثم تستخدم من آمن بهم واتبعهم لترهيب بقية المجتمع، وإخضاعهم لسلطانهم. لذلك، فإن هؤلاء لا يقدمون الدين بوجهه الحضاري الإنساني، ولا يعرفون الله: الرحمن، الرحيم، الغفور، الودود، السلام، المحب لعباده، بل يريدون إلها آخر: منتقم، عدواني، يعذب ويحرق من استجاب لضعفة الإنساني حتى لو كان طفلا..

أغلبية هؤلاء الأطفال سيعانون من كوابيس رعب لفترة وجيزة، ثم سيبرؤون منها، ويعودون أطفالا طبيعيين، يتطلعون لمستقبل مشرق.. لكن بعضهم، سيتشبع بالأفكار المتطرفة، لأن الترهيب يستخرج الطاقات العنيفة من دواخلهم المكبوتة، ما يعني أنهم سيكونون نواة لتنظيمات أشد داعشية ممن دربهم. فإذا كانت الجماعات السلفية المتشددة الموجودة في غزة هي لغاية الآن تحت سيطرة حماس؛ فإن مجموعات أخرى من التيارات السلفية ارتبط اسمها بتنظيم القاعدة، وحاليا تشكيلات غامضة ترتبط بداعش، وبالمجموعات الإرهابية في سيناء، سيكون صعبا على حماس السيطرة عليها، وهؤلاء مع الجيل الجيد من المتشددين، سيفلتون في وجه المجتمع، وبدلا من الإجابة على أسئلته المنطقية، سيحولون القطاع إلى جهنم من نوع مختلف.



#عبد_الغني_سلامه (هاشتاغ)       Abdel_Ghani_Salameh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دوافع العمليات الانتحارية
- خطوط عريضة لإستراتيجية فلسطينية بديلة
- لماذا يكرهون عيد الحب؟
- ازدراء الأديان
- إيران، عدو أم صديق ؟ وما لا نعرفه عن إيران
- طيار إيراني
- تقرير التنمية البشرية لعام 2015 والأرقام الصادمة
- العنف ضد النساء في فلسطين
- قمة باريس للمناخ، بين مستقبل البشرية وأطماع الشركات الاحتكار ...
- الموقف الاسلامي من تفجيرات باريس
- علاج الزوجة المريضة في الفقه الإسلامي
- حدث في الصين .. قصة قصيرة
- وصية الحلبي الأخيرة - قصة من حلب
- هل من حرب أهلية قادمة ؟
- ماذا بعد مقتل النائب العام، وتفجيرات سيناء ؟!
- كتيبة الجرمق الطلابية - فصل مهم من تاريخ الصراع
- ماذا جنينا من حركات الإسلام السياسي ؟!
- الفراغ والبدائل
- مخيم اليرموك .. من يتحمل المسؤولية !؟
- كاميليا وأخواتها


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبد الغني سلامه - حفلات التوبة في مدارس غزة