|
عن كتاب قرار محكمةُ الأنفال
محمد الأحمد
الحوار المتمدن-العدد: 5130 - 2016 / 4 / 11 - 18:32
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
عن كتاب قرار محكمةُ الأنفال محمد الأحمد "ان خدمة الحقيقية من اصعب الخدمات" – نيتشه وضعنا الباحثان الحقوقي "بهزاد علي آدم"، والقاضي "محمد العريبي" في كتابهما الموسوم "محكمة الأنفال" امام سؤالٍ مثيرٍ للجدل.. فحواه "من يكتب التاريخ بعد المنتصر؟".. حيث يقلبان المعادلة في القول الشائع ان "التاريخ غالبا ما يكتبه المنتصرون" يندرج السؤال عن من هو المنتصر الحقيقي، الدكتاتوريات الشمولية ام الشعوب المظلومة، والتي امتلكت زمام الامر فيما بعد وصارت هي المنتصرة على كل قامع جائر، ليتواصل السؤال متحولا الى سؤال متبصر هل بقي التاريخ عقلانياً بعد تلك التضحيات الجسام التي استنزفت الشعوب المظلومة، مالها وعيالها، وفق ما يروه فلاسفة التاريخ، حيث ان التدوينات التاريخية لا يمكننا فهمها الا وفق معطيات، بعدما يفوق نصر الشعوب على ظالميها، ليبقى دلالة للإنسانية جمعاء، ولن تطمس رواسيها الراسخة في عمق التاريخ. حيث كل منتصر لا يستطيع ان يكتب تاريخاً، معيناً، ووفق رؤيته المعينة، لأنه لن يستطيع ان يبقيه خالداً على مدى التاريخ المدون، فهو يبقى حجيز رؤية قاصرة تدل عليه وحده، وبالتالي بعد حين يتكشف ان الشعوب اقوى من التاريخ لان التاريخ المكتوب ليس جزءاً يسيرا من تضحياتها، ودائما السؤال يتواصل بأسئلة متدفقة بالفتوحات العقلية تدفع القارئ لان يستنتج بان الخلود للشعوب التي عانت من نير الضغط القاهر، والاضطهاد المباشر، وكانت كفيلة لان تكشف الطابع الحقيقي لتركيبة المجتمع الكوردي، حيث حللت طبقاته وفق نظرية التاريخ المتحرك التي فسر بها "هيغل " موضوعية التاريخ لتلك الشعوب العريقة، وكيف أنتجت منها اجيالا متحضرة، ستعرف ابدا السلام الحقيقي، وتضيء بشعلتها الدروب الواضحة للباحثين عن الحقيقة، تلك النياسم المختبئة تحت ركام تاريخ غير المكتوب، فكل كتاب غاية وغاية هذا الكتاب نبيلة، اذ حمل دفقا معلوماتياً كبيراً، بتسلسل تاريخي موضوعي مقنع، وحكي لقارئه وقائعا تاريخية عن عمليات عسكرية، جرت بأمرة منظمة مجيشة بإمكانيات عالية التسليح، ومدعومة بثروة بلد من اجل ان تفرض هيمنتها على مكان معين وزمان محدد، لتنزل فيه تغيراً شاملا يتعمد الهوية والعرق. وقد استخدمت القوة الحربية المنظمة ضد بشر عزل، لتحدث فيهم غاية منهجية معدة سلفاً تهدف ذلك التغير بكل السبل غير المشروعة. بين دفتي هذا الكتاب يرتفع جدلا افق السؤال عبر ما يتحقق في التاريخ البشري من صراعات دامية، خاضتها الاهواء المتعارضة ضد ارادة التحرر من نير العبودية فأرادت ان تطمس ما يخالف مصالحها. "سرود وقائع تاريخية منذ تكوين الدولة العراقية الى اتفاقية 11- آذار-1970، ومواقف الحكومات المتعاقبة من القضية الكوردية، وظهور الحركات المسلحة أقليم كردستان ابتداءاً من عام 1918م بقيادة الشيخ محمود الحفيد، والويلات الكارثية التي حلت بقراهم من حرق وتدمير، وترحيل سكان، وعجز تلك الحكومات امام تلك الثورات برغم شراسة القمع" ص266. كأنما يعلن ذلك السؤال الحيوي من بين جملة الاسئلة المثارة التي تنتظر البحث والاستقصاء عن تلك الماهية الحضارية -اغلب الصراعات العرقية هي صراعات حضارية ما بين البداوة، والمدنية وليست عرقية.. حيث تعمد الاول ان يستحوذ على ملكية الثاني، بغزوه، وتدميره... "كلمة الانفال تعني الغنيمة من الأموال والاسلحة والاشياء الاخرى التي استولى عليها المسلمون في معركة بدر" ص269. بما يستطيع السبيل، وغالبا ما يحدث بين نظام اجتماعي معين مع نظام اجتماعي آخر يقوم على اساس الطمع والجشع، نظام البداوة نظام محدود الامكانيات قياسا الى نظام المدنية والتي اول عوامله الزراعة والتكوين المدني، بفضل الارض القابلة للزراعة بديلة عن الصحراء القاحلة.. كما اكدها "توينبي".. وغالبا ما تكون الأسئلة من تخصص الفلسفة كما يؤكد "افلاطون"، حيث صاغها العقل الانساني المبدع الذي اشار الى طرق تُحفز المنطق للوصول الى الاجابة الحتمية لأنها تدفع الى الاستقصاء الدقيق نحو الاجابة الموضوعية، فكل سؤال.. سوف يكون مشحونا بإشاراته الذكية المتحركة نحو الكشف الموضوعي لحيثيات غامضة، وغالبا ما تكون مخبأة تحت يافطات غير مقنعه، كون التاريخ لم يبق مكتوبا بقلم الحاكم المنتصر، ولن يبقي على مرّ العصور متحركا وفق رغبات مؤيدوه ونوازعهم وغاياتهم، المتطابقة وفق مصالحهم.. "حلقات التاريخ متشابهة فهي ما ان تنفك وحدة لتدور اخرى مساوية لها" كما يؤكد "هيغل" فالشعوب المُنتصرِ عليها بالسيف الباطش، لا يستمر الحال عليها الى الابد، فواحدة من حلقات التاريخ ما تولد عنها، دورة حقيقية لتصحح المسار، والعودة به الى حقيقة مفادها ان الحاكم يترك اخطاءه القاتلة هي التي تهزمه وانه لم ينتصر الى الابد، وغالبا ما يكون النصر المؤزر، والدائم من نصيب الشعوب. بعدها حدثت الاحداث، وبعد حين انقلبت الادوار حتى جيء بالحاكم مع قادته الى منصة المحاكمة في قفص الأتهام، وامام الناس، منتصرون عليه بشجاعة، بعد ان كان في السابق هو الحاكم المطلق الذي يحكم حكمه المطلق، ولا يرجع به الى احد.. "ايراد تعريف محدد للجريمة طالما كان مضمون الجريمة متغيراً بتغير مفهومها في الزمان والمكان، واذا كان الفقه الجنائي قد اورد تعريفات للجريمة.. الا هذه التعريفات قد تعددت بتعدد الفقهاء" ص71، محتويات كتاب "قرار محكمة الانفال" اشبه بمسح انثروبولوجي يعرفنا بحيثيات ثورة كردية كحدث عظيم وحتمي له فرادته الذاتية التي لا يشبهها اي سابق او لا حق في التاريخ. لأنه الحدث التاريخي الكبير الذي يشبه القطيعة التي تحصل في مسار التاريخ، فانفصلت عما كان وسيكون.. الثورة حدثت كالزلزال او انفجرت كالبركان، و لا يمكن اختزالها الى اي شيء آخر، شكلت عصر الحرية، وصاغته بقدر ما شكلها وصاغها كعصر رسم خريطة جديدة فيها جدلية العصر التاريخي، فجاء الكتاب عبر كشوفات دقيقة، وتقارير دقيقة، وادلة عينية وقرائن دامغة بشهادة شهود، واعترافات بعض الجناة. فصول الكتاب شيقة وشائقة عن "قرار محكمة الانفال الذي صدر في 24-6-2007 بعد محاكمة استغرقت حوالي السنة وفي 61 جلسة.. كمقارنة ابستمولوجية شاملة عن "الجينوسايد / الهولوكوست/ الانفال"، بالوثيقة القانونية، السياسية، والتاريخية" لتكشف عن غموض ملتبس في حدث تاريخي عظيم. استحق الكتاب الثناء كونه اضافة للمكتبة الانسانية بعد ان غمضت عنه مدونة التاريخ، "بعد ان حرصت المحكمة منذ البداية الاعتماد على خبراء اكفاء دوليين لهم خبرات واسعة في مجال اختصاصاتهم، وقد ادوا اعمالهم تحت القسم وبأشراف المحكمة" ص339. وللكتاب نسخة بالإنكليزية، ايضاً.. ليحقق مكسباً معنويا، ويصل بالصوت المكتوم الى كل اهل الأرض.. فقرارات محكمة الانفال قد اعادت للتاريخ الاعتبار البليغ، بكل فخر. 20 آذار، 16
#محمد_الأحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشاعر
-
حكاية الآسرة
-
نصفُ الخبرُ؛ متاهة القراءة، النص، واحضار بقيته الغائبة من مت
...
-
عن سأسأة طه حامد الشبيب
-
ليلة أخرى
-
ما رواه ميثم - ليلة صيربيا
-
لا جديد في غياب الأوكسجين
-
فيروز
-
يقول الخبر
-
ادوار الخراط .. الروائي الذي لن يتمكنه الموت
-
اوراق عن نصر حامد ابو زيد
-
فيما بعد الكتابة
-
المشهد الشعري البعقوبي
-
كازانتزاكيس انشودة نهر عظيم
-
المعرفة غاية النص
-
تحية الى بوكر الرواية العربية للعام 2014م
-
الحسناءُ في البلاد القصية
-
الأشوقَ مني اليك قلبي
-
كابوس ليلة في بغداد
-
أصابع من السر المثير
المزيد.....
-
الجزء الثاني: « تلفزيون للبيع»
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|